بازگشت

اركاب النساء الهوادج مكشفات الوجوه تشبيها ببنات رسول الله


تقول الرسالة [1] : (وهو [2] محرّم في نفسه، لما يتضمنه من الهتك والمثلة، فضلاً عما إذا اشتمل علي قبح وشناعة، مثل ما جري في العام الماضي في البصرة من تشبيه امرأة خاطئة بزينب، وإركابها الهودج حاسرة علي ملأ من الناس، كما سيأتي). انتهي.

وذكر نحواً من هذا في صفحة 21. ونقل عن زميله البصري وقوع ذلك التشبيه الشائن في الماضي من سنة 1345 هجرية.

النقد: عاش الرجل برهة من الدهر في العراق، ومرّ بكثير من بلدانه، وقضي جلّ عمره في البلاد السورية، فأين وجد تمثيل النساء؟ وهل رأي بعينه مشاهدة أو نقل له الثقات ذلك؟ فإنا ما رأينا ذلك، ولا سمعناه، ولا نقل لنا ناقل أنه شهد ذلك، أو أن أحد أجداده الأعلون شهده، أو نقله عن جده.

إنا لو أخذنا وقوع ذلك بكثرة مسلّماً، أو صححنا علي مذهب أهل التهويل مؤاخذة جميع الشعائر العزائية بوقوعه فيها مرة في بلد، أو في قرية، أو في عامه الماضي - كما يزعم - أو من قبل سبع سنين أو سبعين سنة، فإنا نحب أن نعلم أي شيء هو المحرم: ركوب النساء؟ أم كون الركوب في الهوادج؟ أم كشف المرأة البرزة وجهها؟ أم تشبيه امرأة بامرأة؟ أم المحرم هو المجموع، في ملأ وقع أم في خلأ؟

فإنا ما وجدنا في الكتاب والسنّة ولا في فتاوي علماء الأمة كافة أن شيئاً من تلك العناوين محرّم، ولا مجموعها. وكيف يكون اجتماع المحلّلات حراماً. إن أشد ما يقف القلم دونه من الأمور السالفة هو كشف المرأة وجهها أو نظر الرجل إلي وجهها المكشوف؟ وفي هذا كلام يذكر في كتب الفقه، ولا محل لذكره في المقام.

يسرد الكاتب جملاً ثلاثة: إركاب النساء الهوادج، مكشفات الوجوه، تشبيههنّ ببنات الرسول (صلي الله عليه وآله). آخرها: تشبيه امرأة بامرأة. بحيث يظهر لأول النظر أنها جميعاً محرّمة، ثم يقول (وهو محرّم في نفسه)، فلماذا يعود هذا الضمير المفرد؟ الواحد غير المعين منها، أم للأخير، أم المجموع من المحللات؟

ثم إذا كان الأمر الذي يشير إليه محرّماً في نفسه - كما يقول - فما موقع قوله بأن حرمته لما يتضمنه من الهتك والمثلة؟ دع عنك انتقاد لفظة (المثلة)، فإن إقحامه - بمعناه المحرر في اللغة - تهويل بيّن [3] .

وخذ في معرفة المراد من الهتك المزعوم.

الهتك هو إشهار النساء، سوقهنّ أمام ركاب القوم سبياً مجلوباً، يطاف به في البلدان وفي الأسواق وفي الأزقّة بكل احتقار واستهانة، كما فعله آل أمية بمخدرات آل محمد.

أما ما يدعي الكاتب وقوعه في التمثيل - الذي يبرأ منه كل تمثيل في العراق، ولعلّما سوريا أيضاً - فهو ليس بإشهار النساء حتي يكون مستقبحاً وظهور المرأة المتسترة للرجل بارزة الحجم، يري الناس أنها هي تلك المرأة المسبية بين علوج بني أمية، حينما سيقت أمام ركابهم مهانة محتقرة ليس فيه شيء من الهتك للمرأة المتمثّلة ولا الممثّلة، وكيف - والحالة هذه - يكون محرماً أو يطرأ علي الواقع منه في التمثيل عنوان مستقبح؟

نعم هو موجب للالتفات إلي قبح ما ارتكبه آل أبي سفيان من سبي عقائل الرسالة، ولا قبح فيه ولا هتك علي الممثّلين ولا المتمثّلين.

أمّا ما ذكره من تمثيل امرأة خاطئة بزينب في عامه الماضي - وهو سنة 1347هـ. فينبغي أن يسامحه كل بصري ونزيل في البصرة، كما أنهم من قبل سنتين سامحوا من نقل أنه واقع في البصرة في عامه الماضي أيضاً - وهو في سنة 1345 -. فكم من عام ماض إلي عام ماض إلي سبع سنين ماضية لم يقع بها في البصرة شيء من ذلك.

نعم في سنة 1341 هجرية ركبت تلك (الخاطئة) من تلقاء نفسها في أحد المحامل التي تقاد في التمثيل، خالية أو ممتلئة بالأطفال الممثّلين للسبي من دون أن تتشبّه بامرأة، ولا جعلها أحد شبيهاً بها، بيد أن من يراها، يظن ذلك. ولم يمض علي ركوبها بضع دقائق حتي أنزلت من المحمل بلا مدافعة منها، لأنها لم تعرف أن ركوب مثلها من الأمور الشائنة [4] .


پاورقي

[1] ص 4.

[2] أي: إرکاب النساء الهوادج مکشفات الوجوه تشبيهاً ببنات رسول الله.

[3] المُثلة: التنکيل بالحيوان بقلع عضو من أعضائه. وليس إشهار الرجل والمرأة مثلة. ولعل الکاتب يريد بإقحام لفظ (المثلة) تکثير العناوين المحرّمة بالذکر، ناسبت المقام أم لم تناسب.

[4] نقل ذلک لنا متواتراً ثقات البصريين. وليت شعري إذا نظر البصري في الرسالة، ورأي فيها (جري ذلک في العام الماضي)، وهو يعلم أن ذلک غير واقع أصلاً، فماذا يظن بالکاتب؟ وبالأحري کيف يثق بأقوال العلماء؟.