بازگشت

خرج مسلم بن عقيل من مكة في النصف من شهر رمضان


كما قال المسعودي [1] ، فاقبل رحمه اللَّه حتي اتي المدينة فصلي في مسجد رسول الله صلي اللَّه عليه و آله و ودع من احب من اهله، ثم استاجر دليلين من قيس فاقبلا به يتنكبان الطريق، فضلا و اصابهما عطش شديد فعجزا عن المسير و اوماءا له الي سنن الطريق بعد ان لاح لهم ذلك، فسلك مسلم ذلك السنن و مات الدليلان


عطشا، فكتب مسلم بن عقيل قدس اللَّه روحه من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهر:

«اما بعد فاني اقبلت من المدينة مع دليلين لي فحارا [2] عن الطريق و ضلا و اشتد علينا العطش، فلم يلبثا ان ماتا و اقبلنا حتي انتهينا الي الماء، فلم ننج الا بحشاشة انفسنا، و ذلك الماء بمكان يدعي المضيق من بطن الخبت [3] ، و قد تطيرت من وجهي هذا، فان رايت اعفيتني منه و بعثت غيري. و السلام».

فكتب اليه الحسين بن علي عليهماالسلام:

«اما بعد فقد خشيت الا يكون حملك علي الكتاب الي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له الا الجبن، فامض لوجهك الذي وجهتك له. و السلام».

فلما قرا مسلم الكتاب قال: اما هذا فلست اتخوفه علي نفسي، فاقبل حتي مر بماء لطي، فنزل عليه ثم ارتحل عنه فاذا رجل يرمي الصيد فنظر اليه قد رمي ظبيا حين اشرف له فصرعه. فقال مسلم: نقتل عدونا انشاءاللَّه تعالي. ثم اقبل حتي دخل الكوفة [4] .

و ذلك لخمس خلون من شوال كما في مروج الذهب [5] فنزل في دار المختار ابن أبي عبيد، و اقبلت الشيعة تختلف اليه، فلما اجتمعت اليه جماعة منهم قرا عليهم كتاب الحسين عليه السلام فاخذوا يبكون.

فقام عابس بن أبي شبيب الشاكري «ره» فحمد لله و اثني عليه فقال: اما بعد فاني لا اخبرك عن الناس و لا اعلم ما في انفسهم و ما اغرك منهم، و اللَّه احدثك عما


انا موطن نفسي عليه، و اللَّه لاجيبنكم اذا دعوتم و لاقاتلن معكم عدوكم و لاضربن بسيفي دونكم حتي القي اللَّه تعالي، لا اريد بذلك الا ما عند اللَّه.

فقام حبيب بن مظاهر الفقعسي فقال: رحمك اللَّه قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك. ثم قال: و انا و اللَّه الذي لا اله الا هو علي مثل ما هذا عليه.

ثم قال الحنفي مثل ذلك.

فقال الحجاج بن علي: فقلت لمحمد بن بشر: فهل كان منك انت قول. فقال: ان كنت لاحب ان يعز اللَّه اصحابي بالظفر و ما كنت لاحب ان اقتل و كرهت ان اكذب [6] .

فبايعه منهم ثمانية عشر الفا، فكتب مسلم الي الحسين عليه السلام يخبره ببيعة ثمانية عشر الفا و يامره بالقدوم [7] ، و ذلك قبل ان يقتل مسلم بسبعة و عشرين يوما.

و جعلت الشيعة تختلف الي مسلم حتي علم بمكانه، فبلغ النعمان بن بشير ذلك- و كان واليا علي الكوفة من قبل معاوية فاقره يزيد عليها- فصعد المنبر فحمد اللَّه سبحانه و اثني عليه ثم قال: اما بعد فاتقوا اللَّه عباد اللَّه و لا تسارعوا الي الفتنة و الفرقة، فان فيها يهلك الرجال و يسفك الدماء و تغتصب الاموال، اني لا اقاتل من لا يقاتلني و لا آتي علي من لم يات علي و لا انبه نائمكم و لا اتحرش بكم و لا آخذ بالقرف و لا الظنة و لا التهمة، و لكنكم ان ابديتم صفحتكم لي و نكثتم بيعتكم و خالفتم امامكم فو اللَّه الذي لا اله غيره لاضربنكم بسيفي هذا ما ثبت قائمه في يدي و لو لم يكن لي منكم ناصر، اما اني ارجو ان يكون من يعرف الحق منكم اكثر ممن يرديه الباطل.

فقام اليه عبداللَّه بن مسلم بن ربيعة [8] الحضرمي حليف بني امية فقال: انه


لا يصلح ما تري الا الغشم، ان هذا الذي انت عليه فيما بينك و بين عدوك راي المستضعفين. فقال له النعمان: اكون من المستضعين في طاعة اللَّه احب الي ان اكون من الاعزين في معصية اللَّه. ثم نزل.

و خرج عبداللَّه بن مسلم فكتب الي يزيد بن معاوية: «اما بعد فان مسلم بن عقيل قد قدم الي الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي عليهماالسلام، فان تكن لك في الكوفة حاجة فابعث اليها رجلا قويا ينفذ امرك و يعمل مثل عملك فان النعمان بن بشر رجل ضعيف او هو يتضعف».

ثم كتب اليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه.

ثم كتب اليه عمر بن سعد بن أبي وقاص بمثل ذلك.

فلما وصلت الكتب الي يزيد دعا سرجون مولي معاوية فقال: ما رايك ان حسينا قد وجه الي الكوفة مسلم بن عقيل يبايع و قد بلغني عن النعمان ضعف و قول سي ء، فمن تري ان استعمل علي الكوفة. و قد كان يزيد عاتبا علي عبيد اللَّه بن زياد، فقال له سرجون: ارايت معاوية لو انشر لك [9] ، ما كنت [10] آخذا برايه. قال: نعم. قال: فاخرج سرجون عهد عبيد اللَّه بن زياد علي الكوفة و قال: هذا راي معاوية مات و قد امر بهذا الكتاب، فضم المصرين الي عبيد اللَّه بن زياد. فقال له يزيد: افعل ابعث بعهد ابن زياد اليه.

ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي- والد قتيبة- و كتب الي عبيد اللَّه بن زياد معه:

«اما بعد فانه كتب الي شيعتي من اهل الكوفة يخبروني ان ابن عقيل بها يجمع الجموع لشق عصا المسلمين فسرحين تقرا كتابي هذا حتي تاتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتي تثقفه فتوثقه او تقتله او تنفيه.. و السلام».

و سلم اليه عهده علي الكوفة، فسار مسلم بن عمرو حتي قدم علي عبيد اللَّه


بالبصرة فاوصل اليه العهد و الكتاب، فامر عبيد اللَّه بالجهاز من وقته و المسير و التهيؤ الي الكوفة من الغد [11] .

اقول: و مما يناسب في هذا المقام الاشارة الي حال انعمان بن بشير.

النعمان بضم النون ابن بشير بن سعد بن نصر بن ثعلبة الخزرجي الانصاري امه عمرة بنت رواحة اخت عبداللَّه بن رواحة الانصاري الذي قتل في غزوة مؤتة مع جعفر بن أبي طالب عليه السلام.

قيل: ان النعمان بن بشير اول مولود ولد من الانصار بعد قدوم رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله المدينة، نظير عبداللَّه بن الزبير من المهاجرين. و ابوه بشير بن سعد اول من قام يوم السقيفة من الانصار الي أبي بكر فبايعه ثم توالت الانصار فبايعته. و قتل بشير يوم عين التمر مع خالد بن الوليد.

و كان النعمان من المعروفين في الشعر سلفا و خلفا، و كان عثمانيا و يبغض اهل الكوفة لرايهم في علي عليه السلام، و شهد مع معاوية بصفين و لم يكن من الانصار غيره، و كان كريما علي معاوية رفيقا عنده و عند يزيد ابنه بعده. و عمر الي خلافة مروان بن الحكم و كان يتولي حمص، فلما بويع لمروان دعا الي ابن الزبير و خالف علي مروان و ذلك بعد قتل الضحاك بن قيس بمرج راهط فلم يجبه اهل حمص الي ذلك، فهرب منهم و تبعوه فادركوه فقتلوه، و ذلك في سنة خمس و ستين.

و اما قول يزيد: و قد بلغني عن النعمان ضعف و قول سي ء، فلعله اشارة الي ما رواه ابن قتيبة الدينوري في كتاب الامامة و السياسة: انه قال النعمان بن بشير: لابن بنت رسول اللَّه احب الينا من ابن بنت بحدل [12] .

قلت: و ابن بنت بحدل هو يزيد بن معاويه، فان امه ميسون بنت بحدل الكلبية- بالحاء و الدال المهملتين-.


و ابن قتيبة هو ابومحمد عبداللَّه بن مسلم بن قتيبة بن مسلم بن عمرو الباهلي، و جده مسلم بن عمرو هو الذي تقدم ذكره و سار بكتاب العهد الي ابن زياد.


پاورقي

[1] مروج الذهب 54 /3.

[2] فحادا ظ.

[3] الخبت بفتح الخاء المعجمة و سکون الموحدة و بعدها تاء: علم لصحراء بين مکة و المدينة «منه».

[4] الارشاد: 186.

[5] و في مروج الذهب 54/3: فنزل علي رجل يقال له عوسجة مسترا- انتهي. لعل الرجل کان ولد مسلم بن عوسجة رحمه‏اللَّه.

[6] تاريخ الطبري: 238 -237 /7.

[7] الارشاد: 186.

[8] شعبه خ ل سعيد خ ل.

[9] في الارشاد: لو يشير لک معاوية حيا.

[10] اکنت خ ل.

[11] الارشاد 187 -186.

[12] الامامة و السياسة 4 /2 طبع سنة 1356.