مقتل مولانا العباس ابن اميرالمؤمنين
ديوان اميرالمؤمنين ص 380 طبع قم.@.
و في البحار عن بعض تاليفات الاصحاب: ان العباس لما راي وحدته اتي اخاه و قال: يا اخي هل من رخصة؟ فبكي الحسين عليه السلام بكاء شديدا ثم قال: يا اخي انت صاحب لوائي و اذا مضيت تفرق عسكري. فقال العباس: قد ضاق صدري وسئمت من الحياة و اريد ان اطلب ثاري من هؤلاء المنافقين. فقال الحسين عليه السلام: فاطلب لهؤلاء الاطفال قليلا من الماء. فذهب العباس عليه السلام و وعظهم و حذرهم فلم ينفعهم، فرجع الي اخيه فاخبره، فسمع الاطفال
ينادون: العطش العطش. فركب فرسه و اخذ رمحه و القربة و قصد نحو الفرات، فاحاط به اربعة آلاف ممن كانوا موكلين بالفرات و رموه بالنبال فكشفهم و قتل منهم علي ما روي ثمانين رجلا حتي دخل الماء، فلما اراد ان يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين و اهل بيته، فرمي الماء و ملاء القربة و حملها علي كتفه الايمن و توجه نحو الخيمة، فقطعوا عليه الطريق و احاطوا به من كل جانب فحاربهم حتي ضربه نوفل الازرق علي يده اليمني فقطعها، فحمل القربة علي كتفه الايسر فضربه نوفل فقطع يده اليسري من الزند، فحمل القربة باسنانه و جاءه سهم فاصاب القربة و اريق ماؤها، ثم جاءه سهم آخر فاصاب صدره فانقلب عن فرسه و صاح الي اخيه الحسين عليه السلام ادركني. فلما اتاه رآه صريعا فبكي [1] .
قلت: و ذكر الطريحي في كيفية قتله سلام الله عليه انه حمل عليه رجل فضربه بعمود من حديد علي ام راسه ففلق هامته فوقع علي الارض و هو ينادي: يا اباعبدالله عليك مني السلام [2] .
و قال ابن نما في حكيم بن الطفيل السنبسي: و كان قد اخذ سلب العباس عليه السلام و رماه بسهم [3] .
و في البحار [4] قالوا: و لما قتل العباس قال الحسين عليه السلام: الآن انكسر ظهري و قلت حيلتي.
قلت: و لقد اجاد مادح آل الرسول ابوجعفر محمد ابن امير الحاج الحسيني شارح قصيدة ابي فراس رحمه الله في مدح سيدنا العباس عليه السلام:
بذلت ايا عباس نفسا نفيسة
لنصر حسين عز بالجد عن مثل
ابيت التذاذ الماء قبل التذاذه
فحسن فعال المرء فرع علي الاصل
فانت اخو السبطين في يوم مفخر
و في يوم بذل الماء انت ابوالفضل
و قال الشيخ ابن نما في ذلك:
حقيقا بالبكاء عليه حزنا
ابوالفضل الذي واسي اخاه
و جاهد كل كفار ظلوم
و قابل من ضلالهم هداه
فداه بنفسه لله حتي
تفرق من شجاعته عداه
و جادله علي ظما بماء
و كان رضا اخيه مبتغاه [5] .
اقول: سري البرق من نجد فجدد تذكاري، لما ذكرت مواساة سيدنا العباس لاخيه و سيده الحسين صلوات الله عليه، بلغ بخاطري ان اذكر قضية واحدة من مواساة والده اميرالمؤمنين لاخيه و ابن عمه رسول الله صلي الله عليهما و آلهما لتكون زينة للكتاب وعدة ليوم الحساب.
قال الجاحظ في كتاب العثمانية بنقل ابن ابي الحديد عنه: و كان ابوبكر من المفتونين المعذبين بمكة قبل الهجرة- الي ان قال- و علي بن ابي طالب كان رافها وادعا ليس بمطلوب و لا طالب- الخ.
قال ابوجعفر الاسكافي في رده ما ملخصه: انا قد بينا بالاخبار الصحيحة و الحديث المرفوع المسند انه (اي عليا) كان يوم اسلم بالغا كاملا منابذا بلسانه و قلبه لمشركي قريش ثقيلا علي قلوبهم، و هو المخصوص دون ابي بكر بالحصار في الشعب و صاحب الخلوات برسول الله صلي الله عليه و آله في تلك الظلمات المتجرع لغصص المرار من ابي لهب و ابي جهل و غيرهما و المصطلي لكل مكروه و الشريك لنبيه في كل اذي، قد نهض بالحمل الثقيل و بان بالامر الجليل، و من الذي كان يخرج ليلا من الشعب علي هيئة السارق يخفي نفسه و يضائل شخصه حتي ياتي الي من يبعثه اليه ابوطالب من كبراء قريش كمطعم بن عدي و غيره فيحمل لبني هاشم علي ظهره اعدال الدقيق و القمح و هو علي اشد خوف من اعدائهم كابي جهل و غيره لو ظفروا به لاراقوا دمه، اعلي كان يفعل ذلك ايام الحصار في
الشعب ام ابوبكر؟ و قد ذكر هو حاله يومئذ فقال في خطبة له مشهورة: فتعاقدوا الا يعاملونا و لا يناكحونا و اوقدت الحرب علينا نيرانها و اضطرونا الي جبل و عر مؤمننا يرجو الثواب و كافرنا يحامي عن الاصل، و لقد كانت القبائل كلها اجتمعت عليهم و قطعوا عنهم المراة و الميرة فكانوا يتوقعون الموت جوعا صباحا و مساء لا يرون وجها و لا فرجا قد اضمحل عزمهم و انقطع رجاؤهم [6] .
وقال ابوجعفر (اي الاسكافي): لا اشك ان الباطل خان اباعثمان (اي الجاحظ) و الخطا اقعده و الخذلان اصاره الي الحيرة، فما علم و عرف حتي قال ما قال، فزعم ان عليا عليه السلام قبل الهجرة لم يمتحن و لم يكابد المشاق و انه انما قاسي مشاق التكليف و محن الابتلاء منذ يوم بدر، و نسي الحصار في العشب و ما مني به منه، و ابوبكر وادع رافه ياكل مع من يريد و يجلس مع من يحب مخلي سر به طيبة نفسه ساكنا قلبه و علي عليه السلام يقاسي الغمرات و يكابد الاهوال و يجوع و يظما و يتوقع القتل صباحا و مساء، لانه كان هو المتوصل المحتال في احضار قوت زهيد من شيوخ قريش و عقلائها سرا ليقيم به رمق رسول الله صلي الله عليه و آله و بني هاشم و هم في الحصار، و لا يامن في كل وقت مفاجاة اعداء رسول الله صلي الله عليه و آله له بالقتل كابي جهل بن هشام و عقبة بن ابي معيط و الوليد بن مغيرة و عتبة بن ربيعة و غيرهم من فراعنة قريش و جبابرتها، و لقد كان يجيع نفسه و يطعم رسول الله صلي الله عليه و آله زاده و يظمي ء نفسه و يسقيه ماءه، و هو كان المعلل له اذا مرض و المؤنس له اذا استوحش و ابوبكر بنجوة عن ذلك لا يمسه مما يمسهم الم و لا يلحقه مما يلحقهم مشقة و لا يعلم بشي ء من اخبارهم و احوالهم الا علي سبيل الاجمال دون التفصيل، ثلاث سنين مرحمة معاملتهم و مناكحتهم و مجالستهم و محبوسين محصورين ممنوعين من الخروج و التصرف في انفسهم، فكيف اهمل الجاحظ هذه الفضيلة و نسي هذه الخصيصة و لا نظير لها- انتهي [7] .
هذه من علاه احدي المعالي
و علي هذه فقس ما سواها
و لقد اشار مادح اميرالمؤمنين عليه السلام الشيخ الازري «ره» الي هذه الفضيلة بقوله:
من غدا منجدا له في حصار الشع
ب اذ جد من قريش جفاها
يوم لم يرع للنبي ذمام
و تواصت بقطعه قرباها
فئة احدثت احاديث بغي
عجل الله في حدوث بلاها
فغدا نفس احمد منه بالنفس
و من هول كل بؤس وقاها
كيف تنفك في الملمات عنه
عصمة كان في القديم اخاها
قلت: و لقد صدق ابوجعفر الاسكافي في قوله: و هو عليه السلام كان المعلل له صلي الله عليه و آله اذا مرض.
فقد روي ابن ابي الحديد عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: دخلت عليه «ص» صبيحة يوم قبل اليوم الذي مات فيه، فقال لي: لا تسال عما كابدته الليلة من الالم و السهر انا و علي. فقلت: يا رسول الله الا اسهر الليلة معك بدله؟ فقال: لا هو احق بذلك منك [8] بابي انت و امي يا اميرالمؤمنين.
انت سر النبي و الصنو و ابن
العم و الصهر و الاخ المستجاد
لو راي مثلك النبي لاخاه
والا فاخطا الانتقاد
بكم باهل النبي و لم
يلف لكم خامسا سواه يزاد
كنت نفسا له و عرسك و ابنا
ك لديه النساء و الاولاد
جل معناك ان يحبط به الشعر
و يحصي صفاته النقاد
هذه الابيات لصفي الدين الحلي رحمه الله و صدرها:
جمعت في صفاتك الاضداد
فلهذا عزت لك الانداد
زاهد حاكم حليم شجاع
فاتك ناسك فقير جواد
خلق يخجل النسيم من اللطف
و باس يذوب منه الجماد
پاورقي
[1] البحار 42 -41 /45.
[2] منتخب الطريحي 312 المجلس التاسع من الجزء الثاني.
[3] شرح الثار لابننما ص 30، البحار 375 /45.
[4] البحار 42 /45.
[5] مثير الاحزان: 37.
[6] شرح نهجالبلاغة 254 /13.
[7] شرح نهجالبلاغة 257 -256 /13.
[8] شرح نهجالبلاغة 267 /10.