بازگشت

هاني عند ابن زياد


فقال له هاني: و ما ذاك أيها الامير؟ قال: ايه يا هاني بن عروة! ما هذه الامور التي تربص في دورك لأميرالمؤمنين و عامة المسلمين!، جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك، و جمعت له السلاح و الرجال في الدور حولك، و ظننت أن ذلك يخفي علي لك!

قال: ما فعلت، و ما مسلم عندي.

قال: بلي قد فعلت.

قال: ما فعلت.

قال: بلي

فلما كثر ذلك بينهما و أبي هاني الا مجاحدته و مناكرته دعا ابن زياد معقلا - ذلك العين - [1] فجاء حتي وقف بين يديه.

فقال: أتعرف هذا؟

قال: نعم و علم هاني عند ذلك أنه كان عينا عليهم و أنه قد أتاه بأخبارهم. فقال له: اسمع مني و صدق مقالتي، فوالله لا أكذبك، والله الذي لا اله غيره، ما دعوته الي منزلي و لا علمت بشي ء من أمره، حتي رأيته جالسا علي بابي، فسألني النزول علي فاستحييت من رده، و دخلني من ذلك ذمام،


فأدخلته داري و ضفته و آويته، و قد كان من أمره الذي بلغك، فان شئت أعطت الآن موثقا مغلظا و ما تطمئن اليه ألا أبغيك سوا، و ان شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتي آتيك و أنطلق اليه فآمره أن يخرج من داري الي حيث شاء من الأرض، فأخرج من ذمامه و جواره!

فقال: لا والله لا تفارقني أبدا حتي تأتيني به!

فقال: لا والله لا أجيئك [به] أبدا! أنا أجيئك بضيفي تقتله!

قال: والله لتأتيني به.

قال: والله لا آتيك به.

فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي فقال: أصلح الله الأمير خلني و اياه حتي اكلمه و قال لهاني: قم الي هاهنا حتي اكلمك؛ فقام فخلا به ناحية من ابن زياد و هما منه علي ذلك قريب حيث يراهما اذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان و اذا خفضا خفي عليه ما يقولان. فقال له مسلم [بن عمرو الباهلي] : يا هاني؛ اني انشدك الله أن تقتل نفسك و تدخل البلاء علي قومك و عشيرتك! فوالله اني لأنفس بك عن القتل، ان هذا الرجل [مسلم بن عقيل] ابن عم القوم و ليسوا قاتليه و لا ضائريه، فادفعه اليه فانه ليس عليك بذلك مخزاة و لا منقصة، انما تدفعه الي السلطان.

قال: بلي والله، ان علي في ذلك للخزي و العار، أنا أدفع جاري و ضيفي و أنا حي صحيح أسمع و أري، شديد الساعد، كثير الأعوان! والله لو لم أكن الا واحدا ليس لي ناصر لم أدفعه اليه حتي أموات دونه و هو يري أن عشيرته ستحرك في شأنه فأخذ يناشده و هو يقول: لا والله لا أدفعه اليه أبدا!

فسمع ابن زياد ذلك فقال: ادنوه مني، فأدنوه منه.

فقال: والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك.


قال: اذا تكثر البارقة حول دارك [2] - و هو يظن أن عشيرته يسمعونه -.

فقال: و الهفاه عليك! أبا لبارقة تخوفني! آدنوه مني، فادني، فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب أنفه وجبينه و خده حتي كسر أنفه و سيل الدما علي ثيابه لحم خديه وجبينه علي لحيته حتي كسر القضيب!

و ضرب هاني بيده الي قائم سيف شرطي من تلك الرجال و جاذبه الرجال و منع.

فقال عبيدالله [بن زياد] : أحروري سائر اليوم! [3] احللت بنفسك، قد حل لنا قتلك، خذوه فألقوه في بيت من بيوت الدار و أغلقوا عليه بابه و اجعلوا عليه حرسا، ففعل ذلك به.

فقام اليه أسماء بن خارجة فقال: أرسل غدر سائر اليوم! أمرتنا أن تحيئك بالرجال حتي اذا جئناك به و أدخلناه عليك هشمت وجهه وسيلت دمه علي لحيته و زعمت أنك تقتله! فقال له عبيدالله: و انك لها هنا! فأمر به فلهز و تعتع به [4] فحبس.


أما محمد بن الأشعث فقال: قد رضينا بما رأي الأمير؛ لنا كان أم علينا، انما الأمير مؤدب! [5] .

و قام الي عبيدالله بن زياد فكلمه و قال: انك قد عرفت منزلة هاني بن عروة في المصر و بيته في العشيرة، و قد علم قومه أني و صاحبي سقناه اليك، فانشدك الله لما وهبته لي، فاني أكره عداوة قومه، هم أعز أهل المصر و عدد أهل اليمن [6] ، فوعده أن يفعل [7] .

و بلغ عمرو بن الحجاج أن هانئا قد قتل، فأقبل في مذحج و معه جمع عظيم حتي أحاط بالقصر ثم نادي: أنا عمرو بن الحجاج؛ هذه فرسان مذحج و وجوهها لم تخلع طاعة و لم تفارق جماعة! و قد بلغهم أن صاحبهم يقتل فأعظموا ذلك!

فقيل لعبيدالله هذه مذحج بالباب.

فقال لشريح القاضي: أدخل علي صاحبهم فانظر اليه، ثم اخرج فأعملهم أنه حي لم يقتل و أنك قد رأيته [8] .

قال [شريح] : دخلت علي هاني لما رآني قال: يا لله يا للمسلمين! أهلكت عشيرتي؟ فأين أهل الدين! و أين أهل المصر! تفاقدوا! و يخلوني و عدوهم و ابن عدوهم! و الدماء تسيل علي لحيته. اذ سمع الرجة علي باب القصر و خرجت و اتبعني فقال: يا شريح، اني لأظنها أصوات مذحج و شيعتي


من المسلمين، ان دخل علي عشرة نفر أنقذوني.

قال: فخرجت اليهم، و معي حميد بن بكير الأحمري [9] - أرسله معي ابن زياد، و كان من شرطته ممن يقوم علي رأسه - فلما خرجت اليهم قلت: ان الأمير لما بلغه مكانكم و مقالتكم في صاحبكم أمرني الدخول اليه فأتيته فنظرت اليه، فأمرني أن ألقاكم و أن أعلمكم أنه حي! و أن الذي بلغكم من قتله كان باطلا.

فقال عمرو [بن الحجاج] و أصحابه: فأما اذ لم يقتل فالحمد لله، ثم انصرفوا! [10] .


پاورقي

[1] العين: الجاسوس.

[2] و روي الطبري عن عيسي بن يزيد الکناني ان ابن زياد قال له: يا هاني! أما تعلم أن أبي قدم هذا البلد فلم يترک أحدا من هذه الشيعة الا قتله غير أبيک و غير حجر، و کان من حجر ما قد علمت، ثم لم يزل يحسن صحبتک، ثم کتب الي أمير الکوفة: ان حاجتي قبلک هاني؟ قال: نعم، قال: فکان جزائي أن خبأت في بيتک رجلا ليقتلني! قال: ما فعلت!.

فأخرج التميمي [أي مولاهم] الذي کان عينا عليهم، فلما رآه هاني علم أن قد أخبره الخبر، فقال: أيها الأمير! قد کان الذي بلغک، و لن أضيع يدک عني، فأنت آمن و أهلک فسر حيث شئت!

و کان مهران (مولاه) قائما علي رأسه في يده معکزه فقال: واذلاه! هذا العبد الحائک يؤمنک في سلطانک! و طرح اليه المعکزة و قال: خذه و أخذ بضفيرتي هاني، و أخذ عبيدالله المعکزة فضرب بها وجه هاني حتي کسر أنفه وجبينه، و ندر الزج فارتز في الجدار 361: 5.

[3] نسبة الي حروراء من نواحي الکوفة و هو أول موضع خرج فيه الخوارج علي علي عليه السلام.

[4] التعتعة: الحرکة العنيفة، و اللهز: الضرب في اللهازم أي مجامع ثيابه فوق صدره الي عنقه.

[5] 367: 5: قال ابومخنف: حدثني غير بن وعلة، عن أبي الوداک، قال...

[6] لأن کندة کانت من قبائل اليمن بالکوفة، و مراد و مذحج من قبائل کندة.

[7] قال أبومخنف: حدثني الصقعب بن زهير عن عون بن أبي جحيفة قال: 378: 5 و الارشاد: 210 و الخوارزمي: 205.

[8] 367: 5: قال ابومخنف: حدثني نمير بن وعلة، عن أبي الوداک قال.. و الارشاد: 210 و الخوارزمي: 205.

[9] کان مع زياد و کان تبيع العمال أي من يتتبع أثرهم، فبعثه زياد في اناس من أصحابه في طلب أصحاب حجر بن عدي و هو ضارب ابن عقيل علي شفته العليا و قاتله: 373: 5 و 378 و کان عبدا شاميا.

[10] قال ابومخنف: فحدثني الصقعب بن زهير، عن عبدالرحمن بن شريح قال: سمعته يحدث اسماعيل بن طلحة قال: 367: 5.