بازگشت

تذييل


اعلم ان هاني ء بن عروة- كما عن حبيب السير- كان من اشراف الكوفة و اعيان الشيعة [1] ، و روي انه قد ادرك النبي صلي الله عليه و آله و تشرف بصحبته


و كان يوم قتل ابن تسع و ثمانين سنة.

و قد تقدم قوله لابن زياد بما يدل علي كثرة جلالته و عظم مرتبته.

و من كلام المسعودي: انه كان شيخ مراد و زعيمها يركب في اربعة آلاف دارع و ثمانية آلاف راجل- الخ [2] .

و سيجي ء انه لما اخبر ابوعبدالله الحسين عليه السلام بقتل مسلم و هاني ء استرجع و قال «رحمةالله عليهما» مرارا.

و ايضا انه عليه السلام اخرج كتابا الي الناس فقرا عليهم:

«بسم الله الرحمن الحريم. اما بعد، فقد اتانا خبر فظيع قتل مسلم و هاني ء ابن عروة و عبدالله بن يقطر» الخ.

و في مزار محمد بن المشهدي و مصباح الزائر و مزار المفيد و الشهيد قدس الله ارواحهم في سياق اعمال الكوفة علي الترتيب المعروف ما هذا لفظه:

تقف علي قبره و تسلم علي رسول الله صلي الله عليه و آله و تقول: سلام الله العظيم و صلاته عليك يا هاني ء بن عروة، السلام عليك ايها العبد الصالح الناصح لله و لرسوله- و ساقوا الزيارة- ثم صلاة ركعتين هدية له و الدعاء و الوداع [3] .

و كان هاني ء رحمه الله ممن شهد حرب الجمل مع اميرالمؤمنين عليه السلام.

و في مناقب ابن شهر آشوب انه كان يرتجز و يقول:



يا لك حرب حثها جمالها

قائدة ينقصها ضلالها



هذا علي حوله اقيالها [4] .




و عن تكملة الكاظمي (اي السيد محسن) بعد مدحه ببعض ما ذكرناه قال: و اشتهر عن السيد مهدي رحمه الله سوء ظنه به و هي النظرة الاولي، ثم اطلع علي هذه و امثالها فتاب عما ظنه به ورثاه بقصيدة معتذرا. انتهي [5] .

قلت: بل قد بالغ السيد المذكور قدس الله روحه في رجاله في ذكر احواله و اطال الكلام فيه ثم قال: و هذه الاخبار علي اختلافها في امور كثيرة قد اتفقت و تطابقت علي ان هاني ء بن عروة قد اجار مسلما رحمه الله و حماه في داره و قام بامره و بذل النصرة له و جمع له الرجال و السلاح في الدور حوله و امتنع من تسليمه لابن زياد و ابي عليه كل الاباء و اختار القتل علي التسليم، حتي اهين و ضرب و عذب و حبس و قتل صبرا علي يد الفاجر اللعين، و هذا جملة كافية في حسن حاله و جميل عاقبته و دخوله في انصار الحسين عليه السلام و شيعته المستشهدين في سبيله، و ناهيك بقوله لابن زياد في بعضها «فانه قد جاء (حق ظ) من هو احق من حقك و حق صاحبك».

و قوله «لو كانت رجلي علي طفل من اطفال آل محمد عليهم السلام ما رفعتها حتي تقطع» [6] . و نحو ذلك مما مضي من كلامه مما يدل علي ان ما فعله قد كان عن بصيرة و بينة لا عن مجرد الحمية و حفظ الذمام و رعاية حق الضيف و الجار و يؤكد ذلك و يحققه قول الحسين عليه السلام لما بلغه قتله و قتل مسلم «رحمةالله عليهما» و تكرار ذلك مرارا متعددة و قوله عليه السلام: قد اتانا خبر فظيع قتل مسلم ابن عقيل و هاني ء بن عروة و عبدالله بن يقطر. و ما رواه السيد ابن طاوس في كتاب اللهوف علي قتلي الطفوف: انه لما اتاه خبر عبدالله بن يقطر و ذلك بعد ما اخبر بقتل مسلم و هاني ء استعبر باكيا ثم قال: اللهم اجعل لنا و لشيعتنا منزلا كريما و اجمع بيننا و بينهم في مستقر رحمتك انك علي كل شي ء قدير [7] .


و قد ذكر اصحابنا رضوان الله عليهم لهاني ء بن عروة زيارة يزار بها الي الآن صريحة في انه من الشهداء السعداء الذين نصحوا لله و لرسوله و مضوا في سبيل الله برحمة منه و رضوانه، و هي هذه: سلام الله العظيم.

و ساق الزيارة الي آخرها [8] ثم قال: و يبعد ان يكون مثل هذا عن غير نص وارد و اثر ثابت، و لو لم يكن ذلك منصوصا ففيما ذكروه رحمةالله عليهم شهادة منهم بشهادته و سعادته و نبله و جلالته و حسن خاتمته، و قد وجدنا شيوخ اصحابنا كالمفيد رحمه الله و غيره يعظمونه في كتبهم و يعقبون ذكره بالترضية و الترحم، و لم اجد احدا من علمائنا طعن عليه او غمز فيه.

و اما ما يظهر من الاخبار من دخول هاني ء علي ابن زياد حين اتي الكوفة و اختلافه اليه فيمن اختلف من اعيانها و اشرفها حتي لجا اليه مسلم بن عقيل، فلا يقتضي طعنا فيه، لان امر مسلم كان مبنيا علي التستر و الاستخفاء و كان هاني ء رجلا مشهورا يعرف ابن زياد و يصادقه، فكان انزواؤه عنه يحقق عليه الخلاف و هو خلاف ما كانوا عليه من التستر فلذا لزمه الاختلاف اليه دفعا للوهم، فلما لجا اليه مسلم انقطع عنه خوفا و تمارض حتي يكون المرض عذرا، فجاءه من الامر ما لم يكن في حسبانه.

و اما نهيه مسلما عن التعجيل في الخروج فلعله راي ان المصلحة في التاخير حتي يتكاثر الناس و يكمل البعيد [9] (العدد ظ) و يصل الحسين عليه السلام الي الكوفة و يتهيا لهم امر بسهولة و يكون قتالهم مع الامام عليه السلام مرة واحدة.

و اما منعه من قتل ابن زياد في داره فقد عرفت اختلاف الاخبار في ذلك، و في بعضها انه هو الذي اشار بقتله و تمارض لابن زياد حتي ياتيه عائدا فيقتله مسلم، و قد مضي اعتذار مسلم تارة بتعلق المراة به و بكائها في وجهه و مناشدتها له


عنه [10] و قد ذكره السيد المرتضي رضي الله عنه في تنزيه الانبياء مقتصرا عليه [11] .

و اما قوله لابن زياد و قد ساله عن مسلم: و الله ما دعوته الي منزلي و لا علمت بشي ء من امره حتي جاءني يسالني النزول فاستحييت من رده و دخلني من ذلك ذمام. فقد قال ذلك لابن زياد يريد التخلص عنه، و من البعيد ان ياتيه مسلم علي غير ميعاد و لا استيثاق و يدخل في امانه و هو لا يدري به و لم يعرفه و لم يختبره و كذا عدم اطلاع هاني ء و شيخ المصر و سيده و وجه الشيعة علي شي ء من امره في تلك المدة حتي دخل عليه بغتة و باحه [12] باللقاء مرة، و من ذلك يعلم ما في «روضة الصفا» و «حبيب السير» من قوله «لقد اوقعتني في عناء و تكليف و لولا انك دخلت داري لرددتك» [13] مع اني لم اجد ذلك الا في هذا الموضع و سائر الكتب المعتبرة خالية عنه.

و قد ذكر ابن ابي الحديد في شرح النهج [14] في هاني ء بن عروة روايتين تدل احداهما علي مدحه و الاخري علي الطعن فيه.

اما رواية المدح فقد اوردها عند قول اميرالمؤمنين عليه السلام: و الله اني لاول من صدقه فلا اكون اول من كذب عليه.

اقول: ثم نقل السيد رحمه الله الرواية الواردة في مدحه ثم نقل الرواية الواردة في الطعن فيه عن شرح النهج شرح قول اميرالمؤمنين عليه السلام في باب المختار من كلماته القصار «آلة الرئاسة سعة الصدر» ثم اجاب عن الرواية القادحة بانه مجرد قصة سماها حاكيها و لم يعدها رواية و قد اوردها في غير اسناد و لا اضافة


الي كتاب و لا موافق لها في كتب التواريخ و السير المعدة لذكر مثل ذلك.

و قد ذكر اصحاب الاخبار ما جري للناس في اخذ معاوية لولاية العهد لابنه يزيد و ما وقع فيه من الكلام ممن رضي بذلك او ابي، و لم ينقل احد منهم هذه القصة، و لو صحت كانت اولي ما ينقل عن غيرها لما فيها من الغرابة.

علي ان ما ختم به لهاني ء رحمه الله من رده بيعة يزيد له و قيامه بنصر الحسين عليه السلام حتي قتل ياتي علي كل ما فرط منه قبل ذلك لو كان، و ما اشبه حاله حينئذ بحال الحر رحمه الله اذ تاب فقبلت توبته بعد ما وقع منه ما وقع و صدر ما صدر و قد كان الامر فيه اشد ففي هاني ء اهون فهو الي القبول اقرب. انتهي [15] .

اقول: نقل عن ابي العباس المبرد انه قال:نمي الي ان معاوية و لي كثير بن شهاب المذحجي خراسان، فاختان مالا كثيرا ثم هرب فاستتر عند هاني ء بن عروة المرادي، فبلغ معاوية فهدر دم هاني ء، فخرج هاني ء فكان في جوار معاوية ثم حضر عليه و معاوية لا يعرفه، فلما نهض الناس ثبت مكانه، فسال معاوية عن امره فقال: انا هاني ء بن عروة يا اميرالمؤمنين. فقال: ان هذا اليوم ليس بيوم يقول فيه ابوك:



ارجل جمتي و اجر ذيلي

و يحمل شكتي افق كميست



امشي في سراة بني عطيف

اذا ما ساء مني ضيم ابيت



فقال هاني ء: انا اليوم اعز مني ذلك اليوم. فقال له: بم ذاك؟ قال: بالاسلام يا اميرالمؤمنين. قال له: اين كثير بن شهاب؟ قال: عندي في عسكرك. فقال له معاوية: انظر الي ما اختانه فخذ منه بعضا و سوغه بعضا [16] .

و حكي انه احضر عند يزيد بن معاوية رجل من اصحاب الحسين عليه السلام و كان قد اسر من كربلا، فقال له يزيد: اكان ابوك الذي قال «ارجل جمتي» الخ؟ قال: نعم، فامر يزيد بقتله فقتل رحمة الله عليه.



پاورقي

[1] حبيب السير 47 -45 /2.

[2] مروج‏الذهب 59 /3.

[3] البحار 429 /100. و هي موجودة في مصباح‏الزائر (ص 54) و مزارالکبير (ص 53) و مزارالشهيد (ص 88) کما في ذيل البحار 429 /100.

[4] المناقب 345 /2 طبع 1376.

[5] مخطوط ليس عندنا.

[6] هذه العبارة في منتخب الطريحي «منه».. راجع المجلس التاسع من الجزء الثاني من المنتخب ص 425.

[7] اللهوف: 67 حين بلغه عليه‏السلام خبر قتل قيس الصيداوي فراجع.

[8] الزيارة مذکورة في البحار 429 /100.

[9] في المصدر: و تکمل البيعة و هو الصحيح ظاهرا.

[10] العبارة ناقصة کما لا يخفي. و في المصدر: و مناشدتها في ترک ما هم به و اخري بحديث الفتک، و هذا هو المشهور عنه و قد ذکره السيد المرتضي...

[11] تنزيه الانبياء: 176 و هذه عبارته: و قد کان شريک وافق مسلم بن عقيل علي قتل ابن‏زياد اللعين عند حضورة لعيادة شريک و امکنه ذلک و تيسر له فما فعل و اعتذر بعد فوت الامر الي شريک بان ذلک فتک و ان النبي صلي الله عليه و آله قال: ان الايمان قيد التفک...

[12] في المصدر: ففجائه.

[13] روضةالصفا 121 /3، حبيب السير 42 /2.

[14] شرح النهج 409 -407 /18 و ج 295 /2.

[15] من قوله «و هذه الاخبار» الي هنا کلام العلامة الطباطبائي في الفوائد 49-41/4.

[16] الکامل للمبرد.