بازگشت

الموقف الحسيني هو المعيار


نعم ، يبقي الموقف الحسيني هو معيار الثوّار، ويبقي رائده الإمام الحسين (ع) هو القدوة والمثال ، وإن ّ الاُمّة بدون هذا الموقف وتمثّله وتمثيله سوف يسوّغ للظلمة والطغاة كل ّ اعمالهم و (اجتهاداتهم ) . وسياتي من يقول : إن ّ اجتهادات هؤلاء إنّما هي (اجتهادات ائمة ) ، وللائمة ان يجتهدوا، فإن ْ اخطاوا فلهم اجرٌ، وإن اصابوا فلهم اجران ، وإذالم ينجح التسويغ في الإقناع ، ياتي فقهاء السلاطين ، او ارباب السوء فيقولون للناس : «عليكم ان تصبروا علي السلاطين وظلمهم إلاّ ان ْ تروامنهم كفراً بواحاً»!! ومادام هؤلاء لا يجدون ضرورة لإعلان (الكفر البواح ) فلا باس ان يلي الاُمّة حكّام طواغيت من امثال يزيد والحجّاج والمتوكّل ونيرون .

وحين تستتب ّ الاُمور لهؤلاء الجبابرة فإنّهم عندها لن يجدوا ضيراًفي إعدام من يُبدي راياً مقابل ارائهم ، كما فعلوا بسعيد بن جبير وحجربن عدي مثلاً، ويجعلوا ذلك سنّة متّبعة ؛ إذ يرسمون بذلك سياسة مبرمجة تبتدي بإذلال الرعية وكسر إرادتها، وبعدها ترويض ابناء الاُمّة علي ارتكاب المحرّمات ومواجهة الشرفاء، وجنباً الي جنب مع التغاضي عن البطانة في نيلها من الحرام وتحدّي حددو الله، حتي يصبح الكل ّ في الذنب سواء.

وبين ربط التاريخ بالواقع او بالعكس قُدّر لنا ان ننتظر هذا الانتظار الطويل ، وان نبقي نعيش الصراع المرير بين الحق ّ والباطل داخل هذه الاُمّة ، وان نري كل ّ هذه المصائب من سفك الدماء وهدر الطاقات ، وفي صراعات داخلية تطير فيها رؤوس وتُملا بها السجون ، إضافة الي ماتتركه الغزوات الخارجية من تترية وصليبية وصهيونية ، تعينها حكومات مستبدّة من كافة الاشكال والالوان ؛ ملكية وجمهورية وقاجارية وبهلوية ، جرّبت فينا كل ّ شي ء إلاّ العدل والحرية .

وهكذا تحققت رؤيا البني (ص) في الفتنة التي طحنت البشرية ومازالت تطحنها، وسبتقي حتّي يرجع الناس الي سنّة الله في خلقه والتي خلاصتها:

(إِن َّ اللَّه َ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْم ٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِاَنفُسِهِم ْ) و «كيفما تكونوا يول ّ عليكم ».

وستبقي الاُمم التي تقتل انبياءها موضع ابتلاء وعقاب ، ومثلها الاُمّة التي تقتل ابن بنت نبيّها، واحفاده من بعده ، ومَن يسير علي خطّه ، هذه الاُمّة ، وسوف تفقد صلابتها واصالتها لانّها، كما يقول السيّد الشهيد الصدر:

«اُمّة متميّعة لا توجد لديها اي مناعة ضد الكفر، وبعدها سوف تندمج هذه الاُمّة اندماجاً كاملاً بالتجربة الكافرة ؛ وبذلك يضيع الإسلام والرسالة ، وتضيع معها النظرية الإسلامية للحياة ، وتضيع حتّي الاُمّة نفسها».

وبغير هذا الفهم ، ربّما تستعصي فكرة استيعاب (رؤيا الفتنة ) والشجرة الملعونة في القران ، وكذلك فكرة خلق إبليس ، وفلسفة القبح والجمال ، إذ:

فلولا القبح ما عُرف الجمال ُ ولولا النقص ما عُرف الكمال ُ

وهكذا وبغير الثورة الحسينية وفهم ابعادها واثارها ونتائجها وقدرتها علي فرز الحق عن الباطل ، او قُل فضح الباطل المقنّع بقناع الحق ّ او الشريعة ، لما كانت هناك ثورات ، ولما سطعت في سماء الإسلام شمس ، ولغاب الحق ّ تحت شعارات المتاجرين بالدين وقيم الدين .

نعم ، بخروج الإمام الحسين (ع) علي طاغية عصره ، يُفسّر الخروج علي الحاكم الظالم المتلفّع بالشرعية المزيّفة ، حتي لو لم يكن كافراً، بل إن خروجه ـ سلام الله عليه ـ صار مبداً إسلامياً شرعياً لا شبهة فيه ولا إشكال . وكما كان الخروج علي عثمان في عدم تسليمه مروان (فورة من روح الإسلام ) كما يسمّيها المرحوم سيد قطب ، فإن ّ خروج الحسين يعتبر ثورة من عمق الإسلام لفضح الزيف ، وإعادة الاُمور الي نصابها الصحيح ، او كمايقول ـ سلام الله عليه ـ عن رسول الله (ص) : «من راي منكم سلطاناً جائراً مستحلاّلحُرم الله ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ولم يغيّر ما عليه بفعل ٍ ولا قول ٍ كان حقّاً علي الله ان يُدخله مدخله . الا وإن هؤلاء قد لزمواطاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان ، واظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستاثروا بالفي ء، واحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله ، وانا احق ّ من غيّر».

وعلي منهج الحسين وخروجه المشرّف ، خرج الإمام زيد حفيده علي هشام بن عبدالملك ، وعلي نفس النهج كان موقف ابي حنيفة الذي اجاز الخروج علي الاُمويين ، فعاضد زيداً وايّده سرّاً، بل كان يمثّل خروجه بخروج رسول الله (ص) علي المشركين يوم بدر، وكذلك خروج يحيي علي الوليد، وخروج محمّد ذي النفس الزكية وخروج اخيه إبراهيم علي الاُمويين في اواخر عهدهم ، وعلي العباسيين في اوائل عهدهم ، ومثله خروج يحيي بن عبدالله علي هارون الرشيد، وخروج إدريس بن عبدالله علي الهادي في العراق ، وخروج محمّد بن إبراهيم المعروف بابن طباطبا، ومحمّد بن جعفر الصادق وإبراهيم بن موسي بن جعفر علي المامون ، وخروج محمّد بن القاسم بن عمر علي المعتصم ؛ حتي صارشعار الجميع : إن ّ الخروج علي الحاكم الظالم ، إنّما هو خروج شرعي ، يقرّه الدين وترضاه الشريعة ، بل هو من صلب العقيدة والشريعة والدين .

امّا تعريف الظالم الذي تجب الثورة عليه ، فقد اوجزه الإمام زيد بن علي (ع) قائلاً:

«كل ّ من استاثر بالمال او الراي فهو ظالم ». وما اكثر المستاثرين بالاموال والاراء! وما احوجنا في كل ّ زمان الي زيدٍ جديد ويحيي جديد وحسين جديد!

ولولا هذه الثورات ، وهذا الخروج ، وهذه الروح الحسينية ؛ لاستمر التعسف في تفسير مفاهيم الدين ، ولاستمر وعّاظ السلاطين يوظّفون نصوص الدين لصالح ملوكهم وسلاطينهم ، يبرّرون لهم الحكم والتحكّم باعتبارهم (لم يرتكبوا كفراً بواحاً) ، او لم يتركوا صلاة ً او صياماً، ولصارالحديث عن الدين والتشدّق به بديلاً عن العمل به ، ولاختلط الحق ّ بالباطل والتقيّة بالجبن ، والشجاعة بالتهور، وتلك هي الفتنة الكبري فعلاً.

إذن ، جاء خروج الحسين (ع) عبرة لنا للخروج علي كل ّ ظالم ٍ متجبّرحتي لو تلفّع بالدين ، ولقّب نفسه ـ (امير المؤمنين ) ، وجاء مصرعه الشريف عبرة تستل ّ دموع الطهر والفضيلة علي الجرح الكبير، ليبقي ـ سلام الله عليه ـ نشيداً خالداً لكل ّ اجيال المسلمين ، بل لكل ّ الاحرار والشرفاء في شرق الارض وغربها:

سيظل ّ ذكرك يا حسين يهزّ منّا القلب َ هزّا

وكذا ندانا يا حسين يزيدنا شرفاً وعزّا

المجمع العالمي لاهل البيت : قم المقدسة