بازگشت

تقديم


بسم الله الرحمن الرحيم

تعلم الانسان الكتابة، فكتب ما فعل و فعل الآخرون؛ فكان التاريخ...

و كان التاريخ في العرب عند ظهور الاسلام يقتصر علي اناس يحفظون أنساب العرب و أيام الجاهلية؛ فيسمونه: علامة [1] .

فمن هؤلاء: النضر بن الحارث بن كلدة حيث كان يسافر الي بلاد العجم فكان يشتري منها كتبا فيها أحاديث الفرس، من حديث رستم و غيره، فكان يلهي الناس بذلك ليصدهم عن سماع القرآن الكريم، فنزلت فيه الآية المباركة: «و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم، و يتخذها هزوا اولئك لهم عذاب مهين، و اذا تتلي عليه آياتنا ولي مستكبرا كأن لم يسمعها، كأن في أذنيه و قرا، فبشره بعذاب اليم» [2] .

و من هؤلاء من أهل المدينة من تلقي مما عند أهل الكتاب من اليهود بعض


قصص الأنبياء و المرسلين: سويد بن الصامت، فانه قدم مكة بعد بعثة رسول الله صلي الله عليه وآله حاجا أو معتمرا، فبلغه أمر رسول الله صلي الله عليه وآله فلقيه، فدعاه رسول الله صلي الله عليه وآله الي الله، فقال له سويد: ان معي مجلة لقمان، قال صلي الله عليه وآله: فأعرضها علي، فعرضها عليه فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: ان هذا لكلام حسن، و الذي معي أحسن منه؛ قرآن أنزله الله علي؛ هدي و نور [3] .

و من هذه الأحاديث أحاديث ما قبل الاسلام من قصص الأنبياء و الامم السالفة، التي رواها الطبري و محمد بن اسحاق و التي تنتهي أسنادها الي عبارة: بعض أهل العلم من أهل الكتاب الأول.

و جاء الاسلام و أتي بالقرآن؛ كتابا و قرآنا يتلي آناء الليل و أطراف النهار... فاحتاج الي كتاب يكتبونه، بالاضافة الي حفاظ يحفظونه... فكتب القرآن الكريم علي عهد الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله و حفظه آخرون علي ظهر القلب.

و أما أحاديث الرسول صلي الله عليه وآله في تفسير القرآن و أخبار الشرائع و الأديان، و تفصيل المسائل و الأحكام الشرعية، و سيرته و سنته و أخباره و مغازيه... فانها بقيت هكذا غير مدونة، حتي ارتحل الرسول الأكرام صلي الله عليه وآله الي الرفيق الأعلي.. و انما يحفظها و يحدث بها عن ظهر الغيب صحابته ممن رآه و سمع حديثه.

و ارتد عن الاسلام بعد وفاة الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله جماعة ممن كان قد استسلم له أيام حياته، فخرج أصحابه في الحروب و المغازي حتي قتل منهم يوم اليمامة أكثر من ثلاثمائة رجل [4] ، فأحسوا بعد هذا بالحاجة الي تدوين


الحديث.

و لكهنم اختلفوا فيه؛ فمنهم من أجازه و منهم من منعه.. و ترجح جانب المنع بنهي الخليفة الأؤل [5] و الثاني [6] و الثالث [7] عنه.. و استمر أثر هذا النهي و الكراهية الي أوائل المائة الثانية للهجرة، حتي أجمع علي اباحته المسلمون.

و أباحه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة و السلام، و أول شيء سجله أميرالمؤمنين عليه السلام كتاب الله العزيز، فانه بعد الفراغ من أمر النبي [صلي الله عليه وآله] آلي علي نفسه أن لا يرتدي الا للصلاة أو يجمعه، فجمعه مرتبا علي حسب ترتيبه في النزول، و أشار الي عامه و خاصه، و مطلقه و مقيده، و مجمله و مبينه، و محكمه و متشابهه، و ناسخه و منسوخه، و رخصه و عزائمه، و آدابه و سننه، و نبه علي أسباب النزول في آياته، و أوضح ما عساه يشكل من بعض الجهات.

و بعد فراغه من الكتاب العزيز ألف كتابا في الديات كان يومئذ يعرف ب «الصحيفة» أوردها ابن سعيد في آخر كتابه المعروف ب «الجامع»، و يروي عنها البخاري في مواضع من صحيحه منها في أول كتاب العلم من الجزء الأول.

و اقتدي به في جمع الحديث في ذلك العصر جماعة من شيعته، منهم أبورافع ابراهيم القبطي و ابناؤه: علي بن أبي رافع و عبيدالله بن أبي رافع.

و لهذا الأخير كتاب في تسمية من شهد الجمل و صفين و النهروان [8] ،


فيكون هذا أول كتاب في التاريخ من شيعته عليه السلام.

و هكذا سبق الشيعة سائر المسلمين في كتابة التاريخ أيضا؛ فكان محمد بن السائب الكلبي 146 ه و أبومخنف لوط 158 ه و هشام الكلبي 206 ه و غيرهم من مصادر التاريخ الاسلامي [9] .


پاورقي

[1] روي الکليني في الکافي بسنده عن الامام موسي بن جعفر عليه السلام قال: دخل رسول الله صلي الله عليه وآله المسجد فاذا جماعة قد أطافوا برجل، فقال: ما هذا؟ فقيل: علامة، فقال: و ما العلامة؟ فقالوا له: أعلم الناس بأنساب العرب و وقائعها، و أيام الجاهلية، و الأشعار العربية. قال: فقال النبي صلي الله عليه وآله: ذاک علم لا يضر من جهله، و لا ينفع من علمه، ثم قال النبي صلي الله عليه وآله: انما العلم ثلاثة: آية محکمة، أو فريضة عادلة، أو سنة قائمة، و ما خلاهن فهو فضل (32: 1).

[2] سورة لقمان، 6 و 7 تفسير القمي 161: 2 ط النجف، و تفسير ابن عباس ص 344 ط مصر.

[3] الطبري 353: 2 ط دار المعارف، و اليعقوبي 30: 2 ط النجف.

[4] الطبري 269: 3 ط دار المعارف.

[5] تذکرة الحفاظ 3: 1 و 5.

[6] المصدر السابق 3: 1 و 4 و 7، و البخاري ج 6 باب الاستيذان، و طبقات ابن سعد 206: 2.

[7] مسند أحمد 636: 1، و راجع في ذلک الکتاب: السنة قبل التدوين.

[8] رجال النجاشي: 5 - 1 الهند، و الفهرست: 122 ط النجف.

[9] راجع للزيادة: مؤلفو الشيعة في الاسلام، و الشيعة و فنون الاسلام، و تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام: 287 - 91، و أعيان الشيعة 148 - 8: 1، و الغدير 297 - 290: 6.