بازگشت

البراءة هي الوجه الاخر للولاية


ثم ّ يأتي - بعد ذلك - دور الوجه الآخر لمسألة الولاية و هو البراءة ، فلا ولاية من دون البراءة ، وإن ّ الولاء والبراءة وجهان لقضية واحدة ،و شطران من حقيقة واحدة .

ويصدق الإنسان في ولائه بقدر ما يصدق في براءته ؛ فإن ّ الولاء وحده لا يُكلّف الإنسان كثيراً، وأكثر ما يصيب الإنسان من اذي وعناء إنّما هو في امر البراءة ، و ليس أيسر من أن يجامل الإنسان الجميع ، ويمدّيده إلي الجميع ويعيش مع الكل بسلام ، و يداري كل ّ العواطف و الاحاسيس ، ويلعب علي كل ّ الحبال ، ويتجنب الصدام بالجميع ، و يوزّع الابتسامة في كل ّ مكان وليرضي الجميع ؛ إن مثل هذا الإنسان يستطيع ان يعيش في رغد وعافية ، ويستطيع ان يكسب ودّ الجميع وتعاطفهم .ويستطيع ان يعيش من دون مشاكل و متاعب ، ولكن لا يستطيع ان يرتبط بمحور الولاية الإلهية علي وجه الارض ، و لا يستطيع ان ينتمي إلي هذه الاُسرة المسلمة التي اعطت ولاءها لله و لرسوله و لاوليائه ، ولا يستطيع ان يملك موقفاً، و لا يستطيع ان يحب ّ و يبغض و يرضي و يسخط بصدق ، ولايستطيع ان يتجاوز حدود المجاملة السياسيّة و الاجتماعية في علاقته .

إن ّ الصدق في التعامل ، والموقف في الاحداث ، و القوة و الجدّية و الصراحة في المواقف لا تتم من دون ولاء، و الولاء لا يتم من دون براءة .

و البراءة تُكلّف الإنسان الكثير في علاقاته الاجتماعية و صِلاته في المجتمع ، و في الاُسرة ، وفي راحته و عافيته ، و في استقراره .

إن ّ البراءة ضريبة الولاء، والتعب والعناد والاذي ضريبة البراءة ، و هذه معادلات أجراها الله تعالي بسننه التي لا تتبدل في حياة الإنسان عن أبي جعفر الباقر (ع) قال : عشر من لقي الله عزّ وجل ّ بهن دخل الجنة :

1 - شهادة ان لا إله إلاّ الله

2 - و ان ّ محمّداً رسول الله

3 - و الإقرار بما جاء من عند الله عزّ وجل ّ

4 - و إقام الصلاة

5 - و إيتاء الزكاة

6 - و صوم شهر رمضان

7 - و حج ّ البيت

8 - و الولاية لاولياء الله

9 - و البراءة من أعداء الله

10 - و اجتناب كل ّ مسكر

و قد ورد في رسالة رسول الله (ص) إلي النجاشي ملك الحبشة : (و إنّي أدعوك إلي الله وحده لا شريك له ، والموالاة علي طاعته ، وان تتبعني ،وتوقن بالذي جاءني و إني رسول الله).

وفي رسالته (ص) إلي إسقف نجران : «إنّي أدعوكم إلي عبادة الله من عبادة العباد، وادعوكم إلي ولاية الله من ولاية العباد، وإن أبيتم فالجزية ، و إن أبيتم آذنتكم بحرب ».

فالفاصل بين الإسلام و الكفر إذن هو الولاية .

وعن رسول الله(ص): «إن ّ أوثق عُري الإيمان الحب ّ في الله و البغض في الله،و توالي ولي ّ الله، و تعادي عدوّ الله).

و عن الرضا (ع):

«روي ان ّ الله أوحي إلي بعض عبّاد بني إسرائيل و قد دخل قلبه شي ء: امّا عبادتك لي فقد تعزّزت بي ، وامّا زهدك في الدنيا فقد تعجّلت الراحة ، فهل واليت لي ولياً و عاديت لي عدوّاً؟ ثم أمر به إلي النار نعوذ بالله منها».

و روي ان ّ رجلاً قدم علي أمير المؤمنين (ع)؛ فقال : يا أمير المؤمنين ،انّي أحبّك و احب ّ فلاناً وسمّي بعض أعدائه . فقال (ع): امّا الآن فأنت اعور،فأمّا ان تعمي و أمّا ان تبصر.

ورؤية الاعور، نصف الرؤية ، فهو يري بإحدي عينيه فقط ، و كذلك ولاء الإنسان الذي يفقد البراءة ، أو لا يجرؤ علي البرإة ، و يريد ان يجمع بين الجميع و يُرضي الجميع .

و مثل هذا النمط من الناس لا يبقي أعور إلي الاخير بنصف الرؤية ،فأمّا ان يهديه الله تعالي فتكتمل لديه الرؤية واما ان يفقد هذه الرؤية النصفية الضعيفة ، فيعمي ويفقد الولاء مطلقاً.

و قيل للصادق (ع): إن ّ فلاناً يواليكم إلاّ أنّه يضعف عن البراءة من عدوّكم فقال (ع): هيهات كذّب مَن ادّعي محبّتنا، ولم يتبرّأ من عدوّنا.

و السائل في هذا الحديث دقيق في طرح السؤال : فالشخص الذي هو موضوع السؤال لا يُشك ّ في ولائه ، ولكنّه يضعف عن البراءة ، و ضعفه يجعل موقفه من البراءة مهزوزاً، و ضعيفاً و متميّعاً، ولا يملك القوة الكافية من أن يعلن عن موقفه في الولاء والبراءة و الوصل و الفصل والارتباط ،و القاطعة بشكل صريح وحاسم ، فيجيبه الإمام (ع): إن ّ الولاء الصادق لايمكن ان ينفصل عن البراءة ، ومَن يجد في نفسه ضعفاً عن البراءة ، فهو كاذب في ولائه .

- وفي حديث الاعمش عن الإمام الصادق (ع)، قال : «حب ّ اولياء الله واجب ، والولاية لهم واجبة ، والبراءة من اعدائهم واجبة . والبراءة من الناكثين و القاسطين و المارقين واجبة ، والبراءة من الانصاب والازلام أئمة الضلال وقادة الجور كلّهم ، اولهم و آخرهم واجبة ».

- وعن ابي محمّد الحسن العسكري (ع) عن آبائه : قال : قال رسول الله (ص) لبعض أصحابه ذات يوم : «يا عبد الله، أحب في الله، وابغض في الله، و وال ِ في الله وعادِ في الله، فإنّه لا تنال ولاية الله إلاّ بذلك ، ولا يجد رجل طعم الإيمان و إن كثرت صلاته وصيامه حتّي يكون كذلك ، و قد صارت مؤاخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتواددون ، و عليها يتباغضون ، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً».

فقال له : وكيف لي ان اعلم انّي واليت وعاديت في الله عزّ وجل ّ؟و مَن ولي ّ الله عزّ وجل ّ حتّي اُواليه ؟ ومَن عدوّه حتّي اُعاديه ؟

فأشار له رسول الله(ص) إلي علي (ع)، فقال : «اتري هذا؟ فقال : بلي ، قال :ولي ّ هذا ولي ّ الله فواله ِ. وعدوّ هذا عدوّ الله فعاده . قال : وال ِ ولي ّ هذا ولو انّه قاتل ابيك وولدك ، وعاد عدوّ هذا ولو انّه ابوك او ولدك ».

وهذا المضمون قد ورد بشكل آكد في حديث الغدير المعروف من رسول الله (ص) «مَن كنت مولاه فهذا علي مولاه . اللّهم وال ِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه وانصر مَن نصره واخذل مَن خذله ».

وقد استوفي العلاّمة حجّة الحق السيد مير حامد حسين الكهنوي ؛في الغدير دراسة هذا الحديث الشريف من حيث السند و المتن ، فنقل العلامة الاميني حديث الغدير الشريف عن مائة وعشرة من أصحاب رسول الله (ص) بطرق كثيرة ، وعن مئات المصادر المعتبرة في الحديث والتفسير، والتأريخ من المصادر الإسلامية المعتبرة لدي السنّة والشيعة .

وحديث الغدير من أوضح الاحاديث في تعميق معني الولاية و تشخيصها و إبراز ابعادها الإيجابية في الولاء وابعادها السلبية في البراءة . وقد صدّر العلامة الاميني كتابه القيّم (الغدير) بحديث عن رسول الله(ص)في هذا المعني نودّ ان نختم به احاديث الولاء والبراءة في هذا الحديث .

عن رسول الله(ص)، قال : «مَن سرّه ان يحيي حياتي ، و يموت مماتي ، و يسكن جنّة عدن عرّفها ربّي فليوال ِ علياً من بعدي ، وليوال وليّه ، و ليقتد بالائمة من بعدي ،فأنّهم عترتي ، خُلُقوا من طينتي ، رزُقوا فهماً و علماً، و ويل للمكذّبين بفضلهم من اُمتي ،القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم الله شفاعتي ».