بازگشت

استنشاد ائمة أهل البيت الشعر في الحسين، و بكاؤهم عليه


روي الصدوق في الأمالي؛ و ابن قولويه في الكامل بسنديهما عن أبي عمارة المنشد، عن أبي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام قال: قال لي: يا أبا عمارة انشدني في الحسين بن علي فأنشدته فبكي ثم انشدته فبكي قال: فوالله ما زلت اندشه فيبكي حتي سمعت البكاء من الدار.

فقال: يا أبا عمارة من أنشد في الحسين بن علي شعرا فأبكي خمسين فله الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فأبكي ثلاثين فله الجنة، و من أنشد في الحسين شعرا فأبكي عشرين فله الجنة، و من أنشد في الحسين شعرا فأبكي عشرة فله الجنة، و من انشد في الحسين شعرا فأبكي واحدا فله الجنة، و من أنشد في الحسين شعرا فبكي فله الجنة، و من أنشد في الحسين شعرا فتباكي فله الجنة [1] .

وروي الكشي في كتاب الرجال، بسنده عن زيد الشحام قال: كنا عند أبي عبدالله - يعني جعفر الصادق عليه السلام - و نحن جماعة من الكوفيين، فدخل


جعفر بن عفان [2] علي أبي عبدالله، فقربه و أدناه، ثم قال: يا جعفر. قال: لبيك، جعلني الله فداك.

قال: بلغني انك تقول الشعر في الحسين عليه السلام و تجيد.

فقال له: نعم، جعلني الله فداك.

قال: قل، فأنشده فبكي و من حوله حتي صارت الدموع علي وجهه و لحيته، ثم قال: يا جعفر و الله لقد شهدت [3] ملائكة الله المقربون هاهنا يسمعون قولك في الحسين عليه السلام، و لقد بكواكما بكينا و أكثر، و لقد أوجب الله تعالي لك يا جعفر في ساعتك الجنة بأسرها، و غفرالله لك.

فقال: يا جعفر، ألا ازيدك؟

قال: نعم يا سيدي.

قال: ما من أحد قال في الحسين شعرا فبكي و أبكي به الا اوجب الله له


الجنة و غفر له [4] .

أقول: و ستأيي له مرثية في الحسين عليه السلام في الفصل الثاني.

وروي ابن قولويه في الكامل، عن أبي هارون المكفوف [5] قال: دخلت علي أبي عبدالله عليه السلام فقالي لي: أنشدني، فأنشدته، فقال: لا كما تنشدون، و كما ترثيه عند قبره، فأنشدته.



امرر علي جدث الحسين

و قل لأعظمه الزكية [6] .



قال: فلما بكي أمست أنا، فقال: مر، فمررت. ثم قال: زدني فأنشدته:



يا مريم [7] قومي و اندبي مولاك

و علي السحين فأسعدي بباك [8] .



[قال:] [9] فبكي و تهايج النساء، فلما سكتن قال لي: يا أباهارون، من أنشد في الحسين فأبكي عشرة فله الجنة، ثم جعل ينتقص [10] واحدا واحدا حتي بلغ الواحد، فقال: من أنشد في الحسين عليه السلام فأبكي واحدا فله الجنة، ثم قال: من ذكره فبكي فله الجنة [11] .


وروي الصدوق في ثواب الاعمال، و ابن قولويه في الكامل بسنديهما عن أبي هارون المكفوف قال: قال لي أبوعبدالله عليه السلام: يا أباهارون، انشدني في الحسين، فأنشدته فقال لي: انشدني كما تنشدون - يعني بالرقة -، قال: فأنشدته امرر علي جدث الحسين..... البيت.

فبكي ثم قال: زدني، فانشدته القصيدة الاخري فبكي، و سمعت البكاء من خلف الستر، فلما فرغت قال: يا أباهارون، من أنشد في الحسين شعرا فبكي و أبكي عشرة، كتبت لهم الجنة، و من أنشد في الحسين شعرا فبكي و أبكي كتبت لهم الجنة، و من ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدمع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه علي الله عزوجل و لم يرض له بدون الجنة [12] .

قوله: بالرقة - بكسر الراء المشددة - أي بالطريقه التي تستعملونها عند الانشاد، التي فيها الرقة و الطلاوة، و التي توجب التأثير في القلب، لا مجرد التلاوة، و هو المراد بقوله في الرواية الاولي: «كما تنشدون و كما ترثيه عند قبره».

وسها من فسر الرقة هنا بالبلدة التي علي الفرات التي هي بفتح الراء.

وروي ابن قولويه في الكامل بسنده عن عبدالله بن غالب قال: دخلت علي أبي عبدالله عليه السلام فأنشدته مرثية الحسين بن علي، فلما انتهيت الي هذا الموضع - و ذكر بيتا من القصيدة [13] .



- صاحت باكية من وراء


الستر يا ابتاه [14] .

وروي الصدوق في ثواب الأعمال، و ابن قولويه في الكامل بأسانيدهما، عن أبي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام قال: من أنشد في الحسين بيتا من شعر فبكي و أبكي عشرة، فله و لهم الجنة، و من أنشد في الحسين بيتا فبكي و أبكي تسعة، فله و لهم الجنة، فلم يزل حتي قال: من أنشد في الحسين بيتا [15] فبكي - واظنه قال: أو تباكي - فله الجنة [16] .

وروي أبوالفرج الأصبهاني - و هو من عظماء المؤرخين الموثوق بهم، و المعترف بفضلهم وسعة اطلاعهم عند جميع المسلمين - في كتاب الأغاني بسنده عن علي بن اسماعيل التميمي، عن أبيه قال: كنت عند أبي عبدالله جعفر بن محمد عليه السلام فاستأذن آذنه لسيد الحميري [17] ، فأمر بايصاله و أقعد


حرمه خلف ستر، و دخل فسلم و جلس، فاستنشده فأنشد قوله:



امرر علي جدث الحسين

فقل [18] لأعظمه الزكية



يا أعظما لا زلت من

وطفآء ساكبة روية [19] .



و اذا [20] مررت بقبره

فأطل به وقف المطية



وابك المطهر للمطهر

و المطهرة النقية



كبكاء معلولة أتت

يوما لواحدها المنية



قال: فرأيت دموع جعفر بن محمد تنحدر علي خديه، و ارتفع الصراخ من داره حتي أمره بالامساك فأمسك [21] .

وروي ابوالفرج في الكتاب المذكور عن التيمي، عن أبيه، عن فضيل الرسان قال: أنشد جعفر بن محمد قصيدة السيد:



لام عمر باللوي مربع

طامسة اعلامه بلقع



فسمعت النحيب من داره، فسألني: لمن هي؟ فأخبرته أنها للسيد، و سألني عنه فعرفته و فاته، فقال: رحمه الله [22] الحديث.

وروي الصدوق في عيون أخبار الرضا بسنده عن عبدالسلام بن صالح


الهروي قال: دخل دعبل بن علي الخزاعي [23] رحمه الله علي أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام بمرو، فقال له: يا ابن رسول الله اين قد قلت فيكم قصيدة، و آليت علي نفسي ان لا انشدها أحدا قبلك.

فقال عليه السلام: هاتها، فأنشده:



مدارس آيات خلت من تلاوة

و منزل وحي مقفر العرصات [24] .



فلما بلغ الي قوله:



أري فيأهم في غيرهم متقسما

و أيديهم من فيئهم صفرات [25] .



بكي أبوالحسن الرضا عليه السلام و قال له: صدقت يا خزاعي.

فلما بلغ الي قوله:



اذا وتروا مدوا الي واتريهم

أكفا عن الأوتار منقبضات [26] .



جعل أبوالحسن يقلب كفيه و يقول: أجل و الله منقبضات.

فلما بلغ الي قوله:



لقد خفت في الدنيا و أيام سعيها

و اني لأرجو الأمن بعد وفاتي



قال الرضا عليه السلام: آمنك الله يوم الفزع الأكبر.

فلما انتهي الي قوله:




و قبر ببغداد لنفس زكية

تضمنها الرحمن في الغرفات [27] .



قال له الرضا عليه السلام: أفلا الحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟

قال: بلي يا ابن رسول الله.

فقال عليه السلام:



و قبر بطوس يا لها من مصيبة

[ألحت علي الأحشاء بالزفرات] [28] .



الي الشحر حتي يبعث الله قائما

يفرج عنا الهم و الكربات



فقال دعبل: يا ابن رسول الله، هذا القبر الذي بطوس قبر من هو؟

فقال الرضا عليه السلام: قبري [29] . الحديث.


پاورقي

[1] أمالي الصدوق: 121 ح 6، کامل الزيارات: 106 ح 2، ثواب الأعمال: 109 ح 2،، بحارالانوار 282: 44 ح 156.

[2] هو ابوعبدالله جعفر بن عفان الطائي، من رجال الشيعة المخلصين، کان معاصرا للامام الصادق عليه‏السلام. و قد أطراه علماء الرجال و وثقوه، و قد توفي في حدود سنة 150 ه و هو الذي رد علي مروان ابن أبي‏حفصة القائل:



خلوا الطريق لمعشر عاداتهم

حطم المناکب کل يوم زحام‏



ارضوا بما قسم الاله لکم به

و دعوا وراثة کل أحيد حام‏



اني يکون و ليس ذاک بکائن

لبني البنات وراثة الأعمام‏



فقال جعفر بن عفان:



لم لا يکون و ان ذاک الکائن

لبني البنات وراثة الاعمام‏



للبنت نصف کامل من ماله

و العم متروک بغير سهام‏



ما للطليق و للتراث و انما

صلي الطليق مخافة الصمصام‏



انظر: الأغاني 8: 7 و 45:9 و 17: 12، شعراء الشيعة للمرزباني: 116، عيون أخبار الرضا 188: 1،أمالي الطوسي 24: 2، الاحتجاج 214: 1.

[3] کذا في الأصل، و في المصدر: شهدک.

[4] رجال الکشي: 298 ح 508، بحارالأنوار 282: 44 ح 16.

[5] واسمه - علي ما احتمله الشيخ المامقاني في تنقيح المقال -: موسي بن عمير مولي آل جعدة بن هبيرة الکوفي، أو ابن أبي‏عمير - علي ما في الکافي - وعده الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الامامين الباقر و الصادق عليهماالسلام.

[6] في هامش الأصل: «هذا البيت للسيد حميري کما يأتي أنشده أبوهارون انشادا و لم ينشئه انشاء. منه رحمه الله».

[7] من المصدر، و في الأصل: يم، و هي غير واضحة في نسخة المؤلف کما ذکر رحمه الله.

[8] الظاهر أنه مطلع قصيدة للسيد حميري أيضا، قال ابن‏قولويه - کما في الرواية الآتية - عن أبي‏هارون نفسه، و فيها - بعد قول الامام -: زدني، قال: فأنشدته القصيدة الاخري، فالظاهر من هذا التعبير: الاخري من قصيدتي السيد نفسه، فان أباهارون کان منشدا لا منشئا.

[9] من المصدر.

[10] في المصدر: ينقص.

[11] کامل الزيارات: 105 ح 5، بحارالانوار 287: 44 ح 25.

[12] ثواب الأعمال: 108 ح 1، کامل الزيارات: 100 ح 3، بحارالانوار 288: 44 ح 28.

[13] في هامش الأصل: «لم نذکره لان النسخة مغلوطة و لا يستقيم للبيت المذکور يها معني، فليذکره من يجده صحيحا. منه رحمه الله».

أقول: و قد راجعنا المصادر التاريخية المختلفة فوجدنا البيت الذي ذکره هو:



لبلية تسقو حسينا

بمسقاة الثري غير الشراب

[14] کامل الزيارات: 105 ح 3، عوالم الامام الحسين عليه‏السلام: 541، بحارالانوار 286: 44 ح 24.

[15] في المصدر: شعرا.

[16] ثواب الاعمال: 110 ح 3، کامل الزيارات: 105 ح 4، بحارالانوار 289: 44 ح 29.

[17] أبوهاشم اسماعيل بن محمد بن يزيد الحميري، ولد في عمان سنة 105 ه، و نشأ في البصرة و توفي في بغداد سنة 178 ه، و لقب ب «السيد» منذ صغر سنه، لسيادته في قومه.

قال الکشي في رجاله (186): روي ان أباعبدالله عليه‏السلام لقي اسيد بن محمد الحميري فقال له:

«سمتک امک سيدا، وفقت في ذلک و انت سيد الشعراء».

و کان متصلبا في تشيه وحبه لأهل البيت عليهم‏السلام من أبوين أباضيين من أتباع عبدالله بن أباض الخارجي، و الأباضية تقول بکفر علي بن أبي‏طالب عليه‏السلام و أکثر الصحابة، وروي: ان أبويه لما علما بتشيعه لعلي عليه‏السلام هما بقتله لولا ان يجيره منهما الأمير عقبة بن مسلم الهنائي و يأخذه منهما الي منزله.

عاش ردحا من عمره کيساني العقيدة يري امامة محمد بن الحنفية بعد أخوية الحسنين عليهماالسلام و لکنه تبصر - أخيرا - فتجعفر - علي حد تعبيره - علي يد الامام أبي‏عبدالله الصادق عليه‏السلام، و له في ذلک شعر معروف.

راجع ترجمته في الأغاني 229: 7، أنساب الأشراف 78: 4، تاريخ ابن‏الوردي 250: 1.

[18] في المصدر: و قل.

[19] وطفآء - کحمراء -: منهمرة، من قولهم: وطف المطر: انهمر؛ و يقال: سحابة و طفآء، أي: مسترخية لکثرة مائها.

[20] في المصدر: فاذا.

[21] راجع القصة و الابيات في الأغاني 230: 7، تاريخ الاسلام السياسي 146: 2.

[22] الأغاني 232: 7.

[23] دعبل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، من قبيلة خزاعة القحطانية الأصل، ولد سنة 158 ه، و استهشد سنة 245 ه في ايام المتوکل العباسي، کان من الشعراء المجيدين و المتفانين في ولاء أهل البيت عليهم‏السلام، يقول الشعر کثيرا في مدائح أهل البيت عليهم‏السلام و في طعن أعدائهم علي غرار التولي و التبري، و ذکر له المورخون أسماء کثيرة، و لکنه اشتهر بلقب (دعبل) بکسر الدال.

راجع في ترجمته الأغاني 100: 15 و 20: 18، مجالس المؤمنين: 451.

[24] مقفر العرصات: خالي الجوانب من ألاهل و الأنيس و لوازم العمران.

[25] الفي‏ء: ما أعاده الله من أموال الکفار الي النبي صلي الله عليه و آله، و صفرات: فارغات.

[26] وتروا: قتل منهم أحد بغير حق، وواتريهم: قاتليهم، و الأوتار: جمع الوتر: الدم.

[27] تضمنها: قبل ضمانها، أو هي بمعني: ضمنها.

[28] من المصدر و أغلب المصادر الاخري، و في الاصل: توقد في الأحشاء بالحرقات.

[29] عيون أخبار الرضا 271: 2 وانظر: مقتل الخوارزمي 129: 2، الحدائق الوردية 206: 2، کشف الغمة 108: 3، مجالس المؤمنين 451، معجم الادباء 203: 12، ديوان دعبل للدجيلي: 8.