بازگشت

الفرق بين طبل العزاء و طبل اللهو


الطبل هو اسم جنس يشمل طبولاً ليس كلها محرماً، بل المحرّم منها هو طبل اللهو، وهو الذي يستعمله المخنّثون من طبل وسطه ضيق، وطرفاه واسعان وهو بوجه واحد - علي ما ذكره العلامة [1] والمحقق الثاني [2] وغيرهما -. واسمه الذي يخصه في اللغة (كوبة) - بالضم -، أو (كبر) - بفتحتين -. ولم يقع موضوعاً للحكم بالحرمة في شيء من الأدلة سواهما.

وقد فسّر (الكوبة) في (الصحاح) [3] و(المصباح) [4] و(القاموس) [5] بالطبل الصغير المخصّر - بتشديد الخاء -. من التخصّر، وهو دقة الوسط من الإنسان وغيره.

وفي غير هذه فسّر بالطبل الصغير. بإسقاط لفظ (المخصّر). ومرادهم بالمخصّر ما نقلناه هنا عن العلامة والمحقق الثاني من كون وسطه ضيقاً. وهذا هو المستعمل اليوم عند أرباب الملاهي.

قال الأستاذ الإمام الشيخ محمّد عبده: هو المعروف بالدربكة (دنبركة). والظاهر أن هذه اللفظ حبشية، فإن الزنوج والحبش هم الذين ألقوها في العراق وفي مصر.

وعلي كلّ فليس الطبل العزائي - الذي يعبّر عنه بالدمّام - كوبة قطعاً، لأنه غير صغير ولا مخصّر. ولا كبراً، فإن (الكبر) - بوفاق من أهل اللغة -: الطبل بوجه واحد. وهذا ليس إلا طبل اللهو الذي وصفناه، فإن جميع ما عداه بوجهين.

وإذا لم يقع النهي في الأدلة إلا عن الكوبات والكبرات - كما يقف عليه المتتبع -، لا عن مطلق الطبل، فما هو الدليل علي حرمة الطبل العزائي أيها المهوّلون بلفظ الطبل؟ وليس هو كوبة ولا كباراً.

وهل بعد هذا إلاّ أن ينظر في أن الضرب به هل هو لهوي أم لا. فإن مختار المحققين وخاتمتهم شيخنا المحقق الأنصاري، وغيره أن حرمة استعمال حتي آلات اللهو - فضلاً عن المشتركة بينه وبين غيره - ليس من حيث خصوص الآلة، بل من حيث أنه لهوٌ، أي: ضرب علي سبيل البطر وشدة الفرح، حسب ما يستفاد من الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار [6] ، [7] .

فإن ادعي أحدٌ أن الضرب بالطبل العزائي ضرب لهوي واقع علي سبيل البطر والفرح وعلي الكيفية التي يستعملها أهل الملاهي، كان محرماً من هذه الجهة، وتشاركه حينئذ في الحرمة من الجهة المذكورة القصاع والطسوس والطشوت، لوحدة الملاك وفرض عدم حرمة استعمال الجميع بعناوينها الخاصة بها من كونها طبلاً أو قصعة أو طاسة أو كوبة. وإن لم يكن ضرباً لهوياً بذلك المعني، فما هو الدليل علي تحريمها؟

هذا ومن البديهي الوجداني أن الطبل المعود استعماله في النجف اليوم في المواكب الحسينية المرسومة فيه أيضاً، مع أنها لم يقصد بها اللهو، هي بنفسها لا لهو بها أصلاً، وإنما يقصد بها انتظام الموكب والإعلان بمسيره ووقوفه ومشايعة صوته لندبة أهل الموكب، فإن انتظامه يختل بخفاء أصوات النادبين كثيراً لولا مشايعته لها.

ظني أنه لما كان من المحقّق بالضرورة أن شيئاً من الطبول محرم الاستعمال (وكانت الأسماء الخاصة للمسميات التي هي موضوعات الحكم بالتحريم) مفقودة عند العامة في زماننا وما قبله، ولم يبق لديهم من الأسماء شيء يعرفونه سوي لفظ الطبل الذي هو اسم جنس، توهموا أنه هو المحرم. وربما كان بعضهم يتوهّم أن المراد باللهو المضاف إليه الضرب، مطلق اللعب.

ولكن بعد ما عرفت من أن الطبل بنحو كلي لم يقع موضوعاً للحكم بالحرمة في شيء من الأدلة، وبعد ما أشرنا إليه من أن المراد باللهو وبالضرب اللهوي - حسب ما يستفاد من تتبّع كثير من موارد استعماله في الكتاب والسنّة - اللعب علي سبيل البطر وشدة الفرح، [8] تعرف أن الطبل المحرّم الاستعمال غير الطبل العزائي إذا كان الضرب به بكيفية غير لهوية.

وهاهنا أوقفك علي ما أشرت إليه من أن الفقهاء لم يحرموا الطبل بقول مطلق، ويستثنوا منه طبل الحرب - كما يقول الكاتب - بل ذكروا له أفراداً وحكموا بحليّة الجميع إلا واحداً منها، وهو طبل اللهو.

قال العلاّمة الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلي في كتابه (تذكرة الفقهاء) (في كتاب الوصايا، في باب مسائل الوصية بالأعيان): (مسألة: لفظ (الطبل) يستعمل في طبل الحرب الذي يضرب به للتهويل، وعلي طبل الحجيج والقوافل الذي يضرب به لإعلام النزول والارتحال، وعلي طبل العطارين وهو سفطٌ لهم، وعلي طبل اللهو. وقد فسّر [9] بـ(الكوبة) الذي يضرب بها المخنّثون، وسطها ضيق، وطرفاها واسعان، وهي من آلات الملاهي. ولعل التمثيل بها أولي من التفسير [10] .

فإن أوصي بطبل حرب، صحت الوصية إجماعاً، لأن فيه منفعة مباحة. وكذا باقي الطبول إلا طبل اللهو، فإن كان للحال يصلح لطبل اللهو والحرب معاً، صحت الوصية أيضاً، لأن المنفعة به قائمة) [11] انتهي موضع الحاجة منه بلفظه.

وقال المحقق الثاني علي بن عبد العال الكركي العاملي (في باب الوصية من كتابه (جامع المقاصد) في شرح قول العلامة في القواعد (ولو أوصي بطبل لهو بطل)): لفظة (الطبل) تقع علي طبل الحرب، وعلي طبل الحجيج والقوافل، وعلي طبل العطارين، وعلي طبل اللهو. وفسّر بـ(الكوبة) التي يضرب بها المخنّثون، وسطها ضيق، وطرفاها واسعان، وهي من آلات الملاهي. ثم قال: إذا عرفت هذا فاعلم أن الطبل الذي الغرض المقصود منه أمر محلّل الذي ليس المراد منه اللهو، بل التهويل في قلوب الأعادي، يجوز اقتناؤه. ولو أوصي به، صحت الوصية إجماعاً نقله في التذكرة. ولو صلح للهوٍ وغيره، صحّت الوصية أيضاً للمنفعة المحلّلة. ولو لم يصلح إلاّ للهو، فإن أمكن إصلاحه لغيره، مع تغيير يسير، يبقي معه الاسم، صحّت أيضاً، خلافاً لبعض العامة، وإلاّ لم تصح. [12] انتهي موضع الحاجة ملخصاً.

وهاتان العبارتان صريحتان في أن المستثني مما يجوز هو طبل اللهو [13] ، لا أنه قد استثني الفقهاء مما لا يجوز استعماله طبل الحرب فقط، كما يتهجّم به الكاتب.

وأنت إذا أحطت خبراً بهذه الطبول، وتيقّنت أنها جميعاً - حتي طبل القافلة - يمكن أن يضرب بها ضرب لهوي كما يستعمله أهل الملاهي، فلماذا جوّزوا استعمالها والوصية بها واقتناءها وبيعها وشراءها؟ أليس لأنها ما أعدّت ولا هيّئت لذلك؟ أليس لكون الضرب العادي بها ليس ملهياً ولا مطرباً، بل هو ضرب إعلام وتنبيه أو تهويل، كما هو الشأن في الطبل المستعمل في العزاء.

الطبل العزائي لو كان من الآلات المشتركة بين اللهو وغيره، فلا ريب أن استعماله ليس لأجل اللهو والطرب ولا الضرب به علي الكيفية الملهية المطربة، ولهذا عد كاشف الغطاء (قدس سره) في عداد ما كان راجحاً لعنوان ينطبق عليه أكثر ما يقام في العزاء من (دق طبل إعلام، وضرب نحاس، وتشابيه صور). [14] وظاهر هذه العبارة، بل صريحها استحباب اتخاذ هذا الطبل في العزاء، لا جوازه.

ولم أقف علي مثل هذا من غيره سوي الشيخ الفقيه المتبحّر الشيخ زين العابدين الحائري المازندراني [15] في رسالته (ذخيرة المعاد)، [16] فإنه بعد السؤال عن حكم الطبل والصنج المستعملين في العزاء الحسيني، أجاب - بما ترجمة نصه -: (لا بأس به، بل هو من الأمور المطلوبة المحبوبة).

وقد تضمن تاريخ العصر البويهي - الحافل بفطاحل العلماء المتنفذين علي السلطان - ضرب الطبول في خمسة أوقات أيام سلطان الدولة بعد أن كانت تضرب في ثلاثة أوقات أيام عضد الدولة، حسب ما يؤثر عن تاريخ ابن الأثير وأبي الفداء. والظاهر أن ذلك الضرب للتنبيه علي أوقات الصلاة، وليس من المراسم السلطانية.

قد رأينا ورأي كل من صحب القوافل الكبري في جزيرة العرب طبل القافلة، وهو عين الدمام المتعارف استعماله في المواكب العزائية في النجف، أنهما في الشكل والحجم سواء، وفي كون الضرب عليهما بالآلة لا باليد سواء، وفي كون الضرب بهما منتظماً انتظاماً خاصاً سواء، وفي كون الغرض من ضربهما التنبيه والإعلام سواء، فما هو الفارق إذاً؟

إن طبل اللهو يفارق هذه الطبول في جميع هذه الخواص حتي في كيفية انتظام الضرب عليه، فإنه في طبل اللهو علي كيفية خاصة يعرفها أهل الملاهي ولا يجهلها كل أحد، وتلك الكيفية غير حاصلة في ضرب الدمام ولا في ضرب طبل القافلة.


پاورقي

[1] تذکرة الفقهاء 2: 4863. م.

[2] جامع المقاصد 10: 107. م.

[3] الصحاح 1: 215. م.

[4] المصباح المنير 2: 543. م.

[5] القاموس المحيط 1: 131. م.

[6] المکاسب 4: 243. المنقول بالمضمون. م.

[7] منها رواية سماعة عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: (لما مات آدم، شمت به إبليس وقابيل، فاجتمعا في الأرض، فجعل إبليس [وقابيل] المعازف [والملاهي] شماتة بآدم، فکل ما کان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذّذ به الناس) من الزفن والمزمار والکوبات والکبرات (فإنما هو من ذلک). [وسائل الشيعة: 233:12].

[8] هذه الموارد کثيرة، يضيق المقام عن عدها، ويوجد في الأخبار وکلمات اللغويين خلافها. والمختار - تبعاً للشيخ المحقق الأنصاري - هو ما ذکرناه. قال (قدس سره) في جملة کلام له في مکاسبه [: 244 - 246]: لکن الإشکال في معني اللهو، فإن فسر به مطلق اللهو - کما يظهر من الصحاح والقاموس - فالظاهر أن القول بحرمته شاذ مخالف للمشهور والسيرة، فإن اللعب - وهو الحرکة لا لغرض عقلائي - لهو، ولا خلاف ظاهراً في عدم حرمته. نعم لو خُصّ بما يکون عن بطر وفسّر بشدة الفرح، کان الأظهر تحريمه. ويدخل في ذلک الرقص والتصفيق والضرب بالطست بدل الدف، وکل ما يفيد فائدة آلات اللهو.

[9] أي فُسّر طبل اللهو. م.

[10] هذا التعبير من العلامة إما بملاحظة أن الکوبة فسرت بمعان، منها الطبل الضيق الوسط، ومنها النرد والشطرنج - کما في القاموس -. وإما بملاحظة أن الدف طبل لهو أيضاً، وليس هو بکوبة، فيکون تفسير طبل اللهو بالکوبة علي کل من الملاحظتين من قبيل تحديد المعني وإبانته بذکر فرد من أفراده نحو تفسير الأعم بالأخص، ولا يصح أن يکون تفسيراً حقيقياً، بل جعل ذلک مثالاً، خيرٌ من جعله تفسيراً.

[11] تذکرة الفقهاء 2: 483. م.

[12] جامع المقاصد 1: 107. م.

[13] لمعرفة المزيد من کلمات الفقهاء بهذا الشأن، راجع مفتاح الکرامة 7: 447 - 448، 477 - 478. م.

[14] کشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء: 53. م.

[15] کاشف الغطاء هو من لا يجهل منزلته في العلم وترويج الدين أحدٌ من عوام الشيعة في بلدانها، فضلاً عن العلماء. أما الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري فهو من خواص تلامذة خاتمة الفقهاء الأواخر الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر (قدس سره). وکان هذا الشيخ لشدة... وحفظه للجواهر، يستعين به أستاذه علي کتابة أجوبة الاستفتاءات التي ترد عليه من الآفاق دون سائر تلامذته. قدم العراق سنة 1250هـ فقطن کربلاء يتلمذ علي العلامة السيد إبراهيم القزويني صاحب الضوابط والدلائل. وعند وقوع الحصار علي کربلاء من بعض العادين عليها، انتقل إلي النجف، فلزم درس شيخه الأعظم صاحب الجواهر، إلي أن توفي شيخه المذکور سنة 1266هـ، فانتقل إلي کربلاء بأمر صدر من سيد الوصيين أمير المؤمنين (عليه السلام) في العالم الذي من رآهم فيه فقد رآهم. ومن آيات صدق تلک الرؤيا نجاح الشيخ المذکور في کربلاء واستقامة الأمر له وتمکنه من بث العلم وتربية العلماء. وما برح کربلاء حتي توفي بها في أواخر السنة العاشرة بعد الثلاثمائة وألف من الهجرة.

[16] طبعة بومباي، المطبوعة سنة 1316، ص 368 وص 435. وفي هذين الموضعين صرح بجواز استعمال طبل اللهو إذا کان القصد به حکاية حال قتلة الحسين في لهوهم. وقد سئل عن وجه ذلک - في ص 435 -، فقال: ولما کان الغرض علي ما يظهر من التواريخ، (علي ما قيل) من أنهم عليهم اللعنة والعذاب کانوا يشتغلون بآلات اللهو وقت مجيء أنصارهم جديداً، ووقت مبارزة الأبطال ونحو ذلک، فلو فرض ضرب بعض آلات اللهو بقصد حکاية ما کانوا يفعلونه في تلک الأوقات، فلا نضايق من إباحته وعدم حرمته، لاختلاف القصد، فتبصّر وتأمّل. فحينئذ في الغناء وبعض آلات اللهو يمکن فرض الحلية. لا يقال: أن الحکاية بالمحرم، محرمة. لأنّا نمنع حرمة هذه الأمور بهذا القصد، والأصل الإباحة، والله العالم. انتهي. وهذا من الغرائب التي ما کنتُ أحسب أن يجترئ عليه فقيه. وأغرب منه أن نسخة الکتاب المذکور عليها حواشي ولده العلامة الشيخ حسين، وحواشٍ خطية للمحقق الورع الميرزا محمد تقي الشيرازي الحائري المتوفي سنة 1337هـ، وقد أمضيا ذلک ولم يعلقا عليه شيئاً، وکذا جواب السؤال المترجم في الأصل ملخصاً. وعلّق العلامة الميرزا محمد تقي علي قوله (لا بأس به) هذه العبارة: (بالشرط السابق، أي إذا لم يصدق عليه أنه لهو).