بازگشت

كربلاء


و في كربلاء وقعت تلك الحادثة التي خلدها التاريخ؛ و التي أتت فيما أتت عليه علي حياة الامام العظيم سبط الرسول الكريم، سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه الصلاة و السلام.

و كذلك بقيت هذه الحادثة الأليمة في سنة 61، أحاديث شجون تتناقلها الألسن نقلا عن الذين كانوا قد شهدوا المعركة أو الحوادث السابقة عليها أو التالية لها، كسائر أحاديث المغازي و الحروب في الاسلام... حتي انبري لها في اوائل المائة الثانية للهجرة أبومخنف لوط بن يحيي بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي الغامدي الكوفي، (ت 158 ه) [1] ، فجمعها من أفواه الرواة و أعودها كتابا أسماه: (كتاب مقتل الحسين عليه السلام) كما في قائمة كتبه، فكان أول كتاب في تاريخ هذه الحادثة العظمي علي الاطلاق.

و تلمذ علي يد أبي مخنف في أحاديث تاريخ الاسلام كوفي آخر هو هشام بن محمد بن السائب الكلبي الكوفي النسابة، المتوفي 206 ه [2] ، فقرأ علي


شيخه الكوفي أبي مخنف كتبه ثم كتبها، وحدث بها عنه يقول: حدثني أبومخنف لوط بن يحيي الأزدي عن...

و مما كتب من كتبه و قرأه عليه وحدث به عنه كتابه في مقتل الحسين عليه السلام - كما نراه في قائمة كتبه - الا أنه لم يقتصر في كتابه في المقتل علي آحاديث شيخه أبي مخنف فقط، بل جمع اليها أحاديث اخري عن شيخه الآخر في التاريخ عوانة بن الحكم 158 ه.

و لا يخفي علي من يراجع تاريخ صدر الاسلام أنه يجد المؤرخين بأسرهم عيالا علي هذين العلمين العالمين المتقدمين، و لا سيما أبي مخنف، و لقد كان هذا بسبب قرب زمنه ينقل القضايا و الحوادث بجميع حذافيرها، و يوردها علي وجهها.

و اختصر كثير من المؤرخين كتبه في مؤلفاتهم في التاريخ، مما يدل علي وجود كتبه لديهم الي عهدهم: كمحمد بن عمر الواقدي 207 ه، و الطبري 310 ه، و ابن قتيبة في كتابه (الامامة و السياسة) 322 ه، و ابن عبدربه الأندلسي في (العقد الفريد) حيث أتي علي ذكر السقيفة 328 ه، و علي بن الحسين المسعودي في قضية اعتذار عروة بن الزبير عن أخيه عبدالله في تهديد بني هاشم بالاحراق حيث تخلفوا عن بيعته، 345 ه، و الشيخ المفيد في (الارشاد) في مقتل الحسين عليه السلام 413 ه، و في كتاب (النصرة في حرب البصرة) و الشهرستاني في (الملل و النحل) عند ذكر الفرقة النظامية 548 ه، و الخطيب الخوارزمي في كتابه في (مقتل الحسين) عليه السلام 568 ه، و ابن الأثير الجزري في (الكامل في التاريخ) 630 ه، و سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص) 654 ه.. و آخر من نراه من المؤرخين يسند في كتابه الي أبي مخنف بلا اسناد الي محدث أو كتاب آخر، مما ظاهره مباشرة النقل عن كتابه هو: أبوالفداء في تاريخه 732 ه.


و لا علم لنا الآن بما يوجد من كتب أبي مخنف عامة، و كتابه في المقتل خاصة و الظاهر أنها مفقودة لا توجد الا في مطاوي هذه الكتب بصورة أحاديث متفرقة.

و أقدم نص معروف لدينا ممن نقل أحاديث هشام الكلبي في كتابه عن أبي مخنف: هو تاريخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري 310 ه، و هو لم يفرد لها تأليفا خاصا، و انما ذكر الوفعة في أثناء تاريخه لحوادث سنة 60 و 61 ه [3] .

و هو لا يرويها عنه بالتحدث مباشرة، و انما يرويها عن كتبه معزرة بقوله: حدثت عن هشام بن محمد، ثم لا يعين من حدثه عنه...، و يدلنا علي عدم دركه لهشام و عدم مباشرته السماع عنه: قياس تاريخ ولادة الطبري 224 ه بوفاة الكلبي 206 ه...، و قد صرح بنقله عن كتبه عند ذكره لوقعة الحرة اذ يقول «هكذا وجدته في كتابي...» [4] .

و أقدم نص بعد الطبري ممن يروي عن كتاب هشام الكلبي بلا واسطة هو كتاب (الارشاد) الشيخ المفيد (ت 413 ه) فانه قال قبل نقله أخبار كربلاء في كتابه ما نصه: «فمن مختصر الأخبار... ما رواه الكلبي...» [5] .

ثم كتاب (تذكرة الامة بخصائص الأئمة) لسبط ابن الجوزي 654 ه، فانه أيضا نقل كثيرا مما ذكره في أخبار الامام الحسين عليه السلام عن هشام الكلبي مصرحا بذلك.

و عند مقابلة ما نقله الطبري بما نقله الشيخ المفيد (ره) و السبط؛ يظهر التوافق


الكثير بين نصوص النقول، الا ما شذ من بعض الحروف او الكلمات: كالواو بدل الفاء أو العكس أو ما شابه هذا، كما ستري ذلك في طيات الكتاب.


پاورقي

[1] فوات الوفيات 140: 2، و الأعلام للزرکلي 821: 3.

[2] مروج الذهب 24: 4 ط مصر.

[3] الطبري 467 - 338: 5 ط دار المعارف.

[4] الطبري 487: 5، و يدل علي هذا أيضا اختلاف الطبري في بعض الأعلام مما يدل علي أنه لم يسمعها رواية، کما في اسم مسلم بن المسيب حيث ذکره في موضعين مسلم بن المسيب و في آخرين سلم بن المسيب و هو شخص واحد، کما في خبر المختار.

[5] الارشاد 200 ط النجف.