بازگشت

صياح النساء في مجالس التعزية


السابع [1] : صياح النساء بمسمع من الرجال الأجانب.

يقول الكاتب: (صياح النساء بمسمع من الرجال الأجانب محرّم، لأن صوتها عورة، ولو فرض عدم تحريمه فهو معيب شائن مناف للآداب والمروءة، يجب تنزيه المآتم عنه) [2] انتهي.

النقد: لست أدري، ولا المنجم يدري في أي كتاب وسنة ورد (صوت المرأة عورة) حتي يبحث عن معناه؟ والكاتب يظهر منه كون ذلك حديثاً، أو مقعد إجماع حصّله [3] ، أو قاعدة مستفادة من الأخبار المعمول بها، وإلاّ فما هو الوجه في تعليل التحريم بذلك؟

وهل المحرّم - في رأيه - تكلم المرأة بحيث يسمع صوتها الأجانب؟ أو هو صياحها بعنوانه الخاص؟ أو سماع الأجانب صوتها؟ أو استماعهم له؟ فإن محل كلام فقهائنا في التحريم نفياً وإثباتاً، إطلاقاً وتقييداً هو الاستماع لا غيره [4] . وأما التكلم والسماع بلا استماع من الرجل، فليس بمحرم البتة.

والأخبار الصادرة عن أئمة الهدي (عليهم السلام) وإن تضمن بعضها النهي عن تكلم المرأة مع غير محرم عليها، إلاّ أن أكثرها صريح بجوازه. وهي مؤيّدة بما ثبت من تكلم النساء معهم (عليهم السلام) بمحضر أصحابهم بلا ضرورة [5] ، وربما جرت عليه سيرة العلماء من الصدر الأول إلي زماننا من التكلم مع النساء بما يزيد علي القدر الضروري.

نعم ربما حرّم البعض منّا صياح المرأة علي الموتي، لا لأن صوتها عورة، بل لأنه من الجزع الذي جاء في الأخبار الصحيحة عن أئمة الهدي (عليهم السلام) أنهم قالوا: (كل الجزع والبكاء مكروه، سوي الجزع والبكاء علي الحسين) [6] .

إن كل ما تعمله الشيعة من الضرب بسلاسل الحديد علي الظهور وجرح الرؤوس بالسيوف - فضلاً عن الصياح والضجيج - هو مظهر من مظاهر الجزع، وليس بجزع حقيقة، فإن الجزع أمر معروف في اللغة والعرف، وهو ضد الصبر، نحو أن ينتحر الرجل العاقل أو يلقي بنفسه من شاهق، لحادثة تغلب صبره وتورده الهلاك. وأين هذا من جرح الرأس بسيف أو مدية جرحاً خفيفاً يوجب خروج الدم، ولا يؤلم إلاّ بمقدار ما تؤلمه الحجامة وغيرها مما يرتكب لأغراض عقلائية سياسية أو طبية؟

وبهذا الاعتبار كان بعض العظماء يصحح المرسل المتضمن لكون بعض عيال الحسين (عليه السلام) ممن لا يشك في عصمتها وعظمتها، لما لاح لها رأسه، نطحت [7] جبينها بمقدم المحمل حتي سال دمها [8] ، إذ أن ذلك لا بعد فيه إلا من جهة ظهور الجزع منها وإيلام نفسها والإيلام غير المؤدي إلي الهلاك أو المرض لا دليل علي حرمته.

والجزع مندوب ومرغوب فيه في الأخبار الكثيرة [9] ، بل الظاهر من الأخبار جواز (الهلع) أيضاً، وهو - علي ما ذكره أئمة اللغة - أفحش الجزع وأشدّه.

ويظهر من خبر قدامة بن زائدة أن السجاد (عليه السلام) قد صدر منه الهلع [10] وكيف لا يهلع من إذا أخذ إناءً ليشرب، يبكي حتي يملأه دماً؟ [11] وإذا ساغ للسجاد أن يسيّل الدم باختياره من أرقّ وأعزّ أعضائه، فما هو شأن ما يصدر من الشيعة من ضرب السلاسل والسيوف، فضلاً عن الصياح الذي ينكر اليوم؟

ولو أن الكاتب اعتمد في ما ذكر في حرمة صياح المرأة علي ما ورد في بعض الأخبار من أنه (لا ينبغي الصراخ علي الميت)، وأن رسول الله (صلي الله عليه وآله) نهي عن الرنّة في المصيبة، وما ورد من تحديد أشد الجزع بالصراخ والعويل والويل، ولطم الوجه والصدر، وجزّ الشعر من النواصي، وبالنواحة، التي جاء فيها: (من أقام النواحة، فقد ترك الصبر)، وما ورد في الأخبار المستفيضة من النهي عن دعاء المرأة بالويل والثبور عند المصيبة، لكان أنسب بقواعد الفن، أخذاً بإطلاق هذه المضامين [12] .

ولكان (مع قطع النظر عن قول صاحب الحدائق [13] (قدس سره) أن ظاهر أكثر الأصحاب الإعراض عن هذه الأخبار وتأويلها، وحملها علي محمل آخر، فإن القول بالتحريم مذهب كثير من أصحاب الحديث من الجمهور) مردوداً [14] بوجوه:

أولاً: بأن ذلك لا يقتضي إلا حرمة نفس الصراخ، لا حرمة المآتم والتمثيلات التي يقع فيها ذلك، لأنه من الأمور الخارجة عن المآتم والتمثيل المقارنة لهما، والمحرّم الخارج المقارن لا يقتضي بوجه حرمة ما يقارنه، وقد روي في (الكافي) صحيحاً عن زرارة قال: حضر أبو جعفر (عليه السلام) جنازة رجل من قريش، وأنا معه، وكان في الناس عطاء [15] . فصرخت صارخة. فقال عطاء: لتسكتنّ أو لنرجعنّ. فلم تسكت، فرجع عطاء. فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) إن عطاء رجع لمكان صراخ الصارخة...، فقال: (امض بنا، فلو أنّا إذا رأينا شيئاً من الباطل [مع الحق]، تركنا له الحق، لم نقض حق مسلم) [16] ... الحديث.

وهذا من وضوح الدلالة علي ما أشرنا إليه بحيث لا يحتاج إلي تقريب.

وثانياً: بأن الصياح والصراخ إنما يكره أو يحرم علي غير الحسين (عليه السلام)، [17] وأما عليه، فلا حرمة ولا كراهة، لأنه من مظاهر الجزع عليه، وهو مندوب إليه، كيف وأعظم المعدودات في تحديد الجزع هو لطم الوجه والصدر والنواحة؟ وهذه الأخيرة مما طفحت الأخبار باستحبابها، وإلاّ لزم سد المآتم عامة.

أما لطم الخد - فضلاً عن الصدر - فقد دل علي جوازه خبر خالد بن سدير عن الصادق (عليه السلام)، وفيه: (ولقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود الفاطميات علي الحسين [بن علي] (عليه السلام)، وعلي مثله تلطم الخدود وتشقّ الجيوب) [18] .

هذا مضافاً إلي إطلاق قول الحجة (عليه السلام) في دعاء الندبة: (فعلي الأطايب من أهل بيت محمد وعلي فليبك الباكون، وإيّاهم فليندب النادبون، ولمثلهم فلتذرف الدموع، وليصرخ الصارخون، ويضجّ الضاجّون، ويعجّ العاجّون) [19] .

وفي حديث معاوية بن وهب عن الصادق (عليه السلام): (اللّهمّ ارحم تلك الصرخة التي كانت لنا) [20] . قال في (القاموس): الصرخة: الصيحة الشديدة [21] .

وثالثاً: بأن هذه الشعائر العزائية التي يقع فيها صياح النساء بمسمع من الرجال الأجانب قد عقدها الأئمة (عليهم السلام) في دورهم وأمروا بها. فقد روي الصدوق في (العيون) [22] أن دعبل بن علي لما أنشد الرضا (عليه السلام) - تائيته المشهورة وانتهي إلي قوله:



أفاطم لو خــــلت الحســــين مجدّلاً

وقـــد مـــات عطــشاناً بشط فرات



إذاً للطـــمت الخــــد فـــــاطم عنده

وأجريت دمـــع العين في الوجنات



لطمت النساء وعلا صراخ من وراء الستر، وبكي الرضا (عليه السلام) بكاءً شديداً حتي أغمي عليه مرتين.

وروي أبو الفرج [23] بسند معتبر أنه لما دخل السيد الحميري علي الصادق (عليه السلام)، أقعد حرمه خلف الستر، ثم استنشده في رثاء جده الحسين (عليه السلام) فأنشده أبيات كثيرة قال - يعني راوي الحديث - [24] : فرأيت دموع جعفر تنحدر علي خديه، وارتفع الصراخ من داره حتي أمره بالإمساك، فأمسك الحديث.

وإنا إذا رجعنا إلي قواميس اللغة، وجدنا الصراخ: الصوت، أو شديده [25] . و(الجمع) يقول: الصراخ هو الصياح باستغاثة وَجْدٍ وشدّة [26] .

وقد جري نحو هذه المآتم التي تصرخ فيها النساء بمسمع من الرجال، للصادق (عليه السلام) في غير قصة الحميري، ولكن اللفظ الذي جاء في هذه تارة هكذا: (فبكي الصادق (عليه السلام) وتهايج النساء) [27] . وتارة هكذا (فلما انتهيت بالإنشاد إلي... صاحت باكية من وراء الستر: يا أبتاه) [28] .

ولأعد من بعد هذا لتتميم الكلام السابق في دعوي الكاتب أن (صوت المرأة عورة) الفقرة التي لم نعثر في ما لدينا من كتب الحديث عليها. ولا أظن الكاتب وجدها في غير كتب الفقه عبارةً لفقيه [29] .

ويبعد كل البعد أن يلتبس الأمر عليه بما ورد من أن (المرأة عورة) من جهة وجوب الستر عليها، فيتوهم كون صوتها كذلك من جهة وجوب إخفائه. كيف ومتن الرواية التي رواها هشام عن الصادق (عليه السلام) هكذا: (النساء عي [30] وعورة، فاستروا العورات بالبيوت، واستروا العيّ بالسكوت) [31] . وهي صريحة في أن الأمر بالسكوت لعيّها، لا لكونها عورة، أو أن صوتها عورة، وأنه إنما يلزم من جهة كونها عورة سترها بالبيت لإخفاء صوتها [32] .

إن هذه من غرائب الفقه قوله: (لو فرض عدم تحريمه - أي الصياح -، وجب تنزيه المآتم عنه، لكونه معيباً شائناً)، إذ أنه إذا كان بالفرض غير محرّم، فما هو الوجه في وجوب تركه، وغير المحرم لا يجب تركه؟ وإذا كان واجب الترك لكونه معيباً وشائناً - كما يقول - كان فعله محرماً لا محالة، وقد فرض عدم تحريمه.

إن كونه معيباً وشائناً ومناف للمروءة والأدب و... و... و... إلي آخره ما تفني برقمه الطروس، إن كان يصلح علة لوجوب الترك، كان فعله حراماً، وإلاّ لم يكن تركه واجباً، فما هذا إلاّ كالمتناقض، وهل هو إلا إفتاء بوجوب الترك بلا حجّة؟

إنه كان اللازم علي الكاتب عندما يفرض عدم حرمته، أن يتمهل في الحكم بوجوب تركه، ولا يتسرع إلي التهويل بكونه معيباً شائناً لأن الأئمة (عليهم السلام) في ما إذا أمروا به وفعلوه، لم يروه معيباً وشائناً، فما هو معني معيب وشائن؟ شائن ومعيب لأي شيء في رأيه؟ وهل يوجد في العناوين المحرّمة الشرعية أو العقلية كون الشيء معيباً وشائناً؟ لعمري أنه شائن ومعيب للفقيه أن يفتي بغير دليل وأن يستعمل التهاويل.

وإذا أخذنا كونه شائناً ومعيباً قضية مسلّمة الحكم بالحرمة، فماذا يكون إذا صاحت المرأة عندما تسمع بأذنيها رزية سيد الشهداء، أو تري نصب عينيها تمثيل مصيبته؟ أيكون صياحها وحده محرماً لأن صوتها عورة ومناف للأدب - كما يقول-؟ أم يكون التمثيل والقراءة محرمين؟ فإن كان الأول، بطل ما يرمز إليه بقوله [33] : (إن تلك الأمور المحرمة دخلت في الشعائر قصداً لإفساد منافعها، وإبطال ثوابها). وإن كان الثاني، كان محجوجاً بما قضت به القواعد الأصولية من أن المحرّم المقارن ما لم يكن ملازماً لذات الواجب، أو عنواناً ثانوياً يتعنون به الراجح، لا يوجب حرمته ولا مرجوحيته، وأن الأعراض المفارقة الاتفاقية لو كانت في مورد اقترانها بالراجح، لا يوجب حرمته ولا مرجوحيته، وأن الأعراض المفارقة الاتفاقية لو كانت في مورد اقترانها بالراجح توجب حرمته، لحرمت الصلاة في بعض الصور [34] ، ومنع الحج، ولكان المنع من زيارة ذلك الشهيد الأعظم الكريم علي الله تعالي، أولي بالمنع، لما فيها من صياح النساء، ومزاحمتهنّ للرجال، وبروزهنّ في وسط تلك المشاهد الشريفة المقدّسة مكشفات الوجوه، بملأ من الناس وبمرأي منهم ومسمع.


پاورقي

[1] أي: السابع من المنکرات التي ادّعي السيد محسن الأمين دخولها في الشعائر الحسينية. م.

[2] ص 4 من رسالته.

[3] أما الإجماع المنقول في بعض شروح القواعد، فلا اعتبار به من وجوه.

[4] مطلقاً أو إذا کانت عن تلذّذ وريبة، وبه قطع العلامة في (التذکرة)، واستجوده الشهيد الثاني وصاحبا الکفاية والمفاتيح، وجلّ من تأخّر عنهم.

[5] من ذلک خبر أبي بصير المروي في (الکافي) قال: کنت جالساً عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فاستأذنت علينا أم خالد التي کان قطعها يوسف بن عمر. فقال أبو عبد الله: أيسرک أن تسمع کلامها؟ فقلت: نعم. فأذن لها، وأجلسني معه علي الطنفسة. قال: ثم دخلت، فتکلمت، فإذا هي امرأة بليغة. وقد طفحت السيرة بنياحة النساء وبکائهنّ علي حمزة بمسمع النبي وبأمره.

والنياحة ليست بکاءً مجرداً مع الصوت فقط، بل هي ندبة بمقاطيع من الشعر، تلقيها النساء إنشاداً أو إنشاءً، فتبکي لها - کما يعلم من السيرة -. وربما تخلل ذلک صياح وزعيق، کما يعلم من صياح فاطمة علي أبيها، وصياح بناتها يوم قتل أمير المؤمنين (عليه السلام).

ومن الغريب أنّ الکاتب صرّح في إقناعه - ص 59 - بأن المحرّم هو استماع الأجنبي صوت المرأة مع تمييز الصوت، وحکم بإباحة ما عدا ذلک للأصل. وهاهنا ألهاه الغضب عن التقييد، فأطلق الحرمة وجعل موضوعها صياح النساء. ولعله تحقق عنده أن الأصل في صوت المرأة هو الحرمة، کما أن الأصل في الجرح الحرمة (!!).

[6] بهذا اللفظ رواه الشيخ في (الأمالي) [1: 162] عن معاوية بن وهب عن الصادق (عليه السلام)، ونقله في (الوسائل) [10: 395] عن الشيخ أيضاً عن معاوية بن وهب في حديث: أنه (عليه السلام) قال لشيخ: أين أنت عن قبر جدي المظلوم الحسين (عليه السلام)؟ قال: إني لقريب منه. قال: کيف إتيانک له؟ قال: إني لآتيه وأکثر. قال (عليه السلام): ذاک دم يطلب الله به. ثم قال: (کل الجزع والبکاء مکروه، ما خلا الجزع والبکاء لقتل الحسين).

وروي ابن قولويه في (الکامل) [صفحة 100] عن أبيه، عن سعد، مسنداً إلي أبي حمزة [عن أبيه] عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إن البکاء والجزع مکروه للعبد في کل ما جزع، ما خلا البکاء [والجزع] علي الحسين (عليه السلام) فإنه [فيه] مأجور).

وفي خبر مسمع کردين عن الصادق (عليه السلام): (أما إنک من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا). [کامل الزيارات: 101]. وفي ما رواه الشيخ في (المصباح) [صفحة 714] مسنداً عن أبي جعفر (عليه السلام) في من يزور الحسين عن بعد في يوم عاشوراء: (ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه).

[7] نطحت: ضربت. م.

[8] بحار الأنوار 45: 114، عوالم العلوم 17: 373، المنتخب في جمع المراثي 2: 464 (المجلس 10).

[9] مرّ ذکر بعضها في التعليقة في صفحة. م.

[10] الحديث المذکور رواه في (کامل الزيارات)، وجاء فيه من قول السجاد (عليه السلام) في خطاب عمته (کيف لا أجزع وأهلع، وقد أري أبي وعمومتي وولد عمي صرعي لا يوارون)؟.

[11] مرّ في مسألة بکاء السجاد (عليه السلام) نقل هذا الخبر عن (المناقب)، ونقله عنه في (البحار)، وفي (جلاء العيون). [الموجود في النسخ المطبوعة من کتابي (البحار) و(المناقب) أن الإناء کان يمتلأ (دمعاً) لا (دماً). ولا يوجد ذلک أيضاً في (جلاء العيون) بل الموجود فيه (في صفحة 498) مضمون ما في (البحار) و(المناقب). ولعل تحريفاً ما وقع عند الطباعة].

[12] مقصود المؤلف - رحمه الله - مما يذکره هو أن ما استدل به السيد محسن الأمين لإثبات حرمة صياح النساء هو کون صوت المرأة عورة، لکن هذا لم يرد في خبر معتبر، ولا في کلمات الفقهاء بمقدار يحصل معه الإجماع، ولا في قاعدة فقهية مصطيدة من النصوص، بل کان الأنسب الاستدلال للحرمة بإطلاقات الأخبار المشار إليها في المتن. لکنه مع ذلک، فإن الاستدلال بهذه الروايات لإثبات حرمة صياح النساء، مردود بوجوه، هي: 1- مفاد الأخبار حرمة خصوص الصراخ، لا ما فيه الصراخ من المآتم والتمثيليات. 2- اختصاص الحرمة بغير الإمام الحسين، فإن کان الصياح لهذا الإمام فلا تحريم، لتخصيص ما دل علي استحباب الجزع علي هذا الإمام لهذه الأخبار، لکون الصياح عليه مظهراً للجزع عليه. 3- تقرير الأئمة (عليهم السلام). هذا کله علي فرض صحة هذه الأخبار - المشار إليها في الصفحة السابقة وحجيتها. لکن المشهور من الفقهاء الشيعة أعرضوا عنها بالکلية، وحملوها علي أمور کالتقية، وحينئذ فهذه الأخبار ساقطة عن الحجية بالکلية، فلا يوجد أي دليل مثبت لتحريم صياح النساء.

وحتي بناءً علي عدم وهن إعراض المشهور، فهذه الأخبار مشتملة علي قرائن الصدور تقية، لا لبيان الحکم الواقعي، ومع عدم تحقق أصالة الجد فيها، لا يشملها دليل حجية الخبر. م.

[13] في باب أحکام الموتي من کتاب الطهارة. [4: 168].

[14] قوله (مردوداً) خبر (کان).

[15] عطاء هذا کان من کبار بني أمية ومفتي بلاطهم. م.

[16] هذا الحديث مروي في (الکافي) [3: 171 - 172]، ونقله في (الوسائل) [2: 818] في أبواب تشييع الجنازة.

[17] لأن ما دل علي جواز الصياح والصراخ والضجيج علي الحسين أخص مطلقاً من نحو قوله (لا ينبغي الصراخ علي الميت)، وما هو عام منها. وإن کان معارضته له بالعموم من وجه، لکنه أرجح من معارضه من وجوه عديدة لا تخفي علي المتدرب المتدبر في الأخبار.

[18] روي ذلک الشيخ في (التهذيب (8: 325) عن خالد بن سدير. ولا يخفي أن لطم الخدود لا ينفک عن احمرارها باللطم، بل اسودادها وخروج الدم منها، ولا يکاد يقع لطم الوجه بدون ذلک، إلاّ أن يراد من لطم الوجه، مسحه باليد، کما يمسح الرأس والرجل بالماء.

[19] إقبال الأعمال: 295. م.

[20] کامل الزيارات: 117. م.

[21] القاموس المحيط 1: 273. م.

[22] ليس عندي الآن کتاب (العيون)، وإنما نقلت ذلک عن کتب مشايخنا وأصحابنا. نعم نقل ذلک الفاضل العباسي في کتاب (معاهد التنصيص) في ترجمة دعبل بن علي الخزاعي.

[23] في الأغاني ج 7، ص 7.

[24] وهو إسماعيل التميمي، والد علي بن إسماعيل راوي الحديث.

[25] الصحاح 1: 426. م.

[26] مجمع البحرين 2: 437. م

[27] روي ذلک في (الکامل) عن أبي هارون المکفوف، قال: دخلت علي أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: (أنشدني). فأنشدته. فقال: (لا، کما تنشدون، وکما ترثيه عند قبره)، فأنشدته: امرر علي جدث الحسين وقل لأعظمه الزکية. فبکي. فلما بکي أمسکت، فقال: مر. فمررت، ثم قال: (زدني). فأنشدته:



يا مريم قومـــي واندبي مولاک

وعلــي الحسين فأعولي ببکاک



فبکي وتهايج النساء. [کامل الزيارات 105 - 106].

[28] رواه في (الکامل) أيضاً بسنده عن عبد الله بن غالب قال: دخلت علي أبي عبد الله (عليه السلام)، فأنشدته مرثية الحسين بن علي، فلما انتهيت إلي هذا الموضع:



فيا لــــــيلة تسقــــو حــــســيناً

بمســــقاة الـثري عفر التراب



صاحت باکية من وراء الستر: يا أبتاه! [کامل الزيارات: 106] ونحو هذا کثير.

[29] هذه الکلمة ذکرت في بعض المتون الفقهية - کالشرائع [2: 496]، ولم أجد أحداً من الشراح إلا وهو راد لها، مانع لمعناها، ومن الغريب أن کاشف اللثام ادعي الإجماع عليها، مع أن التتبع يکذب هذا النقل للإجماع، ولذا لم يعتن به أحد ممن تأخّر عنه. وقد رده في (الجواهر) بالسيرة المستمرة من العلماء والمتدينين علي خلافه، وبالمتواتر أو المعلوم من کلام الزهراء وبناتها بحضور الأجانب، ومن مخاطبة النساء للنبي (صلي الله عليه وآله) والأئمة علي وجه لا يمکن إحصاؤه، ولا تنزيله علي الاضطرار لدين أو دنيا. ثم قال: (ولعله لذا وغيره صرح جماعة کالکرکي، والفاضل - في المحکي عن التذکرة - وغيرهما ممن تأخّر عنه کالمجلسي وغيره بجواز سماع صوتها، بل بملاحظة ذلک يحصل للفقيه القطع بالجواز). انتهي. [جواهر الکلام 29: 98].

[30] العي: الليّ، أو العجز عن البيان أو الکلام. م.

[31] هذا اللفظ مستفيض الرواية عن الأئمة (عليهم السلام)، ففي (الکافي) [5: 535] عن علي (عليه السلام)، [عن النبي (صلي الله عليه وآله)]: (النساء عيٌّ وعورة). وفي (الفقيه) [3: 247] ما يقرب منه. وفي (أمالي الشيخ) عن علي، عن النبي (صلي الله عليه وآله): (النساء عيّ وعورات، فداووا عيّهن بالسکوت، وعوراتهنّ بالبيوت). وفي (الکافي) [5: 535] عن علي (عليه السلام): (لا تبدؤوا النساء بالسلام، ولا تدعوهنّ إلي الطعام، [فإن النبي (صلي الله عليه وآله) قال: النساء عيّ وعورة فاستروا عيّهن بالسکوت] واستروا عوراتهنّ بالبيوت) ونحو هذه غيرها.

[32] هنا لا ينبغي أن ينسي بکاء فاطمة الذي تأذي منه أهل المدينة [الخصال 1: 273] الذي لولا مقارنته للصياح، لما أوجب قلق راحة شيوخ المدينة. ولا ينسي ما حدث لها في اليوم الثامن من وفاة أبيها، إذ خرجت وصرخت، فتبادرت النساء، وخرجت الولائد والولدان، وضج الناس، وجاءوا من کل مکان، وأطفئت المصابيح، لکي لا تبين صفحات النساء. [بحار الأنوار 43: 175]. وکذ لا ينسي ما فعلته زينب العقيلة وسائر بنات علي (عليه السلام) عند وفاته (عليه السلام)، فقد روي أنها خرجت وجميع النساء، وقد شققن الجيوب، ولطمن الخدود، ووقعت الصيحة منهنّ، حتي جاء الناس يهرعون، وصاحوا صياحاً عظيماً ارتجت له الکوفة بأهلها. [بحار الأنوار 4: 293].

[33] في ص 3.

[34] کما في صورة النظر إلي الأجنبية حال الصلاة، وکذا الحج لو نظر إليها فيه، أو وقع فيه ظلم أحد، أو سبّه، وهکذا الصوم والوضوء والغسل وسائر العبادات.