بازگشت

رفع الصوت في الندبة علي الامام


الثامن [1] : الصياح والزعيق بالأصوات المنكرة القبيحة

كما وقف قلم الكاتب هنا عن إقامة دليل إقناعي - فضلاً عن برهان عقلي - علي حرمة الصياح والزعيق، يقف قلمي أيضاً وقلم كل كاتب عن تلفيق أي حجة تهويلية علي ذلك [2] .

إنه لا يريد بكلمته هذه أن ينعي علي قرّاء التعزية في المآتم استكراه أصواتهم، لأنه كان من قبل الساعة ينكر عليهم استعمال الغناء، فلا شك أنه يشير إلي ما يستعمله اللادمون صدورهم في الدور والأزقة من ندبة سيد الشهداء بلغتهم الدارجة العرفية، أو الفصيحة بصوت مرتفع في الجملة، أو إلي ضوضاء ترتفع لهم أحياناً.

وقد فاته أن يعلم أن الشرع في ما استحب فيه رفع الصوت - كالتلبية والأذان - لم يشترط فيه كون الصوت حسناً أو غير مستكره، فلماذا ولأي سبب يشترط هذا الكاتب - وقد جوّز ندبة سيد الشهداء - أن تكون بصوت غير مرتفع وغير مستكره؟

لعمري أن صياح وزعيق أولئك لا يزيد شيئاً في الارتفاع والاستكراه من حيث نفس الصوت، عن قول الحاج برفيع الصوت (لبيك)، إذ الحاج ليس كلهم حسن الصوت، بل الغالب علي أصوات غير الشبان الاستكراه، برثاء تكلموا أم تلبية أم بأذان.

نعم إذا كان صوت أولئك الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم لمواساة أئمّتهم في أحزانهم وأفراحهم موجباً لإضرار الناس من جهة فزع أفئدتهم بأصواتهم المنكرة، كان للقول بحرمتها وجه، لا من جهة نفس قبح الصوت، بل من باب إضرار الغير.


پاورقي

[1] أي: الثامن من المنکرات التي ادعي السيد محسن الأمين دخولها في الشعائر الحسينية. م.

[2] نعم جاء في القرآن (اقصد في مشيک واغضض من صوتک) وهذا - لا شک - طلب أدب، لا تکليف. ومع ذلک وارد لبيان ما يقتضيه الصوت في حد ذاته مع قطع النظر عن عروض ما يوجب استحباب رفعه، کما في الأذان والتلبية والصلاة علي النبي (صلي الله عليه وآله).

والحاصل: إن الکاتب في مقام إنکار المنکر، والآية في مقام بيان محاسن الأخلاق، وشتان بين الأمرين. وقد جاء في الأحاديث الصحيحة أنّ رفع الصوت بالصلاة علي النبي يذهب النفاق [ثواب الأعمال: 190]، وأنّ رفع الصوت بالأذان في المنزل ينفي الأمراض ويکثر الولد. روي ذلک الصدوق في (المقنع) [صفحة 27]، ويحيي بن سعد الحلي في (الجامع) [: 73]، والراوندي في (الدعوات) [صفحة 116].

وروي أن أمير المؤمنين ليلة شهادته علا المئذنة، ووضع سبابتيه في أذنيه، ثم أذّن، وکان إذا أذّن لا يبقي في الکوفة بيت إلا اخترقه صوته.