بازگشت

نزول الحسين بارض كربلاء


(في نزول الحسين عليه السلام بارض كربلاء و ورود عمر بن سعد و ما جري بينهما بعد ذلك)

لما نزل الحسين عليه السلام بارض كربلاء قال: ما هي؟ قالوا: العقر. فقال الحسين عليه السلام: اللهم اني اعوذ بك من العقر [1] .

و في تذكرة السبط: ثم قال الحسين: ما يقال لهذه الارض؟ فقالوا كربلاء و يقال لها ارض نينوي قرية بها. فبكي عليه السلام و قال: كرب و بلاء، اخبرتني ام سلمة قالت: كان جبرئيل عند رسول الله صلي الله عليه و آله و انت معي، فبكيت فقال رسول الله صلي الله عليه و آله: دع ابني، فتركتك فاخذك و وضعك في حجره


فقال جبرئيل: اتحبه؟ قال: نعم. قال: فان امتك ستقتله. قال: و ان شئت ان اريك تربة ارضه التي يقتل فيها. قال: نعم. قالت: فبسط جبرئيل جناحه علي ارض كربلاء فاراه اياها. فلما قيل للحسين عليه السلام هذه ارض كربلا شمها و قال: هذه و الله هي الارض التي اخبر بها بجبرئيل رسول الله صلي الله عليه و آله و انني اقتل فيها [2] .

ثم نقل السبط عن الشعبي انه قال: لما مر علي عليه السلام بكربلا في مسيره الي صفين و حاذي نينوي قرية علي الفرات وقف و نادي صاحب مطهرته: اخبر اباعبدالله ما يقال لهذه الارض؟ فقال: كربلا، فبكي حتي بل الارض من دموعه ثم قال: دخلت علي رسول الله صلي الله عليه و آله و هو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: كان جبرئيل عندي آنفا و اخبرني ان ولدي الحسين يقتل بشط الفرات بموضع يقال له كربلا، ثم قبض جبرئيل قبضة من تراب فشمني اياها فلم املك عيني ان فاضتا [3] .

و في البحار عن الخرائج: و قال الباقر عليه السلام خرج علي عليه السلام يسير بالناس حتي اذا كان بكربلا علي ميلين او ميل تقدم بين ايديهم حتي طاف بمكان يقال له المقدفان، فقال قتل فيها مائتا نبي و مائتا سبط كلهم شهداء و مناخ ركاب و مصارع عشاق، شهداء لا يسبقهم من كان قبلهم و لا يحلهقم من بعدهم [4] .

و في اللهوف: فلما وصلها قال: ما اسم هذه الارض؟ فقيل: كربلا. فقال عليه السلام: اللهم اني اعوذ بك من الكرب و البلاء. ثم قال: هذا موضع كرب و بلاء انزلوا، هاهنا محط رحالنا و مسفك دمائنا و هنا محل قبورنا، بهذا حدثني جدي رسول الله صلي الله عليه و اله. فنزلوا جميعا و نزل الحر و اصحابه ناحية [5] .


و في كشف الغمة قال: فنزل القوم و حطوا الاثقال و نزل الحر بنفسه و جيشه قبالة الحسين عليه السلام، ثم كتب الي عبيد اللَّه بن زياد و اعلمه بنزول الحسين عليه السلام بارض كربلا [6] .

و في مروج الذهب: فعدل الي كربلاء و هو في مقدار خمسمائة فارس من اهل بيته و اصحابه و نحو مائة راجل [7] .

و في البحار عن المناقب ما هذا لفظه: فقال له عليه السلام زهير: فسر بنا حتي ننزل كربلا فانها علي شاطي ء الفرات فنكون هنالك، فان قاتلونا قاتلناهم و استعنا اللَّه عليهم. قال: فدمعت عينا الحسين عليه السلام ثم قال: اللهم اني اعوذ بك من الكرب و البلاء. و نزل الحسين عليه السلام في موضعه ذلك و نزل الحر بن يزيد حذاءه في الف فارس، و دعا الحسين عليه السلام بدوات و بيضاء و كتب الي اشراف الكوفة ممن كان يظن انه علي رايه:

«بسم اللَّه الرحمن الرحيم. من الحسين بن علي الي سليمان بن صرد و المسيب بن نجبة و رفاعة بن شداد و عبداللَّه بن وال و جماعة المؤمنين. اما بعد فقد علمتم ان رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله قد قال في حياته: من راي سلطانا جائرا»- الي آخر ما ذكرناه من خطبته عليه السلام لاصحابه و اصحاب الحر [8] .

ثم طوي الكتاب و ختمه و دفعه الي قيس بن مسهر الصيداوي- و ساق الحديث نحو ما مر [9] .

ثم قال: و لما بلغ الحسين عليه السلام قتل قيس استعبر باكيا ثم قال: اللهم اجعل لنا و لشيعتنا عندك منزلا كريما و اجمع بيننا و بينهم في مستقر رحمتك انك علي كل شي ء قدير [10] .


قال: فوثب الي الحسين عليه السلام رجل من شيعته يقال له هلال بن نافع البجلي [11] .

فقال: يابن رسول اللَّه: انت تعلم ان جدك رسول اللَّه لم يقدر ان يشرب الناس محبته و لا ان يرجعوا الي امره ما احب، و قد كان منهم منافقون يعدونه بالنصر و يضمرون له الغدر يلقونه باحلي من العسل و يخلفونه بامر من الحنظل حتي قبضه اللَّه اليه، و ان اباك عليا قد كان في مثل ذلك، فقوم قد اجمعوا علي نصره و قاتلوا معه الناكثين و القاسطين و المارقين حتي اتاه اجله فمضي الي رحمةالله و رضوانه، و انت اليوم عندنا في مثل تلك الحالة، فمن نكث عهده و خلع بيعته فلن يضر الا نفسه و اللَّه مغن عنه، فسر بنا راشدا معافي مشرقا ان شئت و ان شئت مغربا، فو اللَّه ما اشفقنا من قدر اللَّه و لا كرهنا لقاء ربنا و انا علي نياتنا و بصائرنا نوالي


من والاك و نعادي من عاداك [12] .

ثم و ثب اليه برير بن خصير [13] الهمداني فقال: و اللَّه يابن رسول اللَّه لقد من اللَّه بك علينا ان نقاتل بين يديك تقطع فيه اعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة بين ايدينا، لا افلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم اف لهم غدا ماذا يلاقون؟ ينادون بالويل و الثبور في نار جهنم [14] .

قال: فجمع الحسين عليه السلام ولده و اخوته و اهل بيته، ثم نظر اليهم فبكي ساعة ثم قال: اللهم انا عترة نبيك محمد و قد اخرجنا و طردنا و ازعجنا عن حرم جدنا و تعدت بنو امية علينا، اللهم فخذ لنا بحقنا و انصرنا علي القوم الظالمين.

قال: فرحل عن موضعه حتي نزل في يوم الاربعاء [15] او يوم الخميس بكربلاء و ذلك في الثاني من المحرم سنة احدي و ستين، ثم اقبل علي اصحابه فقال عليه السلام: الناس عبيد الدنيا و الدين لعق علي السنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون. ثم قال: اهذه كربلا؟ فقالوا: نعم يابن رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله. فقال: هذا موضع كرب و بلاء، ها هنا مناخ ركابنا و محط رحالنا و مقتل رجالنا و مسفك دمائنا.

قال: فنزل القوم، فاقبل الحر حتي نزل حذاء الحسين عليه السلام في الف فارس، ثم كتب الي ابن زياد يخبره بنزول الحسين بكربلاء.

و كتب ابن زياد الي الحسين عليه السلام: «اما بعد يا حسين فقد بلغني نزولك بكربلاء، و قد كتب الي اميرالمؤمنين يزيد ان لا اتوسد الوثير و لا اشبع من


الخمير او الحقك باللطيف الخبير او ترجع الي حكمي و حكم يزيد بن معاوية، و السلام».

فلما ورد كتاب علي الحسين عليه السلام و قراه رماه من يده ثم قال: لا افلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق. فقال الرسول: جواب الكتاب اباعبداللَّه! فقال عليه السلام: ما له عندي جواب لانه قد حقت عليه كلمة العذاب. فرجع الرسول اليه فخبره بذلك، فغضب عدو اللَّه من ذلك اشد الغضب و التفت الي عمر بن سعد و امره بقتال الحسين عليه السلام و قد كان ولاه الري قبل ذلك فاستعفي عمر من ذلك، فقال ابن زياد: فاردد الينا عهدنا. فاستمهله ثم قبل بعد يوم خوفا عن ان يعزل عن ولاية الري [16] .

اقول: عندي هذا بعيد، لان ارباب السير و التواريخ المعتبرة اتفقوا علي ان عمر بن سعد نزل بكربلاء بعد نزول الحسين عليه السلام بها بيوم و هو اليوم الثالث من المحرم.

قال شيخنا المفيد «ره» و ابن الاثير و غيرهما: فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في اربعة الف (آلاف خ ل) فارس [17] .

ثم قال الثاني: و كان سبب مسيره اليه ان عبيد اللَّه بن زياد كان قد بعثه علي اربعة آلاف الي دستبي و كانت الديلم قد خرجوا اليها و غلبوا عليها و كتب له عهده علي الري، فعسكر بالناس في حمام اعين، فلما كان من امر الحسين عليه السلام ما كان دعا ابن زياد عمر بن سعد و قال له: سر الي الحسين فاذا فرغنا بيننا و بينه سرت الي عملك. فاستعفاه فقال: نعم علي ان ترد عهدنا. فلما قال له ذلك قال: امهلني اليوم حتي انظر. فاستشار نصحاءه فكلهم نهاه، و اتاه حمزة بن المغيرة بن شعبة و هو ابن اخته فقال: انشدك اللَّه يا خالي ان لا تسير الي الحسين عليه السلام فتاثم و تقطع رحمك، فو اللَّه لان تخرج من دنياك و مالك و سلطان الارض لو كان لك


خير من ان تلقي اللَّه بدم الحسين. فقال: افعل، و بات ليلنه مفكرا في امره فسمع و هو يقول:



ااترك ملك الري و الري رغبة [18] .

ام ارجع مذموما بقتل حسين



و في تقله النار التي ليس دونها

حجاب و ملك الري قرة عين



ثم اتي ابن زياد و قال له: انك قد وليتني هذا العمل و سمع الناس به فان رايت ان تنفذ لي ذلك فافعل و ابعث الي الحسين عليه السلام من اشراف الكوفة من لست باغني و لا اجرا عنك في الحرب منه، و سمي اناسا فقال له ابن زياد: لست استامرك فيمن اريد ان ابعث فان سرت بجندنا و الا فابعث الينا بعهدنا. قال: فاني سائر. فاقبل في ذلك الجيش حتي نزل بالحسين عليه السلام [19] .

اقول: و قد ظهر في ذلك ما اخبر عنه اميرالمؤمنين عليه السلام.

ففي تذكرة السبط: قال محمد بن سيرين: و قد ظهرت كرامات علي بن أبي طالب عليه السلام في هذا، فانه لقي عمر بن سعد يوما و هو شاب فقال: ويحك يابن سعد كيف بك اذا قمت يوما مقاما تخير فيه بين الجنة و النار فتختار النار [20] .

فلما بلغ عمر بن سعد كربلاء نزل بنينوي و بعث الي الحسين عليه السلام عروة (عزرة خ ل) بن قيس الاحمسي فقال: ائته فاساله ما الذي جاء بك و ماذا تريد؟ و كان عروة ممن كتب الي الحسين عليه السلام فاستحيي منه ان ياتيه، فعرض ذلك علي الرؤساء الذين كاتبوه فكلهم أبي ذلك و كرهه. فقام اليه كثير بن عبداللَّه الشعبي و كان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شي ء فقال له: انا اذهب اليه و اللَّه لئن شئت لافتكن به. فقال له عمر: ما اريد ان تفتك به و لكن ائته فاساله ما الذي جاء به. فاقبل كثير اليه، فلما رآه ابوثمامة الصائدي قال للحسين عليه السلام: اصلحك اللَّه يا اباعبداللَّه قد جاءك شر اهل الارض و اجراه علي دم و افتكه [21] .


و قام اليه فقال له: ضع سيفك. قال: لا و لا كرامه، انما انا رسول فان سمعتم مني بلغتكم ما ارسلت به اليكم و ان ابيتم انصرفت عنكم. قال: فاني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك. قال: لا و الله لا تمسه. فقال له: فاخبرني بما جئت به و انا ابلغه عنك و لا ادعك تدنو منه فانك فاجر. فاستبا و انصرف الي عمر بن سعد فاخبره الخبر.

فدعا عمر قره بن قيس الحنظلي فقال له: ويحك يا قره الق حسينا فاساله ما جاء به و ماذا يريد؟ فاتاه قره، فلما رآه الحسين عليه السلام مقبلا قال: اتعرفون هذا؟فقال له حبيب بن مظاهر (مظهر خ ل): نعم هذا رجل من حنظله تميم و هو ابن اختنا و قد كنت اعرفه بحسن الراي و ما كنت اراه يشهد هذا المشهد. فجاء حتي سلم علي الحسين عليه السلام و ابلغه رساله عمر بن سعد اليه، فقال له الحسين عليه السلام: كتب الي اهل مصركم هذا ان اقدم فاما اذ كرهتموني فانا انصرف عنكم. ثم قال له حبيب بن مظاهر: ويحك يا قره اين ترجع الي القوم الظالمين انصر هذا الرجل الذي بآبائه ايدك الله بالكرامه. فقال ل قره: ارجع الي صاحبي بجواب رسالته و اري رايي. قال: فانصرف الي عمر بن سعد فاخبره الخبر فقال عمر: ارجو ان يعافيني الله من حره و قتاله [22] .

و كتب الي عبيد الله بن زياد:

«بسم الله الرحمن الرحيم. اما بعد فاني حين نزلت بالحسين عليه السلام بعثت اليه رسولي فسالته عما اقدمه و ماذا يطلب فقال:كتب الي اهل هذه البلاد و اتتني رسلهم يسالوني القدوم عليهم ففعلت،فاما اذ كرهوني و بدا لهم غير ما اتتني به رسلهم فانا منصرف عنهم».

قال حسان بن قائد العبسي: و كنت عند عبيد الله حين اتاه هذا الكتاب،فلما قراه قال:




الآن اذ علقت مخالبنا به

يرجو النجاة ولات حين مناص



و كتب الي عمر بن سعد:

«اما بعد، فقد بلغني كتابك و فهمت ما ذكرت، فاعرض علي الحسين ان يبايع ليزيد هو و جميع اصحابه، فاذا هو فعل ذلك راينا راينا. و السلام».

فلما ورد الجواب علي عمر بن سعد قال: قد خشيت ان لا يقبل ابن زياد العافية [23] .

فلم يعرض ابن سعد علي الحسين عليه السلام ما ارسل بن ابن زياد لانه علم ان الحسين لا يبايع يزيد ابدا.

قال: ثم جمع ابن زياد الناس في جامع الكوفة، ثم خرج فصعد المنبر ثم قال: ايها الناس انكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون، و هذا اميرالمؤمنين يزيد قد عرفتموه حسن السيرة محمود الطريقة محسنا الي الرعية يعطي العطاء في حقه قد امنت السبل علي عهده، و كذلك كان ابوه معاوية في عصره، و هذا ابنه يزيد من بعده يكرم العباد و يغنيهم بالاموال و يكرمهم، و قد زادكم في ارزاقكم مائة مائة و امرني ان اوفرها عليكم و اخرجكم الي حرب عدوه الحسين فاسمعوا له و اطيعوا.

ثم نزل عن المنبر و وفر الناس العطاء و امرهم ان يخرجوا الي حرب الحسين عليه السلام و يكونوا عونا لابن سعد علي حربه.

قلت: فلا يزال يرسل العساكر حتي اجتمعت عند عمر بن سعد الي ست ليال خلون من المرحم عشرون الف فارس [24] .

ثم ارسل ابن زياد الي شبث بن ربعي ان اقبل الينا فانا نريد ان نتوجه بك الي حرب الحسين عليه السلام، فتمارض شبث و اراد ان يعفيه ابن زياد، فارسل


اليه: اما بعد فان رسولي اخبرني بتمارضك و اخاف ان تكون من الذين اذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا و اذا خلوا الي شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤون، ان كنت في طاعتنا فاقبل الينا مسرعا. فاقبل اليه شبث بعد الشعاء لئلا ينظر الي وجهه فلا يري عليه اثر العلة، فلما دخل رحب به و قرب به مجلسه و قال: احب ان تشخص الي قتال هذا الرجل عونا لابن سعد عليه. فقال: افعل ايها الامير [25] .

قلت: فارسله في الف فارس.

و كتب ابن زياد الي عمر بن سعد:

«اما بعد، فحل بين الحسين عليه السلام و اصحابه و بين الماء، فلا يذوقوا منه قطرة [26] كما صنع بالتقي الزكي المظلوم عثمان بن عفان».

فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس فنزلوا علي الشريعة و حالوا بين الحسين عليه السلام و اصحابه و بين الماء و منعوهم ان يسقوا منه قطرة، و ذلك قبل قتل الحسين عليه السلام بثلاثة ايام [27] .

و نادي عبيد الله بن (أبي ظ) حصين الازدي- و كان عداده في بجيلة- فقال باعلي صوته: يا حسين الا تنظر الي الماء كانه كبد السماء و اللَّه لا تذوق منه قطرة حتي تموت عطشا. فقال الحسين عليه السلام: اللهم اقتله عطشا و لا تغفر له ابدا. قال حميد بن مسلم: و اللَّه لعدته بعد ذلك في مرضه، فو اللَّه الذي لا اله الا هو لقد رايته شرب حتي بغر ثم يقي ء و يصيح: العطش العطش، ثم يعود فيشرب حتي يبغر فما يروي، فما زال ذلك دابه حتي لفظ غصته. يعني نفسه [28] .


فصل

و في البحار ان ابن زياد لا يزال يرسل الي ابن سعد بالعساكر حتي تكامل عنده ثلاثون الفا ما بين فارس و راجل، ثم كتب اليه ابن زياد:

«اني لم اجعل لك علة في كثرة الخيل و الرجال، فانظر لا اصبح و لا امسي الا و خبرك عندي غدوة و عشية».

و كان ابن زياد يستحث عمر بن سعد لستة ايام مضين من المحرم.

و اقبل حبيب بن مظاهر الي الحسين عليه السلام فقال: يابن رسول اللَّه هاهنا حي من بني اسد بالقرب منا تاذن لي في المصير اليهم فادعوهم الي نصرتك فعسي اللَّه ان يدفع بهم عنك. قال: قد اذنت لك.

فخرج حبيب اليهم في جوف الليل مستنكرا حتي اتي اليهم، فعرفوه انه من بني اسد فقالوا: ماحاجتك؟ فقال: اني قد اتيتكم بخير ما اتي به وافد الي قوم، اتيتكم ادعوكم الي نصر ابن بنت نبيكم، فانه في عصابة من المؤمنين الرجل منهم خير من الف رجل لن يخذلوه و لن يسلموه ابدا، و هذا عمر بن سعد قد احاط به و انتم قومي و عشيرتي و قد اتيتكم بهذه النصيحة فاطيعوني اليوم في نصرته تنالوا بها شرف الدنيا و الاخرة، فاني اقسم بالله لا يقتل احد منكم في سبيل اللَّه مع ابن بنت رسول اللَّه صابرا محتسبا الا كان رفيقا لمحمد في عليين.

قال: فوثب اليه رجل من بني اسد يقال له عبداللَّه بن بشير فقال: انا اول من يجيب هذه الدعوة. ثم جعل يرتجز و يقول:



قد علم القوم اذا تواكلوا

و احجم الفرسان اذ تثاقلوا



اني شجاع بطل مقاتل

كانني ليث عرين باسل



ثم تبادر رجال الحي حتي التام منهم تسعون رجلا، فاقبلوا يريدون الحسين عليه السلام، و خرج رجل من ذلك الوقت من الحي حتي صار الي عمر بن سعد فاخبره بالحال، فدعا ابن سعد رجلا من اصحابه يقال له الازرق فضم


اليه اربعمائة فارس و وجهه نحو حي بني اسد، فبينما اولئك القوم قد اقبلوا يريدون عسكر الحسين عليه السلام في جوف الليل اذ استقبلهم خيل ابن سعد علي شاطي ء الفرات و بينهم و بين عسكر الحسين عليه السلام اليسير، فناوش القوم بعضهم بعضا و اقتتلوا قتالا شديدا.

و صاح حبيب بن مظاهر بالازرق: ويلك ما لك و ما لنا انصرف عنا دعنا يشقي بنا غيرك، فابي الازرق ان يرجع و علمت بنواسد انه لا طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعين الي حيهم، ثم انهم ارتحلوا في جوف الليل خوفا من ابن سعد ان يبيتهم و رجع حبيب بن مظاهر الي الحسين عليه السلام فخبره بذلك فقال: لا حول و لا قوة الا بالله.

قال: و رجعت خيل ابن سعد حتي نزلوا علي شاطي ء الفرات فحالوا بين الحسين عليه السلام و اصحابه و بين الماء و اضر العطش بالحسين عليه السلام و اصحابه، فاخذ الحسين عليه السلام فاسا و جاء الي وراء خيمة النساء فخطا في الارض تسع عشرة خطوة نحو القبلة ثم حفر هناك فنبعت له عين من الماء العذب، فشرب الحسين عليه السلام و شرب الناس باجمعهم و ملاوا اسقيتهم، ثم غارت العين فلم ير لها اثر. فبلغ ذلك ابن زياد، فارسل الي عمر بن سعد: بلغني ان الحسين عليه السلام يحفر الآبار و يصيب الماء فيشرب هو و اصحابه فانظر اذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت و ضيق عليهم و لا تدعهم و يذوقوا الماء و افعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان. فعندها ضيق عمر بن سعد عليهم غاية التضييف [29] .

قال محمد بن طلحة و علي بن عيسي الاربلي: و اشتد بهم العطش، فقال انسان من اصحاب الحسين عليه السلام يقال له يزيد بن حصين الهمداني- و كان زاهدا- للحسين (متعلق بقال اي قال اي قال للحسين عليه السلام): ائذن لي يابن رسول اللَّه لآتي ابن سعد فاكلمه في امر الماء عساه ان يرتدع. فقال له: ذلك اليك.


فجاء الهمداني الي عمر بن سعد فدخل عليه و لم يسلم، قال: يا اخا همدان ما منعك من السلام؟ الست مسلما اعرف اللَّه و رسوله؟ فقال له الهمداني: لو كنت مسلما كما تقول لما خرجت الي عترة رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله تريد قتلهم و بعد فهذا ماء الفرات يشرب منه كلاب السواد و خنازيرها و هذا الحسين بن علي و اخوته و نساؤه و اهل بيته يموتون عطشا قد حلت بينهم و بين ماء الفرات ان يشربوه و تزعم انك تعرف اللَّه و رسوله. فاطرق عمر بن سعد ثم قال: و اللَّه يا اخا همدان اني اعلم حرمة اذاهم لكن:



دعاني عبيد اللَّه من دونه قومه

الي خطة فيها خرجت لحيني



فو اللَّه لا ادري و اني لواقف

علي خطر لا ارتضيه و مين



ااترك ملك الري و الري منيتي

ام ارجع مطلوبا بقتل حسين



و في قتله النار التي ليس دونها

حجاب و ملك الري قرة عيني [30] .



يا اخا همدان ما اجد نفسي تجيبني الي ترك الري لغيري. فرجع يزيد بن حصين الهمداني فقال للحسين عليه السلام: يابن رسول اللَّه ان عمر بن سعد قد رضي ان يقتلك بولاية الري [31] .

قال ابوجعفر الطبري و ابوالفرج الاصبهاني: لما اشتد علي الحسين عليه السلام و اصحابه العطش دعا العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام اخاه فبعثه في ثلاثين فارسا و عشرين (ثلاثين خ ل) راجلا و بعث معهم بعشرين قربة فجاؤوا


حتي دنوا من الماء ليلا و استقدم امامهم باللواء نافع بن هلال الجملي (البجلي خ ل) نشرب من هذا الماء الذي حلاتمونا عنه. قال: فاشرب هنيئا قال: و اللَّه لا اشرب منه قطرة و حسين عطشان و من تري من اصحابه، فطلعوا عليه فقال: لا سبيل الي سقي هؤلاء انما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء. فلما دنا منه اصحابه قال لرجاله: املؤوا قربكم فشد الرجالة فملاوا قربهم و ثار اليهم عمرو بن الحجاج و اصحابه، فحمل عليهم العباس بن علي عليهماالسلام و نافع ابن هلال فكفوهم ثم انصرفوا الي رحالهم فقالوا: امضوا وقفوا دونهم، فعطف عليهم عمرو بن الحجاج و اصحابه و اطردوا قليلا ثم ان رجلا من صداء طعن من اصحاب عمرو بن الحجاج طعنه نافع بن هلال فظن انها ليست بشي ء ثم انها انتقضت بعد ذلك فمات منها، و جاء اصحاب الحسين عليه السلام بالقرب فادخلوها عليه [32] .

قال الطبري: قال ابومخنف: حدثني ابوجناب عن هاني بن ثبيت الحضرمي و كان قد شهد قتل الحسين عليه السلام انه بعث الحسين عليه السلام الي عمر بن سعد عمرو بن قرظة بن كعب الانصاري [33] ان القني الليل بن عسكري و عسكرك.

قال: فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارسا و اقبل الحسين في مثل ذلك، فلما التقوا امر الحسين عليه السلام اصحابه ان يتنحوا عنه [34] و امر عمر بن


سعد اصحابه بمثل ذلك. قال: فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع اصواتهما و لا كلامهما، فتكلما فاطالا حتي ذهب من الليل هزيع [35] ثم انصرف كل واحد منهما الي عسكرة باصحابه و تحدث الناس فيما بينهما ظنا يظنونه ان حسينا قال لعمر بن سعد اخرج معي الي يزيد بن معاوية وندع العسكرين. قال عمر: اذن تهدم داري. قال: انا ابنيها لك. قال: اذن توخذ ضياعي. قال: اذن اعطيك خيرا منها من مالي بالحجاز. قال: فتكره ذلك عمر. قال: فتحدث الناس بذلك و شاع فيهم من غير ان يكونوا سمعوا من ذلك شيئا و لا علموه [36] .

قال الشيخ المفيد: ان الحسين عليه السلام انفذ الي عمر بن سعد اني اريد ان القاك، فاجتمعا ليلا فتناجيا طويلا ثم رجع عمر بن سعد الي مكانه.

و كتب الي عبيد اللَّه بن زياد:

«اما بعد، فان اللَّه قد اطفا النائرة و جمع الكلمة و اصلح امر الامة، هذا حسين قد اعطاني ان يرجع الي المكان الذي منه اتي او ان تسيره الي ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم او ان ياتي اميرالمؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيري فيما بينه و بينه رايه، و في هذا لكم رضي و للامة صلاح» [37] .

و في رواية أبي الفرج: فوجه اليه رسولا يعلمه ذلك و يقول: لو سالك هذا بعض الديلم و لم تقبل ظلمته [38] .

اقول: روي الطبري و الجزري و غيرهما عن عقبة بن سمعان انه قال:


صحبت حسينا فخرجت معه من المدينة الي مكة و من مكة الي العراق و لم افارقه حتي قتل عليه السلام، و ليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة و لا بمكة و لا في الطريق و لا بالعراق و لا في عسكر الي يوم مقتله الا و قد سمعتها، لا و اللَّه ما اعطاهم ما يتذاكر الناس و ما يزعمون من ان يضع يده في يد يزيد بن معاوية و لا ان يسيروه الي ثغر من ثغور المسلمين، و لكنه قال: دعوني فلاذهب في هذه الارض العريضة حتي ننظر ما يصير امرالناس [39] .


پاورقي

[1] الکامل لابن‏الاثير 52 /4.

[2] تذکرة الخواص: 142 الطبع الحجري.

[3] تذکرة الخواص: 142 الطبع الحجري.

[4] البحار 295 /41 و لا يوجد في الخرائج المطبوع فراجع.

[5] اللهوف: 71 -70.

[6] کشف الغمة: 225 /2.

[7] مروج الذهب 61 /3.

[8] البحار 381 /44 و لم اجده في مناقب ابن‏شهر آشوب.

[9] البحار 382 /44.

[10] البحار 382 /44.

[11] اظن ان هلال بن نافع صحيحه نافع بن هلال بن نافع کما في زيارة الشهداء الماثورة، و في منهج المقال و غيره فسقط اسم نافع لتکراره.

و بالجملة ما اشبه کلامه بکلام المقداد بن الاسود الکندي قدس‏سره، فعن تفسير القمي ان رسول‏اللَّه صلي اللَّه عليه و آله لما خرج مع اصحابه الي بدر و کان نازلا ماء الصفراء فاحب ان يبلو الانصار لانهم انما و عدوه ان ينصروه و کان في الدار، فاخبرهم ان العير قد جازت و ان قريشا قد اقبلت لتمنع غيرها و ان اللَّه قد امرني بمحاربتهم، فجزع اصحاب رسول‏اللَّه صلي اللَّه عليه و آله من ذلک و خافوا خوفا شديدا، فقال رسول‏اللَّه صلي اللَّه عليه و آله: اشيروا علي. فقام ابوبکر فقال يا رسول‏الله انها قريش و خيلاءها ما آمنت منذ کفرت و لا ذلت منذ عزت و لم تخرج علي هيئه (اهبه ظ) الحرب. فقال رسول‏الله صلي الله عليه و اله و اجلس فجلس فقال: اشيروا علي. فقام عمر فقال مثل مقالة أبي‏بکر، فقال صلي اللَّه عليه و آله: اجلس. ثم قام المقداد رضي‏اللَّه‏عنه فقال: يا رسول‏اللَّه انها قريش و خيلاءها و قد آمنا بک و صدقناک و شهدنا ان ما جئت به حق من عند اللَّه و لو امرتنا ان نخوض جمر الغضا و شوک الهراس لخضنا معک و لا تقول لک ما قالت بنو اسرائيل لموسي عليه‏السلام (اذهب انت و ربک فقاتلا انا ههنا قاعدون) و لکن نقول اذهب انت و ربک فقاتلا انا معکما مقاتلون. فجزاه النبي صلي اللَّه عليه و آله خيرا ثم جلس ثم قال: اشيروا علي، فقام سعد بن معاذ فقال: بابي انت و امي يا رسول‏اللَّه کانک اردتنا. قال: نعم. قال: فلعلک قد خرجت علي امر قد امرت بغيره. قال: نعم. قال: بابي انت و امي يا رسول‏اللَّه انا قد آمنا بک و صدقناک و شهدنا ان ما جئت به حق من عند اللَّه فمرنا بما شئت و خذ من اموالنا ما شئت و اترک منها ما شئت، و الذي اخذت منه احب الينا من الذي ترکت، و اللَّه لو امرتنا ان نخوض هذا البحر لخضنا معک، فجزاه خيرا «منه رحمه‏اللَّه» راجع البحار 247 /19 تفسير القمي: 248 -236.

[12] البحار 382 /44.

[13] في المصدر: خضير.

[14] البحار 383 /44.

[15] و في رواية الدينوري: نزل عليه‏السلام بکربلا يوم الاربعاء غرة المحرم سنة 61 و نزل في غده عمر بن سعد في اربعة آلاف فارس «منه».

[16] البحار 384 -383 /44.

[17] الارشاد: 210.

[18] منيتي خ ل.

[19] الکامل 53 /4.

[20] تذکرة الخواص: 141 الطبع الحجري.

[21] في المصدر: و اجراهم علي دم و افتکهم.

[22] الارشاد:211 -210.

[23] الارشاد: 211.

[24] اللهوف: 75.

[25] البحار 385 /44 نقلا عن مقتل محمد بن أبي‏طالب.

[26] حسوة خ ل الدينوري.

[27] الارشاد: 211، تاريخ الطبري 312 -311 /7.

[28] تاريخ الطبري 312 /7، الارشاد: 212.

[29] البحار 388 -386 /44.

[30] و نسب اليه لعنه اللَّه ايضا هذه الابيات:



حسين ابن عمي و الحوادث جمة

لعمري ولي في الري قرة عين



لعل اله العرش يغفر زلتي

و لو کنت فيها اظلم الثقلين



الا انما الدنيا لبر معجل

و ما عاقل باع الوجود بدين



يقولون ان اللَّه خالق جنة

و نار و تعذيب و غل يدين



فان صدقوا فيما يقولون انني

اتوب الي الرحمن من سنتين



و ان کذبوا فزنا بري عظيمة

و ملک عظيم دائم الحجلين



و اني ساختار التي ليس دونها

حجاب و تعذيب و غل يدين.

[31] کشف الغمة 226 /2، الفصول المهمة لابن‏صباغ: 202، مطالب السؤول: 76.

[32] تاريخ الطبري 312 /7، مقاتل الطالبين: 117.

[33] قرظة بن کعب هو الذي افتتح الري سنة 24 مع أبي‏موسي في قول «منه».

[34] و في بعض الروايات: امر الحسين عليه‏السلام اصحابه ان يتنحوا عنه و بقي معه اخوه العباس و ابنه علي الاکبر عليهماالسلام و امر عمر بن سعد اصحابه فتنحوا عنه و بقي معه ابنه حفص و غلام له، فقال الحسين عليه‏السلام: ويلک يابن سعد اما تتقي اللَّه الذي اليه معادک اتقاتلني و انا ابن من علمت؟ ذر هؤلاء القوم و کن معي فانه اقرب لک الي اللَّه. فقال عمر بن سعد: اخاف ان يهدم داري فقال الحسين عليه‏السلام: انا ابنيها لک فقال: اخاف ان تؤخذ ضيعتي. فقال الحسين عليه‏السلام: انا اخلف عليک خيرا منها من مالي بالحجاز، فقال: لي عيال و اخاف عليهم ثم سکت و لم يجبه الي شي‏ء؛ فانصرف عنه الحسين عليه‏السلام و هو يقول: ما لک ذبحک اللَّه علي فراشک عاجلا و لا غفر اللَّه لک يوم حشرک فو اللَّه اني لارجو ان لا تاکل من بر العراق الا يسيرا. فقال ابن‏سعد: في الشعير کفاية عن البر مستهزئا بذلک.

[35] اي طائفة نحو ثلاثة او اربعة.

[36] تاريخ الطبري 314 -313 /7.

[37] الارشاد: 212.

[38] مقاتل الطالبين: 114.

[39] تاريخ الطبري 314 /7، الکامل لابن‏الاثير 54 /4.