بازگشت

رثاء متمم بن نويرة و غيره اخاه مالكا


قال أبوالعباس المبرد في الكامل، و ابن خلكان في ترجمة وثيمة بن موسي بن الفرات من الوفيات: أن متمما لما بلغه مقتل اخيه حضر الي مسجد رسول الله صلي الله عليه و سلم، فلما صلي ابوبكر صلاة الصبح، قام متمم بحذائه، و اتكأ علي سية قوسه ثم قال:



نعم القتيل اذ الرياح تناوحت [1]

خلف البيوت قتلت يا ابن الأزور [2] .



أدعوته بالله ثم غدرته

لو هو دعاك بذمة لم يغدر



و أومأ الي أبي بكر، فقال: والله ما دعوته، و لا غدرته. ثم انشد:



و لنعم حشو الدرع كان و حاسرا

و لنعم مأوي الطارق المتنور [3] .



لا يمسك الفحشاء تحت ثيابه

حلو شمائله عفيف المئزر



ثم بكي، و انحظ عن سية قوسه، فما زال يبكي حتي دمعت عينه العوراء، فقام اليه عمر بن الخطاب فقال: لوددت انك رثيت زيدا أخي بمثل ما رثيت به مالكا أخاك - الي أن قال -: و يروي عن عمر انه قال: لو كنت أقول الشعر كما تقول، لرثيت أخي كما رثيت أخاك.

قال: و يروي أن متمما رثي زيدا فلم يجد، فقال له عمر: لم لم ترث زيدا كما رثيت مالكا؟

فقال: والله انه ليحركني لمالك ما لا يحركني لزيد [4] انتهي.


وروي ابن عبد ربه في العقد الفريد عن الرياشي: أن متمم بن نويرة أنشد بعد فراغ أبي بكر من صلاة الصبح - و ذكر الأبيات المتقدمة سوي قوله -: ولنعم حشو الدرع... (البيت)، و قال بدل «خلف البيوت» «تحت البيوت» و بدل «ثم غدرته» «ثم قتلته» و بدل «لا يمسك» «لا يضمر».

قال: ثم بكي حتي سالت عينه العوراء.

قال: أبوبكر ما دعوته، و لا قتلته [5] انتهي.

فهذا متمم قد رثي أخاه و بكاه و هما من الصحابة امام عامة الصحابة، فلم ينكر عليه أحد، بل تمني عمر أن يكون قد رثي أخوه بمثله كما سمعت.

و قال متمم أيضا يرثي أخاه مالكا - و هي التي تسمي ام المراثي كما في العقد الفريد [6] -.

و قال المبرد في الكامل أنها من أشعار العرب المشهورة المتخيرة في المراثي [7] انتهي.

و نحن نختار بعض ما أورداه منها و بين روايتيهما اختلاف في التقديم و التأخير و الزيادة و النقصان:



لقد غيب المنهال تحت ردائه

فتي غير مبطان العشيات أروعا [8] .



تراه كنصل السيف يهتز للندي

اذا لم تجد عند امري ء السوء مطمعا



فعيني هلا تبكيان لمالك

اذا هزت الريح الكثيب الممرعا



و ما كان وقافا اذا الخيل أحجمت

و لا طالبا من خشية الموت مفزعا






و لا بكهام سيفه من عدوه

اذا هو لاقي حاسرا أو مقنعا



و اني متي ما ادع باسمك لم تجب

و كنت حريا ان تجيب و تسمعا



فان تكن الأيام فرقن بيننا

فقد بان محمودا اخي حين و دعا



فعشنا بخير في الحياة و قبلنا

أصاب المنايا رهط كسري و تبعا



و كنا كندماني جذيمة حقبة

من الدهر حتي قيل لن يتصدعا



فلما تفرقنا كأني و مالكا

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا



سقي الله أرضا حلها قبر مالك

رهام الغوادي الزجيات فأمرعا



و قد تمثلت عائشة بعشر متمم استحسانا له.

قال ابن عبدالبر في ترجمة عبدالرحمن بن ابي بكر: انه لما اتصل خبر موته باخته عائشة ام المؤمنين (رض) ظعنت من المدينة حاجة حتي وقفت علي قبره، و كانت شقيقته، فبكت عليه و تمثلت:

و كنا كندماني.... البيت السابق و الذي بعده [9] انتهي.

و قال متمم أيضا يرثي أخاه مالكا أورده أبو تمام في الحماسة:



قد لامني عند القبور علي البكا

صديقي لتذراف الدموع السوافك



فقال أتبكي كل قبر رأيته

لقبر ثوي بين اللوي فالدكادك



فقلت له: ان الشجي يبعث الشجي

فذرني فهذا كله قبر مالك [10] .



و قال أبوزهير السعدي في قتل خالد بن الوليد مالكا و تزوجه امرأته، ذكر ذلك ابن خلكان في ترجمة و ثيمة بن موسي بن الفرات:



الا قل لحي أوطئوا بالسنابك

تطاول هذا الليل من بعد مالك



قضي خالد بغيا عليه لعرسه

و كان له فيها هوي قبل ذلك






فأمضي هواه خالد غير عاطف

عنان الهوي عنها و لا متمالك



و أصبح ذا أهل و أصبح مالك

الي غير شي ء هالكا في الهوالك



فمن لليتامي و الأرامل بعده

و من للرجال المعدمين الصعالك



اصيبت تميم غثها و سمينها

بفارسها المرجو سحب الحوالك



فهذه نبذه مقنعة من مراثي الصحابة، اما مراثي شعراء المسلمين للحسين عليه السلام خاصة من يوم قتله الي اليوم فلا يحيط بها نطاق البيان، فضلا عن مراثي غيره التي تسالم المسلمون عليها بدون نكير و أنشدوها و استنشدوها و دونوها و حفظوها و كلها مما يثير الأحزان، يهيج الأشجان، بل لم توضع المراثي الا لذلك.



پاورقي

[1] تناوحت: تقابلت.

[2] في هامش الاصل: «هو ضرار بن الأزور الأسدي الذي قتل مالک بأمر خالد بن الوليد».

[3] في هامش الاصل «الطالب نار القري. منه رحمه الله».

[4] الکامل للمبرد 162: 3.

[5] العقد الفريد 21: 2.

[6] العقد الفريد 21: 2، الکامل 172: 3.

[7] الکامل للمبرد 163: 2.

[8] قال المبرد: أي لا يأکل في آخر نهاره انتظاره للضيف.

[9] الاستيعاب 497: 2.

[10] الحماسة 237: 1.