بازگشت

في توجه الحسين من مكة الي العراق


و كان خروج مسلم بن عقيل رضي الله عنه بالكوفة يوم الثلاثاة لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين و قتله سنة ستين و قتله لتسع خلون منه يوم عرفة، و كان توجه الحسين عليه السلام من مكة الي العراق يوم خروج مسلم بالكوفة، و هو يوم التروية بعد مقامه بمكة بقية شعبان و شهر رمضان و شوال و ذا القعدة و ثماني ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين، و كان قد اجتمع اليه عليه السلام مدة مقامه بمكة نفر من اهل الحجاز و نفر من اهل البصرة انضافوا الي اهل بيته و مواليه.

و لما اراد الحسين عليه السلام التوجه الي العراق طاف بالبيت و سعي بين الصفا و المروة و احل من احرامه و جعلها عمرة لانه لم يتمكن من تمام الحج مخافة ان يقبض عليه بمكة فينفذ به الي يزيد بن معاوية [1] .

فقد روي انه لما كان يوم التروية قدم عمرو بن سعيد بن العاص [2] الي مكة


في جند كثيف قد امره يزيد ان يناجز الحسين عليه السلام القتال [3] ان هو ناجزه او يقاتله ان قدر عليه، فخرج الحسين عليه السلام يوم التروية [4] .

قلت: و روي عن ابن عباس قال: رايت الحسين عليه السلام قبل ان يتوجه الي العراق علي باب الكعبة و كف جبرئيل عليه السلام في كفه و جبرئيل ينادي هلموا الي بيعة الله عز و جل [5] .

و روي انه لما عزم علي الخروج الي العراق قام خطيبا و قال: الحمد لله ماشاءالله و لا قوة الا بالله، و صلي الله علي رسوله، خط الموت علي ولد آدم مخط القلادة علي جيد الفتاة، و ما اولهني الي اسلافي اشتياق يعقوب الي يوسف، و خير لي مصرع انا الاقيه، كاني باوصالي تتقطعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلا فيملان مني اكراشا جوفا و اجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضي الله رضانا اهل البيت، نصبر علي بلائه و يوفينا اجر الصابرين لن تشذ عن رسول الله لحمته و هي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه و ينجز بهم وعده، من كان باذلا فينا مهجته و موطنا علي لقاء الله نفسه فليرحل معنا فانني راحل مصبحا انشاءالله [6] .

اقول: قال شيخنا المحدث النوري «ره» في كتاب نفس الرحمن، و النواويس مقابر النصاري كما في حواشي الكفعمي (في عوذة يوم الجمعة) و سمعنا انها في المكان الذي فيه مزار حر بن يزيد الرياحي من شهداء الطف و هو ما بين الغرب و شمال البلد.


و اما كربلا فالمعروف عند اهل تلك النواحي انها قطعة من الارض الواقعة في جنب نهر يجري من قبلي سور البلد و يمر بمزار المعروف بابن حمزة منها بساتين و منها مزارع و البلد واقع بينهما. انتهي [7] .

روي عن ابي عبدالله عليه السلام قال: سار (جاء خ ل) محمد بن الحنفية الي الحسين عليه السلام في الليلة التي اراد الخروج في صبيحتها عن مكة، فقال: يا اخي ان اهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بابيك و اخيك و قد خفت ان يكون حالك كحال من مضي، فان رايت ان تقيم فانك اعز من في الحرم و امنعه. فقال: يا اخي قد خفت ان يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فاكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت. فقال له ابن الحنفية: فان خفت فسر الي اليمن او بعض نواحي البر فانك امنع الناس به و لا يقدر عليك. فقال: انظر فيما قلت.

فلما كان في السحر ارتحل الحسين عليه السلام، فبلغ ذلك ابن الحنفية فاتاه فاخذ زمام ناقته التي ركبها فقال له: يا اخي الم تعدني النظر فيما سالتك قال: بلي. قال: فما حداك علي الخروج عاجلا؟ فقال: اتاني رسول الله صلي الله عليه و آله بعد ما فارقتك فقال: يا حسين اخرج فان الله قد شاء ان يراك قتيلا. فقال له ابن الحنفية: انا لله و انا اليه راجعون، فما معني حملك هؤلاء النساء معك و انت تخرج علي مثل هذه الحال. قال: فقال له: قد قال لي: ان الله قد شاء ان يراهن سبايا. و سلم عليه فمضي [8] .

و عن حمزة بن حمران عن ابي عبدالله عليه السلام قال: ذكرنا خروج الحسين عليه السلام تخلف ابن الحنفية عنه، فقال ابوعبدالله عليه السلام: يا حمزة اني ساحدثك بحديث لا تسال عنه بعد مجلسنا هذا، ان الحسين عليه السلام لما فصل متوجها امر بقرطاس و كتب:

«بسم الله الرحمن الرحيم. من الحسين بن علي الي بني هاشم، اما بعد


فانه من لحق بي منكم استشهد و من تخلف عني لم يبلغ الفتح. و السلام» [9] .

و عنه عليه السلام ايضا قال: ان الحسين بن علي عليه السلام لما سار الي العراق استودع ام سلمة الكتب و الوصية، فلما رجع علي بن الحسين عليهماالسلام دفعتها اليه [10] .

قال المسعودي في اثبات الوصية: و لما عزم الحسين عليه السلام علي الخروج الي العراق بعد ان كاتبه اهل الكوفة و وجه مسلم بن عقيل اليهم علي مقدمته فكان من امره ما كان و اراد الخروج بعثت اليه ام سلمة اني اذكرك الله يا سيدي ان لا تخرج. قال: و لم؟ قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: يقتل الحسين ابني بالعراق و اعطاني من التربة في قارورة امرني بحفظها و مراعاة ما فيها. فبعث اليها: و الله يا امه اني لمقتول لا محالة فاين المفر من قدر الله المقدور، ما من الموت بد، و اني لا عرف اليوم و الساعة و المكان الذي اقتل فيه و اعرف مكان مصرعي و البقعة التي ادفن فيها و اعرفها كما اعرفك، فان احببت ان اريك مضجعي و مضجع من يستشهد معي فعلت. قالت: قد شئت و حضرته. فتكلم باسم الله عز و جل الاعظم فانخفضت الارض حتي اراها مضجعه و مضجعهم و اعطاها من التربة حتي خلطها بما كان معها، ثم قال لها: اني اقتل في يوم عاشوراء و هو يوم عاشوراء [11] بعد صلاة الزوال، فعليك السلام رضي الله عنك يا امه برضانا عنك. و كانت ام سلمة تسال عن خبرة و تراعي قرب عاشوراء [12] .

و قال في مروج الذهب: فلما هم الحسين عليه السلام بالخروج الي العراق اتاه ابن عباس فقال له: يابن عم قد بلغني انك تريد العراق و انهم اهل غدر و انما يدعونك للحرب فلا تعجل، و ان ابيت الا محاربة هذا البجار و كرهت المقام بمكة فاشخص الي اليمن فانها في عزلة و لك فيها انصار و اخوان فاقم بها و بث دعاتك،


و اكتب الي اهل الكوفة و انصارك بالعراق فيخرجوا اميرهم فان قووا علي ذلك و نفوه عنها و لم يكن بها احد يعاديك اتيتهم و ما انا بغدرهم بآمن، و ان لم يفعلوا اقمت بمكانك الي ان ياتي الله بامره فان فيها حصونا و شعابا.

فقال الحسين عليه السلام: يابن عم اني لاعلم انك (لي) ناصح و علي شفيق، و لكن مسلم بن عقيل كتب الي باجتماع اهل المصر علي بيعتي و نصرتي و قد اجمعت علي المسير.

قال: انهم من جربت و جربت [13] ، و هم اصحاب ابيك اخيك، و قتلتك غدا مع اميرهم انك لو خرجت فبلغ ابن زياد خروج استنفرهم اليك و كان الذين كتبوا اليك اشد من عدوك، فان عصيتني فابيت الا الخروج الي الكوفة فلا تخرجن نساءك و ولدك معك، فو الله اني لخائف ان تقتل كما قتل عثمان و نساؤه و ولده ينظرون اليه [14] .

فكان الذي رد عليه: لان اقتل و الله بمكان كذا احب الي من ان استحل بمكة. فيئس ابن عباس منه و خرج من عنده، فمر بعبدالله بن الزبير فقال: قرت عينك يابن الزبير، و انشد:



يا لك من قبرة بمعمر [15] .



خلا لك الجو فبيضي و اصفري

و نقري ما شئت ان تنقري




هذا حسين يخرج الي العراق و يخليك و الحجاز.

و بلغ ابن الزبير انه عليه السلام يريد الخروج الي الكوفة و هو اثقل الناس عليه قد غمه مكانه بمكة لان الناس ما كانوا يعدلونه بالحسين عليه السلام فلم يكن شي ء يوتاه احب اليه من شخوص الحسين عليه السلام عن مكة فقال: اباعبداللَّه ما عندك؟ فو اللَّه لقد خفت اللَّه في ترك جهاد هؤلاء القوم علي ظلمهم و استذلالهم الصالحين من عباد اللَّه. فقال الحسين عليه السلام: قد عزمت علي اتيان الكوفة. فقال: وفقك اللَّه، اما لو ان لي مثل انصارك ما عدلت عنها. ثم خاف ان يتهمه فقال: و لو اقمت بمكانك فدعوتنا و اهل الحجاز الي بيعتك اجبناك و كنا اليك سراعا و كنت احق بذلك من يزيد و أبي يزيد.

و دخل ابوبكر بن الحارث بن هشام [16] علي الحسين عليه السلام فقال: يا ابن عم ان الرحم يظائرني عليك و لا ادري كيف انا في النصيحة لك. فقال: يا ابابكر ما انت ممن يستغش [17] .

فقال ابوبكر: كان ابوك اشد باسا و الناس له ارجي و منه اسمع و عليه اجمع، فسار الي معاوية و الناس مجتمعون عليه الا اهل الشام و هو اعز منه فخذلوه و تثاقلوا عنه حرصا علي الدنيا و ضنا بها، فجرعوه الغيظ و خالفوه حتي صار الي ما صار اليه من كرامة اللَّه و رضوانه، ثم صنعوا باخيك بعد ابيك ما صنعوا، و قد شهدت ذلك كله و رايته ثم انت تريد ان تسير الي الذين عدوا علي ابيك و اخيك تقاتل بهم اهل الشام و اهل العراق و من هو اعد منك و اقوي و الناس منه اخوف و له ارجي، فلو بلغهم مسيرك اليهم لاستطغوا الناس بالاموال


و هم عبيد الدنيا فيقاتلك من قد وعدك ان ينصرك و يخذلك من انت احب اليه ممن ينصره، فاذكر اللَّه في نفسه (نفسك. المصدر) فقال الحسين عليه السلام: جزاك اللَّه خيرا يا بن عم فقد اجهدت رايك و مهما يقض اللَّه يكن. فقال: عند اللَّه نحتسبك اباعبداللَّه [18] .

و روي الشيخ ابن قولويه عن أبي جعفر عليه السلام قال: ان الحسين عليه السلام خرج من مكة قبل التروية بيوم فشيعه عبداللَّه بن الزبير فقال: يا اباعبداللَّه قد حضر الحج و تدعه و تاتي العراق. فقال: يا بن الزبير لان ادفن بشاطي ء الفرات احب الي من ان ادفن بفناء الكعبة [19] .

و في تاريخ الطبري قال: قال ابومخنف: قال ابوجناب يحيي بن أبي حية عن عدي بن حرملة الاسدي عن عبداللَّه بن سليم و المذري بن المشمعل الاسديين قالا: خرجنا حاجين من الكوفة حتي قدمنا مكة، فدخلنا يوم التروية فاذا نحن بالحسين و عبداللَّه بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحي فيما بين الحجر و الباب. قالا: فتقربنا منهما فسمعنا ابن الزبير و هو يقول للحسين عليه السلام: ان شئت ان تقيم اقمت فوليت هذا الامر فآزرناك و ساعدناك و نصحنا لك و بايعناك. فقال الحسين عليه السلام: ان بي حدثني ان بها كبشا يستحل حرمتها فما احب ان اكون انا ذلك الكبش. فقال له ابن الزبير: فاقم ان شئت و توليني انا الامر فتطاع و لا تعصي. فقال: و ما اريد هذا ايضا. قالا: ثم انهما اخفيا كلامهما دوننا، فما زالا يتناجيان حتي سمعنا دعاء الناس رائحين متوجهين الي مني عند الظهر. قالا: فطاف الحسين عليه السلام بالبيت و بين الصفا و المروة و قص من شعره و حل من عمرته ثم توجه نحو الكوفة و توجهنا نحو الناس الي مني [20] .

و في تذكرة السبط: و لما بلغ محمد بن الحنفية رضي اللَّه عنه مسيره و كان


يتوضا و بين يديه طست فبكي حتي ملاه من دموعه. و لم يبق بمكة الا من حزن لمسيره، و لما اكثروا عليه انشد ابيات اخي الاوس:



سامضي فما في الموت عار علي الفتي

اذا ما نوي خيرا و جاهد مغرما



و آسي الرجال الصالحين بنفسه

و فارق مثبورا و خالف مجرما



و ان عشت لم اذمم و ان مت لم الم

كفي بك ذلا ان تعيش و ترغما



ثم قرا (و كان امر اللَّه قدرا مقدورا) [21] .


پاورقي

[1] الارشاد المفيد ص 201 -200.

[2] عمرو بن سعيد بن العاص الاموي المعروف بالاشدق تابعي ولي امرة المدينة لمعاوية و ابنه يزيد. قتله عبدالملک بن مروان سنة سبعين. و وهم من زعم ان له صحبة و کان مسرفا علي نفسه. کذا عن التقريب «منه».

[3] في کتاب ابن‏عباس الي يزيد اشارة الي ذلک في قوله: انسيت انفاذ اعوانک الي حرم الله لقتل الحسين عليه‏السلام فما زلت وراءه تخيفه حتي اشخصته الي العراق عداوة منک لله و رسوله و اهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا «منه».

[4] اللهوف ص 54 و فيه عمر بن سعد بن ابي‏وقاص و هو تصحيف و تحريف ظاهرا.

[5] هذا الحديث يحتاج الي بيان.

[6] اللهوف ص 52.

[7] نفس الرحمن، الباب السادس: 3.

[8] اللهوف ص 56 -55.

[9] اللهوف ص 57.

[10] الکافي 304 /1.

[11] في المصدر المطبوع بالنجف: و هو يوم العاشر من المحرم.

[12] اثبات الوصية ص 139.

[13] في المصدر: من خبرت و جربت.

[14] و في تذکرة السبط ص 240 بعد نقل هذا الکلام، قلت: و هذا معني قول علي عليه‏السلام: لله در ابن‏عباس فانه ينظر من ستر رقيق. و قال ايضا: فلما رآه (اي فلما رآه عبدالله بن عمر. فراجع) مصرا علي المسير قبل ما بين عينيه و بکي و قال: استودعک الله من قتيل.

[15] اول من قال ذلک طرفة بن العبد الشاعر و ذلک انه کان مع عمه في سفر و هو صبي فنزلوا علي ماء و کان عليه قنابر فذهب طرفة بفخيخ له فنصبه للقنابر و بقي عامة يومه فلم يصد شيئا ثم حمل فخه و رجع الي عمه و تحولوا من ذلک المکان فرآي القنابر يلقطن ما نثر لهن من الحب فقال: يا لک من قنبرة بمعمر- الي ان قال:



و رفع الفخ فماذا تحذري

لا بد من صيدک يوما فاصبري.

[16] الظاهر ان ابابکر هو ابن‏عبدالرحمن بن الحارث بن هشام و قد سقط اسم الاب عبدالرحمن عن الکتابة ثم ان حارث هو اخو ابوجهل و نداء ابوبکر للحسين عليه‏السلام يا بن العم من جهة انه من بني مخزوم و الامام من بني عبدمناف و کلاهما قرشيان. و ابوبکر من الفقهاء السبعة لدي العامة الذين کانوا مراجع للسنة. قبل المذاهب الاربعة. مات عام 94 ه. و اتي ابن‏خلکان علي ذکره و لم اجد شخصا آخر في کتب التراجم بهذا الاسم و النسب (المرحوم ابوالحسن الشعراني).

[17] في المصدر: ممن يستنعش ولايتهم فقل فقال ابوبکر: کان ابوک اقدم سابقة و احسن في الاسلام اثرا و اشد.

[18] مروج الذهب 56 -54 /3.

[19] کامل الزيارات ص 73.

[20] تاريخ الطبري 276 -257 /7.

[21] تذکرة الخواص: 240، و الاية في سورة الاحزاب: 38.