بازگشت

و تقصير اخر مع الامام علي


ولا نريد ان ندخل في جزئيات ومفردات قضية التحكيم وتفاصيله التي يذكرها التاريخ بوضوح ايضاً، والذي كان اقّل تقصير فيه الازدواجية والنفاق ، وكيف يخرج احد الناس الي علي (ع) ويقول له :

«ترجع الي عراقك ونرجع نحن الي شامنا، فنُخلّي بينك وبين العراق ، وتخلّي بيننا وبين الشام ». وكيف ردّ (ع) قائلاً:

«إن ّ الله تعالي لم يرض َ من اوليائه ان يُعصي في الارض وهم سكوت مُذعنون ،لا يامرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، فوجدت ُ القتال اهون علي َّ من معالجة الاغلال في جهنم ».

وينشطر جيش الإمام شطرين عندما رُفعت المصاحف ، لا لضبابية الحق وعدم تمييزه او عدم وضوحه ـ كما يقول البعض ـ وإنّما لان النفوس زاغت (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغ َ اللَّه ُ قُلُوبَهُم ْ) ، او كما يقول الدكتور طه حسين :

«إنّهم كانوا اصحاب دنيا لا اصحاب دين ، وكانوا في دخائل نفوسهم نادمين علي تلك الايام الهيّنة الليّنة التي قضوها ايّام عثمان ، ينعمون بالهبات والجوائز والإقطاع ».

هكذا كان التقصير او التقصيرات وهكذا سارت اُمور الفتنة في اُمّة ضيّعت حق ّ نبيّها بمن اوصي به ، وضيّعت حق وليّها حين فرّطت وتهاونت في اخذه ، وضيّعت حق ّ نجله حين ساومت عدوّه عليه ، واخيراًوليس اخراً غدرت بالحسين وسلّمته الي اكثر خلق الله شرّاً وهبوطاً وانحطاطاً في تاريخ المسلمين .

المقصّرون ، في الدعة السنتهم كالمخارق وفي الجهاد روّاغون كالثعالب

نقول ، ولكي نبقي في إطار البحث ، إنّه بعد استشهاد الإمام علي (ع) وبيعة الإمام الحسن ، ثم الصلح مع معاوية ، وسحق الاخير للعهود والمواثيق ، زاغت ابصار بعض الناس وتزلزلت قلوبهم ، ولم يُعد للقوم صبر ولا رغبة في قتال المارقين او القاسطين ؛ لانهم احبّوا الدنيا ورغبوافيها، وحين تساوي لديهم معاوية وعلي ّ، بل فضّل بعضهم معاوية علي علي ّ لانه اصلح لدنياهم التي رغبوا فيها، لم يبق َ امام الإمام الحسين إلاّ ان يقف قائلاً:

«فإن ّ الله كتب الجهاد علي خلقه وسمّاه كُرهاً (كُتِب َ عَلَيْكُم ُ الْقِتَال ُ وَهُوَ كُرْه ٌلَكُم ْ) فلستم ايها الناس نائلين ما تحبّون إلاّ بالصبر علي ما تكرهون ، اخرجوا رحمكم الله الي معسكركم بالنخيلة ...» اي مكان التحشيد للقتال ـ كما يقال في المصطلح العسكري الحديث ـ ولكنهم صمتوا وما تكلّم منهم احد متخاذلين خائفين مذعورين ، الامر الذي دفع عدي ّ بن حاتم الي القول :

«سبحان الله.. ما اقبح هذا المقام ! الا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيّكم »؟ ويضيف :

«اين خُطباء مضر الذين السنتهم في الدّعة كالمخاريق ؟ فإذا جدّ الجدّفروّاغون كالثعالب ؟ اما تخافون مقت َ الله وعيب النار وعارها،»؟

وهنا نريد ان نعلّق كما علّق الدكتور احمد راسم النفيس في كتابه المار الذكر مع تصرّف بسيط :

«إن ّ الهزيمة النفسية قد اصابت القوم ولم تعُد بهم او لديهم رغبة في جهاد، ولا همّة لبذل ٍ او تضحية او عطاء؛ فقد جربوا الدّنيا واستمرا واحلاوتها وباتوا يريدونها، وخاصة حين فُتحت امام بعضهم كنوز كسري وجواهر قيصر، فسال لعابهم علي الدنانير الصفر والدراهم البيض التي قال عنها عمر بن الخطاب يوماً؛ إنّها مهلكتكم كما اهلكت من كان قبلكم ».

وهم اليوم لا يجدون ذلك في ظل العدل اي عدل علي (ع) ، وإنّمااشرابت نفوسهم الي بني اُميّة ، اهل الدرهم والدينار واصحاب الوجاهة والجاه ، فكان نكوصهم الي منظّري تلك المرحلة ، لعلهم يجدون فيهم مايبررونه لانفسهم من متاع الدنيا وزخرفها، مع احتفاظهم طبعاً بصلاة بائسة لا تنهي عن فحشاء او منكر، وصيام خجول لا يحصل منه صاحبه إلاّ الجوع والعطش ، مع حج ٍّ غير مبرور كَثُر ضجيجه وقّل حجيجه .

وتستمر هذه الهزيمة ، وتستمر التداعيات والانهيارات والتقصيرات ، بل الجنايات في صفوف الاُمّة ، حتّي ينبري احد الناس فيتجاسر علي الإمام الحسن (ع) وياخذ بلجام فرسه ويقول :

«الله اكبر يا حسن ، اشرك َ ابوك ، واشركت َ انت َ! وطعنه بالمعول ، فوقعت ْ في فخذه فشقّه حتّي بلغت ْ اربيته .. وحُمل الحسن (ع) علي سرير الي المدائن ».