بازگشت

هذا المقتل المتداول


تتداول الأيدي و المطابع في هذه العهود المتأخرة كتابا في مقتل الحسين


عليه السلام، نسب الي أبي مخنف، و من المعلوم الواضح أنه ليس لأبي مخنف، و انما هو من جمع جامع غير أبي مخنف، و لا يدري بالضبط متي؟ و أين؟ و ممن وجد هذا الكتاب؟ و متي طبع لأول مرة؟.

يقول الامام شرف الدين (قده): «و لا يخفي أن الكتاب المتداول في مقتله عليه السلام، المنسوب الي أبي مخنف، قد اشتمل علي كثير من الأحاديث التي لا علم لأبي مخنف بها! و انما هي مكذوبة علي الرجل، و قد كثرت عليه الكذابة، و هذا شاهد علي جلالته» [1] .

و قال المحدث القمي: «و ليعلم أن لأبي مخنف كتبا كثيرة في التاريخ و السير، منها كتاب: (مقتل الحسين عليه السلام) الذي نقل عنه أعاظم العلماء المتقدمين و اعتمدوا عليه. و لكن الأسف أنه فقد و لا يوجد منه نسخة، و أما المقتل الذي بأيدينا و ينسب اليه فليس له بل و لا لأحد من المؤرخين المعتمدين، و من أراد تصديق ذلك فليقابل ما في هذا المقتل و ما نقله الطبري و غيره عنه حتي يعلم ذلك، و قد بينت ذلك في (نفس المهموم) في: طرماح بن عدي، و الله العالم» [2] .

فلم يكن لي بد - و أنا اريد تحقيق الكتاب - أن أنظر ما في هذا المقتل الموضوع؛ فمن المقطوع به أن الكتاب من جمع جامع غير أبي مخنف، و لا يدري من هو هذا الجامع و متي جمعه؟، و الذي يبدو لي أنه كان من العرب المتأخرين غير عارف بالتاريخ و الحديث و الرجال و حتي الأدب العربي، فانه يستعمل في الكتاب كلمات هي من استعمال العرب المتأخرين باللغة الدراجة العامية.

و الكتاب يشتمل علي (مائة و خمسين حديثا) يتخللها ست أحاديث مرسلة


فحديث عن الامام علي بن الحسين عليه السلام: 49: و آخر عن عبدالله بن عباس: 94، و ثالث عن عمارة بن سليمان عن حميد بن مسلم: 82، و رابع عمن يدعي عبدالله بن قيس: 96، و خامس عمن يدعي عمار و مرفوعة عن الكليني المتوفي 329 ه لا توجد في الكافي: 70.

و يبتدي من بعد الحديث 105 [3] باكثار النقل عمن يدعي: سهل الشهرزوري، فيحشره مع أهل البيت من الكوفه الي الشام و حتي رجوعهم الي المدينة! و ينقل عنه 31 حديثا مرسلا، و يذكر منها خبر (سهل بن سعد الساعدي) باسم (سهل بن سعيد الشهرزوري)! [4] .

و تبقي سائر أحاديث الكتاب منسوبة الي أبي مخنف نفسه و هي) 138 (حديثا.

و الكتاب يشتمل علي عدة أغلاط فاحشة، هي كما يلي:

الأخطاء الفاحشة في هذا المقتل المتداول:

1 - يفاجأ القاري البصير في أول سطر من أول صفحة من هذا المقتل المتداول بهذه الغلطة الفاضحة: «قال أبومخنف: حدثنا أبوالمنذر هشام عن محمد بن سائب الكلبي»!، فتري أبامخنف هنا - و هو شيخ هشام - ناقلا عن هشام تلميذه! و هو بدوره محدثا له عن أبيه محمد بن السائب الكلبي!، فيا تري كم كان جامع هذا الكتاب جاهلا بتراجم الرجال حتي خفي عليه هذا! [5] .


2 - و تقلب بعد هذا ثلاثة من صحائف الكتاب فتجده يقول: «و روي الكليني في حديث» [6] ، فليث شعري من هذا الذي يروي عن الكليني المتوفي 329 ه، و قد توفي أبومخنف 158 ه؟! و الرواية بعد غير موجودة في الكافي.

3 - ثم تقلب صفحات اخري فتجده يقول: «قال: فأنفذ (يزيد) الكتاب الي الوليد، و كان قدومه لعشرة أيام خلون من شعبان» [7] .

هذا و قد اجمع المؤرخون - و منهم أبومخنف برواية الطبري - علي أن الحسين عليه السلام دخل مكة لثلاث خلون من شعبان! فكيف التوفيق؟!.

4 - و ينفرد في حديث مقتل مسلم بن عقيل، بنقل خبر حفر حفيرة له وقع فيها فاخذ مكتوفا الي ابن زياد، فيقول: «و أقبل عليهم لعين! و قال لهم: أنا أنصب لهم! شركا: نحفر له بئرا في الطريق و نطمها! بالدغل! و التراب، و نحمل عليه و ننهزم قدامه! و أرجو أن لا يفلت منها» [8] .

5 - و ينفرد في حديث مقتل مسلم أيضا بقوله: «لما قتل مسلم و هاني انقطع خبر هما عن الحسين عليه السلام! فقلق قلقا عظيما! فجمع أهله.. و أمرهم بالرحيل الي المدينة! فخرجوا سايرين بين يديه الي المدينة حتي دخلوها! فأتي قبر رسول الله صلي الله عليه وآله و التزمه! و بكي بكاء شديدا، فهومت عيناه بالنوم» [9] ، و ليس لهذا الخبر أي أصل أو أثر في أي كتاب أو سفر.

6 - و ينفرد في حديث نزول الامام الحسين عليه السلام بكربلاء بنقل خبر ركوب الامام سبعة أفراس و نزوله منها و توقفها و عدم تقدمها [10] .

7 - و ينفرد بنقل حديث الامام علي بن الحسين عليه السلام ليلة العاشر من المحرم، في يوم نزول الامام بكربلاء [11] .


8 - و ينفرد بذكر عدد عساكر ابن سعد في كربلاء: ثمانين ألفا! [12] .

9 - و ينفرد بنقل خطبة زهير بن القين يوم نزول العساكر بكربلاء، و يقول: «ثم أقبل علي أصحابه و قال: معاشر المهاجرين و الأنصار! لا يغرنكم كلام هذا الكلب الملعون و أشباهه!! فانه لا ينال شفاعة محمد صلي الله عليه وآله، ان قوما قتلوا ذريته و قتلوا من نصرهم فانهم في جهنم خالدون أبدا»! [13] .

10 - و ينفرد بنقل خبر حفر الحسين عليه السلام بئرا و يقول: «فلم يجد فيها ماء» [14] .

11 - و ينفرد بتكرير حديث ليلة عاشوراء و صبيحتها ثلاث مرات: فيذكر في الاولي خطبة للامام الحسين عليه السلام و مقتل أخيه العباس عليه السلام!، و ينفرد فيه بقوله: «فأخذ السيف بفيه»، ثم يقول: «و نزل اليه و حمله علي ظهر جواده و أقبل به الي الخيمة و طرحه و بكي عليه بكاء شديدا حتي بكي جميع من كان حاضرا» [15] .

ثم يكر علي ليلة عاشوراء فيقول: «ثم أقبل علي أصحابه و قال لهم: يا أصحابي؛ ليس طلب القوم غيري! فاذا جن عليكم الليل فسيروا في ظلمته»، ثم يقول: «و بات تلك الليلة، فلما أصبح...» [16] .

ثم يعود علي صبيحة عاشوراء و يذكر فيها خطبة اخري للامام عليه السلام، و ينفرد بذكر ارسال رسول من قبل الحسين عليه السلام باسم أنس بن كاهل الي ابن سعد [17] .

بينما الرسول هو أنس بن الحرث بن كاهل الأسدي.

ثم يكر ثالثة علي ليلة عاشوراء فيذكر الخطبة المعروفة اللامام عليه السلام علي أصحابه و أهل بيته في تلك الليلة... ثم يعود علي تعبئة الحسين عليه السلام.


و ابن سعد [18] .

12 - و ينفرد في أصحاب الامام الحسين عليه السلام بذكر ابراهيم بن الحسين [19] .

13 - و يذكر الطرماح مع من قتل مع الامام عليه السلام، بينما يروي الطبري عن الكلبي عن أبي مخنف: انه لم يحضر كربلاء و لم يقتل مع الامام عليه السلام [20] .

و علي هذا يعلق المحدث القمي في كتابه: (نفس المهموم: 195 (.

14 - و يذكر في قصة الحر الرياحي أبياتا هي لعبيدالله بن الحر الجعفي صاحب قصر بني مقاتل، و لا يتنبه الي عدم تناسبها مع حال الحر اذ يقول فيها: «وقفت علي أجسادهم و قبورهم» [21] ، فواجهلا من جامع هذا الكتاب!.

15 - و ينسب الي الامام الحسين عليه السلام أبياتا في رثاء الحر لا تناسب أن تكون للامام، منها:



و نعم الحر اذ واسي حسينا

لقد فاز الذي نصروا حسينا! [22] .



16 - و ينسب الي الامام الحسين عليه السلام أبياتا ثلاثة في رثاء أصحابه، و هي صريحة في أنها ليست للامام عليه السلام، و انما هي لأحد من الشعراء


المتأخرين، حيث يقول فيها: «نصروا الحسين فيالها من فتية» هكذا [23] .

17 - و ينفرد في تعيين يوم نزول الامام الحسين عليه السلام انه كان يوم الأربعاء [24] ، و يقول في شهادته عليه السلام أنها كانت يوم الاثنين [25] ، و هذا يقتضي أن يكون نزوله بكربلاء في اليوم الخامس من المحرم! و قد أجمع المؤرخون - و منهم أبومخنف برواية الطبري - علي أن نزوله كان في اليوم الثاني من المحرم و أنه كان يوم الخميس [26] ، و مقتله كان يوم الجمعة.

18 - يبتدي من الحديث رقم (105) [27] باكثار النقل عمن يدعي: سهل الشهرزوري فيحشره مع اهل البيت عليه السلام من الكوفة الي الشام الي المدينة، فينسب اليه في الكوفة أبيات سليمان بن قتة الهاشمي [28] ، علي قبر الامام الحسين عليه السلام: «مررت علي أبيات آل محمد» [29] ، و ينسب اليه في الشام خبر سهل بن سعد الساعدي باسم: سهل بن سعيد الشهرزوري [30] ، فكأنه يحسبه هو!.

19 - و ينسب الي الامام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ارجوزة تشتمل


علي نيف و ثلاثين بيتا [31] ، و الي عبدالله بن عفيف الأزدي عند عبيدالله بن زياد قصيدة تشتمل علي نحو من ثلاثين بيتا [32] .

20 - و يحتوي الكتاب في طياته علي كلمات من استعمال المتأخرين من العرب الناطقين باللغة الدارجة، مما لا يناسب أبامخنف، كقوله فيما سبق من خبر حفر بئر لمسلم: «و أقبل عليهم لعين! و قال لهم.. و نطمها بالدغل و التراب.. و ننهزم قدامه» [33] و «راحت أنصاره» [34] و «يقظانه» [35] و «يتحرش» [36] .

و ليس بعد كل هذا لأحد أن يحتمل صحة نسبة هذا الكتاب الي أبي مخنف.


پاورقي

[1] مؤلفو الشيعة في صدر الاسلام: 42 ط النجاح.

[2] الکني و الألقاب: 148: 1 و نفس المهموم: 195 و مقدمته: 8 ط بصيرتي.

[3] 102 ط نجف.

[4] 123 ط نجف.

[5] و قد روي مثله السيد المرتضي رحمه الله في: تنزيه الأنبياء: 171 ط قم، عمن أسماه ابن عباس بن هشام عن أبيه عن أبي مخنف عن أبي الکنود عبدالرحمن بن عبيد، فلعل جامع هذا الکتاب نقله عن کتاب السيد أو غيره بتصحيف و تحريف و زيادات!.

[6] ص 7.

[7] ص 11.

[8] ص 35.

[9] ص 39.

[10] ص 48.

[11] ص 49.

[12] ص 52.

[13] ص 56.

[14] ص 57.

[15] ص 59.

[16] ص 60 - 59.

[17] ص 61 - 60.

[18] 62 - 61.

[19] ص 70.

[20] ص 72.

[21] ص 77، و قد ذکرها الطبري 470: 5 ط دار المعارف عن أبي مخنف عن عبدالرحمن بن جندب: ان عبيدالله بن الحر قالها في المدائن، و هي:



و يقول أمير غادر و ابن غادر

ألا کنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة؟!



فيلاحظ أن هذا الجامع الخائن! قد غير منها کلمات لتناسب الحر الرياحي و هي لم تناسبه مع ذلک!.

[22] ص 79.

[23] ص 85.

[24] ص 48.

[25] ص 93.

[26] 409: 5 و يؤيده ما رواه الأربلي في (کشف الغمة 252: 2) باسناده عن الامام الصادق عليه السلام: «و قبض يوم عاشوراء الجمعة».

[27] ص 102.

[28] علق عليه الشيخ محمد السماوي فقال: هو هاشمي الولاء، امه قتة، و أبوه حبيب، توفي بدمشق سنة: 126 ه و ذکره (المسعودي 74: 4) باسم ابن قتة عن کتاب (أنساب قريش) للزبير بن بکار.

[29] ص 103 - 102.

[30] ص 123.

[31] ص 87 - 86، و قد ذکره منها سبعة عشر بيتا: علي بن عيسي الاربلي المتوفي 693 ه في کتابه کشف الغمة 238: 2 ط تبريز، عن کتاب: الفتوح لأحمد بن أعثم الکوفي 314 ه بعنوان أنه قالها لما قتل ولده الصغير فحفر له و دفنه!، بينما ذکرها هذا الکتاب عندما حمل علي القوم حملة منکرة وفرهم [هکذا] و قتل منهم (ألفا و خمسمائة فارسا)! رجع الي الخيمة و هو يقول:...، و صرح الأربلي: 250 يقول: «و الأبيات النونية التي أولها: غدر القوم... لم يذکرها أبومخنف، و هي مشهورة، و الله أعلم»، و ذکر ثلاثة منها الخوارزمي: 568 ه 33: 2 عن ابن أعثم أيضا.

[32] ص 109 - 108.

[33] ص 35.

[34] ص 135.

[35] ص 129.

[36] ص 132.