بازگشت

ملحق 3


الصمود ازاء التشكيكات

بقلم يوسف رمضان [1]

منذ بداية هذا القرن، كانت القوي المعادية للإسلام تحاول بين فترة وأخري اختبار ميزان قوة المسلمين الشيعة من خلال بالونات اختبار متعددة، وكان منها إثارة الشكوك حول أمور لها علاقة مباشرة بالعقائد الدينية وشن حرب نفسية عليها.

فإن كانت تواجه الرد القولي والعملي إزاء تلك التشكيكات، كانت تتراجع لفترة مؤقتة، وإن كانت تجد تقبّلاً لتلك التشكيكات، كانت تطرح المزيد منها حول أمور أخري ذات صلة بالمعتقدات، وتحاول التهريج عليها.

الشعائر الحسينية كانت في صدر قائمة الأمور المستهدفة، هذه القوي كانت تسعي إلي جعل الشعائر في عزلة، وحصر ممارستها علي عدد قليل ومن ثم القضاء عليها كلياً.

وكان التطبير أول ما يطرح ضده الشبهات في منظومة الشعائر الحسينية، إن إثارة البسطاء من الناس من خلال التهييج العاطفي أمر سهر للغاية، هذا في السابق.

أما اليوم فالحرب علي ممارسة التطبير يأتي في نفس الإطار، لكن مع تغييرات في الأساليب وكيفية طرح التشكيكات، اقتضاها تطور الزمن. منذ سنين ونحن نري ونسمع تجدد إثارة الشبهات حول الشعائر عموماً وحول التطبير خصوصاً، وشن حرب نفسية ضد ممارستها ولاسيما التطبير بهدف زعزعة استقامة المؤمنين من المطبرين وغيرهم، وذلك من خلال بعض الصحف والأشرطة.

لكنّ أنصار الإمام الحسين وقفوا المرة أيضاً في وجه هذه الإثارات والتشكيكات وقفة رجل واحد، فلم تزدهم التهريجات إلاّ ترابطاً وتماسكاً وتفاهماً واندفاعاً نحو ممارسة هذه الشعائر التطبير بالخصوص، وصمد المشاركون في عمليات التطبير صموداً مستحسناً، ولم تؤثر فيهم الحملات النفسية التي كانت تستهدف تحطيم معنوياتهم، وقد أثبت التاريخ أنه كلما أججت النيران ضد التطبير، ولجأ البعض إلي العمل ضده، كلما ازداد الاندفاع نحوه وزاد لهيبه في القلوب. كما أن علماء الدين والدعاة المخلصين ساهموا في استنارة الرأي العام حول هذا العمل، ودفع الشبهات المطروحة حوله.

مجموع هذه الردود أدّت إلي اندحار الأعداء مرة أخري. لكنهم لجؤوا هذه المرة إلي سب وشتم المؤمنين المطبرين، والتجاسر علي الفقهاء ومراجع الدين الذين حكموا باستحباب التطبير، واتهموا هذا العمل بتهم ظالمة.

ولم يترك المؤمنون التطبير سنةً ما تأثراً بالشبهات، بل كانت هذه الإثارات تؤدي إلي ارتفاع بارومتر التطبير في مختلف بلدان العالم. ولم تكن مواجهة الأخطار تؤثر سلبياً عليه، بل كانت تزيد المؤمنين حماساً وشوقاً واندفاعاً نحو ممارسة هذا العمل المقدس.

والسبب الوحيد الذي كان يوجب ترك التطبير هو حظر السلطة السياسية لذلك بعد إلغاء حرية ممارسة هذا العمل، واستخدام القوة في منعه، وذلك لأهداف سياسية بحتة لا تمت إلي الدين بصلة، مثلاً في عام 1975 ظهر أحد علماء البلاط في التلفزيون العراقي، وقال إن التطبير يعني إسراف الدماء، وذلك في حين أن مقاتلينا في سيناء والجولان والضفة بحاجة إلي هذه الدماء، والإسراف حرام شرعاً. كما أن التطبير عمل يثير الرعب في نفوس النساء والأطفال الذين يشاهدونه، وتخويف الآخرين بدون سبب حرام شرعاً. وليس هناك دليل شرعي واحد علي جواز هذا الفعل، كما أنّ أحداً من الأئمة لم يفعل ذلك. فهذا العمل بدعة أدخلها الجهلة الحمقي المغفّلون إلي مدننا.

بعد هذا الخطاب بأقل من أسبوع أبلغت سلطات الأمن العراقية جميع الهيئات الحسينية في المدن العراقية التي كان يمارس فيها التطبير، قرار حظر رسمي للتطبير، وعقوبة سجن لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر لمن يقدم عليه.

ولا أقصد مما ذكرته منع طرح الأسئلة وإقامة النقاشات حول الشعائر عموماً والتطبير خصوصاً، فالسؤال مفتاح فهم الحقيقة، لكن ينبغي التخلّق بأخلاق السؤال والنقاش عند طرح الأسئلة، وأقصد أن يكون الهدف هو الاستفهام لا العناد والجدل، وأن لا يشتمل علي إساءة أدب إلي أي من مراجع الدين وإلي الذين يمارسون التطبير واتهامهم بتهم ظالمة، وأن لا يراد فرض رأي شاذ علي بقية العلماء ومقلديهم.

وأما ما أثير من شبهات حول التطبير فهي عموماً لا تستند إلي أُسس علمية وحقائق تاريخية ودينية، بل ناتجة عن عدم معرفة قواعد الأحكام الشرعية وبعض الأمور الأخري...

نأمل أن يقوم شبابنا الأعزاء بقراءة هذا الكتاب وتحصين أنفسهم أمام شبهات الأعداء، وأخيراً مباشرة التطبير في كل عاشوراء، فإن فيه ثواباً عظيماً، كما أنّ ارتفاع عدد المطبّرين سيكون بمثابة زيادة حجم الحصانة حول العقائد الدينية. ونسأل الله أن يوفقنا لذلك، إنه مجيب.


پاورقي

[1] الأستاذ يوسف رمضان باحث إسلامي له کتابات عديدة، وقد اقتبس هذا المقال من کتابه (التطبير بين الحقائق والأوهام) ص 6 - 8.