بازگشت

المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله و صلي الله علي سيدنا محمد و آله و سلم و بعد؛

فاني ذاكر في هذا المجموع المسمي (اقناع اللائم علي اقامة المآتم) حسن اقامة المآتم للسبط الشهيد ابي عبدالله الحسين عليه السلام عقلا و نقلا، و عدم المانع منها، و بيان فوائدها، لتكون كالمقدمة أو الخاتمة لكتابنا (المجالس السنية في ذكري مصائب العترة النبوية) [1] .

و قد كنا ذكرنا في اول ذلك الكتاب مقدمة و جيزة في هذا الموضوع، و نريد هنا أن نبسط الكلام في ذلك.

و نريد باقامة المآتم: البكاء لقتله عليه السلام باخراج الدمع بصوت و بدونه، و التعرض لما يسبب ذلك، و اظهار شعار الحزن و التأسف و التألم لما صدر عليه، و تذكر مصابه، و نظم الاشعار في رثائه، و تلاوتها و استماعها، و تهييج النفوس بها للحزن و البكاء، و تلاوة و استماع خبر مقتله و ما جري عليه، و ذكر فضائله و مناقبه، و وصف اخلاقه الكريمة و شمائله، بما يشبه تأبين الأموات، و الاجتماع و عقد المجالس لذلك، و بذل المال و الطعام، و سقي الماء


في حبه، بمعني اهداء ثواب ذلك اليه، و غير ذلك مما هو من هذا القيل بشرط عدم الاشتمال علي مرم نص الشرع علي تحريمه، و علمت حرمته من دين الاسلام، فان ذلك لا كلام لأحد منا فيه، و لا يصح نسبته الي اعتقاد الشيعة اذ لو اشتملت عليه أعظم عبادة كالصلاة لأدي الي تحريمها، و انما كلامنا في هذه المذكورات في نفسها و بما هي، و هي التي تشتمل عليها مآتم الشيعة المقامة للحزن علي الحسين عليه السلام غالبا.

و الامر الذي دعانا الي تأليف هذا المجموع: ان جملة من الناس قد يعيبوننا بهذا المآتم أو يرون انه لا لزوم لها، أو يقولون ان أمراء وقع قبل ألف و مئات من السنين ما معني اعادة ذكره كل عام؟ و كل ذلك غفلة أو تغافل عن فوائدها. و ربما غالي بعضهم في العيب فقال:

ان يزيد قتل الحسين عليه السلام مرة، و انتم تقتلونه كل عام مرة!.

و قد يقول آخر: ان الأمر الفظيع لا ينبغي اعادة ذكره، بل ينبغي تناسيه!

و بعض يري: ان في اعادة ذكره حطا من مقام اهل البيت الذين جرت معهم تلك الفظاعة!

و ربما عد ذلك بعضهم بدعة في الدين مع تغاضيه عن كثير من البدع الشائنة لدين الاسلام، المشوهة لمحاسنه، التي أشار الأخرس البغدادي [2] الي بعضها بقوله:



أقال الله صفق لي و غني

و قل هجر أو سم الهجر ذكرا






فان تكن السيادة باخضرار

فان السلق أشرف منك قدرا



الي غير ذلك من وجوه انتقادهم علي اقامة المآتم التي تدور في كتابات جماعة منهم و علي ألسنتهم، و الباعث لكثير منهم علي ذلك التقليد لمن أحسنوا بهم الظن من غير تحقيق و لا تثبت!

و قد يري بعضم ان في اعادة ذكر تلك الفظائع و التنديد بفاعليها حطا من مقام الذين مهدوا ليزيد و الذين وضعوه في مقام الخلافة فمكنوه مما فعل.

و من الامور الحاملة علي ذلك قصد مراغمة الشيعة و مخالفتهم في كل ما يقولونه و يفعلونه و يتخذونه شعارا.

و قد صرح بذلك المقريزي في خططه - فانه بعد ما ذكر ان العلويين المصريين كانوا يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن تتعطل فيه الأسواق قال -:

فلما زالت الدولة اتخذ الملوك من بني أيوب [3] يوم عاشوراء يوم سرور، يوسعون فيه علي عيالهم و يتبسطون في المطاعم، و يصنعون الحلوي، و يتخذون الأواني الجديدة، و يكتحلون و يدخلون الحمام جريا علي عادة اهل الشام التي سنها لهم الحجاج [4] في ايام عبدالملك بن مروان ليرغموا بذلك انوف شيعة علي بن ابي طالب كرم الله وجهه الذين يتخذون يوم عاشوراء، يوم عزاء و حزن علي الحسين بن علي لانه قتل فيه.


قال: و قد ادركنا بقايا مما عمله بنوايوب من اتخاذ يوم عاشورا يوم سرور و تبسط [5] .

انتهي ما اردنا نقله من كلام المقريزي.

و قد وقع مثل ذلك في تسطيح القبور مع ورود السنة به [6] و في افراد النبي صلي الله عليه و آله عن الآل في الصلاة مع النهي عنه و تسميته بالصلاة البتراء [7] ، و في التحنك مع ورود السنة به [8] و النهي عن العمامة القعطاء [9] .

قال الشيخ عبداللطيف المناوي المصري شارح الشمائل للترمذي في باب ما جاء في صفة عمامة رسول الله صلي الله عليه و آله:

اعلم انه قد جاء في العذبه أحاديث كثيرة ما بين صحيح و حسن، ناصة علي فعل المصطفي لها لنفسه و لجماعة من صحبه و علي أمره بها.

ثم ذكر منها ما رواه أبوداود انه عمم ابن عوف و سدلها بين يديه و من خلفه.

ثم حكي عن الزيق العراقي انه قال: يحتمل انه أرسل أحد الطرفين من بين يديه ثم رده من خلفه فصار الطرف الواحد بعضه بين يديه و بعضه من خلفه كما يفعل كثير، و صار اليوم شعار الفقهاء الامامية فينبغي تجنبه لترك التشبه بهم [10] انتهي.

و من هذا النمط ما عثرنا عليه في هذه الايام في مجلة تدعي الذخيرة


الاسلامية لمنشئها احمد بن محمد سوركتي الأنصاري السوداني كتب عليها انها مجلة دينية ادبية فقال في اول عدد من اول مجلد منها في باب الأحاديث الواهية، الخبر الحادي و العشرون، حديث من وسع علي عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه في سنته كلها [11] .

قال: و هذا الحديث لا يصح فقد تفرد به ابن شداخ و هو ساقط باتفاق.

و قال ابن زرجب في هذا الحديث: لا يصح اسناده.

و أورده ابن الجوزي في الموضوعات، و لم يثبت في يوم عاشورا شي ء الا الصوم. [12] .

و اما ما يروي فيه من الاكتحال و التطيب و اظهار الزينة و التوسعة و نحو ذلك مما يفعل في الأعياد، فمن وضع الخوارج كانوا يفعلون ذلك في مقابلة ما يتظاهر به الرافضة من اظهار الحزن و النحيب، و ضرب الصدور و الخدود، و شق الجيوب، و التمرغ في التراب في هذا اليوم.

و ما أدري من أين جاءته فرية التمرغ في التراب و شق الجيوب؟ و هنا وجد هذا الانسان مجالا لاظهار ما كمن في صدره من الغيظ و الحنق علي شيعة أهل البيت الطاهر و محبيهم حسبما ساقه اليه التقليد المتوارث من غير تبصر في الامور فقال:

و تبعهم الرافضة أخيرا مع طول الزمان بغير شعور منهم، فصاروا يجمعون البدعتين؛ بدعة التظاهر بالزينة و الاطعام و بدعة التظاهر بالحزن، و طفقوا يروون الأكاذيب لتأييدها كعادتهم، و ليس شي ء مما يفعله الفريقان يلائم


الاسلام، و ان كان ما يفعله الرافضة أقبح و أشنع. فليتق الله فاعلوه(فليحذر الذين يخالفون عن أمره) [13] (الآية).

فان قتل الحسين، فقد قتل من هو خير منه أبوه علي بن ابي طالب، و قبله عمر و عثمان و ان كانوا يريدون تألب الناس علي بغض بني امية، فقد ذهبت دولتهم بعد ان جري علي ايديهم من الخير و الشر ماشاء الله ان يجريه و سيجزي كل نفس بما كسبت، فالمتحزب عليهم اليوم كالذي يهرب من عدوه ثم يمثل الطعن و الكر مع الهواء حيثما ينفرد بنفسه، فمن السخافة المتناهية التألب ضد عدو مات قبل ألف و مأتين و سبع و أربعين سنة، و أمامهم اليوم في الشرق و الغرب من هم أعدي من اولئك لهم وللدين ان كانوا صادقين.

و ان كانوا يريدون التوصل بذلك الفعل الشينع الي الامارة او الملك، فهي طريقة نسوانية تزيد نفور الناس منهم، و تمثلهم بأشنع مثال في أعين الأقارب و الأباعد، فليتدبروا ان كانوا يعقلون. [14] انتهي.

فهذا قوله في أول عدد من اول مجلد من مجلته الدينية الأدبية التي وضعها لارشاد الامة الاسلامية بزعمه، و رأينا له مواضع اخر من مجلته تحاملا علي شيعة اهل البيت الطاهر النبوي، و سبابا لهم، و نبز هم بالرافضة، و غير ذلك من الأقوال التي هي بضاعة أمثاله، و التي جرت بها عادة المعادين لأتباع أهل البيت النبوي، و الذين لا يعرفون من حقيقة الشيعة الا ما سمعوه ممن أحسنوا الظن بهم، و رأوه في بعض كتب من توهموا فيهم المعرفة و الصدق من الاراجيف، و ساقهم اليها التقليد الاعمي من غير تحقيق و لا انصاف.

كما اننا وجدناه جزم بكذب كثيرمن الأحاديث المروية عن النبي صلي


الله عليه و آله، فأصاب في بعض، و لم يكن مستنده في تكذيب بعض سوي قال فلان، و كان الأولي به ان يقول لم يصح السند أو لم يثبت، لا أن يجزم بالكذب تقليدا لمن يجوز عليه الخطا [15] فان تكذيب حديث رسول الله صلي الله عليه و آله ليس بالأمر الهين.

و رأينا في بعض الاجزاء التي وصلت الينا من مجلته هذه لحنا كثيرا يبعد كونه من الطابعين، و لما كان ما أشرنا اليه لا يتعلق بما نحن بصدده لم نتعرض له و اكتفينا بذكر ما قاله في اقامة المآتم، و نحن نقدم الكلام في اثبات ما هو المقصود لنا من حسن اقامة هذه المآتم علي الوجه الذي قدمنا ذكره، ثم نتبعه بالكلام علي هذه الأقاويل، و نذكر ذلك في ضمن فصول فنقول و بالله التوفيق:



پاورقي

[1] کتاب المجالس السنية في مناقب و مصائب العترة النبوية، يتألف من خمسة أجزاء؛ الاول منها في ذکر مصيبتة الحسين عليه‏السلام، و الثاني و الثالث و الرابع في ذکر جملة من مناقب اهل البيت عليهم‏السلام و جملة من الغزوات و المواعظ و الآداب، اما جزءه الخامس فيتعلق بأحوال النبي صلي الله عليه و آله و سلم و الزهراء عليهاالسلام و باقي ائمة اهل البيت عليهم‏السلام. و قد ألفه - رحمه الله - سنة 1342 ه ليکون مرشدا و هاديا لخطباء المنبر الحسيني.

[2] هو: عبدالغفار بن عبدالواحد بن وهب الموصلي البغدادي، ولد في مدينة سنة 1220 ه؛ و قل في سنة 1210 ه، و توفي سنة 1291 ه في البصرة و دفن فيها. و لم نعثر علي البيتين المذکورين في ديوانه المطبوع سنة 1405 ه بتحقيق وليد الاعظمي.

[3] تأسست الدولة الايوبية سنة 564 ه في مصر، و أشهر قادتها هو صلاح الدين الأيوبي الذي لمع اسمه في الحروب الصليبية التي انتصر فيها علي الروم، و بالرغم من انتصاراته هذه، و تخليص بيت المقدس من أيدي الصليبين، فقد(سود) وجهه من خلال حملات القمع و الابادة التي تعرض لها الشيعة في حکم دولته، و قد انقرضت هذه الدولة سنة 865 ه. انظر: تاريخ ابن‏الوردي 106: 2.

[4] في هامش الاصل: «ستعرف في الفصل الثامن ان الذين سنوها هم بنوامية و أتباعهم لا خصوص الحجاج. منه رحمه الله».

[5] الخطط للمقريزي 380: 2.

[6] مسند أحمد 201: 3 ، 89: 1، صحيح مسلم «باب الجنائز»: 94 و «باب الطهارة»: 101.

[7] مسند أحمد 118: 4 ، 47: 3 ، 162: 1، صحيح البخاري 27: 6.

[8] مسند احمد 105: 3.

[9] سنن الترمذي «المطبوع بهامش شرح الشمائل» 206: 1.

[10] سنن الترمذي «المطبوع بهامش شرح الشمائل» 207: 1.

[11] انظر الصواعق المحرقة: 184، و انظر: أخبار أصبهان 198: 1، الافراد للدار قطني 112: 2. المقاصد الحسنة: 431، تنزيه الشريعة 157: 2، فيض القدير 235: 6.

[12] الموضوعات 203: 2.

[13] سورة النور: 63.

[14] لم نعثر علي هذه المجلة.

[15] حيث ذهب اکثر علماء اهل السنة و الجماعة الي تجويز السهو و الخطا علي النبي صلي الله عليه و آله. راجع کتاب التنبيه بالمعلوم من البرهان في تنزيه المعصوم عن السهو و النسيان و هو من تأليف العلامة الشيخ الحر العاملي و من تحقيقنا، و من نشر منظمة الاعلام الاسلامي في قم سنة 1417.