بازگشت

ان هذا الفتح لن يتكرر في التاريخ


وهذه هي الحتميّة الرابعة في كتاب الحسين (ع) إلي محمّد بن الحنفية و بني هاشم . يقول (ع): «ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح » وهذا الكلام صريح فيما ذكرناه .

إن ّ هذا الفتح الذي اجراه الله علي يد علي بن الحسين (ع) و انصاره لن يتكرر مرة اُخري في التاريخ .

إن ّ في التاريخ نوعين من الاحداث : احداث تتكرّر كالحرب ، و السلم ،و المجاعات و فترات الرفاه ، وفترات الضعف و فترات القوة ، و الهزيمة و النصر و ما إلي ذلك واحداث لن تتكرّر، ولن تقع إلاّ مرّة واحدة ، فمَن ادركها فقد ادركها، ومَن لم يدركها فلن تعود بعد ذلك .

لقد مرّ الإسلام والمسلمين بانتكاسات مُرّة كثيرة ، وبفترات صعبة ،و مصائب كثيرة في التاريخ ، ولكن المضيق الذي مرّ به الإسلام في بدر و الاحزاب لن يتكرّر مرة اُخري . لقد اجتمع الإسلام كلّه في نقطة واحدة وفي موقع واحد في بدر والاحزاب . ولو كان الكفر ينتصر علي الإسلام في هذين الموقعين لم تبق للإسلام بعد ذلك بقيّة .

ولذلك اعطي رسول الله(ص) تلك القيمة الكبيرة لضربة علي ّ (ع) يوم الاحزاب ؛ فلولا ضربة علي ّ (ع) يوم الاحزاب ، ولولا هزيمة الاحزاب يومئذٍ لم ترتفع للإسلام قائمة علي وجه الارض . وقد وقف رسول الله(ص)يوم بدر يستغيث بالله تعالي امام جحافل قريش :

«اللهم ّ إن ّ شئت ان لا تُعبد لا تعبد»، و هي كلمة معبّرة دقيقة عن هذا المضيق الصعب الذي يمرّ به الإسلام كلّه في وادي بدر علي مقربة من المدينة .

و قد مرّ الإسلام بعد ذلك علي مصائب كثيرة و ظروف صعبة وقاسية ، مثل دخول المغول إلي بغداد و تخريبهم لعاصمة العباسيين ، و إفسادهم الواسع في الارض ، ولكن حدث ذلك كلّه بعد ان خرج الإسلام من مضيق بدر و الاحزاب والطف .

إن ّ الاحداث التي لن تتكرّر في التاريخ علي نحوين : فتوح لا سقوط بعدها، و سقوط لا فتوح بعده .

و فتح (عاشوراء) فتح ليس بعده سقوط .. وهذا هو الذي يقرّره الحسين (ع) في كتابه الذي نتحدث عنه .

فياتري ما هذا الفتح الذي ليس بعده فتح ؟

و كيف يصح ّ مثل هذا القول ، و قد تكرّرت بعده هزائم و انتكاسات و مصائب علي المسلمين ، وتكرّرت بعدها فتوحات و انتصارات كبيرة للمسلمين ؟

والجواب : إن ّ هذه الهزائم و الانتكاسات حصلت للإسلام وللمسلمين بعد ان خرج الإسلام من مضايق التاريخ و تجاوزها، وانتشر علي وجه الارض فلم تعد لهذه الاحداث خطر علي كيان الإسلام ، وإن كانت ستضمن له خسائر واسعة و فادحة و كبيرة كما حصل ذلك في هجوم المغول علي بلاد المسلمين ، اما بدر و الاحزاب فكان لهما شان آخريختلف عن غيرهما من الاحداث التي مرّت بالمسلمين .

و فتنة بني اُمية كانت من هذا النوع ، لقد استحوذ بنو اُمية علي كل المساحة الإسلامية ، و علي كل مواقع القوة والنفوذ في المجمع الإسلامي ؛وذلك من خلال موقع الشرعية السياسية ، و هو موقع خلافة رسول الله(ص)، وكان من هذا الموقع ياخذ الناس الحلال و الحرام في هذا الدين ، فعمل بنواُمية علي تحريف هذا الدين من هذا الموقع بالذات .

و لو كان الامر يستقيم لهم لم يبق من الإسلام إلاّ الإسم ، وكان الامركما قال الحسين (ع) لوالي المدينة يوم دعاه إلي مبايعة يزيد بعد موت معاوية .

«وعلي الإسلام السلام إذا بُلي المسلمون بوال مثل يزيد».

و في عاشوراء استطاع الحسين (ع) ان يلغي شرعية الخلافة من آل اُمية ، وبني العباس فلم يعد بعد ذلك للهوهم وطربهم و إسرافهم و ترفهم و ظلمهم و عدوانهم خطر علي الإسلام ، مهما بلغ اثره التخريبي علي المجتمع الإسلامي يومذاك ، ولم يعد ينظر المسلمون إلي موقع الخلافة نظرة التقديس و التنزيه والشرعية ، ولم يعودوا في نظر المسلمين غيرحكّام من عامة السلاطين ، والحكّام يظلمون و يسرفون كما يسرف غيرهم من السلاطين .

واستمرّ حكّام بني اُمية ، في موقع الولاية و الحكم ، واحتل ّ هذا الموقع بعدهم حكّام بني العباس ، إلاّ ان ّ الناس لم ياخذوا قط دينهم عنهم ، ولم ياخذوا عنهم الحلال و الحرام ، كما كانوا يعملون في ايّام الخلفاء الاوائل بعد رسول الله(ع).

إذن كانت عاشوراء فتحاً ليس بعده فتح ، وقد خص ّ الله تعالي بهذا الفتح الحسين (ع) و من كان معه من اهل بيته من بني هاشم و اصحابه فنالوا هذا الفتح يوم عاشوراء بقتلهم جميعاً معه .