بازگشت

التطبير


والتطبير هو لبس الأكفان وحلق الرأس في صبيحة اليوم العاشر من محرم الحرام يوم استشهاد أبي الأحرار أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، إذ يضرب المتطبر رأسه بالسيف وينزل الدم من رأسه، ويكون ذلك في موكب يسير فيه المتطبرون وهم ينادون حيدر حيدر، مع قرع الطبول والرايات البيضاء الملطخة بالأحمر ومزامير الحرب.

وهذه الشعيرة الحسينية هي أكثر الشعائر التي أثير الجدل حولها مع بعد وعمق المعني الذي تشير إليه.

وقبل بيان فلسفة هذه الشعيرة أعود فأذكر أن كل مكلف يرجع إلي مرجع تقليده في جميع أموره من العبادات والمعاملات، ولا يجوز له ان يرجع إلي نفسه في تشخيص صحة هذا العمل أو ذاك من جهة شرعية.

كما ان مراجعنا العظام (دام ظلهم) علي درجة من التقوي والايمان ما يجعلهم يبحثون ويمحصون كثيراً لكي يتوصلوا إلي الاحكام الشرعية، وإنهم أهل الاختصاص الذين يجب الرجوع إليهم في كافة التكاليف الشرعية، وان الدين الإسلامي ليس دين الانتقائية والمزاجية التي يجنح إليها البعض نتيجة التأثر بالافكار الدخيلة علي الدين والمذهب (وذكِّر فإن الذّكري تنفع المؤمنين) [1] .

والآن نوضح الحكمة من هذا الموكب من خلال التعرض للمفردات التي وردت في تعريفه، وهي (لبس الاكفان وحلق الرؤس، ضرب الرأس بالسيف والمناداة بحيدر).

عرف منذ القدم عند العرب وخصوصاً في العصر الإسلامي ان حلق الرأس ولبس الكفن يرمز إلي الاستعداد والمبايعة علي الموت، والدارس للتاريخ الإسلامي يستطيع ان يري ذلك بوضوح [2] .

فالمتطبر عندما يحلق رأسه ويرتدي الكفن إنما يشير بذلك إلي البيعة علي الموت، ولكن لمن هذه البيعة؟

قد يرد هذا السؤال علي ذهن القاريء الكريم، والجواب عليه هو: أننا نعلم من خلال الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) ان أمام العصر والزمان الحجة القائم (عجل الله تعالي فرجه وسهل مخرجه وجعلنا من انصاره) يظهر في يوم العاشر من محرم الحرام [3] ، ومن هنا كان المتطبر عندما يحلق راسه ويرتدي الكفن في يوم العاشر من محرم الحرام يشير إلي البيعة علي الموت لإمام العصر والزمان، وهذا هو ما تشير إليه المفردة الاولي، اما المفردة الثانية وهي ضرب الرأس بالسيف والمناداة بحيدر فتشير بجنب البيعة علي الموت مع الإمام إلي انني ابايعك يا سيدي ومولاي يا صاحب الزمان علي الاخذ بالثأر معك ممن اغتصب حق جدك الكرار (عليه السلام)، وان القوم قد بدا منهم ما بدا وتجرؤا ما تجرؤا منذ نادي جبرائيل تهدمت والله أركان الهدي [4] ، ولذا تري المتطبر ينادي حيدر حيدر في حين انه في يوم العاشر من محرم الحرام، وإن المتطبر يشير في مجمل ذلك إلي انه يبايع كما بايع اصحاب الحسين الشهيد (عليه السلام) وهل هناك بيعة اصدق من بيعتهم (رضوان الله تعالي عليهم) [5] ، وهل هناك بيعة انبل من بيعتهم، لا والله يقولها كل صادق مدرك لما جري علي سيد الشهداء، يقولها كل من رضع عشق الحسين (عليه السلام)، يقولها كل من اصدق النية مع ربه، يقولها كل من يرجوٍ شفاعة أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة (عليهم السلام)، يقولها كل من يرجو لقاء ربه بوجه كريم.


پاورقي

[1] الذاريات: 55.

[2] قال:فلما أمسي بايعه ثلاثمائة وستون رجلاً علي الموت فقال لهم أمير المؤمنين (عليه السلام): اغدوا بنا إلي أحجار الزيت مُحلقين وحلق أمير المؤمنين (عليه السلام) فما وافي من القوم محلقاً إلا أبو ذر والمقداد وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وجاء سلمان في آخر القوم فرفع يده إلي السماء فقال: اللهم إن القوم استضعفوني کما استضعفت بنو إسرائيل هارون. الکافي الخطبة الطالوتية.

أتاني أربعون رجلاً من المهاجرين والأنصار فبايعوني وفيهم الزبير فأمرتهم أن يصبحوا عند بابي محلقين رؤسهم عليهم السلاح فما وافي منهم أحد ولا صبّحني منهم غير أربعة سلمان والمقداد وأبو ذر والزبير. مستدرک الوسائل 11/74/ باب28.

فما استجاب له من جميعهم إلا أربعة وعشرون رجلاً فأمرهم أن يصبحوا بکرة محلقين رؤسهم مع سلاحهم قد بايعوه علي الموت فأصبح ولم يوافه منهم أحد غير أربعة قلت لسلمان من الأربعة قال أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام. بحار الأنوار 22/328/باب10.

[3] عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ينادي باسم القائم (عجل الله فرجه وسهل مخرجه) في ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم في يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي (عليهما السلام) لکأني به في يوم السبت العاشر من المحرم قائما بين الرکن والمقام جبرائيل (عليه السلام) عن يده اليمني ينادي البيعة لله فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوي لهم طياً حتي يبايعوه فيملأ الله به الأرض عدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً. الإرشاد 2/378.

[4] ونادي جبرائيل بين السماء والأرض بصوت يسمعه کل مستيقظ تهدمت والله أرکان الهدي وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقي وانفصمت والله العروة الوثقي، قتل ابن عم محمد المصطفي قتل الوصي المجتبي قتل علي المرتضي قتل والله سيد الاوصياء قتله أشقي الأشقياء. بحار الأنوار 42/280/باب 127.

[5] السلام عليکم يا أولياء الله وأحباءه السلام عليکم يا أصفياء الله وأوداءه السلام عليکم يا أنصار دين الله. زيارة وارث.