بازگشت

ترقيات فرقة الشيعة المحيرة للعقول


شرح الدكتور (جوزف) أحد مشاهير مؤرخي فرنسا في كتابه المسمي (الاسلام و المسلمين) ترقيات كل فرقة من الفرق الاسلامية بأدلتها، و المؤلف المذكور يدعي انه الي الآن لم يشرح أحد مؤرخي اوروبا أحوال المسلمين بأدلتها مثله.

ترجمة ما نقلته جريدة حبل المتين عند الدكتور جوزف الفرنسي:


أولا: قسم المؤلف المسلمين الي قسمين فقال: بعد وفاة موسس الاسلام محمد صلي الله عليه و آله و سلم وقع الاختلاف في عقيدة اتباعه بسبب الخلافة، فقالت طائفة بخلافة صهره علي بن أبي طالب، و خضعب فرقة اخري لخلافة أبي زوجته أبي بكر بن أبي قحافة، و في الحقيقة أنه من يوم مفارقة محمد بن عبدالله الدنيا صار اختلاف الكلمة بين المسلمين محسوسا، ولكن لا يمكن أن يفهم من التواريخ زمان افتراق اسم هاتين الفرقتين؛ أعني في أي زمان سمي أتباع الصهر شيعة [1] و أتباع أبي الزوجة سنيين و لكن التباين بين هاتين الفرقتين صار يكثر يوما فيوما الي أن صار الصهر خليفة و خالفته عائشة زوجة النبي و بنت الخليفة الاول، و نشر لواء الملكية في الشام معاوية أخو الزوجة الثانية للنبي و نشبت الحروب و سفكت الدماء، فكانت العداوة الي ذلك الزمان قلبية، فلما آل الامر الي سفك الدماء و طلب الثأر صارت علنية، و تسمي كل من الفرقتين علنا مع الافتخار أحدهما بالشيعي و الآخر بالسني الي أن قام ملك الشام بالاغارة علي أتباع صهر النبي و قتلهم، و جعل يذكر اسمه بالشتم و القبح في مساجد المسلمين و علي منابرهم، و استمر ذلك الف شهر، فزاد هذا العمل العداوة بين الشيعة و السنين.

مع أن السلطنة و الاقتدار التام لم ترافق فرقة الشيعة الا أياما قليلة؛ اي أيام خلافة علي بن أبي طالب، و لكن يكن لهم كثير قوة و اقتدار، مع هذا كله كانوا


كالجراد المنتشر، و كانوا لا يظهرون أنفسهم خوفا علي حياتهم الي أن قتلوا سبط محمد مع أصحابه قرب الكوفة بأمر يزيد ابن ملك الشام.

اكتسبت هذه المسألة أهمية كبري، و أفجعت أبتاع صهر محمد و قوتهم، و جعلتهم مستعدين لمتابعة العمل، فأنشبوا الحروب، و سفكوا الدماء و أقاموا المآتم حتي آل الأمر الي أن جعلت هذه الفرقة مأتم سبط النبي جزءا من المذهب و الايمان، و بما أن هذه الفرقة تعتقد أن روؤساء الدين بعد النبي اثنا عشر شخصا من أولاد علي و فاطمة، و ان أقوال كل واحد من هؤلاء و أفعالهم في كل حال هي قول الله و الرسول و ثاني القرآن، و أئمة هذه الفرقة أيدتها في اقامة مأتم الحسين، أصبحت علي التدريج أحد أركان مذهب الشيعة، بل ركنه الأعظم.

لم يكن لهذه الفرقة الاسلامية الاولي كثير ظهور. و يمكن اسناد قلة هذه الطائفة الي سبيين:

أحدهما: ان الرئاسة و الحكم التي هي بالاصالة مورثة لنشوء و نمو أتباع المذهب كانت من بدء الاسلام بيد الفرقة الثانية.

ثانيهما: انه كان القتل و الاغارة عليهم في كل زمان و مكان، و لهذا حكم أحد أئمة الشيعة في أوائل القرن الثاني من السلام بالتقية و اخفاء مذهب الشعية، حفظا لنفوسهم و أموالهم.

التقية قوت هذه الفرقة، لأنهم حيث لم يكونوا ظاهرين لم تنلهم أيدي أعدائهم القوية بالقتل و الغارة، و أقاموا المآتم تحت الستار يبكون فيها علي الحسين فأثرت هذه المآتم في قلوب هذه الطائفة الي حد انه لم يمر عليها ز من كثير حتي بلغت الأوج في الترقي، و دخل في هذه الطائفة بعض الوزراء و كثير من


الملوك و الخلفاء، فبعضهم أخفي ذلك تقية، و بعضهم أظهره جهرا.

من بعد الامير تيمور الكورگاني و رجوع سلطنة ايران قليلا قليلا الي الصفوية، اتخذت فرقة الشيعة ايران مركزا لها، - بموجب تخمين بعض سائحي فرنسا أن الشيعة سدس أو سبع المسلمين - و نظرا الي ترقي هذا الطائفة في مدة قليلة بدون اجبار أصلا يمكن القول بانه لا يمضي قرن أو قرنان حتي يزيد عددها علي عدد سائر فرق المسلمين، و العلة في ذلك؛ هي اقامة هذه المآتم التي جعلت كل فرد من أفرادها داعية الي مذهبة.

اليوم لا يوجد نقطة من نقاط العالم يكون فيها شخصان من الشيعة الا و يقيمان فيها المآتم، و يبذلان المال و الطعام. رايت في بندر (مارسل) في الفندق شخصا واحدا عربيا شيعيا من أهل البحرين يقيم المأتم منفردا جالسا علي الكرسي بيده الكتاب يقرأ و يبكي، و كان قد أعد مائدة من الطعام ففرقها علي الفقراء!

هذه الطائفة تصرف في هذا السبيل الاموال علي قسمين، فبعضهم يبذلون في كل سنة من أوالهم خاصة في هذا السيل بقدر استطاعتهم ما يقدر بالملايين من الفرنكات، و البعض الآخر من أوقاف خصصت لاقامة هذه المآتم، و هذا المبلغ طائل جدا، و يمكن القول بأن جيمع فرق المسلمين منضمة بعضها الي بعض لا تبذل في سبيل مذهبها ما تبذله هذه الطائفة، و موقوفات هذه الفرقة هي ضعف اوقاف سائر المسلمين أو ثلاثة أضعافها.

كل واحد من هذه الفرقة بلا استثناء سائر في طريق الدعوة الي مذهبه، و هذه النكتة مستورة عن جميع المسلمين حتي الشيعة أنفسهم فانهم لا يتصورون هذه الفائدة من عملهم هذا، بل قصدهم الثواب الاخروي، و لكن بما ان كل عمل


في هذا العالم لابد ان يظهر له بطبيعته أثر، فهذا العمل أيضا يؤثر ثمرات للشيعة، من المسلم أن المذهب الذي دعاته من خمسين الي ستين مليونا لا محالة يترقي علي التدريح ترقيا لائقا بهم، حتي ان الرؤساء الروحانية، و الملوك و الوزراء لهذه الفرقة ليسوا بخارجين عن صفة الدعوة، فقراء و ضعفاء هذه الفرقة بما انهم حصلوا و يحصلون علي فوائد كلية من هذا الطريق، فهم يحافظون علي اقامة هذه المآتم أكثر من كبرائها؛ لأنهم رأوا في هذا العمل ثواب الآخرة و أجر الدنيا، فلهذا ترك جمع غفير من عرفاء هذه الفرقة أسباب معاشهم، و اشتغلوا بهذا العمل، فهم يتحملون المشاق ليتمكنوا من ذكر فضائل كبراء دينهم، و المصائب التي أصابت أهل هذا البيت بأحسن وجه و أقوي تقرير علي رؤوس المنابر و في المجالس العامة.

و بسبب هذه المشاق التي اختارتها هذه الجماعة في هذا الفن تفوقت خطباء هذه الفرقة علي جميع الطوائف الاسلامية، و حيث ان تكرار المطلب الواحد يورث اشمئزاز القلوب و عدم التأثير، فهؤلاء الجماعة يتحملون المشاق فيذكرون جميع المسائل الاسلامية العائة لمذهبهم في هذه الطريقة علي المنابر، حتي آل الأمر الي أن أصبح الأميون من الشيعة أعرف في مسائل مذهبهم ممن يقرأون و يفهمون من الفرق الاسلامية الاخري من كثرة ما سمعوا من عرفائهم.

اليم اذا نظرنا في كل نقطة من نقاط العالم من حيث العدد و النفوس نري ان اليق المسلمين بالمعرفة و العلم و الحرفة و الثروة هي فرقة الشيعة، دعوة هذه الفرقة غير محصورة في أهل مذهبهم أو في سائر الفرق الاسلامية، بل أي قوم وضع أفراد هذه الطائفة أقدامهم بينهم يسري في قلوب أهل تلك الملة


هذا الأثر.

ان العدد الكثير الذي يري اليوم في بلاد الهند من الشيعة هو من تأثير اقامة هذه المآتم، فرقة الشيعة حتي في زمان السلاطين الصفوية لم تسع في ترقي مذهبها بقوة السيف، بل ترقت هذا الترقي المحير للعقول بقوة الكلام الذي هو أشد تأثيرا من السيف، ترقت اليوم هذه الفرقة في اداء مراسمها المذهبية بدرجة جعلت ثلثي المسلمين يتبعونها في حركاتها، جم غفير من الهنود و الفرس و سائر المذاهب أيضا شاركوهم في أعمالهم، و هذا أمر واضح انه بعد مضي قرن تودع هذه الخيالات بطريق الارث لأبناء تلك الطوائف، فيسلمون بها أو يعتقدون بذلك المذهب، و يحث ان فرقة الشيعة تعتقد ان جميع مطالبها مرتبطة بكبراء مذهبها و يطلبون المدد منهم في الحوائج و الشدائد، فسائر الفرق ايضا التي تشاركهم في أفعالهم و تتأسي بهم كثيرا، فبمجرد مصادفة قضاء حوائجهم تزداد عقيدتهم رسوخا.

من هده القرائن و الأسباب يمكن ان يستدرك انه لا يمر زمن قليل علي هذه القرقة حي تتفوق من حيث العدد علي جميع الفرق الاسلامية، كان أكثر هذه الفرقة الي ما قبل قرن أو قرنين ما عدا ايران يعملون بالتقية في مذهبهم لقلة العدد، و عدم القدرة، و من الزمن الذي استولت فيه دول الغرب علي الممالك الشرقية و أعطت الحرية لجميع المذاهب، تظاهرت هذه الفرقة بمراسم مذهبها في كل نقطة، و هذه الحرية أفادتهم بدرجة أنها رفعت من مذهب الشيعة اسم التقية.

بمناسبة الاسباب التي ذكرت، وقفت هذه الفرقة علي مقتضيات العصر أكثر من سائر الفرق الاسلامية، و اقدمت علي كسب المعاش و تحصيل العلوم أكثر من


الآخرين و من هذه الوجهة فالرجال العاملون الذين يعيشون بكد اليمين يوجدون فيهم أكثر من سائر فرق المسلمين و حيث ان الغالب عليهم العمل، فالملازمون لهم و خدامهم يصيرون بالطبع تابعين لهم، علاوة علي ذلك انهم بواسطة الأعمال يحتاج الناس اليهم، و محبتهم و معاشرتهم لسائر الفرق موجبة لاختلاط الآخرين معهم عند مشاركتم لهم في مجالسهم و محافلهم، و حينما يصغي المباشرون لهم الي سماع اصول مذهبم و أحاديثهم مرة بعد مرة لا محالة يألفون مشربهم، و هذا هو عمل الدعاة، و الاثر الذي يترتب علي هذه الوضعية هو الأثر الذي توخته عرفاء دول الغرب في ترقية دين المسيح مع بذل أموال تحير العقول.

من جملة الامور السياسية التي ألبستها روؤساء فرقة الشيعة لباس المذهب من عدة قرون و صارت مورثة جدا لجلب قلوبهم و قلوب غيرهم؛ هي اصول التمثيل باسم الشبيه و التعزية في مأتم الحسين، التمثيل أدخلته حكماء الهند في عباداتها لعدة أغراض خارجة عن موضوع بحثنا، الاوربيون بمقتضي السياسة ألبسوا التمثيل لبسا التفرج، و أظهروا في محلات التفرج العمومية لأنظار العام و الخاص امورا سياسية مهمة لاستجلاب القلوب، و قليلا قليلا أصابوا هدفين بسهم واحد؛ تفريح الطبائع، و جلب قلوب العامة في الامور السياسية.

فرقة الشيعة حصلت من هذه النكتة علي فائدة تامة فألبست ذلك لباس المذهب، فيستنبط ان فرقة الشيعة اخذت هذا العمل من الهنود، و علي كل حال فالتأثير الذي يلزم أن يحصل علي قلوب العامة و الخاصة في اقامة العزاء و الشبيه قد حصل.


من جهة يذكرون في مجالس قراءة التعزية المتواصلة، و علي المنابر المصائب التي وردت علي روؤساء دينهم، و المظالم التي وردت علي الحسين، و مع تلك الاحاديث المشوقة الي البكاء علي مصائب آل الرسول.

فتمثيل تلك المصائب للأنظار أيضا له تاثير عظيم و يجعل العام و الخاص من هذه الفرقة راسخ العقيدة فوق التصور، و هذه النكات الدقيقة صارت سببا في انه لم يسمع بأحد من هذه الفرقة من ابتداء ترقي مذهب الشيعة انه ترك دين الاسلام أو دخل في فرقة اسلامية اخري.

هذه الفرقة تعمل الشبيه بأقسام مختلفة، فتارة في مجالس مخصوصة و مقامات معينة و حيث انه في امثال هذه المجالس المخصوصة و المقامات المعينة يكون اشتراك الفرق الاخري معهم أقل، و أوجدوا تمثيلا بوضع خاص، فعلموا الشبيه في الأزقة و الأسواق، و داروا به بين جميع الفرق، و بهذا السبب تتأثر قلوب جميع الفرق منهم و من غيرهم بذلك الأثر الذي يجب أن يحصل من التمثيل، و لم يزل هذا العمل شيئا فشيئا يورث توجه العام و الخاص اليه، حتي أن بعض الفرق الاسلامية الاخري و بعض الهنود قلدوا الشيعة فيه، و اشتركوا معهم في ذلك.

و عمل الشبيه في الهند أكثر رواجا منه في جميع الممالك الاسلامية، كما ان سائر فرق الاسلام هناك أكثر اشتراكا مع الشيعة في هذا العمل من سائر البلاد. و يظن أن اصول التمثيل و عمل الشبيه بين الشيعة قد جاءت من جهة سياسة السلاطين الصفوية الذين كانوا أول سلسلة استولت علي السلطنة بقوة المذهب و روؤساء الشيعة الروحانيون شيئا فشيئا ايدوا هذا العمل و اجازوه.


و من جملة الامور التي صارت سببا في ترقي هذه الفرقة و شهرتها في كل مكان هو ارادة أنفسهم بالمرأي الحسن، بمعني ان هذه الطائفة بواسطة مجالس المأتم، و عمل الشبيه، و اللطم و الدوران، و حمل الأعلام في مأتم الحسين، جلبت اليها قلوب باقي الفرق بالجاه و الاعتبار و القوة و الشوكة، لانه من المعلوم أن كل جمعية و جماعة و تجلب اليها الأنظار و توجه اليها الخواطر الي درجة ما.

مثلا لو كان في مدينه عشرة آلاف نفس متفرقين، و كان في محل الف نفس مجتمعين، كانت شوكة الألف و عظمتهم في أنظار الخاص و العام أكثر من العشرة آلاف، مضافا الي انه اذا اجتمع ألف نفس انضم اليهم من غيرهم بقدرهم بعضهم للتفرج، و بعضهم للصداقة و الرفاقة، و بعضهم لأغراض خاصة، و بهذا الانضمام تتضاعف قوة الألف و شوكتهم في الانظار.

لهذا تري انه في كل مكان و لو كانت جماعة من الشيعة قليلة يظهر

عددها في الأنظار بقدر ما هي عليه مرتين، و شوكتها و قوتها بقدر

ما هي عليه عشر مرات، و أكثر أسباب معروفية هؤلاء القوم ترقيهم هي هذه النكتة.

و من جملة الامور الطبيعية التي صارت مؤيدة لفرقة الشعية في التأثير في قلوب سائر الفرق هو أظهار مظلومية أكابر دينهم، و هذه المسألة من الامور الطبيعية؛ لأن كل أحد بالطبع ينتصر للمظلوم، و يحب غلبة الضعيف علي القوي، و الطبائع البشرية أميل الي الضعيف، و لو كان مبطلا و المظلوم منها الي القوي و ان كان محقا و الظالم خصوصا اذا كان بعيدا أو مرت عليه أعوام.


و منصفوا أوروبا الذين كتبوا تفصيل مقاتلة الحسين و أصحابه و قتلهم مع انه ليس لهم عقيدة بهم أصلا، أذعنوا بظلم قاتليهم بظلم قاتليهم و تعديهم و عدم رحمتهم، و يذكرون أسماء قاتليهم بالاشمئزاز.

و هذه الامور طبيعة لا يقف امامها شي ء، و هذه النكتة من المؤيدات الطبيعية لفرقة الشيعة.

انتهت ترجمة ما أردنا نقله مما نقلته جريدة حبل المتين الفارسية عن الدكتور جوزف الفرنسي، و قد أفاض الكاتب في امور اخر برهن علي أنها من أسباب ترقي الشيعة، كالقول بالاجتهاد، و الاعتقاد بوجود المهدي، تركنا ذكرها لعدم تعلقها.



پاورقي

[1] في هامش الأصل: «لفظة الشيعة کانت مستعملة علي عهد النبي صلي الله عليه و آله و لم يکن يلقب بها و قتئذ سوي أربعة من الصحابة سلمان و عمار و المقداد و أبي‏ذر، ثم انتشرت بعد ذلک بصفين في أصحاب علي عليه‏السلام، ذکر ذلک أبوحاتم السجستاني في الجزء الثالث من کتاب (الزينة)، و أما لفظة السنة فلم تکن لتعرف الا عام صلح الحسن عليه‏السلام لمعاوية، حيث لقب بها معاوية و اتباعه، کما نص علي ذلک جملة من المؤرخين (مجلة العلم) بل الظاهر ان لفظة أهل السنة الطلقت في زمن العباسين فقط. منه رحمه الله».