بازگشت

اسماء آلات الملاهي المنهي عن استعمالها


في ختام هذا الفصل أستقصي لك أسماء آلات الملاهي التي وقعت في الأدلة موضوعاً للحرمة، لتعرف أن الطبل العزائي ليس أحدها، ولا يشبهها بوجه لا شكلاً، ولا حجماً، ولا هيئةً، لا ضرباً:

منها: الدف - بضم الدال، والفتح لغة -، وهذا يكون بإطار يختلف قطره ضيقاً وسعة، وهو يتراوح - علي الأغلب - من قطر ذراع باليد تقريباً، وهو المستعمل في الملاهي، إلي قطر ذراعين، وهو المستعمل في حلقات الذكر. ولا ينفك غالباً إطاره عن قطع نحاس - أو شبهه - صغار بقدر أخمص الراحة، تعلّق عليه في جميع دورته، وهي الصنوج، وهذا ما لا يجهله أحد، ولا يجهل كونه ليس الطبل العزائي.

والذي تدل عليه عبارة الكاتب أن الفقهاء استثنوه في العرس. ولعلّ مراده البعض منهم، فإنه استثناه في الأملاك والختان، لنبويّ يدل علي الترخيص بالضرب به إعلاناً للنكاح. [1] .

والشيخ أبو جعفر الطوسي في (المبسوط) [2] ، وابن إدريس في السرائر) [3] والعلامة في (التذكرة) [4] ، وكاشف اللثام [5] وغيرهم حرموه مطلقاً. وهو الوجه، لضعف دليل الجواز سنداً ودلالة [6] .

ومنها: البَرْبَط - كجعفر - وهو العود، كما في (القاموس) [7] ، وقيل هو الكوبة التي عرفت أنها الطبل الصغير المخصّر - كما في مجمع البحرين -. وقال في (المصباح) أنه من ملاهي العجم. وعن ابن السكيت أن العجم تسميه (المزهر) و(العود) [8] .

وعلي كل حال فليس الطبل العزائي بربطاً.

ومنها: الطنبور. قال في (القاموس): أصله (دُنْبه برّه)، شبّه بإلية الحَمْل [9] وهذا التشبيه ينبئ عن كونه العود أو الطبل الصغير. ومقتضي تشكيله [10] في (المنجد) [11] أنه الآلة المعروفة باسم (الربابة).

ومنها: المعازف، جمع (معزف). قال في (القاموس): المعازف: الملاهي، كالعود والطنبور [12] وشبهه. وعن (النهاية) الأثيرية: المعازف هي الدفوف وغيرها مما يضرب [13] بها. وعن (مجمع البحرين): المعازف: آلات اللهو، يضرب بها [14] . وفي (المصباح): المعازف: آلات يضرب بها. وعن الأزهري: إذا قيل المعزف فهو نوع من الطنابير يتخذه أهل اليمن. قال: وغير الليث يجعل العود معزفاً [15] والظاهر أن المعازف آلات تشبه العود.

ومنها: المِزْهَر. وما عثرت علي النهي عنه باسمه. وقد سمعت تفسير البربط به. وقيل هو الدف الكبير ينقر به. وفي (القاموس): المزهر - كمنبر -: العود الذي يضرب به [16] وهذا غير بعيد.

هذه هي أنواع من الآلات اللهوية قد وقع النهي عن استعمالها [17] . وليس الطبل العزائي المستعمل في المواكب الحسينية - فيما رأيته في بلدان العراق - أحدها بلا شبهة، ولا شبيهاً بها، ولا أعرف الدليل علي حرمة استعماله إذا كان الضرب به غير لهوي ولا مطرب.

ولو أني عثرت علي النهي عن الطبل في شيء من الأدلة الشرعية، لكان للنظر في دلالة دليله علي العموم الأفرادي والأحوالي وعدمها، مجالٌ.

ولكن مع الفحص التام لم أعثر علي سوي المرويات في (الجعفريات) عن علي (عليه السلام) أنه قال: طرق طائفة من بني إسرائيل ليلاً عذاب، فأصبحوا وقد فقدوا أربعة: الطبّالين، والمغنيين... [18] .

وعن (دعائم الإسلام) عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: مرّ بي أبي وأنا غلام وقد وقفت علي زمارين وطبالين ولعابين أستمع، فأخذ بيدي وقال: مرّ، لعلك ممن شمت بآدم. فقلت: وكيف ذلك يا أبة؟ فقال: هذا الذي تراه كله من اللهو والغناء إنما صنعه إبليس شماتة بآدم حين أُخرج من الجنة) [19] .

وهذان الخبران مع ضعفهما عن إثبات الحرمة - خصوصاً الأخير منهما - لا عموم فيهما، بل الظاهر - ولو بقرينة الاقتران بالمغنين والزمّارين واللعابين - أن المراد بالطبالين مستعملي طبل اللهو، أو ما يكون الضرب به ملهياً: ويؤيّد هذا الظهور أن المتعارف عند الطبّالين والزمّارين هو استعمال الكوبات والكبرات، لا غيرها. هذا مع أن قوله - في ذيل الخبر الأخير - (هذا الذي تراه كله من اللهو والغناء إنما صنعه إبليس) ظاهر في إرادة الضرب اللهوي، لا مطلقاً كما يومئ إلي ذلك خبر سماعة المتقدم علي ما يراه شيخنا المرتضي.

ومن الغرائب أن جمعاً من المتفقّهة راموا إقامة الأدلة علي حرمة استعمال الآلات الثلاث، فرموا أهزع كنانتهم وأفرغوها بالاستدلال بقول أبي عبد الله (عليه السلام)-: (من أنعم الله عليه بنعمة، فجاء عند تلك النعمة بمزمار، فقد كفرها) [20] وبقوله (عليه السلام): وقد سئل عن السفلة، فقال: (من يشرب الخمر ويضرب بالطنبور) [21] وبقول السجّاد (عليه السلام)-: (لا يقدس الله أمّة فيها بربط يقعقع) [22] .

وأنت - مما أسلفناه وما يأتي - تعرف أن البوق ليس بمزمار، وأن البربط هو العود ذو الأوتار، وأن الطنبور ليس بطبل، بل هو آلة شبه العود تدعي الآن (ربابة).

وأما قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لنوف: (إياك أن تكون.. صاحب كوبة وهي الطبل) [23] فهو نهي عن الكوبة، وهي طبل قطعاً، ولكن ليس كل طبل كوبة، ويؤيّد هذا، بل يدل عليه ذيل هذا الحديث، وهو (أن نبي الله (صلي الله عليه وآله) خرج ذات ليلة، فنظر إلي السماء فقال: إنها الساعة التي لا تردّ فيها دعوة إلا دعوة عريف أو دعوة شاعر أو دعوة عاشر، أو شرطي أو صاحب عرطبة، أو صاحب كوبة) [24] .

وقس علي هذا كل ما تضمن النهي عن استعمال المزمار واستعمال الكوبة، كقوله (صلي الله عليه وآله) (أنهاكم عن الزفن والمزمار والكوبات والكبرات) [25] .


پاورقي

[1] النبوي المذکور هکذا (أعلنوا بهذا النکاح، واضربوا عليه بالدف). ولم أتحقق طريقه، ولم أجده - بغير فحص کامل - في کتب الحديث، وإنما أرسل في بعض کتب الفروع. والظاهر أنه عامي. ومثله قوله (صلي الله عليه وآله) (فصل ما بين الحلال والحرام والضرب بالدف عند النکاح). وقوله (لا يجوز ضرب الدف إلا في الأملاک).

[2] المبسوط 4: 20. م.

[3] السرائر: 388. م.

[4] تذکرة الفقهاء 2: 484. م.

[5] کشف اللثام 2: 193. و2: 373 من طبعة أخري.

[6] لأنه آلة لهو، ولاستفاضة الأخبار بالنهي عن استعماله، بحيث لا يصلح النبوي وحده مخصصاً أو مقيداً لها، لو تمت من جميع الجهات دلالته.

[7] القاموس المحيط 2: 350. م.

[8] المصباح المنير 1: 41. م.

[9] القاموس المحيط 2: 79. م.

[10] تشکيله: رسم شکله. م.

[11] المنجد: 472. م.

[12] القاموس المحيط 3: 175. م.

[13] النهاية في غريب الأثر 3: 230. م.

[14] مجمع البحرين 5: 99. م.

[15] المصباح المنير 2: 407. م.

[16] القاموس المحيط 2: 43. م.

[17] قد ذکر أکثر الأخبار الدالة علي النهي عنها وعن خصوص الکوبات والکبرات في الوسائل في أبواب التجارة. [12: 233] وملاحظتها لسهل علي أهل العلم الذين يهمهم معرفة الحال. وقد ورد في الأخبار تفسير الکوبة بالطبل [الخصال 1: 338]. وذلک مما لا ريب فيه. إنما الکلام في أن المنهي عنه في الخبر الطبل مطلقاً، أو الکوبة التي هي طبل مخصوص؟ والخبر المشار إليه يدل علي النهي عن کل کوبة لا عن کل طبل. وإنما ذکرت هذا لرفع التوهّم عن بعض الأفهام عندما يرون الخبر المذکور وهو هذا (يا نوف! إياک أن تکون عشّاراً أو شاعراً أو شرطياً أو عريفاً أو صاحب عرطبة وهي الطنبور، [أو صاحب کوبة وهي الطبل]) [الخصال 1: 338].

[18] الجعفريات: 169. م.

[19] دعائم الإسلام 2: 209. ولا يخفي أن هذّ الرواية ضعيفة سنداً للإرسال، ودلالة بما تشتمل عليه من مضامين خاطئة لا يمکن قبولها، مثل استماع الإمام الصادق (عليه السلام) للهو، وإن کان عمره قليلاً، فهي مطروحة بالکلية، أو خصوص القسم المشتمل علي تلک المضامين، تفکيکاً للحجية. م.

[20] الکافي 6: 432- 433. م.

[21] الخصال 1: 62. م.

[22] الکافي 6: 434. م.

[23] الخصال 1: 338. م.

[24] الخصال 1: 338. م.

[25] الکافي 6: 432. م.