وصف مقاتلة اصحاب الحسين و مقتلهم
روي ابوالحسن سعيد بن هبة الله المعروف بالقطب الراوندي [1] باسناده عن
ابي جعفر عليه السلام قال: قال الحسين عليه السلام لاصحابه قبل ان يقتل: ان رسول الله صلي الله عليه و آله قال: يا بني انك ستساق الي العراق و هي ارض قد التقي بها النبيون و أوصياء النبيين، و هي أرض تدعي عمورا، و انك تستشهد بها و يستشهد معك جماعة من اصحابك لا يجدون [2] الم مس الحديد وتلا (قلتا يا نار كوني بردا و سلاما علي ابراهيم) [3] يكون الحرب بردا و سلاما عليك و عليهم فابشروا فوالله لئن قتلونا فانا نرد علي نبينا- الحديث [4] .
و روي ايضا عن الثمالي عن علي بن الحسين عليهماالسلام قال: كنت مع ابي في الليلة التي قتل في صبيحتها فقال لاصحابه: هذا الليل فاتخذوه جنة، فان القوم انما يريدونني و لو قتلوني لم يلتفتوا اليكم و انتم في حل وسعة. فقالوا: و الله لا يكون هذا ابدا. فقال: انكم تقتلون غدا كلكم و لا يفلت منكم رجل. قالوا: الحمد لله الذي شرفنا بالقتل معك. ثم دعا فقال لهم: ارفعوا رؤوسكم و انظروا. فجعلوا ينظرون الي مواضعهم و منازلهم في الجنة و هو يقول لهم: هذا منزلك يا فلان، فكان الرجل يستقبل الرماح و السيوف بصدره و وجهه ليصل الي منزله من الجنة [5] .
و روي الشيخ الصدوق قدس سره عن سالم بن ابي جعدة قال: سمعت كعب الاحبار يقول: ان في كتابنا ان رجلا من ولد محمد رسول الله صلي الله عليه و آله
يقتل و لا يجف عرق دواب اصحابه حتي يدخلوا الجنة فيعانقوا الحور العين فمر بنا الحسن عليه السلام فقلنا: هو هذا؟ قال: لا، فمر بنا الحسين عليه السلام فقلنا: هو هذا؟ قال: نعم [6] .
و روي ايضا انه قيل لابي عبدالله عليه السلام: اخبرني عن اصحاب الحسين عليه السلام و اقدامهم علي الموت. فقال: انهم كشف لهم الغطاء حتي راوا منازلهم من الجنة، فكان الرجل منهم يقدم علي القتل ليبادر الي حوراء ليعانقها و الي مكانه من الجنة [7] .
قلت: و اشير الي ذلك في الزيارة الخارجة عن الناحية الشريفة المشتملة علي اسامي الشهداء: اشهد لقد كشف الله لكم الغطاء و مهد لكم الوطاء و اجزل لكم العطاء [8] .
و عن معاني الاخبار مسندا عن ابي جعفر الثاني عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي بن الحسين عليهماالسلام: لما اشتد الامر بالحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام نظر اليه من كان معه فاذا هو بخلافهم لانهم كلما اشتد الامر تغيرت الوانهم وارتعدت فرائصهم و وجلت قلوبهم، و كان الحسين عليه السلام و بعض من معه من خصائصه تشرق الوانهم و تهدأ جوارحهم و تسكن نفوسهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا لا يبالي بالموت. فقال لهم الحسين عليه السلام: صبرا بني الكرام فما الموت الا قنطرة تعبر بكم عن البؤس و الضراء الي الجنان الواسعة و النعيم الدائمة، فايكم يكره ان ينتقل من سجن الي قصر، و ما هو لاعدائكم الا كمن ينتقل من قصر الي سجن و عذاب، ان ابي حدثني عن رسول الله صلي الله عليه و آله ان الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر، و الموت جسر هؤلاء الي جنانهم و جسر هؤلاء الي جحيمهم، ما كذبت و لا كذبت [9] .
اقول: قال الله تعالي في وصف كفار قريش و عتوهم في غيهم و ضلالتهم (و لقد جاءهم من الانباء ما فيه مزدجر- حكمة بالغة فما تغن النذر) [10] .
و كذلك كان عسكر عمر بن سعد لعنهم الله فقد تكرر من مولانا الحسين عليه السلام و اصحابه الخطب و المواعظ لاقامة الحجة عليهم و دفع الشبهة عنهم فلم ينفعهم ذلك.
و لنعم ما قال العلامة الطباطبائي بحر العلوم «ره»:
كم قام فيهم خطيبا منذرا و تلا
آيا فما اغنت الآيات و النذر
بل كانوا يجلبون و يصيحون لئلا يسمعوا كلامه عليه السلام، فكان كما اخبر عنه الكميت بن زيد الاسدي رحمه الله بقوله:
و قتيل بالطف غودر فيهم
بين غوغاء امة و طغام
پاورقي
[1] ان القطب الراوندي من کبار علماء الشيعة و صاحب مؤلفات کثيرة و قبره الشريف في الصحن الجديد من مقام السيدة المعصومة في قم و يظهر من البحار نقلا عن کتب الشهيد بانه مات ضحي يوم الاربعاء الرابع عشر من شهر شوال عام 573 لا 548 المنحوت علي قبره «منه».
[2] قيل: ذلک لاجل کون العناء راحة لديهم لعظم المقصد فمعناه عدم الالتفات اليه مع وجدانه حقيقة او لخوضهم في بحر شوق لقاء الله تعالي کما في نبلة اصابت رجل الامير عليهالسلام في غزوة صفين و اخرجوها حين کونه في سجدة الصلاة فحلف انه لم يحس ذلک اصلا کما قبل «منه».
[3] سورة الانبياء: 69.
[4] البحار 80 /45 نقلا عن الخرائج للقطب الراوندي.
[5] البحار 298 /44 نقلا عن الخرائج للراوندي و قد مضي هذا الحديث بعينه سابقا في وقائع ليلة عاشوراء.
[6] الامالي، المجلس 29 ص 85، البحار 224 /44.
[7] علل الشرائع 218 /1، البحار 297 /44.
[8] البحار 73 /45 نقلا عن اقبال السيد ابنطاوس.
[9] معاني الاخبار: 288، البحار 297 /44.
[10] سورة القمر: 4.