بازگشت

ما وقع بين مسلم و ابن زياد بعد وروده بالكوفه


قد علمت سابقا ان عبيد اللَّه بن زياد لما خرج من البصرة الي الكوفة كان معه شريك بن الاعور، فاعلم الآن ان شريك هذا كان شيعيا شديد التشيع و قد شهد صفين مع عمار [1] و كلماته مع معاوية مشهورة.

و لما خرج شريك من البصرة سقط و يقا لانه تساقط و معه ناس رجاء ان يلوي عليهم عبيد اللَّه و يسبقه الحسين عليه السلام الي الكوفة، و لكن عبيد اللَّه يلتفت


الي من سقط و يمضي، فلما دخل شريك الكوفة نزل علي هاني بن عروة و كان يحث هانثا علي تقوية امر مسلم و تمشيته.

فمرض شريك و كان كريما علي ابن زياد و علي غيره من الامراء، فارسل اليه عبيد اللَّه اني رائح اليك العشية، فقال لمسلم: ان هذا الفاجر عائدي العشية فاذا جلس اخرج اليه فاقتله ثم اقعد في القصر ليس احدي حول بينك و بينه، فان برات من وجعي سرت الي البصرة حتي اكفيك امرها.

فلما كان من العشي اقبل ابن زياد لعيادة شريك بن الاعور فقال لمسلم: لا يفوتنك الرجل اذا لجس. فقام اليه هاني ء فقال: اني لا احب ان يقتل في داري كانه استقبح ذلك. فجاءه عبيد اللَّه بن زياد فدخل و جلس و سال شريكا: ما الذي تجد و متي اشتكيت؟ فلما طال سواله اياه و راي ان احدا لا يخرج خشي اني يفوته، فاخذ يقول:



ما الانتظار بسلمي ان تحيوها

حيوا سليمي [2] و حيوا من يحييها



كاس المنية بالتعجيل اسقوها

فقال مرتين او ثلاثة، فقال عبيد اللَّه و هو لا يفطن ما شانه: اترونه يهجر. فقال له هاني ء: نعم اصلحك [3] اللَّه ما زال هكذا قبل غيابة الشمس الي ساعتك هذه ثم انه قام فانصرف [4] .



و قيل: انه جاء عبيد اللَّه مع مولاه مهران [5] و قد قال شريك لمسلم: اذا


سمعتني اقول اسقوني ماء فاخرج عليه فاضربه. فجلس عبيد اللَّه علي فراش شريك و قام علي راسه مهران، فقال: اسقوني ماء. فاخرجت جارية بقدح فرات مسلما فزالت، فقال شريك: اسقوني ماء، ثم قال الثالثة: ويلكم تحموني الماء اسقونيه و لو كانت فيه نفسي. ففطن مهران فغمز عبيد اللَّه فوثب، فقال شريك: ايها الامير اني اريد ان اوصي اليك. قال: اعود اليك. فجعل مهران يطرد به و قال: اراد و اللَّه قتلك. قال: و كيف مع اكرامي شريكا و في بيت هاني ء ويد أبي عنده [6] فقال له مهران: هو ما قلت لك.

ثم انه قام فانصرف، فخرج مسلم فقال له شريك: ما منعك من قتله؟ فقال: خصلتان اما احداهما فكراهية هاني ء ان يقتل في بيته، و الاخري فحديث حدثنيه الناس عن النبي صلي اللَّه عليه و آله ان الايمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن. فقال له شريك: لو قتله لقتلت فاسقا فاجرا كافرا غادرا [7] .

اقول: الفتك بالفاء و الكاف، و ما في بعض النسخ الفتل فهو تصحيف، و المراد ان المؤمن لا يقتل احدا غيلة و فتكا.

قال ابن أبي الحديد في بيان عدم احتراس اميرالمومين عليه السلام مع انه كان يعلم كثرة اعدائه: لم تكن العرب في ذلك الزمان تحترس و لا تعرف الغيلة و الفتك و كان ذلك عندهم قبيحا يعير به فاعله لان الشجاعة غير ذلك و الغيلة فعل العجزة من الرجال.

و قال ابن نما: فلما خرج ابن زياد دخل مسلم و السيف في كفه، قال له شريك: ما منعك من الامر؟ قال مسلم: هممت بالخروج فتعلقت بي امراة و قالت: نشدتك اللَّه ان قتلت ابن زياد في دارنا، و بكت في وجهي فرميت السيف و جلست. قال هاني ء: يا ويلها قتلتني و قتلت نفسها و الذي فرت منه و قعت فيه. انتهي [8] .


و لبث شريك بعد ذلك ثلاثا ثم مات، فصلي عليه عبيد اللَّه، فلما علم عبيد اللَّه ان شريكا كان حرض مسلما علي قتله قال: و اللَّه لا اصلي علي جنازة عراقي ابدا و لولا ان قبر زياد فيهم لنبشت شريكا.

ثم ان مولي ابن زياد(اي معقلا) الذي دسه بالمال اختلف الي مسلم بن عوسجة بعد موت شريك، فادخله علي مسلم بن عقيل فاخذ سملم بيعته [9] و امر اباثمامة [10] الصائدي فقبض المال منه، و هو الذي كان يقبض اموالهم و ما يعين به بعضهم بعضا و يشتري لهم السلاح، و كان بصير فارسا من فرسان العرب و وجوه الشيعة [11] .

فاقبل ذلك الرجل يختلف اليهم يسمع اخبارهم و يعلم اسرارهم وي ينقلها الي ابن زياد، و كان هاني ء قد انقطع عن عبيد اللَّه بعذر المرض، فدعا عبيد اللَّه محمد ابن الاشعث و اسماء بن خارجة و قيل: دعا معهما بعمرو بن الحجاج الزبيدي [12] و كانت رويحة [13] بنت عمرو تحت هاني ء بن عروة و هي ام يحيي بن هاني ء، فسالهم عن هاني ء و انقطاعه، فقال: انه مريض. فقال: بلغني انه يجلس علي باب داره و قد بري ء فالقوه فمروه ان لا يدع ما عليه في ذلك، فاتوه فقالوا له: ان الامير قد سال عنك و قال لو اعلم انه شاك لعدته و قد بلغه انك تجلس علي باب دارك و قد استبطاك و الابطاء و الجفاء لا يحتمله السلطان اقسمنا عليك لو ركبت معنا. فدعا بثيابه فلبسها و ببغلته فركبها، فلما دنا من القصر احست نفسه بالشر فقال لحسان ابن اسماء بن خارجة: يا بن اخي اني لهذا الرجل لخائف فما تري؟ فقال: ما اتخوف عليك شيئا فلا تجعل علي نفسك سبيلا. و لم يعلم اسماء [14] مما كان شيئا و اما محمد بن الاشعث فانه علم به. قال: فدخل القوم علي ابن زياد و هاني ء


معهم، فلما رآه ابن زياد قال: اتتك بحائن رجلاه [15] .

فلما دنا من ابن زياد و عنده شريح القاضي التفت نحوه و قال:



اريد حبائه [16] و يريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد [17] .

و كان ابن زياد مكرما له، فقال هاني ء: و ما ذاك؟ فقال: ايه يا هاني ء ما هذه الفتنة التي تربص في دارك لاميرالمؤمنين و المسلمين. جئت بمسلم فادخلته دارك و جمعت له السلاح و الرجال و ظننت ان ذلك يخفي علي. قال: ما فعلت؟ قال: بلي، و طال بينهما النزاع، فدعاابن زياد مولاه ذلك العين فجاء حتي وقف بين يديه فقال: اتعرف هذا؟ فقال: نعم. و علم هاني ء انه كان عينا عليهم فسقط في يده ساعة ثم راجعته نفسه قال: اسمع مني و صدقني فو اللَّه لا اكذبك، و اللَّه ما دعوته و لا علمت بشي ء من امره حتي رايته جالسا علي بابي يسالني النزول علي فاستحييت من رده و لزمني من ذلك ذمام فادخلته داري و ضفته و قد كان من الامر الذي بلغك، فان شئت فاعطيتك الآن موثقا تطمئن به و رهينة تكون في يدك حتي انطلق و اجره من داري و اعود اليك. فقال: لا و اللَّه لا تفارقني ابدا حتي تاتيني


به. قال: لا آتيك بضيفي تقتله ابدا [18] .

قال: و اللَّه لتاتيني به. قال: و اللَّه لا آتيك به [19] .

و في روايه ابن نما قال: و اللَّه لو انه تحت قدمي ما رفعتهما عنه و لا اجيئك به [20] فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي- و ليس بالكوفة شامي و لا بصري غيره- فقال: خلني و اياه حتي اكلمه، لما راي من لجاجه و اخذ هانثا و خلا به ناحية من ابن زياد بحيث يراهما فقال له: يا هاني ء انشدك اللَّه ان تقتل نفسك و تدخل البلاء علي قومك، ان هذا الرجل (اي مسلم بن عقيل) ابن عم القوم و ليسوا بقاتليه و لا ضائريه [21] فادفعه اليه فليس عليك بذلك مخزاة و لا منقصة، انما تدفعه الي السلطان. قال: بلي و اللَّه ان علي في ذلك خزيا و عارا، لا ادفع ضيفي و انا صحيح شديد الساعد كثير الاعوان، و اللَّه لو كنت واحدا ليس لي ناصر لم ادفعه حتي اموت دونه. فسمع ابن زياد ذلك فقال: ادنوه مني، فادنوه منه فقال: و اللَّه لتاتيني به او لاضربن عنقك. قال: اذن و اللَّه تكثر البارقة حول دارك، و هو يري ان عشيرته ستمنعه. فقال: ابالبارقة تخوفني؟ [22] ثم قال: ادنوه مني، فادني و اعترض وجهه بالقضيب، فلم يزل يضرب انفه و جبينه و خده حتي كسر انفه و سال الدم علي ثيابه و نثر لحم خده و جبينه علي لحيته حتي كسير القضيب [23] .

و قال الطبري: انه لما ارسل عبيد اللَّه بن زياد اسماء بن خارجة و محمد بن الاشعث ان ياتياه بهاني ء قالا له: انه لا ياتي الا بالامال. قال: و ما له و للامان و هل احدث حدثا، انطلقا فان لم يات الا بالامان فامناه فاتياه. فدعواه فقال: انه ان خذني قتلني، فلم يزالا به حتي جاءا به و عبيد اللَّه يخطب يوم الجمعة، فجلس في


المسجد وقد ترجل هاني ء غديرتيه، فلما صلي عبيد اللَّه قال: يا هاني ء. فتبعه و دخل فسلم، فقال عبيد اللَّه: يا هاني ء اما تعلم ان أبي قدم هذا البلد فلم يترك احدا من هذه الشيعة الا قتله غير ابيك و غير حجر و كان من حجر ما قد علمت، ثم لم يزل يحسن صحبتك، ثم كتب الي امير الكوفة ان حاجتي قبلك هاني ء. قال: نعم، قال: فكان جزائي ان خبات في بيتك رجلا ليقتلني. قال: ما فعلت، فاخرج التميمي الذي كان عينا عليهم، فلما رآه هاني ء علم انه قد اخبره الخبر فقال: ايها الامير قد كان الذي بلغك و لن اضيع يدك عني (علي ظ) فانت آمن و اهلك فسر حيث شئت [24] .

و قال المسعودي: انه قال هاني ء له: ان لزياد ابيك عندي بلاء حسنا و انا احب مكافاته به فهل لك في خير؟ قال: ابن زياد: و ما هو؟ قال: تشخص الي اهل الشام انت و اله بيتك سالمين باموالكم، فانه قد جاء حق من هو احق من حقك و حق صاحبك [25] .

و قال الطبري و الجزري: فاطرق عبيد الله عند ذلك و مهران قائم علي راسه و في يده معكزة فقال: و اذلاه هذا العبد الحائك يومنك في سلطانك. فقال: خذه فطرح المعكزة و اخذ بضفيرتي هاني ء ثم اقنع بوجهه، ثم اخذ عبيد اللَّه المعكزة فضرب به وجه هاني ء وندر الزج فارتز في الجدرا، ثم ضرب وجهه حتي كسر انفه و جبينه [26] .

و قال الجزري: و ضرب هاني ء يده الي قائم سيف شرطي و جبذه فمنع منه فقال له عبيد اللَّه: احروري احللت بنفخك و حل لنا قتلك [27] .

و في الارشاد قال: جروه، فجروه و ادخلوه في بيت من بيوت الدار و اغلقوا


عليه بابه. فقال: اجعلوا عليه حرسا، ففعل ذلك به [28] .

قال الجزري: فقام اليه اسماء بن خارجة فقال: ارسله يا غادر، امرتنا ان نجيئك بالرجل فلما اتيناك به هشمت وجهه و سيلت دماءه و زعمت انك تقتله. فامر به عبيد اللَّه فلهز و تعتع ثم ترك فجلس.

فاما ابن الاشعث فقال: رضينا بما راي الامير لنا كان او علينا، و بلغ عمرو ابن الحجاج ان هانثا قد قتل، فاقبل في مذحج حتي احاطوا بالقصر و نادي: انا عمرو بن الحجاج و هذه فرسان مذحج و وجوهها لم نخلع طاعة و لم نفارق جماعة. فقال عبيد اللَّه لشريح القاضي- و كان حاضرا-: ادخل علي صاحبهم فانظر اليه ثم اخرج اليهم فاعلمهم انه حي، ففعل شريح، فلما دخل عليه قال هاني ء: يا للمسلمين اهلكت عشيرتي؟ اين اهل الدين اين اهل النصر [29] ايحذرونني [30] عدوهم و ابن عدوهم. و سمع الضجة فقال: يا شريح اني لاظنها اصوات مذحج و شيعتي من المسلمين، انه ان دخل علي عشرة نفر انقذوني. فخرج شريح و معه عين ارسله ابن زياد، قال شريح: لولا مكان العين لابلغتهم قول هاني ء، فلما خرج شريح الهيم قال: قد نظرت الي صاحبكم و انه حي لم يقتل. فقال عمرو و اصحابه: اذ لم يتقل فالحمد لله [31] .

و في رواية الطبري: لما دخل شريح علي هاني ء قال: يا شريح قد تري ما يصنع بي. قال: اراك حيا. قال: وحي انا مع ما تري، اخبر قومي انهم ان انصرفوا قتلني. فخرج الي عبيد اللَّه فقال: قد رايته حيا و رايت اثرا سيئا. قال: و تنكر ان يعاقب الوالي رعيته؟ اخرج الي هؤلاء فاخبرهم. فخرج و امر عبيد اللَّه الرجل- اي مهران- فخرج معه فقال لهم شريح: ما هذه الرعة السيئة، الرجل حي و قد عاتبه


سلطانه بضرب لم يبلغ نفسه، فانصرفوا و لا تحلوا بانفسكم و لا يصاحبكم، فانصرفوا [32] .

قال الشيخ المفيد «ره» و غيره: قال عبداللَّه بن خازم: انا و اللَّه رسول ابن عقيل الي القصر لانظر ما فعل بهاني ء، فلما ضرب و حبس ركبت فرسي فكنت اول اهل الدار دخل علي مسلم بن عقيل بالخبر، و اذا نسوة من مراد مجتمعات ينادين يا عبرتاه يا ثكلاه. فدخلت علي مسلم بن عقيل فاخبرته و امرني ان انادي في اصحابه و قد ملا بهم الدور حوله و كانوا فيها اربعة آلاف رجل، فناديت: منصور امت [33] .

قال الجزري: فعقد مسلم لعبداللَّه بن عزيز الكندي علي ربع [34] كندة و قال: سر امامي، و عقد لمسلم بن عوسجة الاسدي علي ربع مذحج و اسد، و عقد


لابي ثمامة الصائدي علي ربع تميم و همدان، و عقد لعباس بن جعدة الجدلي [35] علي ربع المدينة، و اقبل نحو القصر. فلما بلغ ابن زياد اقباله تحرز في القصر [36] و اغلق الباب، و احاط مسلم بالقصر و امتلا المسجد و السوق من الناس، و ما زالوا يجتمعون حتي المساء، و ضاق بعبيد اللَّه امره و ليس معه في القصر الا ثلاثون رجلا من الشرط و عشرون رجلا من الاشراف و اهل بيته و مواليه.

و اقبل اشراف الناس ياتون ابن زياد من قبل الباب الذي بلي دار الروميين و الناس يسبون ابن زياد و اباه، فدعا ابن زياد كثير بن شهاب الحارثي و امره ان يخرج في من اطاعه من مذحج فيسير و يخذل الناس [37] عن ابن عقيل و يخوفهم، و امر محمد بن الاشعث ان يخرج في من اطاعه من كندة و حضر موت فيرفع راية امان لمن جاءه من الناس، و قال مثل ذلك لقعقاع بن شور الذهلي و شبث بن ربعي التميمي و حجار بن ابجر العجلي و شمر بن ذي الجوشن الضبابي، و ترك وجوه الناس عنده استثناسا بهم لقلة من معه، و خرج اولئك النفر يخذلون الناس.

و امر عبيد اللَّه من عنده من الاشراف ان يشرفوا علي الناس من القصر فيمنوا اهل الطاعة و يخوفوا اهل المعصية، ففعلوا فلما سمع الناس مقالة اشرافهم اخذوا يتفرقون، حتي ان المراة تاتي ابنها و اخاها و تقول: انصرف الناس يكفونك و يفعل الرجل مثل ذلك، فما زالوا يتفرقون حتي بقي ابن عقيل في المجسد في ثلاثين رجلا [38] حتي صلاة المغرب، فما صلي معه الا ثلاثون نفسا، فلما راي ذلك خرج متوجها الي ابواب كندة، فما بلغ الابواب الا و معه منهم عشرة، ثم خرج من الباب و اذا ليس معه انسان. فالتفت فاذا هو لا يحس احدا يدله علي الطريق و لا يدله علي منزله و لا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو، فمضي علي وجهه متلددا في ازقة [39] الكوفة [40] .


و في رواية المسعودي: فنزل عن فرسه و مشي متلددا في ازقة الكوفة [41] لا يدري اين يذهب، حتي خرج الي دور بني جبلة من كندة، فمشي حتي انتهي الي باب امراة يقال لها طوعة ام ولد كانت للاشعث بن قيس فاعتقها فتزوجها اسيد الحضرمي فولدت له بلالا، و كان بلال قد خرج مع الناس و امه قائمة تنتظره، فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه، فقال لها: يا امة الله اسقيني ماء. فسقته و جلس، و ادخلت الاناء ثم خرجت فقالت: يا عبدالله الم تشرب؟ قال: بلي. قالت: فاذهب الي اهلك. فسكت، ثم اعادت مثل ذلك فسكت، قالت له في الثالثة: سبحان الله يا عبدالله قم عافاك الله الي اهلك فانه لا يصلح لك الجلوس علي بابي و لا احله لك. فقام و قال: يا امة الله ما لي في هذا المصر منزل و لا عشيرة، فهل لك في اجر و معروف و لعلي مكافئك بعد اليوم. قالت: يا عبدالله و ما ذاك؟ قال: انا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم و غروني و اخرجوني. قالت: انت مسلم؟ قال: نعم. قالت: ادخل. فدخل بيتا في دارها غير البيت الذي تكون هي فيه و فرشت له و عرضت له [42] العشاء فلم يتعش، و لم يكن باسرع ان جاء ابنها [43] فرآها تكثر الدخول في ذلك البيت. فقال لها: ان لك لشانا في ذلك البيت، و سالها فلم تخبره، فالح عليها فاخبرته و استكتمته و اخذت عليه الايمان بذلك. فسكت [44] .

و اما ابن زياد فلما لم يسمع الاصوات قال لاصحابه: انظروا هل ترون منهم احدا. فنظروا فلم يروا احدا. فنزل الي المسجد قبيل العتمة و اجلس اصحابه حول المنبر و امر فنودي برئت الذمة من رجل من الشرط و العرفاء و المناكب [45] و المقاتلة صلي العتمة الا في المسجد. فامتلا المسجد، فصلي بالناس ثم قام فحمد الله ثم قال: اما بعد فان ابن عقيل السفيه الجاهل قد اتي ما رايتم من الخلاف و الشقاق، فبرئت الذمة من رجل وجدناه في داره، و من اتانا به فله ديته، فامرهم بالطاعة


و لزومها و امر الحصين بن نمير [46] ان يمسك ابواب السكك ثم يفتش الدور و كان علي الشرط و هو من بني تميم [47] .

قال ابوالفرج: و اصبح بلال ابن العجوز التي آوت ابن عقيل: فغدا الي عبدالرحمن بن محمد بن الاشعث فاخبره بمكان ابن عقيل عند امه، فاقبل عبدالرحمن حتي اتي الي ابيه و هو جالس فساره، فقال له ابن زياد: ما قال لك؟ قال: اخبرني ان ابن عقيل في دار من دورنا. فنخسه ابن زياد بالقضيب في جنبه ثم قال: قم فاتني به الساعة [48] .

قال ابومخنف: فحدثني قدامة بن سعد بن زائدة الثقفي ان ابن زياد بعث مع ابن الاشعث ستين او سبعين [49] رجلا كلهم من قيس عليهم عبيد الله بن العباس السلمي حتي اتوا الدار التي فيها ابن عقيل [50] .

و في الكامل البهائي: فلما سمع مسلم صهيل الخيل عجل في دعائه الذي كان مشغولا به، ثم لبس لامته و قال لطوعة: قد اديت ما عليك من البر و الاحسان و اخذت نصيبك من شفاعة رسول الله صلي الله عليه و آله سيد الانس و الجان. ثم قال: اني رايت البارحة عمي اميرالمؤمنين عليه السلام في المنام فقال لي: انت معي غدا [51] .

و في بعض كتب المقاتل: لما ان طلع الفجر جاءت طوعة الي مسلم بماء ليتوضا قالت: يا مولاي ما رايت رقدت في هذه الليلة. فقال لها: اعلمي اني رقدت رقدة فرايت في منامي عمي اميرالمؤمنين عليه السلام و هو يقول: الوحاء


الوحاء [52] العجل العجل، و ما اظن الا انه آخر ايامي من الدنيا [53] .

و في الكامل البهائي: فحينئذ وصل عسكر الاعداء الي باب دار طوعة: فخاف مسلم ان يحرقوا عليه البيت، فخرج منه و قتل منهم اثنين و اربعين رجلا [54] .

و قال السيد و الشيخ جعفر بن نما: ان مسلما لبس لامته و ركب فرسه و ضربهم بسيفه حتي اخرجهم من الدار [55] .

اقول: الظاهر ان التصريح بركوب مسلم فرسه من خصائص السيد و ابن نما و لم اظفر بثالث لهما. نعم ياتي عن المناقب ما يدل علي ذلك، كما انه صرح المسعودي في مروج الذهب بان مسلما قبل ورده بدار طوعة كان راكبا فرسه، فانه قال:

فنزل عن فرسه و مشي متلددا في ازقة الكوفة لا يدري اين يتوجه حتي انتهي الي باب مولاة للاشعث بن قيس فاستقاها ماء فسقته ثم سالته عن حاله فاعلمها بقضيته فرقت له و آوته [56] .

و قال ابوالفرج: فلما سمع وقع حوافر الخيل و اصوات الرجال عرف انه قد اتي، فخرج اليهم بسيفه، فاقتحموا عليه الدار، فشد عليهم كذلك فلما راوا ذلك اشرفوا عليه من فوق السطوح و ظهروا فوقه فاخذوا يرمونه بالحجارة و يلهبون النار في اطنان القصب ثم يقذفونها عليه من فوق السطوح، فلما راي (ذلك ظ) قال: اكلما اري من الاجلاب لقتل ابن عقيل؟ يا نفس اخرجي الي الموت الذي ليس منه محيص، فخرج مصلتا سيفه السكة فقاتلهم [57] .


قال المسعودي و غيره: و اختلف هو و بكير [58] بن حمران الاحمري ضربتين فضرب بكير فم مسلم فقطع السيف شفته العليا و شرع في السفلي، و ضربه مسلم ضربة منكرة في راسه، ثم ضربه اخري علي حبل العاتق فكاد يصل الي جوفه و هو يرتجز و يقول:



اقسم [59] لا اقتل الا حرا

و ان رايت الموت شيئا مرا



كل امري ء يوما ملاق شرا

و يخلط البارد سخنا مرا



رد شعاع الشمس فاستقرا

اخاف ان اكذب او اغرا



فلما راوا ذلك تقدم اليه محمد بن الاشعث فقال له: فانك لا تكذب و لا تغر، و اعطاه الامان فامكنهم من نفسه، و حملوه علي بغلة و اتوا به ابن زياد و قد سلبه ابن الاشعث حين اعطاه الامان سيفه و سلاحه، و في ذلك يقول بعض الشعراء في كلمة يهجو فيها ابن الاشعث:



و تركت عملك ان تقاتل دونه

فشلا و لولا انت كان منيعا [60] .



و قتلت وافد آل بيت محمد

و سلبت اسيافا له و دروعا [61] .



و قال محمد بن شهر اشوب: فانفذ عبيد الله عمرو بن الحرث المخزومي و محمد بن الاشعث في سبعين رجلا حتي اطافوا بالدار، فحمل مسلم عليهم و هو يقول:




هو الموت فاصنع ويك ما انت صانع

فانت بكاس الموت لا شك جارع



فصبر لامر الله جل جلاله

فحكم قضاء الله في الخلق واقع



فقتل منهم احدا و اربعين رجلا [62] .

و قال محمد بن ابي طالب: لما قتل مسلم منهم جماعة كثيرة و بلغ ذلك ابن زياد فارسل الي محمد بن الاشعث يقول: بعثناك الي رجل واحد لتاتينا به فثلم في اصحابك ثلمة عظيمة فكيف اذا ارسلناك الي غيره. فارسل ابن الاشعث: ايها الامير اتظن انك بعثتني الي بقال من بقالي الكوفة او الي جرمقاني من جرامقة [63] الحيره، او لم تعلم ايها الامير انك بعثتني الي اسد ضرغام و سيف حسام في كف بطل همام من آل خير الانام. فارسل اليه ابن زياد: ان اعطه الامان فانك لا تقدر عليه الا به [64] .

و نقل عن بعض كتب المناقب: ان مسلم بن عقيل كان مثل الاسد، و كان من قوته انه ياخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت [65] .

و قال السيد «ره»: و سمع مسلم وقع حوافر الخيل لبس درعه و ركب فرسه و جعل يحارب اصحاب عبيد الله حتي قتل منهم جماعه، فنادي اليه محمد بن الاشعث و قال: يا مسلم لك الامان. فقال: و اي امان للغدرة الفجرة. ثم اقبل يقاتلهم و يرتجز بابيات حمران بن مالك الخثعمي يوم القرن:

اقسمت لا اقتل الا حرا- الابيات.

فنادوا اليه: انك لا تكذب و لا تغر، فلم يلتفت الي ذلك، و تكاثروا عليه بعد ان اثخن بالجراح، فطعنه رجل من خلفه فخر الي الارض فاخذ اسيرا [66] .


و في مناقب ابن شهر اشوب: فضربوه بالسهام و الاحجار حتي عيي و استند حائطا فقال: ما لكم ترموني بالاحجار كما ترمي الكفار و انا من اهل بيت الانبياء الابرار، الا ترعون حق رسول الله صلي الله عليه و آله في ذريته. فقال ابن الاشعث: لا تقتل نفسك و انت في ذمتي. قال: ااوسر و بي طاقة، لا و الله لا يكون ذلك ابدا. و حمل عليه فهرب منه، فقال مسلم: اللهم ان العطش قد بلغ مني. فحملوا عليه من كل جانب، فضربه بكير بن حمران الاحمري علي شفته العليا و ضربه مسلم في جوفه فقتله، و طعن من خلفه فسقط من فرسه فاسر [67] .

و قال الشيخ المفيد «ره» و الجزري و ابوالفرج: و قد اثخن مسلم بالجراح و عجز عن القتال، فانبهر و اسند ظهره الي دار بجنب تلك الدار، فدنا منه محمد ابن الاشعث فقال: لك الامان. فقال له مسلم: آمن انا. قال: نعم انت آمن. فقال القوم جميعا: نعم غير عبيد الله بن العباس اسلمي فانه قال: «لا ناقة لي في هذا و لا جمل» فتنحي فقال ابن عقيل: اني و الله لولا امانكم ما وضعت يدي في ايديكم.

و اتي ببغلة فحمل عليها، فاجتمعوا عليه فنزعوا سيفه من عنقه فكانه عند ذلك آيس من نفسه و دمعت عينه و علم ان القوم قاتلوه و قال: هذا اول الغدر. فقال له محمد بن الاشعث: ارجو ان لا يكون عليك باس. فقال: ما هو الا الرجاء، فاين امانكم انا لله و انا اليه راجعون. فبكي.

فقال له عبيد الله بن العباس السلمي: ان مثلك و من يطلب مثل الذي طلبت اذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك. قال: اني و الله ما ابكي لفنسي و لا لها من القتل ارثي، و ان كنت لم احب لها طرفة عين تلفا، و لكن ابكي لاهلي المقبلين الي، ابكي للحسين و آل الحسين عليه السلام.

ثم اقبل علي محمد بن الاشعث فقال: اني و الله لاظنك ستعجز عن اماني [68] .


و ساله ان يبعث رسولا الي الحسين عليه السلام يعلمه الخبر و يساله الرجوع.

و في رواية الشيخ المفيد «ره»: قال مسلم لمحمد بن الاشعث: يا عبدالله اني اراك و الله ستعجز عن اماني، فهل عندك خير تستطيع ان تبعث من عندك رجلا علي لساني ان يبلغ حسينا عليه السلام، فاني لا اراه الا قد خرج اليكم اليوم مقبلا او هو خارج غدا و اهل بيته و يقول له: ان ابن عقيل بعثني اليك و هو اسير في ايدي القوم لا يري انه يمسي حتي يقتل و هو يقول: ارجع فداك ابي و امي باهل بيتك، و لا يغرنك اهل الكوفة فانهم اصحاب ابيك الذين (الذي خ ل) كان يتمني فراقهم بالموت او القتل، ان اهل الكوفة قد كذبوك (و كذبوني ظ) و ليس لمكذوب راي. فقال له ابن الاشعث: و الله لافعلن [69] .

اقول: روي الازدي عن جعفر بن حذيفة انه قال: دعا محمد بن الاشعث اياس بن العثل [70] الطائي من بني مالك بن عمرو بن ثمامة و كان شاعرا و كان لمحمد زوارا، فقال له: الق حسينا فابلغه هذا الكتاب. و كتب فيه الذي امره ابن عقيل و قال له: هذا زادك و جهازك و متعة لعيالك. فقال: من اين لي براحلة فان راحلتي قد انضيتها [71] . قال: هذه راحلة فاركبها برحلها، ثم خرج فاستقبله بزبالة لاربع ليال فاخبره الخبر و بلغه الرسالة، فقال له الحسين عليه السلام: كل ما حم [72] نازل و عند الله نحتسب انفسنا و فساد امتنا.

و قد كان مسلم بن عقيل حيث تحول الي دار هاني ء بن عروة و بايعة ثمانية عشر الفا قدم كتابا الي الحسين عليه السلام مع عابس بن ابي شبيب الشاكري: اما بعد فان الرائد لا يكذب اهله [73] ، و قد بايعني من اهل الكوفة ثمانية عشر الفا فعجل


الاقبال حين ياتيك كتابي، فان الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية راي و لا هوي. و السلام [74] .

و في رواية مثير الحزان: اما بعد فان الرائد لا يكذب اهله، و ان جميع اهل الكوفة معك و قد بايعني منهم ثمانية عشر الفا، فعجل الاقبال حين تقرا كتابي، و السلام عليك و رحمةالله و بركاته، و حمله مع عباس بن ابي شبيب الشاكري و قيس ابن مسهر الصيداوي. انتهي [75]

و اما مسلم فان محمد بن الاشعث قدم به القصر و دخل محمد علي عبيد الله فاخبره الخبر و بامانه له، فقال له عبيد الله: ما انت و الامان، ما ارسلناك لتومنه انما ارسلناك لتاتينا به. فسكت محمد، و لما جلس مسلم علي باب القصر راي جرة فيها ماء بارد فقال: اسقوني من هذا الماء. فقال له مسلم بن عمرو الباهلي: اتراها ما ابردها و الله لا تذوق منها قطرة حتي تذوق الحميم في نار جهنم. فقال له ابن عقيل: من انت؟ قال: انا من عرف الحق اذ تركته و نصح الامة و الامام اذ غششته و سمع و اطاع اذ عصيته انا مسلم بن عمرو. فقال له ابن عقيل: لامك الثكل ما اجفاك و افظك و اقسي قلبك و اغلظك، انت يابن باهلة [76] اولي بالحميم و الخلود


في نار جهنم مني. قال: فدعا عمارة بن عتبة بماء بارد... [77] .

و في رواية الارشاد و كامل ابن الاثير: و بعث عمرو بن حريث [78] .

غلاما فجاءه بقلة عليها منديل و قدح، فصب فيه ماء و قال له: اشرب. فاخذ ليشرب فامتلاء القدح دما فلم يقدر ان يشرب، ففعل ذلك ثلاثا، فلما ذهب في الثالث ليشرب سقطت ثنيتاه في القدح فقال: الحمد لله لو كان من الرزق المقسوم شربته.

و ادخل علي ابن زياد فلم يسلم عليه بالامارة، فقال له الحرسي: الا تسلم علي الامير. فقال: ان كان يريد قتلي فما سلامي عليه، و ان كان لا يريد قتلي فليكثرن تسليمي عليه. فقال له ابن زياد: لعمري لتقتلن: فقال: كذلك. قال: نعم. قال: فدعني اوص الي بعض قومي. قال: افعل فقال لعمر بن سعد: ان بيني و بينك قرابة ولي اليك حاجة و هي سر فلم يمكنه من ذكرها. فقال له ابن زياد: لا تمنع من حاجة ابن عمك.

فقام معه فجلس حيث ينظر اليهما ابن زياد، فقال: ان علي بالكوفة دينا استدنته انفقته سبعمائة درهم فاقضها عني من مالي بالمدينة، و انظر جثتي و استوهبها من ابن زياد فوارها، و ابعث الي الحسين عليه السلام من يرده.

فقال عمر لابن زياد: انه قال كذا و كذا. فقال ابن زياد: لا يخونك الامين و لكن قد يوتمن الخائن، اما مالك فهو لك تصنع به ما شئت، و اما الحسين فان لم يردنا لم نرده و ان ارادنا لم نكف عنه، و اما جثتك فانا لن نشفعك فيها [79] .

و في كتاب العقد الفريد فقال عمر لابن زياد: اتدري ما قال لي. قال: اكتم


علي ابن عمك. قال: و اعظم من ذلك. قال: و ما هو؟ قال: قال لي: ان حسينا اقبل و هم تسعون انسانا من بين رجل و امراة فارددهم و اكتب اليه بما اصابني. فقال له ابن زياد: اما و الله اذا دللت عليه لا يقاتله احد غيرك- انتهي [80] .

و قيل: انه قال: و اما جثته فانا اذا قتلناه لا نبالي ما صنع بها. ثم قال لمسلم يا ابن عقيل اتيت الناس و امرهم جميع و كلمتهم واحدة لتشتت فيهم و تفرق كلمتهم. فقال: ما انت و ذاك يا فاسق، الم يكن تعمل بذلك فيهم اذا انت تشرب الخمر بالمدينة. قال: انا اشرب الخمر؟ و الله ان الله يعلم انك غير صادق و اني لست كما ذكرت، و ان احق الناس بشرب الخمر من يلغ في دماء المسلمين فيقتل النفس التي حرم الله قتلها علي الغضب و العداوه، و هو يلهو و يلعب كانه لم ينصع شيئا. فقال له ابن زياد قتلني الله ان لم اقتلك قتلة لم يقتلها احد في الاسلام. قال: اما انك احق من احدث في الاسلام ما ليس فيه، اما انك لا تدع سوء القتلة و قبح المثلة و خبث السيرة و لؤم الغلبة و لا احد لاحد من الناس احق بها منك. فشتمه ابن زياد و شتم الحسين و عليا و عقيلا عليهم السلام، فلم يكلمه مسلم [81] .

و قال المسعودي: فلما انقضي كلامه و مسلم يغلظ له في الجواب امر به فاصعد الي اعلي القصر، ثم دعا الاحمري الذي ضربه مسلم فقال: كن انت الذي تضرب عنقه لتاخذ بثارك من ضربته [82] .

و قال الجزري: فقال مسلم لابن الاشعث: و الله لولا امانك ما استسلمت قم بسيفك دوني فقد اخفرت ذمتك [83] .

فاصعد مسلم فوق القصر و هو يستغفر و يسبح


و اشرف به علي موضع الحذائين [84] فضربت عنقه، و كان الذي ضربه مسلم، ثم اتبع راسه جسده. فلما نزل بكير قال له ابن زياد: ما كان يقول و انتم تصعدون به؟ قال: كان يسبح الله و يستغفر، فلما قتله قلت له: ادن مني الحمد لله الذي امكن منك و اقادني منك. فضربته ضربة لم تغن شيئا. فقال: اما تري في خدش تخدشنيه وقاء من دمك ايها العبد. فقال ابن زياد: و فخرا عند الموت! قال: ثم ضربته الثانية فقتلته [85] .

و قال الطبري: فاصعد الي القصر فضربت عنقه [86] و القي بجثته الي الناس، و امر بهاني ء فسحب الي الكناسة فصلب هنالك [87] .

و قال المسعودي: فضرب بكير الاحمري عنقه- اي عنق مسلم- فاهوي راسه الي الارض، ثم اتبعوا راسه جسده، ثم امر بهاني ء بن عروة فاخرج الي السوق فضرب عنقه صبرا و هو يصبح يا آل مراد و هو شيخها و زعيمها و هو يومئذ يركب في اربعة آلاف دارع و ثمانية آلاف راجل، و اذا اجابتها احلافها من كندة و غيرها كان في ثلاثين الف دارع، فلم يجد زعيمهم منهم احدا فشلا و خذلانا [88] .

و قال الشيخ المفيد رحمه الله: و قام محمد بن الاشعث الي عبيد الله بن زياد فكلمه في هاني ء بن عروة فقال: انك قد عرفت منزلة هاني ء في المصر و بيته في العشيرة، و قد علم قومه اني و صاحبي سقناه اليك، فانشدك الله لما وهبته لي فاني اكره عداوة المصر و اهله. فوعده ان يفعل ثم بدا له و امر بهاني ء في الحال فقال: اخرجوه الي السوق فاضربوا عنقه. فاخرج هاني ء حتي انتهي به مكانا من السوق كان يباع فيه الغنم و هو مكتوف، فجعل يقول: و امذحجاه و لا مذحج لي اليوم يا


مذحجاه اين مذحج. فلما راي ان احدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف.

ثم قال: اما من عصا او سكين او حجر او عظم يحاجز به رجل عن نفسه. فوثبوا اليه فشدوه وثاقا ثم قيل له: امدد عنقك. فقال: ما انا بها سخي و ما انا بمعينكم علي نفسي، فضربه مولي لعبيد الله تركي يقال له «رشيد» بالسيف فلم يصنع شيئا، فقال هاني ء: الي الله المعاد، اللهم الي رحمتك و رضوانك. ثم ضربه اخري فقتله [89] .

و في كامل ابن الاثير: فبصر به-اي بهذا التركي- عبدالرحمن بن الحصين المرادي بعد ذلك بخازر [90] مع ابن زياد، فقتله قال: عبدالله بن الزبير الاسدي في قتل هاني ء و مسلم- و قيل قاله الفرزدق- و الزبير بفتح الزاي و الباء الموحدة.



فان كنت لا تدرين ما الموت فانظري

الي هاني ء في السوق و ابن عقيل



الي بطل قد هشم السيف وجهه

و آخر يهوي من طمار قتيل



و هي ابيات [91] بقية الابيات هكذا:



اصابهما امر الامير فاصبحا

احاديث من يسري بكل سبيل



تري جسدا قد غير الموت لونه

و نضح دم قد سال كل مسيل



فتي هو احيي من فتاة حيية

و اقطع من ذي شفرتين صقيل



ايركب اسماء الهماليج آمنا

و قد طلبته مذحج بدحول



فان انتم لم تشاروا باخيكم

فكونوا بغايا ارضيت بقليل [92] .



و بعث ابن زياد براسيهما الي يزيد، و كتب اليه يزيد يشكره و يقول له: و قد


بلغني ان الحسين قد توجه نحو العراق فضع المراصد و المسالح و احترس و احبس علي التهمة و خذ علي الظنة غير ان لا تقتل الا من قاتلك [93] .

و في رواية الارشاد: و احبس علي الظنة و اقتل علي التهمة و اكتب الي في كل ما يحدث من خبر ان شاءالله [94] .

و قال المسعودي: و كان ظهور مسلم بالكوفة يوم الثلاث لثمان ليال مضين من ذي الحجة سنة ستين، و هو اليوم الذي ارتحل فيه الحسين عليه السلام من مكة الي الكوفة، و قيل يوم الاربعاء يوم عرفة لتسمع مضين من ذي الحجة سنة ستين.

ثم امر ابن زياد بجثة مسلم فصلبت و حمل راسه الي دمشق، و هذا اول قتيل صلبت جثته من بني هاشم و اول راس حمل من رؤوسهم الي دمشق [95] .

و في المناقب: و انفذ راسهما الي يزيد في صحبة هاني ء بن حيوة الوادعي [96] .

و في مقتل الشيخ فخرالدين: ثم انهم اخذوا مسلما و هانثا يسحبونهما في الاسواق، فبلغ خبرهما الي بني مذحج، فركبوا خيولهم و قاتلوا القوم و اخذوا مسلما و هانثا فغسلوهما و دفنوهما. رحمةالله عليهما و عذب قاتليهما بالعذاب الشديد [97] .


پاورقي

[1] الطبري 248 -246 /7، الکامل 26 /4.

[2] في الاصل: سليما.

[3] و في روضة الصفا: فلما اتي ابن‏زياد لعيادة شريک سل سيفه و هم بان يدخل علي ابن‏زياد و يقتله فمنعه هاني‏ء و ناشدة ان لا يتقل ابن‏زياد في داره و قال: في الدار نساء و اطفال کثيرة و اخاف ان يقتل فيها ان تقطع قلوبهم من الخوف- الخ «منه».

[4] مقاتل الطالبيين: 98، الکامل 26 /4.

[5] مهران بکسر الميم مولي زياد و کان يحبه عبيد اللَّه بن زياد حبا شديدا بحيث حکي انه لما قتل ابراهيم بن الاشتر عبيد اللَّه بن زياد و اجتز راسه و استوقدوا عامة الليل يجسده نظر اليه مهران فحلف ان لا ياکل شحما ابدا. کذا عن امالي الشيخ الطوسي قده «منه».

[6] الطبري 244 /7.

[7] الطبري 249 /7، الکامل 27 -26 /4.

[8] مثير الاحزان.

[9] الکامل 27 /4.

[10] ثمام بالمثلثة نبت معروف و احدته ثمامة «منه».

[11] الارشاد: 189.

[12] زبيد کزبير بطن من مذحج رهط عمرو بن معدي کرب «منه».

[13] بمهملتين کجهينة «منه».

[14] و في الارشاد: و لم يکن حسان يعلم في اي شي‏ء بعث اليه عبيد اللَّه. و هذا اصح «منه».

[15] اتتک بحائن رجلاه. الحائن بالحاء المهملة اما بمعني الاحمق اي احمق سعي برجليه الي الهلاک، او من الحين بمعني الهلاک، و معناه هالک ساقه الموت برجليه. و اول من قاله عبيد ابن‏الابرص حين عرض للنعمان بن المنذر في يوم بوسه و کان قصده ليمدحه و لم يعرف انه يوم بوسه، فلما انتهي اليه قال النعمان، ما جاء بک يا عبيد؟ قال: اتتک بحائن رجلاه. و قيل غير ذلک ترکناه مخافة الا طالة «منه».

[16] حياته خ ل.

[17] هذا مثل تمثل به اميرالمؤمنين عليه‏السلام حين راي ابن‏مجلم لعنه اللَّه و اخزاه. و يروي: حباءه بحاء مهملة بعدها الموحدة اي العطاء بلا من و لا اذي. و قولهم: عذيرک من فلان اي هلم من يعذرک منه. و اصل البيت لعمرو بن معدي کرب الزبيدي و هو الذي اسلم في سنة تسع ثم ارتد ثم عاد و شهد القادسية و قتل رستم و اخذ سلبه و له في القادسية مشهد معروف توفي آخر خلافة عمر و دفن برودة بين قم و الري. و قيل: انه قتل في وقعة نهاوند قبره في ظاهرها. و قيل: مات في خلافة عثمان في خروجه الي الري بفالج و دفن في روذة و له اکثر من مائة و عشر و کانت خلقته عجيبة قاله ابوالفرج في الاغاني «منه». راجع الاغاني 25 /14.

[18] راجع الکامل 28 /4، الارشاد: 190.

[19] الارشاد: 190.

[20] مثير الاحزان: 16.

[21] لاضير اي لا ضرر.

[22] الارشاد: 191، مثير الاحزان: 16.

[23] الارشاد: 191 و راجع مثير الاحزان: 16.

[24] الطبري: 245 -244 /7.

[25] مروج الذهب 57 /3.

[26] الطبري 245 /7، الکامل 29 /4.

[27] الکامل 29 /4.

[28] الارشاد: 191.

[29] اهل المصر ن ل.

[30] في المصدر: ايخلونني- ايحزرونني.

[31] الکامل 30-29 /4.

[32] الطبري 246 -245/7.

قال الشيخ ابن‏نما: و لما بلغ مسلم بن عقيل خيره(اي خبر هاني‏ء) خرج بجماعة ممن بايعه الي حرب عبيد اللَّه بعد ان راي اکثر من بايعه من الاشراف نقضوا البيعة و هم مع عبيد اللَّه فتحصن بدار الامارة و اقتتلوا قتالا شديدا الي ان جاء الليل فتفرقوا عنه و بقي معه اناس قليل فدخل المسجد يصلي و طلع متوجها نحو باب الکندة فاذا هو وحده لا يدري اين يذهب- الخ. راجع مثير الاحزان ص: 16.

اقول: و في تاريخ الطبري: و ذکر هارون بن مسلم عن علي بن صالح عن عيسي بن بريد ان المختار بن أبي‏عبيد و عبداللَّه بن الحارث بن نوفل کانا خرجا مع مسلم خرج المختار براية خضراء و خرج عبداللَّه براية حمراء و عليه ثياب حمر و جاء المختار برايته فرکزها علي باب عمرو بن حريث و قال: انما خرجت لامنع عمرا و ان الاشعث و القعقاع ابن‏شور و شبث ابن‏ربعي قاتلوا مسلما و اصحابه عشية سار مسلم الي قصر ابن‏زياد قتالا شديدا ان شبثا جعل يقول: انتظروا بهم الليل يتفرقوا. فقال له القعقاع: انک قد سددت علي الناس وجه مصيرهم فافرج لهم... راجع الطبري 272 /7.

[33] الارشاد: 192.

[34] جماعة.

[35] منسوب بجديلة «منه».

[36] اي قصر الامارة.

[37] اي يحملهم علي خذلانه «منه».

[38] الکامل 31 -30 /4.

[39] ازقه جمع زقاق «منه».

[40] الارشاد: 194.

[41] مروج الذهب: 58 /3.

[42] عليه ن ل.

[43] الارشاد: 194.

[44] الکامل 31 /4.

[45] عرفاء جمع عريف و هو دون الرئيس المناکب جمع منکب کمجلس يعني نقيب القوم.

[46] تميم ن ل.

[47] الکامل 32 /4.

[48] مقاتل الطالبيين: 103.

[49] و في حبيب السير: ارسل مع ابن‏الاشعث ثلاثمائة رجل.

[50] مقاتل الطالبين: 104 -103.

[51] کامل البهائي 275/2.

[52] الوحي کرحي و يقال: الوحي الوحي يعني البدار البدار «منه».

[53] المنتخب للطريحي: 462 المجلس التاسع من الجزء الثاني.

[54] کامل البهائي 275 /2.

[55] اللهوف: 46، مثير الاحزان: 17.

[56] مروج‏الذهب 58 /3.

[57] مقاتل الطالبين: 104.

[58] بکر خ ل.

[59] اقسمت ن ل.

[60] هذان البيتان لعبدالله بن الزبير الاسدي و الابيات هکذا:



اترکت مسلم لا تقاتل دونه

حذر المنية ان تکون صريعا



و قتلت وافد... الخ.



لو کنت من اسد عرفت مکانه

و رجوت احمد في المعاد شفيعا



و ترکت عمک- الخ.

و هذا البيت اشارة الي واقعة حجر بن عدي رحمه‏الله و رضوانه‏عليه «منه».

[61] مروج‏الذهب 59 -58 /3، مقاتل الطالبين: 104.

[62] المناقب 244 /3.

[63] جرامقة جمع من العجم سکنوا في الموصل و مفرده جرمقاني بالفتح منه.

[64] البحار 354 /44.

[65] البحار 354 /44.

[66] اللهوف: 47 -46.

[67] المناقب 244 /3.

[68] مقاتل الطالبيين: 105 -104، الارشاد 196، الکامل 32 /4.

[69] الارشاد: 197.

[70] العثل ککتف بعد المهملة مثلثة.

[71] انضاه اي هزله «منه».

[72] حم الامر مجهولا «منه».

[73] الرائد هو الذي يقدمونه ليرتاد لهم منزلا او ماء او موضع حرز يلجاون اليه من عدو يطلبهم فان کذبهم صار تدبيرهم علي خلاف الصواب و کانت فيه هلکتهم، اي انه و ان کان کذابا فانه لا يکذب اهله...

و قد تمثل به رسوس‏الله صلي الله عليه و آله في اوان بعثته، فيروي انه صلي الله عليه و آله خطب و قال: ايها الناس الرائد لا يکذب اهله و لو کنت کاذبا لما کذبتکم، و الله الذي لا اله الا هو اني رسول‏الله اليکم حقا خاصة و الي الناس عامة، و الله لتموتون کما تنامون و لتبعثون کما تستيقظون و لتحاسبون کما تعملون و لتجزون بالاحسان احسانا و بالسوء سوءا و الجنة ابدا و النار ابدا و انکم اول من انذرتهم «منه».

[74] الطبري 264 /7.

[75] مثير الاحزان: 15.

[76] تعبير مسلم بن عقيل عن مسلم بن عمرو الباهلي بابن باهلة تعييره بهذا النسب، فان باهلة ام قبائل العرب و اخسها. روي عن اميرالمؤمنين عليه‏السلام انه قال يوما: ادعو... وباهلة و حيا آخر قد سماهم فلياخذوا عطياتهم فو الذي فلق الحبة و برا النسمة ما لهم في السلام نصيب و اني شاهد عند الحوض و عند المقام المحمود انهم اعدائي في الدنيا و الآخرة- الخ «منه».

[77] الکامل 34 -33 /4.

[78] عمرو بن الحريث بالحاء المهملة المضمومة المخزومي القرشي يکني اباسعيد، و کان عمره لما توفي النبي صلي الله عليه و آله اثنتي عشرة سنة و ولي لبني امية الکوفة و کانوا يميلون اليه و يثقون به و کان هواء منهم، و کان عدوا لاميرالمؤمنين عليه‏السلام، مات سنة 85 «منه».

[79] راجع الارشاد ص 198 -197 و الکامل 34 /7.

[80] العقد الفريد 379 /4.

[81] راجع الکامل 34 /4، الارشاد: 198، الطبري 267 /7، مقاتل الطالبيين: 107 -106.

[82] مروج‏الذهب 59 /3.

[83] اي نقض عهدک «منه».

[84] و في تاريخ الطبري مکان الحذائين الجزارين اليوم «منه».

[85] الکامل 35 /4.

[86] الطبري 267 /7.

[87] مثيرالاحزان: 18.

[88] مروج‏الذهب 59 /3.

[89] الارشاد: 199.

[90] خازر نهر بين اربل و الموصل کانت عنده وقعة بين ابن‏زياد و ابرهيم بن الاشتر و قتل ابن‏زياد الملعون في سنة 66 «منه».

[91] الکامل 36 /4.

[92] الارشاد: 199.

[93] الکامل 36 /4.

[94] الارشاد: 200.

[95] مروج‏الذهب 60 /3.

[96] حية خ ل الوداعي خ ل.

[97] منتخب الطريحي: 428، المجلس التاسع من الجزء الثاني.