بازگشت

موقف عمرو بن سعيد الأشدق


[و] لما خرج الحسين [عليه السلام] من مكة اعترضه رسل عمرو بن سعيد بن العاص [1] عليهم يحيي بن سعيد [2] .


فقالوا له: انصرف! أين تذهب! فأبي عليهم.

و تدافع الفريقان فاضطربوا بالسياط، و مضي الحسين [عليه السلام] علي وجهه.

فنادوه: يا حسين! ألا تتقي الله! تخرج من الجماعة و تفرق بين هذه الامة!

فتأول حسين [عليه السلام] قول الله عزوجل: «لي عملي و لكم عملكم، انتم بريئون مما أعمل و أنا بري ء مما تعملون» [3] و [4] .

قال علي بن الحسين بن علي [عليه السلام] : لما خرجنا من مكة كتب عبدالله بن جعفر ابن أبي طالب [5] الي الحسين بن علي [عليه السلام] مع ابنيه: عون و محمد [6] :

«أما بعد، فاني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فاني مشفق عليك من الوجه الذي تتوجه له أن يكون فيه هلاكك و استئصال أهل بيتك، ان هلكت اليوم طفي ء نور الأرض، فانك علم المهتدين و رجاء المؤمنين، فلا تعجل بالسير، فاني في أثر الكتاب؛ و السلام».


و قام عبدالله بن جعفر الي عمرو بن سعيد بن العاص فكلمه و قال: اكتب الي الحسين [عليه السلام] كتابا تجعل له فيه الأمان، و تمنيه فيه البر و الصلة، و توثق له في كتابك، و تسأله الرجوع، لعله يطمئن الي ذلك فيرجع؛ و ابعث به مع أخيك يحيي بن سعيد فانه أحري أن تطمئن نفسه اليه و يعلم أنه الجد منك.

فقال عمرو بن سعيد: اكتب ما شئت و اتني به حتي أختمه، فكتب عبدالله بن جعفر الكتاب:

«بسم الله الرحمن الرحيم، من عمرو بن سعيد الي الحسين بن علي، أما بعد، فاني أسأل الله ان يصرفك عما يوبقك، و أن يهديك لما يرشدك؛ بلغني أنك قد توجهت الي العراق، و اني اعيذك من الشقاق، فاني أخاف عليك فيه الهلاك، و قد بعثت اليك عبدالله بن جعفر و يحيي بن سعيد، فأقبل الي معهما، فان لك عندي الأمان و الصلة و البر و حسن الجوار، لك الله بذلك شهيد و كفيل، و مراع و وكيل، و السلام عليك».

ثم أتي به عمرو بن سعيد فقال له: اختمه، ففعل، فلحقه عبدالله بن جعفر و يحيي [بن سعيد] فأقرأه يحيي الكتاب، و كتب اليه الحسين [عليه السلام] :

«أما بعد؛ فانه لم يشقاقق الله و رسوله من دعا الي الله عزوجل و عمل صالحا و قال انني من المسلمين؛ و قد دعوت الي الأمان و البر و الصلة، فخير الأمان أمان الله، و لن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمانه يوم القيامة، فان كنت نويت بالكتاب صلتي و بري فجزيت خيرا في الدنيا و الآخرة، و السلام».

ثم انصرفا [الي عمرو بن سعيد] فقالا: أقرأناه الكتاب وجهدنا به، و كان مما اعتذر الينا أن قال: «اني رأيت رؤيا فيها رسول الله صلي الله عليه [و آله] و سلم و امرت فيها بأمرنا أنا ماض له، علي كان أولي»، فقالا له: فما تلك


الرؤيا؟ قال: ما حدثت بها أحدا و ما أنا محدث بها حتي ألقي ربي! [7] و [8] .



پاورقي

[1] لما ولي عمرو بن سعيد المدينة دعا عبيدالله بن أبي رافع - و کان يکتب لعلي بن أبي طالب - فقال: من مولاک؟ فقال: رسول الله [صلي الله عليه وآله] - و کان أبورافع لأبي أحيحة سعيد بن العاص الأکبر فورثه بنوه فأعتق ثلاثة منهم نصيبهم منه و قتلوا يوم بدر جميعا، و وهب خالد بن سعيد نصيبه منه لرسول الله صلي الله عليه وآله فأعتقه رسول الله (ص) - فضربه مائة سوط و قال: مولي من أنت؟ قال: مولي رسول الله، فضربه مائة سوط، فلم يزل يفعل به ذلک کلما سأله: مولي من أنت؟ قال: مولي رسول الله، حتي ضربه خمسمائة سوط ثم قال: مولي من أنت؟ قال: مولاکم، فلما قتل عبدالملک: عمرو بن سعيد، قال عبيدالله بن أبي رافع شعرا يشکر قاتله (ج 3 ص 170).

و هو الذي حارب ابن الزبير (ج 5 ص 343) و ضرب بالمدينة کل من کان يهوي هوي ابن الزبير، منهم: محمد بن عمار بن ياسر، ضربهم الأربعين الي الخمسين الي الستين (ج 5 ص 344) و استبشر حين بلغه خبر قتل الحسين عليه السلام؛ و لما سمع واعية نساء بني هاشم عليه قال: هذه واعية بواعية عثمان بن عفان! ثم صعد المنبر فأعلم الخبر (ج 5 ص 466) و اعلم يزيد أن عمرو بن سعيد يترفق بابن الزبير و لا يتشدد عليه فعزله لأول ذي الحجة سنة 61 ه (ج 5 ص 477) فقدم علي يزيد و اعتذر اليه (ج 5 ص 479)

و کان أبوه سعيد بن العاص والي المدينة لمعاوية (ج 5 ص 241).

[2] أخو عمرو بن سعيد، نصره يوم قتله في قصر عبدالملک بالشام مع ألف ممن تبعه من رجاله و مواليه و عبيده فهزموا و حبس، ثم اطلق فلحق بابن الزبير (ج 6 ص 147 - 143)، ثم ذهب الي الکوفة فلجا الي أخواله الجعفيين، فلما دخل عبدالملک الکوفة و بايعوه بايعه و استأمن (ج 6 ص 162).

[3] سورة يونس/ الآية 41.

[4] 385: 5: قال ابومخنف: حدثني الحارث بن کعب الوالبي، عن عقبة بن سمعان قال....

[5] کان مع أميرالمؤمنين عليه السلام في الجمل و أعانه علي حمل عائشة الي المدينة: 510: 4 و کان ممن يستشيرهم أميرالمؤمنين عليه السلام بالکوفة و هو الذي أشار اليه بتولية محمد بن أبي بکر مصرا و هو أخوه لامه: 554: 4، و کان معه في صفين يتقدم عليه مفادا له: 148: 5، و کان مع الحسن عليه السلام في نهضته: 160: 5، و رجع معهما الي المدينة: 165: 5، و کان ولداه محمد و عون مع الحسين عليه السلام فلما بلغة مقتلهم قال: و الله لو شهدته لأحببت ألا أفارقه حتي اقتل معه: 466: 5.

[6] قتلا مع الحسين عليه السلام، اما عون فأمه: جمانة بنت المسيب بن نجبته الفزاري (الذي کان من زعماء التوابين) و أما محمد فأمه: الخوصاء بنت خصفة بن ثقيف من بکر بن وائل (469: 5).

[7] قال ابومخنف: حدثني الحارث بن کعب الوالبي، عن علي بن الحسين قال: 388: 5.

[8] لم يسع الامام عليه السلام المصارحه بما عنده من العلم بمصير أمره لکل من قابله، اذ لا کل ما يعلم يقال، و لا سيما بعد تفاوت المراتب و اختلاف الأوعية و الظروف سعة وضيقا، فکان عليه السلام يجيب کل واحد بما يسعه ظرفه و تتحمله معرفته و قد أشار الامام عليه السلام لهؤلاء الي الجواب الواقعي بقوله: «لم يشاقق الله و رسوله من دعا الي الله و عمل صالحا.. و خير الأمان أمان الله، و لن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمانه يوم القيامة» و لکن حيث لم يقتنع هؤلاء لهذه الاجابة أجابهم بأنه مأمور بأمر في رؤيا رأي فيها رسول الله صلي الله عليه وآله ثم لم يحدثهم بها بل قال: «و ما أنا محدث بها حتي القي ربي»!

و لعل أحمد بن الاعثم الکوفي المتوفي 310 ه من هنا حديث بحديث رؤياه عليه السلام علي قبره جده رسول الله صلي الله عليه وآله بالمدينة، و لکنه من أين؟ و قد قال الامام عليه السلام: انه غير محدث بها حتي يلقي ربه! فهذا ما عهدته عليه؛ والله أعلم به.