عاشوراء في خارطة الولاء و البراءة
الحياة ساحة صراع ، والصراع هو العمود الفقري للتاريخ .
و لا نستطيع ان نعرّف التاريخ بافضل من هذا التعريف . فإن ّ التاريخ هو الصراع وما عدا ذلك فهو علي هامش التاريخ و ليس من صلب التاريخ .
و لا اقصد بالصراع ، الصراع الطبقي كما يقول ماركس ، و لا نظرية التحدي و الإستجابة في التنافس العسكري و الإقتصادي و السياسي وإنّمااقصد بالصراع الصراع بين التوحيد و الشرك ، وهو صراع الحق ّ و الباطل ،و هذا هو بالذات جوهر التاريخ و العمود الفقري للتاريخ ، و كل صراع آخرعدا هذا الصراع ، فهو علي هامش التاريخ ، و ليس من صلب التاريخ .
و هذا هو الصراع الذي به نهض بإمامته إبراهيم (ع) في التاريخ و تبعه في ذلك انبياء الله ورسله و الصالحون من عباده و ساحة الحياة يتقاسمها هذا الصراع .
والناس ، كل ّ الناس ، بين جبهتي هذا الصراع بدرجات ومواقع مختلفة ، وتتداخل اطراف هذا الصراع وتتشابك الخطوط في الساحة حتّي يصعب التمييز مَن الحق والباطل في ساحة الصراع .
ولابدّ للإنسان الذي يريد ان يلتزم جانب الحق ّ في هذا الصراع من معرفة دقيقة لهذه الساحة ووعي وبصيرة نافذة لفرز الحق ّ عن الباطل ولايستطيع الإنسان ان ياخذ موقعه الصحيح في هذه الساحة المتشابكة من غير هذا الوعي والمعرفة .
و العامل الاهم في هذا الوعي هو التقوي .
(واتّقوا الله ويعلّمكم الله).
(وَمَن يَتَّق ِ اللَّه َ يَجْعَل لَه ُ مَخْرَجاً).
(يَا أَيُّهَا الَّذِين َ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّه َ وَآمِنُوا بِرَسُولِه ِ يُؤْتِكُم ْ كِفْلَيْن ِ مِن رَحْمَتِه ِ وَ يَجْعَل لَكُم ْ نُوراً تَمْشُون َ بِه ِ).
و«عاشوراء» عامل دقيق للفرز بين الحق ّ و الباطل في هذه الساحة التي طالما اختلط فيها الحق ّ والباطل .
ولست ادري اي سرّ اودع الله تعالي في هذا اليوم العجيب من ايام التاريخ ، فقد كان عاشوراء منذ سنة 61 هجرية عاملاً اساسياً يشطر الناس إلي شطرين متميّزين شطر مع الحسين (ع)، وشطر ضد الحسين (ع).
و الشطر الاوّل هو الشطر الذي وقف علي إمتداد التاريخ مع الانبياء و المرسلين و هو شطر الصالحين من الناس .
والشطر الثاني هو الشطر الذي تصدّي لدعوة الانبياء في التاريخ و هو شطر المجرمين و المفسدين من الناس .
ذلك إن ّ الحسين وارث الانبياء و المرسلين ، ودعوة الحسين (ع) إمتداد لدعوة الانبياء، ويزيد كان علي نهج الطغاة في التاريخ ، يرث عنهم بطغيانهم وطيشهم وصدّهم عن سبيل الله، و كبرياءهم وخُيلاءهم .
و هذا الشطران من الناس منتشران علي كل مساحة التاريخ ، و لذلك فهما يصبغان كل التاريخ بصبغتهما الخاصة ، فكل مَن ورث التوحيد وقِيَمه و كان مع الحق كان راضياً بموقف الحسين (ع)، و ساخطاً علي موقف بني اُمية في عاشوراء. كان مع الحسين ، وعلي خط الانبياء والمرسلين .
و كل مَن ورث بطر بني اُمية وثرائهم وإستكبارهم و خروجهم علي حدود الله و احكامه وصدّهم عن سبيل الله، وسخطهم علي الحسين (ع) في عاشوراء فهو ضد الحسين (ع) و علي خط الطغاة و المستكبرين في التاريخ .
و عاشوراء، علامة فارقة بين هذين الشطرين من التاريخ و المجتمع ،يشطر التاريخ و المجتمع إلي شطرين متميّزين .
و كل احداث الصراع بين الحق ّ والباطل يمكن ان تكون علاقة فارقة بين الحق ّ و الباطل في التاريخ و المجتمع ، ولكن ّ الله تعالي خص ّ عاشوراء، من بين احداث كثيرة بهذه الميزة العظيمة الواضحة .
«الموقف » من هذين الشطرين «الولاء» و «البراء»، الولاء للشرط الاول والبراءة للشطر الثاني و الحسين (ع) هو العلامة الفارقة و الفاصلة بين هذا الشطرين .
«إنّي سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم وولي لم والاكم و عدوّ لمن عاداكم ».
و تمتد مساحة كل من هذين الشطرين علي إمتداد التاريخ و المجتمع ،و هي اوسع المساحات جمعاً في حياة الناس .
ذلك ان ّ عامل «الرضا» و«السخط » يدخل في تلوين هذه الساحة بلون الولاء والبراءة والاولياء والاعداء.