بازگشت

في الاشارة الي ما في هذه المآتم من الفوائد الدينية و الدنيوية


و لذلك اتفق العقلاء كافة علي تجديد الذكري لعظمائهم في كل عام، و الاهتمام بها علي قدر عظم الشخص الذي تعمل لأجله، و قد اقميت في دمشق و سائر بلاد سورية و نحن نشتغل بهذا الكتاب حفلة تذكار لمن يسمونهم شهداء الوطن، الذين صلبهم جمال باشا في عهد الدولة العثمانية و ابان الحرب العمومية، و ذلك لأنهم سعوا في تحرير الوطن و تخليصه من ظلم الأتراك، و ان كانت عاقبة أعمالهم ما هو معلوم، فأقيمت لهم شعائر الحزن، و انشدت في رثائهم و تأبينهم القصائد، و تليت الخطب، و سارت المواكب تحمل بشارات الحزن.

و انا لنكتب هذه السطور و نحن نسمع قصف المدفع بدمشق لذكري يوم مقتل (جان دارك) الفتاة الفرنسية التي قتلت في سبيل وطن قومها، و احرقت حية كما مر في الفصل الثالث.

و من عهد غير بعيدة، قامت ضجة في مجلس الصلح بين الدول فيها الانكليز من الأتراك تملك الأرض التي دفنت فيها قتلاهم بجنب الدردنيل و لم يبرموا معاهدة الصلح حتي أعطوهم ذلك كما مر في الفصل الثالث أيضا و تعداد ما هو من هذا القبيل يوجب طول الكلام، و محافظة عقلاء الامم علي ذك ليس الا لما علموه فيه من الفوائد.

و أي عظيم في أي امة قام بمثل ما قام به الحسين بن علي عليه السلام من الأعمال العظيمة لاقامة الحق و اماتة الباطل و هدم ما أسسه الظالمون لهدم الدين الاسلامي، و قاوم الظلم و الاستبداد بأقوي الوسائل، فلو أنصف


جميع المسلمين ما تعدوا خطة الشيعة في هذه المآتم التي اعترف بعظيم فوائدها عقلاء الامم و مفكروهم، كما ستعرف عند نقل كلام (جوزيف) الفرنسي (و ماربين) الأماني.

و نحن نشير الي جملة من فوائد هذه المآتم التي نقيمها هي في غاية الظهور و البداهة لمن تأمل و أنصف اذا روعيت شروطها و اقيمت علي اصولها.

الاول: مواساة النبي صلي الله عليه و آله و أهل بيته، فانه حزين لقتل ولده بلا رب، و قد دلت عليه جملة من الاحاديث تقدمت في محالها؛ و أي أمر أهم و أوجب و أعظم فائدة من مواساته صلي الله عليه و آله؟ و هل يمكن أن يكون المرء صادقا في دعوي حبه للنبي صلي الله عليه و آله و أهل بيته، و هو لا يحزن لحزنهم، و لا يفرح لفرحهم، أو يتخذ يوم حزنه صلي الله عليه و آله يوم عيد و سرور؟

الثاني: ان فيها نصرة للحق و احياء له، و خذلانا للباطل و اماتة له، و هي الفائدة التي من أجلها أوجب الله الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بالقلب و باللسان و بالجوارح، فان لم يمكن بالجوارع اقتصر علي اللسان و القلب، فان لم يكن باللسان اقتصر علي القلب.

الثالث: ان فيها حثا علي وجوب معرفة الفضل و الصفات السامية لأهلها، و في ذلك من الحث علي وجوب الاقتداء بهم ما لا يخفي.

الرابع: ان في تلاوة أخباره هذه الواقعة العظيمة، و تذكرها في كل عام فائدة عظيمة، هي الفائدة في تدوين التواريخ و حفظها و ضبطها.

الخامس: انه لولا اعادة ذكرها في كل عام لنسيت و آل أمرها الي الاضمحلال، و لوجد أهل الأغراض وسيلة الي انكارها و انكار فظائعها، و قد وقع


ذلك في عصرنا، فقام بعض من يريد التنويه بشأن بني امية و يتعصب لهم ينفي عن يزيد قتل الحسين عليه السلام و يقول: انه وقع بغير أمره و بغير رأيه، و يودع ذلك مؤلفاته و يقوم به خطيبا علي المنابر، فذكرنا بذلك قول ابن منير [1] في رائيته المشهورة:



و أقول ان يزيد ما

شرب الخمور و لا فجر



ولجيشه بالكف عن

أبناء فاطمة أمر



و له مع البيت الحرام

يد تكفر ما غبر



و ذكرنا بذلك أيضا ما وقع مع بعض علماء الشيعة حين قيل له: ان الحسين عليه السلام قتل قبل ألف و مئات من السنين، فما معني تجديد كم لذكري قتله في كل عام؟

فقال: خفنا أن تنكروا قتله كما أنكرتم بيعة الغدير!

السادس: ان فيها تهجينا للظلم و القسوة حيث انها تصورها بأقبح صورها،


و في ذلك من الحث علي التباعد عنها، و بعض الظلم و أهله ما لا يخفي.

السابع: انها ترقق القلوب، و تبعث علي الرحمة و الشفقة و الانتصار للمظلوم.

الثامن: انها تغرس في النفس حب الفضيلة، و الاعتماد علي النفس و الشجاعة، و عزة النفس و اباء الضيم، و عدم الخنوع للظلم، و مقاومته بأقصي الجهد، بايراد ما صدر من الحسين عليه السلام من اختيار المنية علي الدنية، و موت العز علي حياة الذل، و مصرع الكرام علي طاعة اللئام، و الي ذلك أشار مصعب بن الزبير [2] بقوله:



و ان الاولي بالطف من آل هاشم

تأسوا فسنوا للكرام التأسيا



التاسع: انها مدرسة يسهل فيها التعلم و الاستفادة لجميع طبقات الناس، فيتعلمون فيها التاريخ و الأخلاق و التفسير و الخطابة و الشعر و اللغة و غير ذلك، و توقف السامع علي بليغ كلام من نظم و نثر، زيادة علي ما فيها من تهذيب النفوس، و غرس الفضيلة فيها، لأن ما يتلي فيها لا يخلو غالبا من شي ء مما ذكر، و يشتغل فيها الخاصة بمذاكرة المسائل العلمية من كل علم، و البحث عنها و تبادل الآراء فيها كما هي العادة المألوفة في العراق و غيره.

العاشر: انها ناد للوعظ و الارشاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و ما يجري هذا المجري ففيها جلب الي طاعة الله، و ابعاد عن معصيته بأحسن الطرق و أنفعها بما يلقي فيها من الواعظ المؤثرة، و قضايا الصالحين و الزهاد و العباد


و غير ذلك.

الحادي عشر: أن الاجتماع في تلك المجالس يكون مانعا عن اجتماع البطالين في المقاهي و المجالس المعلوم حالها، خصوصا في مثل هذا الزمان، فان الانسان مدني بالطبع، و لا بدله من الاجتماع مع أبناء جنسه، أما علي خير أو علي شر، فالاجتماع في هذه المجالس مانع عن الاجتماع في مجالس الشر لا سيما انها تشتمل علي ما يجذب النفوس اليها، و يرغبها فيها.

الثاني عشر: انها جامعة اسلامية دينية تجتمع فيها القلوب علي مقصد واحد، و ترمي الي هدف واحد في جميع أقطار الأرض، و هو مواساة النبي و أهل بيته عليه و عليهم الصلاة و السلام في مصابهم، و في ذلك من اعلاء شأنهم، و التمسك بحبلهم، و جمع القلوب علي حبهم، و الائتمار بأمرهم، و الانتهاء عن نهيهم ما لا يخفي.

الثالث عشر: انها مجمع و موتمر ديني و دنيوي يتسني فيه للمجتمعين البحث و تبادل الآراء في شؤونهم و شؤون اخوانهم النائين عنهم الدينية و الدنيوية بغير كلفة و لا مشقة.

الرابع عشر: انها نادي تبشير بالدين الاسلامي و مذهب أهل البيت في جميع أنحاء المعمورة بأقوي الوسائل و أنفعها، و أسهلها و أبسطها، و أشدها تأثيرا في النفوس بما تودعه في قلوب المستمعين من بذل اهل البيت الذين هم رؤساء الدين الاسلامي أنفسهم و أموالهم و دماءهم في نصرة دين الاسلام، و ما تشتمل عليه من اظهار محاسن الاسلام و مزاياه، و آياته و معجزاته التي أبانوا عنها بأقوالهم و أفعالهم، و شؤونهم و أحوالهم مما لا يدانيه ما تبذل عليه الأموال الطائلة من سائر الامم، و تتحمل لأجله المشاق العظيمة.


الخامس عشر: ان فيها عزاء عن كل مصيبة و سلوة عن كل رزية فاذا رأي الانسان ان سادات المسلمين، بل سادات الناس و آل بيت المصطفي صلي الله عليه و آله جري عليهم من انواع الظلم و المصائب ما جري، هانت عليه كل مصيبة، و في المثل المشهور: من رأي مصيبة غيره هانت عليه مصيبته.

و الي ذلك أشار الشاعر بقوله:



أنست رزيتكم رزايانا التي

سلفت و هونت الرزايا الآتية



السادس عشر: ان فيها حثا علي الزهد في الدنيا، و الرغبة في الآخرة، فاذا علم المرء ان سادات المسلمين و أئمتهم و أهل بيت النبوة قد ابتلوا بهذه المصائب في الدنيا، فكانت سببا لعلو درجتهم في الآخرة، علم ان الدنيا لو كانت تساوي عند الله تعالي جناح بعوضة لما ابتلي أولياءه فيها بما ابتلاهم، و لما سقي الكافر منها شربة ماء كما جاء في الأثر و كما أشار اليه الشاعر بقوله:



لهم جسوم علي الرمضاء مهملة

و أنفس في جوار الله يقريها



كأن قاصدها بالضر نافعها

و ان قاتلها بالسيف محييها



السابع عشر: ان فيها تأليفا للقلوب بالتزاور و الاجتماع، و التحادث و التعاون و التعارف.

الثامن عشر: ما فيها من البر و المواساة و اعانة الفقراء و الضعفاء بما ينفق فيها من المال و الزاد في ثواب الحسين عليه السلام.

التاسع عشر: و هو من أهمها ان المصلحة التي استشهد الحسين عليه السلام من أجلها و في سبيلها، و الغاية السامية التي كان يرمي في جهاده و استشهاده اليها، و هي احياء دين جده صلي الله عليه و آله، و اظهار فضائح المنافقين، تقضي


باستمرار هذه المآتم طول الدهر، و اقامة التذكار لها في كل عصر، و اظهارها للخاص و العام، تقوية لتلك المصلحة و تثبيتا لها، فلولا قتل الحسين عليه السلام لما ظهر للخاص و العام فسق يزيد و كفره و فجوره و قبائح من مهد له، و مكنه من رقاب المسلمين.

و ذلك لان الذين دفعوا أهل البيت عن حقهم ظهروا للناس بمظهر النيابة عن رسول الله صلي الله عليه و آله، و تظاهروا بتأييد الدين، فخفي أمرهم علي أكثر الناس، و بدلوا من أحكام الشريعة ما شاءوا، و اتبعهم جل الامة جهلا أو رغبا أو رهبا، و أمروا علي الامة أعوانهم و أتباعهم، و أقصوا أولياء الله و أبعدوهم و حرموهم، و ساموهم أنواع الأذي من القتل و الضرب، و النفي و الصلب، و لعنوا أميرالمؤمنين عليه السلام علي منابر الاسلام، و كنوا به عن أخيه و ابن عمه، و اظهروا للامة أنهم هم آل رسول الله صلي الله عليه و آله و قرابته، و الأحق بمقامه، و قد قال أهل الشام لبني العباس انهم ما كانوا يعرفون قرابة لرسول الله صلي الله عليه و آله الا بني امية، و لو دام الحال علي ذلك لأصبح الدين أثرا بعد عين.

فلما ثار عليهم الحسين عليه السلام، و أبي اطاعتهم و الانقياد لهم قائلا: انا أهل بيت النبوة، و معدن الرسالة، و مختلف الملائكة، بنا فتح الله، و بنا ختم، و يزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، و مثلي لا يبايع مثله [3] و سلم نفسه و ولده و خواص شيعته و أهل بيته للقتل، و أطفاله للذبح، و عياله و نساءه للسبي، و أمواله للنهب، و لسان حاله يقول:




ان كان دين محمد لم يستقم

الا بقتلي يا سيوف خذيني



ظهر بذلك ما هم عليه خصومه من الكفر و النفاق، بل الخروج عن حدود الانسانية، و ظهرت عداوتهم لله، و انتقامهم من رسول الله صلي الله عليه و آله كما صرح بذلك رئيسهم بقوله:



لست من خندف ان لم انتقم

من بني أحمد ما كان فعل [4] .



فلم يكتفوا بقتل ولده و سبطه و أهل بيته و أنصاره عطشا حتي قطعوا رأسه و رؤوس أصحابه و داروا بها في البلدان، و داسوا جسده الشريف بحوافر الخيل، و نهبوا رحله، و أحرقوا خيامه، و لم يكتفوا بذلك حتي حملوا عقائل بيت النبوة سبايا علي أقتاب المطيا من بلد الي بلد كانهن سبايا الترك أو الديلم، و أدخلواهن علي مجالس الرجال، و قابلوهن بأخشن المقال، و أوقفوهن علي درج باب المسجد الجامع بدمشق حيث يقام السبي، و وضعوا الأغلال في عنق زين العابدين حتي كأنه من قطاع الطريق، أو من اساري الكفار العاتين، فأظهر الحسين عليه السلام بقتله فضائح المنافقين، و اسقطم من قلوب المسلمين، و استلفت الأنظار بمصيبته الي سائر مصائب أهل البيت، و أبان بمصيبته أن هذا البناء علي ذلك الأساس، و هذا الحصد من ذلك الزرع، و هذا السيل من ذلك المطر، و هذه النار من ذلك الشرر، و ان الحسين عليه السلام لم يقتل في يوم كربلاء، بل قبله بعشرات من الأعوام و نبه الأفكار الي البحث عن أساس هذه الفاجعة و أسبابها و عن أول شرارة قدحت لأضرامها.


و ما المسبب لو لم ينجح السبب



بني لهم الماضون أساس هذه

فعلوا علي أساس تلك القواعد



سهم أصاب و راميه بذي سلم

من بالعراق لقد أبعدت مرماك



فتحركت النفوس لنصره أهل البيت عليهم السلام، و الاخذ بثار هم حتي قتل من أهل الشام في وقعة عين الوردة بين ابراهيم بن مالك الأشتر و عبيدالله بن زياد سبعون األفا، و لم يقتل منهم بعد وقعة صفين مثلما قتل في هذه الوقعة، و انتبه من أنار الله بصيرته الي نصوص الكتاب و السنة فيهم و انقادت النفوس الي حبهم، و تألبت علي عدوهم و أبغضته و نفرت منه، و عاد كثير من الامة الي اقتفاء آثار أهل البيت، و الاقتباس من علومهم، و أخذ دين جدهم و علمه الذي اودعه اياهم عنهم، فعادت بذلك الي الدين حياته، و ارتفع مناره، و احييت و تجددت آثاره و لو لا قتل الحسين عليه السلام لكانت الناس كلها الي اليوم تأخذ معالم دينها عن يزيد و سلفه، و لما كان يعرف أحد حملة دين الله، و معادن علم رسول الله صلي الله عليه و آله، و هذا ظاهر لمن تدبر و أبصر و لم يعمه الهوي و التعصب.

و مما يدل علي ان الحسين عليه السلام سلم نفسه للقتل عالما كما عهده اليه أبوه عن جده صلي الله عليه و آله لقصد احياء الدين، و اظهار فضائح المنافقين ما أشرنا الي جله في خاتمة لواعج الأشجان [5] :

من قوله في خطبته حين عزم علي الخروج الي العراق: كأني بأوصالي


يقطعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلاء [6] الي كثير من فقراتها.

و نهي عمر بن عبدالرحمن بن الحارث له بمكة عن الخروج محتجا بما لا يدفع، و لا يمكن أن يخفي مثله علي الحسين عليه السلام من اتيانه بلدا فيه عماله و امراؤه، و معهم بيوت الأموال، و ان الناس عبيد الدينار و الدرهم، و عدر أخذه بقوله مع اعتذاره اليه و اعترافه بنصحه [7] .

و نهي ابن عباس له محتجا بنحو ذلك و معاودته النهي و اشارته باليمن، فلم يقبل منه [8] .

و قوله لأخيه محمد بن الحنفية: أتاني رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: يا حسين اخرج فان الله قد شاء أن يراك قتيلا.

قال: ما معني حملك هذه النسوة معك؟

قال: ان الله قد شاء ان يراهن سبايا [9] .

و قول ابن عمر له: انك مقتول في وجهك هذا، و ما ظهر له ما كان ليخفي علي الحسين عليه السلام [10] .

و قول الفرزدق له: قلوب الناس معك و أسيافهم عليك [11] .

و قول بشر بن غالب له: خلفت القلوب معك و السيوف مع بني امية


و تصديقه له [12] .

و نهي عبدالله بن جعفر له، و اشفاقه عليه من ذلك الوجه أن يكون فيه هلاكه، و استئصال أهل بيته، و قول الحسين عليه السلام له انه رأي جده صلي الله عليه و آله في المنام و أخبره بما هو ماض له، و امتناعه من الاخبار بتلك الرؤيا [13] .

و نهي عبدالله بن مطيع له قائلا: و الله لئن طلبت ما في أيدي بني امية ليقتلنك و اباؤه الا المضي [14] .

و قول الاعرب له: انا لا نستطيع أن نلج و لا نخرج القاضي باستيلاء عدوه استيلاء تاما و خطورة الامر [15] .

و اخبار اخته زينب بما سمعته حين نزلوا الخزيمية [16] .

و ما رآه في منامه بالثعلبية [17] .

و قول الاسديين [18] له حين أخبراه بقتل مسلم و هاني، و أشارا عليه بالرجوع: انه ليس لك بالكوفة ناصر، بل هم عليك. [19] .


و استشارته بني عقيل و امتناعهم من الرجوع، و قوله للأسديين: لا خير في العيشس بعد هؤلاء [20] الدال علي ان استشارتهم ليجيبوا بالامتناع، فيعتذر الي الأسديين، و انه عازم علي عدم الرجوع علي كل حال مع ظهور الخطر.

و قوله حين جاءه خبر مسلم و هاني و ابن يقطره: قد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف [21] ؟ و عدم رجوعه بعد تفرقهم عنه.

و قوله لعمرو بن يوذان [22] حين أشار عليه بالرجوع لأن الذين كتبوا اليه لم يكفوه مؤنة القتال و انه لا يقدم الا علي الأسنة و حد السيوف ليس يخفي علي الرأي، و لكن الله تعالي لا يغلب علي أمره. [23] .

و قوله: والله لا يدعوني حتي يستخرجوا هذه العقلة من جوفي [24] .

و قوله: و أيم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لا ستخرجوني حتي يقتلوني [25] .

و كتابه الي بني هاشم: من لحق بي استشهد، و من تخلف عني لم يبلغ الفتح [26] .

و قوله لام سلمة - حين قالت له: يا بني لا تحزني بخروجك الي العراق فاني سمعت جدك صلي الله عليه و آله يقول: يقتل ولدي الحسين بأرض


يقال لها كربلاء -، يا اماه و أنا والله أعلم ذلك، و اني مقتول لا محالة، و ليس لي منه بد، و قد شاء الله أن يراني مقتولا، و يري حرمي مشردين و أطفالي مذبوحين [27] .

و قول اخيه عمر له حين امتنع من بيعة يزيد: حدثني أخوك أبومحمد عن أبيه، ثم بكي حتي علا شهيقه، فضمه الحسين اليه و قال: حدثك اني مقتول.

قال: حوشيت يا ابن رسول الله.

فقال: بحق ابيك بقتلي خبرك؟

قال: نعم، فلو بايعت.

فقال عليه السلام: حدثني أبي أن رسول الله صلي الله عليه و آله أخبره بقتله و قتلي، و ان تربتي تكون بقرب تربته، أتظن أنك علمت ما لم أعلم [28] ؟

و قول جده صلي الله عليه و آله له في المنام لما ذهب ليودعه: بأبي أنت كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الامة ما لهم عندالله من خلاق [29] .

و قوله: لولا تقارب الأشياء، و حبوط الأجر لقاتلتهم بهؤلاء- يعني الملائكة - و لكن أعلم علما أن من هناك مصعدي، و هناك مصارع أصحابي، لا


ينجو منهم الا ولدي علي [30] .

و قوله: الموعد حفرتي و بقعتي التي استشهد فيها و هي كربلاء [31] .

و قوله لمؤمني الجن: فاذا اقمت في مكاني، فبماذا يمتحن هذا الخلق المتعوس، و من ذا يكون ساكن حفرتي - الي أن قال - و لكن تحضرون يوم السبت، و هو يوم عاشوراء الذي في آخره اقتل [32] .

و قوله لابن عباس و ابن الزبير حين أشارا عليه بالامساك: ان رسول الله صلي الله عليه و آله أمرني بأمر، و أنا ماض فيه. فخرج ابن عباس و هو يقول: واحسيناه [33] .

و قوله لما اخبر بقتل قيس بن مسهر: فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر [34] .

و انه ما نزل منزلا و لا ارتحل منه الا ذكر يحيي بن زكريا و قتله [35] الي غير ذلك.

و كل ما ذكرناه مسطور في كتب السير و المقاتل.



پاورقي

[1] هو مهذب الدين عين الزمان أبوالحسين أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح الطرابلسي، ولد سنة 473 ه، کان أديبا فاضلا، و شاعرا فحلا، و عالما باللغة و حافظا للقرآن، و کان من کبار الامامية و أجلاء طرابلس، و قد توفي سنة 548 ه. أما سبب نظمه قصيدته هذه، انه کان بينه و بين الشريف الموسوي نقيب الأشراف مودة و مراسلات، فأرسل هدية الي الشريف مع عبد أسود، فأرسل الشريف يعتبه، و کتب اليه: اما بعد، فلو علمت عددا أقل من الواحد، و لونا أشر من السواد بعثت به الينا و السلام. فأرسل ابن‏منير هدايا اخري للشريف مع أعز مملوک عنده يدعي (تتر) لا يفارقه في نوم و لا يقظة، فلما وصلت الي الشريف توهم ان (تتر) من ضمن الهدايا فضمه اليه، فلما طال الأمر علي ابن منير و لم يرجع اليه مملوکه أخبر الشريف بانه سيخرج من مذهب التشيع الي مذهب السنة و يفارق الحق الي الباطل، و الهدي الي الضلال، فکانت هذه القصيدة الرائعة. فلما وصلت الي الشريف ضحک و قال: قد أبطأنا عليه فهو معذور، ثم جهز المملوک مع هدايا حسنة.

انظر: وفيات الاعيان 139: 1، الروضتين في أخبار الدولتين 227: 1، شذرات الذهب 146: 4، خريدة القصر: 72، الغدير 331: 4، أمل الآمل 35: 1، النجوم الزاهرة 229: 5.

[2] في هامش الأصل: «ذکر ابن‏الاثير في تاريخه ان مصعب بن الزبير لما کان يحارب عبدالملک بن مروان و رأي تخاذل أهل الکوفة عنه قال لعروة بن المغيرة بن شعبة: أخبرني عن الحسين بن علي کيف صنع بامتناعه من النزول علي حکم ابن‏زياد و عزمه علي الحرب؟ فأخبره، فقال: و ان الاولي بالطف من.... منه رحمه الله».

[3] تاريخ الطبري 376: 5، أنساب الأشراف 15: 4، الأخبار الطوال: 228، مناقب ابن شهراشوب 208: 2.

[4] هذا البيت من ضمن أبيات نسبت لابن الزبعري و قد تمثل بها يزيد عندما جي‏ء اليه برأس الحسين عليه‏السلام. انظر: مرأة الزمان: 99، مقتل الخوارزمي 66: 2، الأثار الباقية: 331، تفسير القمي 86: 2.

[5] لواعج الأشجان: 247.

[6] مقتل الخوارزمي 186: 1.

[7] مقتل الخوارزمي 197: 1.

[8] الأخبار الطوال: 218.

[9] تاريخ الطبري 191: 5، الکامل في التاريخ 7: 4.

[10] أمالي الصدوق: 93.

[11] تاريخ الطبري 218: 5، الکامل لابن الأثير 16: 4، تذکرة الحفاظ للذهبي 338: 1.

[12] مثير الأحزان: 21.

[13] تاريخ الطبري 218: 5.

[14] الطبقات الکبري 144: 5.

[15] الکامل لابن الأثير 16: 4.

[16] مثير الأحزان: 23.

[17] أمالي الصدوق: 93، کامل الزيارات: 75، المهلوف: 131.

[18] و هما: عبدالله بن سليم و المنذر بن المشمعل. الکامل لابن الأثير (16: 4).

[19] المهلوف: 134، الکامل لابن الأثير 17: 4.

[20] الکامل لابن الأثير 17: 4.

[21] سير اعلام النبلاء 208: 3.

[22] کذا في الأصل، و في المصدر: عمرو بن لوذان.

[23] تاريخ الطبري 226: 5.

[24] نفس المهموم: 98.

[25] تاريخ الطبري 191: 6.

[26] کامل الزيارات: 75، بصائر الدرجات: 141.

[27] تاريخ الطبري 189: 5، دار السلام للنوري 102: 1.

[28] الأخبار الطوال: 29، المهلوف: 100.

[29] أمالي الصدوق: 93 المجلس (30).

[30] مقتل الخوارزمي 185: 1.

[31] تاريخ الطبري 190: 5.

[32] مثير الأحزان: 27.

[33] الملهوف: 101.

[34] اعلام الوري: 136.

[35] تاريخ الطبري 230: 5.