بازگشت

الثورة الحسينية رمز العزة و الكرامة للامة الاسلامية


كان الإمامان الحسن والحسين (عليهما السلام) قد عقدا العزم علي إعلان الخروج علي سلطان بني اُمية ، عندما تسمح الظروف بعد موت معاوية .

وقد اظهرا ذلك لشيعتهم اكثر من مرة . وكانت خطة الإمامين الحسن و الحسين (عليهما السلام) في ذلك واحدة في الموقف من بني اُمية .

ويضاف ان مجاميع من شيعة العراق كتبوا الي الحسين (ع)، بعد صلح الإمام الحسن (ع)، يدعونه للخروج علي معاوية و إعلان الثورة ، رافضين موقف الإمام الحسن من الصلح ، فكتب إليهم الحسين (ع):

«صدق ابو محمد، فليكن كل رجل منكم حِلساً من احلاس بيته ، مادام هذا الإنسان [معاوية ] حياً».

وشاء الله تعالي ان ينفذ غدر معاوية في الإمام ، و يستشهد الإمام قبل هلاك معاوية ، و تولّي الحسين (ع) الإمامة وقيادة المعارضة ومسؤولية الثورة و الحركة من بعد اخيه .

فكان موقف الحسين (ع) بعد وفاة المجتبي هو استمرار موقف اخيه الحسن من قبل تجاه معاوية .

فكتب إليه اهل العراق ان يخرج بهم علي معاوية فلم يستجب الإمام الحسين لرايهم و كتب إليهم :

«اما اخي فارجو ان يكون الله قد وفّقه وسدّده فيما ياتي ، و اما انا فليس رايي اليوم ذلك ، فالصقوا رحمكم الله بالارض و اكمنوا في البيوت و احترسوا من الظنّة مادام معاوية حياً».

إلاّ ان تحرّكاً سياسياً كان يجري في الحجاز في الكتمان في جوّ المعارضة يقوده الإمام الحسين (ع)، ويوجّهه لتاليب المسلمين ضدسلطان بني اُمية و تمهيد الاجواء للخروج عليهم بعد موت معاوية .

فقد كان الإمام (ع) علي اتصال بوجوه المسلمين من العراق و الحجاز،يزورونه وياخذون برايه ، ورغم ان هذه الاجتماعات كان يغلب عليها طابع السرية إلاّ انها كانت لا تغيب عن عيون بني اُمية و جواسيسهم ؛فكتب مروان عامل معاوية علي المدينة الي معاوية :

(ان ّ عمر بن عثمان ذكر ان رجالاً من اهل العراق و وجوه اهل الحجاز يختلفون الي الحسين بن علي ، و انه لا يؤمن وثوبه ، وقد بحثت عن هذا فبلغني انه يريد الخلاف يومه هذا، فاكتب إلي ّ برايك ).

فكتب إليه معاوية ان يتجنّب مواجهة الحسين ما امكنه ذلك .

و مهما يكن من امر فقد كان الحسين (ع) قد عزم علي الخروج علي سلطان بني اُمية إذا مات معاوية وكانت الظروف مؤاتية ، وكان قد اعدشيعته لذلك التفكير في إسقاط النظام و الاستيلاء علي السلطة .

لا نشك في ان الإمام لم يكن يطلب في ثورته الشهيرة ، وخروجه علي يزيد بن معاوية إسقاط النظام الاُموي عسكرياً، و الاستيلاء علي السلطة . فلم يكن للإمام من اعوان يعتمد عليهم في حركته و خروجه في غير العراق . فقد كانت مصروالحجاز بعيدتين كل البعد عن ظروف الثورة و الحركة ، وكانت الشام القاعدة المتينة التي ينطلق منها يزيد بن معاوية ،و يحتمي بها في حماية ملكه وسلطانه .

ولم يكن هوي اهل العراق معه من غير شيعته ؛ فقد كان الإمام يعلم جيداً ان ّ من غير الممكن الاعتماد علي الكثرة من اهل العراق ، فهم مع الطرف المنتصر، و من الخير له و لثورته الا يلتحقوا بهم ، فإنهم سوف ينفرطون عن جيشه كما انفرطوا من جيش اخيه الحسن من قبل ، او اسرع و ايسر من ذلك ، و يفتّون في عضده و عضد اصحابه و شيعته الذين ثبتوامن قبل في جيش اخيه الحسن (ع)، وهم قلّة لا يكوّنون قوة عسكرية تصمد امام جيوش الشام .

و لقد صدقت نبوءة الفرزدق للإمام حين التقي به في الشقوق فاقبل علي الإمام و قبّل يده ، فساله الإمام كيف خلّفت اهل الكوفة ؟

فقال : خلّفت الناس معك ، وسيوفهم مع بني اُمية ، فقال له الحسين (ع): «صدقت وبررت ، إن ّ الامر لله يفعل ما يشاء».

و لم تكن تجربة الإمام الحسن (ع) بعيدة عن الحسين ، ولم يكن الإمام الحسين باقدر من اخيه في تجميع قوة عسكرية لضرب سلطان بني اُمية و إسقاط النظام . إن لم تكن ظروف الحسين (ع) اسوا من ظروف اخيه الحسن . فقد استقرّ لبني اُمية السلطان ، و امتدّ نفوذهم ، و عمل معاوية بدهائه المعروف في تحكيم اُصول حكم بني اُمية ، و امتداد نفوذهم و شراء الضمائر ونشر الرعب والإرهاب في اجواء المعارضة ، و اكتساح الاكثرية التي يتحكّم فيها الإرهاب والإغراء، ويميلون دائماً الي الجهة المنتصرة القوية في الساحة .

فلم يكن حدَث حدث ٌ جديد في الساحة السياسية و العسكرية علي ما عرفناه في عهد الإمام الحسن (ع) غير امرين اثنين :

احدهما: استحكام قواعد سلطان الاُمويين و امتداد نفوذهم في البلاد.

و الثاني : انتشار الفساد في جهاز بني اُمية الي حد الاستهتار و الابتذال في حياة يزيد وحكومته .

و الامر الاوّل : لم يكن لصالح الإمام في التفكير في تحرك عسكري لإسقاط النظام ؛ فقد كانت تجربة الإمام الحسن بعد حيّة في نفوس الشيعة ،حيث لم يستطع جيش العراق ان يقاوم سلطان بني اُمية بعد وفاة الإمام اميرالمؤمنين (ع).

فما ظنّك بهذه القوة العسكرية ، بعد ان استحكم لبني اُمية الحكم و السلطان ، وامتدّ لهم النفوذ في البلاد واستتب ّ لهم الامر؟

وامّا الامر الثاني : وإن كان ينفع في تحريك الاقلية المعارضة الواعية من الشيعة ، إلاّ انه لم يكن ينفع ـ بالتاكيد ـ في تحريك الاكثرية التي الِفت هذاالفساد و استسلمت له ، بل واعانت عليه .

فلم يكن يصفو ـ إذن ـ للإمام الحسين من القوة العسكرية غير ما صفالاخيه الحسن (ع) من قبل ، وهم الثابتون من شيعته و مواليه ، ولا يمكن ان يفكّر الإمام ـ بكل تاكيد ـ ان يجازف بهذه القوة المحدودة لإسقاط النظام الاُموي الرهيب بعد ان اخفقت محاولة اخيه الإمام الحسن ، في ظروف احسن من ظروفه ، و بقوة عسكرية اقوي من الجيش الذي كان يعدّه له العراق بعد موت معاوية .

و هذا التشخيص ليس مما نضيفه نحن من عندنا الي الظروف التي رافقت خروج الحسين (ع) وثورته ، و إنما نجده عند كل الذين نصحوا الإمام بالإعراض عن الخروج الي العراق ، ممن كان يعزّ عليهم ان يواجه الإمام تجربة اخيه الإمام الحسن مرة اُخري في العراق ، كعبدالله بن عباس و عبدالله بن جعفربن ابي طالب وغيرهم .

و نجد هذا التشخيص بالذات في كلمات الإمام الحسين (ع) بصورة مؤكدة ومتكررة قبل الخروج الي العراق وبعده .

ونذكر هنا نموذجين فقط من خطب الإمام التي توحي بصورة قوية ؛الي ان الإمام كان مُقْدِماً علي الشهادة والتضحية ، ولم يكن يفكّر في عمل عسكري لإسقاط النظام عسكرياً.

احدهما: في الحجاز قبل ان يفارق مكة الي العراق . والثاني : في كربلاء.

اما الخطبة الاُولي : فهي يرويها ابن طاووس في اللهوف .

قال : روي انه (ع)، لما عزم علي الخروج الي العراق ، قام خطيباً فقال : «الحمدلله، وما شاء الله، ولا قوة إلاّ بالله، وصلّي الله علي رسوله . خُط ّ الموت علي ولد آدم ، مخط ّ القلادة علي جيد الفتاة ، وما اولهني الي اسلافي اشتياق يعقوب الي يوسف . وخُيّر لي مصرع انا لاقيه ، كاني باوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملان مني اكراشاً جوفاً و اجربة ً سغباً، لا محيص عن يوم خُط ّ بالقلم ، رضي الله رضانا اهل البيت ، نصبر علي بلائه ، و يوفينا اجور الصابرين ، لن تشذعن رسول الله لحمته ، وهي مجموعة له في حظيرة القدس ، تقرّ بها عينه ، و ينجز بهم وعده ، فمن كان باذلاً فينا مهجته و موطّناً علي لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا فإني راحل مصبحاً إن شاء الله».

ولسنا نحتاج الي التعليق علي هذه الخطبة فهي واضحة في ان الإمام (ع) كان يعدّ اصحابه لحركة ماساوية ، قوامها التضحية والدم و الشهادة ، ولا يطمح فيها الي اي نصر عاجل .

فها هو يبدا خطابه مع اصحابه بالموت الذي يطوّق ابن آدم ، كماتطوق القلادة جيد الفتاة .

ثم يخبر عن مستقبل هذه الحركة الماساوية فيقول : «كاني باوصالي تقطّعها عسلان (ذئاب ) الفلوات ».

ثم يطلب النصرة من المسلمين ، ولكن بهذه الطريقة الفريدة : «فمن كان باذلاً فينا مهجته موطّناً علي لقاء الله نفسه فليرحل معنا».

إن ّ الإمام لا يشير في هذه الخطبة الي اي هدف عسكري بالمعني المعروف في الاعمال العسكرية ، و إنّما يعد اصحابه لتضحية ماساوية دامية ، و يطلب ممن يريد ان يرافقه ان يعدّوا انفسهم للقاء الله و لبذل المهج في سبيل الله.

و الخطبة الثانية خطبها الحسين بذي حسم من منازل العراق فقال :

«الا ترون الي الحق لا يعمل به والي الباطل لا يتناهي عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقّاً، فإني لا اري الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً».

ولما سار الإمام باصحابه من قصر بني مقاتل خفق خفقة ثم انتبه ،و هو يقول : (إنا لله وإنا إليه راجعون ) فاقبل عليه ابنه علي بن الحسين علي فرس له فقال : «يا ابت ِ، جعلت فداك ، مِم ّ حمدت الله و استرجعت ؟ قال : يابني ّ إنّي خفقت براسي خفقة فعن ّ لي فارس علي فرس ، فقال : القوم يسيرون و المنايا تسير إليهم . فعلمت انها انفسنا نُعيت إلينا.

قال له : يا ابت ِ لا اراك الله سوءً، السنا علي الحق ؟

قال : بلي والذي إليه مرجع العباد.

قال : يا ابت ِ، إذن لا نبالي ، نموت محقين .

فقال : جزاك الله من ولد خير ما جزي ولداً عن والده ».

ولا يقتصر الامر علي هذه المنامات والخطب التي يرويها اصحاب السير كالطبري (وابن اعثم ) (والسيد ابن طاووس ) (والمفيد) وغيرهم بصورة متواترة ، لا تقبل الشك . فإن كل ّ شي ء في حركة الحسين (ع) الي العراق يدل علي ان الإمام لم يكن بصدد حركة عسكرية بالمعني المفهوم من هذه الكلمة لإسقاط النظام الاُموي .

إذن فإن الإمام لم يكن يفكّر، ولا يمكن ان يفكّر في حركة عسكرية ، و إنما كان الإمام يُقدم عن علم ووعي علي تضحية ماساوية نادرة ، بنفسه ، و اهل بيته ، و اصحابه ، ليهزّ ضمير الاُمة الخامل ، ويبعث في نفوسهم الحركة و روح التضحية والإقدام .

و لعل في حديث الإمام مع اخيه محمد بن الحنفية ؛ عندما اراد الخروج من مكة الي العراق ما يشير الي هذه الغاية . و الرواية يرويها السيد ابن طاووس في اللهوف .

يقول السيد؛: إن ّ محمد بن الحنفية عندما علم بخروج الحسين من مكة اتاه فاخذ زمام ناقته التي ركبها فقال : يا اخي الم تعدني النظر فيماسالتك ؟ و كان قد سال الإمام ان يسير الي اليمن . وينصرف عن العراق .قال : بلي . قال : فماحداك علي الخروج عاجلاً؟ فقال : اتاني رسول الله (في المنام ) بعد ما فارقتك فقال : يا حسين اُخرج فإن ّ الله شاء ان يراك قتيلاً.

فقال له ابن الحنفية : (إنّا لله وإنّا إليه راجعون )، فما معني حملك هؤلاء النساء، وانت تخرج علي مثل هذه الحال ؟ فقال له : إن ّ الله شاء ان يراهن ّسبايا. وسلّم عليه ومضي .

إذن ، فالنتيجة التي ننتهي إليها في هذه الجولة السريعة : ان الإمام الحسين كان يفكّر في الإقدام علي تضحية ماساوية دامية ، ولم يكن يفكّرفي عمل عسكري علي الإطلاق لمواجهة سلطان بني اُمية ، وهذان نحوان من الخروج ، كل منهما يحقّق هدفاً محدوداً، و الخلط فيما بينهما يؤدي الي الوقوع في اخطاء تاريخية كبيرة ، تشوّش علينا فهم الثورة الحسينية و غايتها و نتائجها.

و الآن نتساءل عما كان يمكن ان يقصده الإمام من اهداف و غايات من وراء هذه التضحية الماساوية ، التي اقدم عليها الإمام عن علم و وعي .