بازگشت

تقريح الرضا جفونه


سيماء الصلحاء: (أيقرح الرضا جفون عينيه من البكاء - والعين أعظم جارحة نفيسة - ولا نتأسّي به، فنقرح علي الأقل صدورنا وبعض رؤوسنا)؟ [1] انتهي.

رسالة التنزيه: (وأما استشهاده بتقريح الرضا (عليه السلام) جفون عينيه، فإن صح فلابدّ أن يكون ذلك حصل قهراً واضطراراً، لا قصداً واختياراً، وإلا لحرم) [2] .

النقد النزيه: لم يرد في رواية أبداً أن الرضا (عليه السلام) تقرّحت جفون عينيه من البكاء وشبه ذلك من العبائر، وظني أن الكاتب يظن أن معاصره رمز بقوله (أيقرح الرضا عليه السلام) إلي خبر يتضمن أن الرضا (عليه السلام) تقرّحت جفون عينيه، وبما أنه لم يعرف خبراً كذلك، قال (إن صح).

ولكن المرموز إليه هو ما رواه الصدوق - في أماليه - عن إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا (عليه السلام) أنه قال - من جملة حديث طويل -: (أن يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا) [3] . وهذا لا يدل علي أن الرضا (عليه السلام) فقط قد قرح البكاء عينيه، بل هو وسائر الأئمة وجميع أبناء الحسين قد تقرحت جفونهم.

وأما قوله: إن ذلك التقريح المحرّم - علي رأيه - قد صدر من الإمام بغير قصد واختيار، فإن أراد أن الإمام يكون به مسلوب الإرادة حتي يرتفع عنه التكليف، نافي ذلك عصمة الإمام الذي تعتقد الإمامية أن حاله في الاختيار والاضطرار لا يختلف، حتي في النوم وأن حاله فيه كحاله في اليقظة، وأنه وغيره لا يغيّر منه شيئاً من جهة الاختيار والإدراك والمعرفة، لأنه إذا نامت عيناه، لا ينام قلبه، وقد بالغوا في عدم صدور شيء منه بغير اختيار حتي عند المرض والموت، حتي قالوا أنه لا يتثاءب ولا يتمطي [4] .

وإن أراد أن البكاء المقرح للأجفان يصدر منه بطبيعة المحبّة والأبوة، فهذا - كما سلف - لا يرفع التكليف، لأنه لا ينافي الاختيار، وعلي هذا يكون التقريح المحرّم قد صدر منه باختياره، و(تلك لعمر الله قاصمة الظهر).

إن التقريح الذي يحصل بأسبابه الاختيارية لا يمكن في العادة صدوره بغير اختيار، إلاّ أن يكون البكاء نفسه واقعاً بغير اختيار.

نعم يمكن أن يصدر البكاء المقرح من أحد وهو لا يعلم بترتّب التقريح المحرّم عليه، لكن الإمام إن لم يجب عند الكاتب تنزيهه عن الجهل بالموضوعات، فهو واجب التنزيه عند كافة الإمامية عن فعل الحرام جهلاً به، لطهارته من جميع الأرجاس والمعايب، وتأييده بروح القدس الذي لا يلهو ولا يغفل ولا ينام، يخبره ويسدده أن يصدر منه العثار والخطل في القول والعمل [5] .

ليس الإشكال في الخبر من جهة تقريح الرضا (عليه السلام) جفون عينيه فقط، بل ومن جهة إخباره به، فإن كان خبره صدقاً، كان إخباراً منه بإيقاعه الحرام - علي رأي الكاتب - عمداً أو جهلاً، وكان الأولي به حيث فعله أن لا يخبر به. وإن كان كذباً، فإنا نبرأ إلي الله ممن يحتمل ذلك.

وربما يختلج ببال أحد أنه صادر في مورد المبالغة في شأن تلك الفادحة المحضة، والمبالغة إن لم تكن من الكذب الذي يتنزّه عنه الإمام، لا بأس بها. ويتّجه حينئذ حمل فقرة الحديث عليها.

وعلي مثل هذا يحمل أيضاً قول الحجة - إن صح - في زيارته لجده الحسين (لأندبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً)، لا علي البكاء الاضطراري، لأنه (عليه السلام) لم يخبر بوقوع البكاء منه ليحمل علي ذلك، وإنما يعِد به وعداً.

ولكن كيف يكون البكاء - وإن كان اضطرارياً - دماً؟ وهل يمكن أن تدمع العين دماً؟ وما هو وجه المبالغة لو أنه (عليه السلام) أراد أن يبالغ بشدة بكائه وكثرته، إذ إن المناسب - علي هذا - أن يقول: (لأبكينّ بكاءً يغمر وجه الأرض بالدمع) وشبه ذلك، لا قول (لأبكينّ دماً).

وقد يريد (عليه السلام) بذلك أنه يبكي باحتراق وشدة حتي تتقرح أجفانه من عظم حرق المصيبة حتي تمتزج دموعه بالدم المتفجّر من أجفانه القريحة، إذ يصدق حينئذ أن يقال أنه بكي علي جده دما. كما إنّا أوّلنا بذلك ما روي من السجاد (عليه السلام) أنه كان إذا أخذ إناءً ليشرب ماءً بكي حتي يملأه دماً [6] .

وحينئذ يأتي رأي الكاتب في أن هذا البكاء المخصوص أو ذلك التقريح الموعود به هل يقع من الحجّة - عن قهر واضطرار أم قصد واختيار.


پاورقي

[1] سيماء الصلحاء: 80.

[2] التنزيه: 21.

[3] الأمالي: 111 (مجلس 27).

[4] قد دلت علي ذلک أخبار کثيرة مروية في (بصائر الدرجات) [صفحة 420 - 421] وغيرها، وذکرها المجلسي في البحار.

[5] هذه أيضاً مضامين مروية في البصائر [صفحة 451 - 457]، والبحار [106: 17، 18: 2684، 25: 55].

[6] لم أجد هکذا رواية في مظانها.