بازگشت

تذييل في الشجاعة العباس


اعلم ان الشجاعة من المعاني القائمة بالنفس، فهي تدرك البصيرة لا بالبصر و لا يمكن معرفتها بالحس مشاهدة لذاتها، بل طريق معرفتها و العلم بها مشاهدة آثارها، فمن اراد ان يعلم ان زيدا موصف بالشجاعة فطريقته ان ينظر الي ما يصدر منه اذا احدقت به الرجال و حفت به الآجال و تضايق المجال و حاق القتال فان كان مجزاعا مهلاعا مفزاعا يستركب الهزيمة و يستبقها و يستصوب الدنية و يتطوقها و يتبادر الي تدرع عار الفرار من شبا الشفار فذلك عن الشجاعة بمراحل و ان كان مجسارا كرارا صبارا يسمع من اصوات وقع الصوارم نغم المزامر المطربة و يسرع الي مصاف التصادم مسارعته الي مواصلة النواظر المعجبة خائضا غمرات الاهوال بنفس مطمئنة يعد مصافحة الصفاح غنيمة باردة و مرامحة الرماح فائدة عائدة.



يلقي المراح بنحره فكانما

في قلبه عود من الريحان



و يري السيوف و صوت وقع حديدها

عرسا تجليها عليه غوان



فهذا مالك زمام الشجاعة و حائزها، و صدق و الله واصفه بالشجاعة التي يحبها الله.

اذا عرفت هذا و تاملت فيما نقلناه من مقاتلة اصحاب الحسين عليه السلام و اهل بيته علمت ان جميعهم كانوا في اعلي درجة الشجاعة و ارفع مرتبة الشهامة الا ان العباس بن علي عليهماالسلام كان له من قداحها المعلي و رتبته ارفع و اعلي منه يقتبس انوارها و يقتطف ثمرها و نوارها، فانه كان صلب الايمان نافذ البصيرة و ذا منزلة عند الله يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة. و ناهيك بمن ابوه اميرالمؤمنين سيد البرية عليه آلاف التسليم و التحية.

روي المسعودي في مروج الذهب في ذكر وقعة الجمل:

ان اصحاب الجمل حملوا علي ميمنة علي عليه السلام و ميسرته فكشفوها فاتاه بعض ولد عقيل و علي عليه السلام يخفق نعاسا علي قربوس سرجه فقال له:


يا عم قد بلغت ميمنتك و ميسرتك حيث تري و انت تخفق نعاسا. قال: اسكت يا ابن اخي، فان لعمك يوما لا يعدوه، و الله لا يبالي عمك وقع علي الموت او وقع الموت عليه. ثم بعث الي ولده محمد بن الحنفية و كان صاحب رايته احمل علي القوم، فابطا محمد عليه، و كان بازائه قوم من الرماة ينتظر نفاذ سهامهم، فاتاه علي عليه السلام فقال: هلا حملت. فقالت: لا اجد متقدما الا علي سهم او سنان، و اني لمنتظر نفاذ سهامهم و احمل. فقال: احمل بين الاسنة فان للموت عليك جنة [1] .

و يناسب في هذا المقام قول من قام:



لا تحذرن فما يقيك حذار

ان كان حتفك ساقه المقدار



و اري الضنين علي الحمام بنفسه

لا بد ان يفني و يبقي العار



للضيم في حسب الابي جراحة

هيهات يبلغ قعرها المسبار



للضيم في حسب الابي جراحة

هيهات يبلغ قعرها المسبار



فاقذف بنفسك في المهالك انما

خوف المنية ذلة و صغار



و الموت حيث تقصفت سمر القنا

فوق المطهم عزة و فخار



فحمل محمد فسكن [2] بين الرماح و النشاب فوقف، فاتاه علي عليه السلام فضربه بقائم سيفه و قال: ادركك عرق من امك و اخذ الراية و حمل و حمل الناس معه، فما كان القوم الا كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف [3] .

هذا محمد بن الحنفية ابن اميرالمؤمنين عليه السلام مع انه كان من اعقل الناس و اشجعهم كما قال الزهري.

و عن الجاحظ انه قال: و اما محمد بن الحنفية فقد اقر الصادر و الوارد و الحاضر و البادي انه كان واحد دهره و رجل عصره و كان اتم الناس تماما و كمالا- انتهي [4] .


و يظهر شجاعته لمن تامل في ما كتب [5] اهل السير في حرب الجمل و صفين و ناهيك بمن كان صاحب راية اميرالمؤمنين عليه السلام، مع هذه الشجاعة و المحمدة ابطا عن الشد علي القوم انتظارا لنفاد سهامهم و لكن بابي و امي العباس صاحب راية اخيه الحسين عليه السلام و كبش كتيبته الذي اذا قصد نحو الفرات و احاط به اربعة آلاف ممن كانوا موكلين بالفرات و رموه بالنبال كان كالجبل الاصم لا تحركه العواصف و لا تزيله القواصف و يقول:



لا ارهب الموت اذا الموت رقي

مرگ اگر مرد است گو نزد من آي



تادر آغوشش بگيرم تنگ تنگ



من از آن عمري ستانم جاودان

آن زمن دلقي ستاند رنگ رنگ



هو العباس ليث بني نزار

و من قد كان للاجي عصاما



هزبر اغلب [6] تخذ اشتباك

الرماح بحومة الهيجا اجاما



فمدت فوقه العقبان ظلا

ليقرئها جسومهم طعاما



ابي عند من الضيم يمضي

بعزم يقطع العضب الحساما



وقد مر عليك ان بعض اصحاب الحسين عليه السلام حيث احاط بهم الاعداء و اقتطعوهم من الاصحاب و الاحباء حمل عليهم العباس بن علي عليهماالسلام فاستنقذهم، و علمت انه جعل نفسه الكريمة وقاية لاخيه الحسين عليه


السلام حيث كان بين يديه عليه السلام. بابي انت و امي يا اباالفضل.



كم من كمي في الهياج تركته

يهوي لفيه مجدلا مقتولا



جللت مفرق راسه ذا رونق

عضب المهزة صارما مصقولا



و يحق لي ان اتمثل بهذا البيت:



لك نفس من معدن اللطف صيغت

جعل الله كل نفس فداها



و لنتبرك بذكر ابيات من القصيدة الازرية في رثائه قدس الله روحه:



الله اكبر اي بدر خر عن

افق الهداية فاستشاط ظلامها



فمن المعزي السبط سبط محمد

بفتي له الاشراف طاطا هامها



و اخ كريم لم يخنه بمشهد

حيث السراة كبا بها اقدامها



تالله لا انسي ابن فاطم اذ جلا

عنه العجاجة يسبكر قتامها



من بعد ان خطم الوشيج و ثلمت

بيض الصفاح و نكست اعلامها



حتي اذا حم البلاء و ان ما

ابدي القضاء جرت به اقلامها



و افي به نحو المخيم حاملا

من شاهقي علياء عز مرامها



و هوي عليه ما هنالك قائلا

اليوم بان عن اليمين حسامها



اليوم سار عن الكتائب كبشها

اليوم غاب عن الصلاة امامها



اليوم آل الي التفرق جمعنا

اليوم حل عن البنود نظامها



اليوم نامت اعين بك لم تنم

و تسهدت اخري فعز منامها



اشقيق روحي هل تراك عملت اذ

غودرت و انثالت عليك لئامها



ان خلت طبقت السماء علي الثري

او دكدكت فوق الربي اعلامها



لكن اهان الخطب عندك انني

بك لا حق امر قضي علامها





پاورقي

[1] مروج الذهب 366/2.

[2] في المصدر: فشک بين.

[3] مروج الذهب 366 /2.

[4] تذکرة الخواص: 165.

[5] روي انه في بعض ايام صفين برز محمد بين الصفين و اوما الي عسکر معاوية و قال: يا اهل الشام اخساوا، يا ذرية النفاق وحشو النار و حصب جهنم من البدر الزاهر و القمر الباهر و النجم الثاقب و السنان النافذ و الشهاب المنير و الحسام المبير و الصراط المستقيم و البحر خضم العليم من قبل ان نطمس وجوها فنردها علي ادبارها او نلعنهم کما لعنا اصحاب السبت و کان امر الله مفعولا- الي آخر ما قال في مدح اميرالمؤمنين عليه‏السلام، بکلمات فصيحة بليغة بحيث لم يبق في الفريقين الا من اعترف بفصل محمد رضي‏الله‏عنه «منه». تذکرة الخواص 167.

[6] الاغلب الاسد «منه».