كتب الي الوليد بعد موت معاوية
لما بويع يزيد بالخلافة كتب الي الوليد بن عتبة يخبره بموت معاوية و كتابا آخر صغيرا فيه:
«اما بعد فخذ حسينا و عبداللَّه بن عمر و ابن الزبير بالبيعة اخذا ليس فيه رخصة حتي يبايعوا، و السلام».
فلما اتاه نعي معاوية فظع به و كبر عليه و بعث الي مروان بن الحكم فدعاه- و كان مروان عاملا علي المدينة من قبل الوليد- فلما قدمها الوليد كان مروان يختلف اليه متكارها، فلما راي الوليد ذلك منه شتمه عند جلسائه، فبلغ ذلك مروان فانقطع عنه، و لم يزل مصارما له حتي جاء نعي معاوية، فلما عظم علي الوليد هلاكه و ما امر به من بيعة هؤلاء النفر استدعي مروان، فلما قرا الكتاب بموت معاوية استرجع و ترحم عليه و استشاره الوليد كيف يصنع. قال: اري ان تدعوهم الساعة و تامرهم بالبيعة فان فعلوا قبلت منهم و كففت عنهم و ان ابوا ضربت اعناقهم قبل اني عملوا بموت معاوية، فانهم ان عملوا بموته و ثب كل رجل منهم بناحية و اظهر الخلاف و دعا الي نفسه...
فارسل الوليد عبداللَّه بن عمرو بن عثمان و هو غلام حدث الي الحسين عليه السلام و ابن الزبير يدعوهما، فوجدهما في المسجد و هما جالسان، فاتاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيها للناس فقال: اجيبا الامير. فقالا: انصرف الآن ناتيه. فقال ابن الزبير لحسين عليه السلام: ما تراه بعث الينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها. فقال الحسين عليه السلام: اظن ان طاغيتهم قد هلك فبعث
الينا لياخذنا بالبيعة قبل ان يفشو في الناس الخبر. فقال: و انا ما اظن غيره فما تريد ان تصنع؟ قال: اجمع فتياني (الساعة) ثم امشي عليه [1] .
فدعا جماعة من مواليه و امرهم بحمل السلاح و قال لهم: ان الوليد قد استدعاني في هذا الوقت و لست آمن ان يكلفني فيه امرا لا اجيبه اليه و هو غير مامون، فكونوا معي فاذا دخلت اليه فاجلسوا علي الباب فان سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه فتمنعوه مني.
و صار الحسين عليه السلام الي الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم، فنعي اليه الوليد معاوية فاسترجع الحسين عليه السلام ثم قرا عليه كتاب يزيد و ما امره فيه من اخذ البيعة منه، فقال له الحسين عليه السلام: اني لا اراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتي ابايعه جهرا فيعرف ذلك الناس. فقال الوليد له: اجل. فقال الحسين عليه السلام: فتصبح و تري رايك في ذلك. فقال الوليد: انصرف اذا شئت علي اسم اللَّه حتي تاتينا مع جماعة الناس. فقال له مروان: و اللَّه لئن فارقك الحسين عليه السلام الساعة و لم يبايع لا قدرت منه علي مثلها ابدا حتي تكثر القتلي بينكم و بينه، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتي يبايع او تضرب عنقه. فوثب عند ذلك الحسين عليه السلام و قال: يا بن الزرقاء انت تقتلني او هو؟ كذبت و اللَّه و اثمت [2] و خرج عليه السلام يمشي و معه مواليه حتي اتي منزله، فقال مروان للوليد: عصيتني لا و اللَّه لا يمكنك مثلها من نفسه ابدا. فقال الوليد: ويح غيرك يا مروان انك اخترت لي التي فيها هلاك ديني، و اللَّه ما احب ان لي ما طلعت عليه الشمس و غربت عنه من مال الدنيا و ملكها و اني قتلت حسينا، سبحان الله اقتل حسينا لما ان قال لا ابايع، و اللَّه اني لاظن ان امرءا يحاسب بدم الحسين عليه السلام خفيف الميزان عند الله يوم القيامة. فقاتل له مروان: فاذا كان هذا رايك فقد اصبت فيما صنعت. يقول هذا و هو غير الحامد له علي رايه [3] .
و قال ابن شهر اشوب في المناقب: فلما دخل عليهو قرا الكتاب قال: ما كنت ابايع ليزيد. فقال مروان: بايع لاميرالمؤمنين. فقال الحسين عليه السلام: كذبت ويلك علي المؤمنين من امره عليهم؟ فقام مروان وجود سيفه و قال: مر سيافك ان يضرب عنقه قبل ان يخرج من الدار و دمه في عنقي، و ارتفعت الصيحة فهجم تسعة عشر رجلا من اهل بيته و قد انتضوا خناجرهم، فخرج الحسين عليه السلام معهم. و وصل الخبر الي يزيد، فعزل الوليد و ولاها مروان، و خرج الحسين عليه السلام و ابن الزبير الي مكة و لم يتشدد علي ابني العمرين [4] .
و اما ابن الزبير فقال: الآن آتيكم، ثم اتي داره فكمن فيها ثم بعث اليه الوليد فوجده قد جمع اصحابه و احترز، فالح عليه الوليد و هو يقول: امهلوني فبعث اليه الوليد مواليه فشتموه و قالوا له: يا ابن الكاهلية لتاتين الامير او ليقتلنك. فقال لهم: و اللَّه لقد استربت لكثرة الارسال فلا تعجلوني حتي ابعث الي الامير من ياتيني برايه. فبعث اليه اخاه جعفر بن الزبير فقال: يرحمك اللَّه كف عن عبداللَّه فقد افزعته و ذعرته و هو ياتيك غدا انشاءاللَّه تعالي فمر رسلك فينصرفوا عنه، فبعث اليهم فانصرفوا و خرج ابن الزبير من ليلته فاخذ طريق الفرع هو و اخوه جعفر ليس معهما ثالث و ساروا نحو مكة [5] .
فلما اصبح الوليد سرح في اثره الرجال فبعث راكبا من موالي بني امية في ثمانين راكبا فطلبوه فلم يدركوه فرجعوا [6] .
فتشاغلوا عن الحسين عليه السلام بطلب عبداللَّه يومهم ذلك حتي امسوا.
و اصبح الحسين عليه السلام فخرج من منزله يستمع الاخبار، فلقيه مروان فقال له: يا اباعبداللَّه اني لك ناصح فاطعني ترشد. فقال الحسين عليه السلام: و ما ذاك قل حتي اسمع. فقال مروان: اين آمرك ببيعة يزيد بن معاوية فانه خير لك
في دينك و دنياك. فقال الحسين عليه السلام: انا لله و انا اليه راجعون، و علي الاسلام السلام، اذ قد بليت الامة يراع مثل يزيد، و لقد سمعت جدي رسول اللَّه صلي اللَّه عليه و آله يقول: اخلافة محرمة علي آل أبي سفيان.
و طال الحديث بينه و بين مروان حتي انصرف مروان و هو غضبان [7] .
فلما كان آخر النهار بعث الوليد الرجال الي الحسين عليه السلام ليحضر فيبايع فقال لهم الحسين اصبحوا ثم ترون و نري. فكفوا تلك الليلة عنه و لم يلحوا عليه، فخرج عليه السلام من تحت ليلته و هي ليلة الاحد ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكة و معه بنوه و اخوته و بنو اخيه و جل اهل بيته الا محمد بن الحنفية رحمةاللَّه عليه فانه لما علم عزمه علي الخروج من المدينة لم يدر اين يتوجه [8] .
فقال له: يا اخي انت احب الناس الي و اعزهم علي و لست ادخر النصيحة لاحد من الخلق الا لك و انت احق بها، تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية و عن الامصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك الي الناس فادعهم الي نفسك فان بايعك الناس و بايعوا لك حمدت اللَّه علي ذلك و ان اجمع [9] الناس علي غيرك لم ينقص اللَّه بذلك دينك و لا عقلك و لا تذهب به مروتك و لا فضلك، اني اخاف ان تدخل مصرا من الامصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك و اخري عليك فيقتلون فتكون لاول الاسنة (غرضا) فاذا خير هذه الامة كلها نفسا و ابا و اما اضيعها دما و اذلها اهلا.
فقال له الحسين عليه السلام: فاين اذهب يا اخي؟ قال: انزل مكة، فان اطمانت بك الدار فيها فهو الذي تحب و ان نبت [10] بك لحقت باليمن، فان اطمانت بك الدار فيها فسبيل ذلك و ان نبت بك لحقت بالرمال و شعف [11] الجبال
و خرجت من بلد الي بلد حتي تنظر ما يصير امر الناس اليه، فانك اصوب ما تكون رايا حين تستقبل الامر استقباله. فقال: يا اخي قد نصحت و اشفقت و ارجو ان يكون رايك سديدا موفقا [12] .
ثم دخل المسجد و هو يتمثل بقول يزيد بن مفرغ:
لا ذعرت السوام في شفق الصبح
مغيرا و لا دعيت يزيدا
يوم اعطي من المهانة ضيما
و المنايا ارصدتني ان احيدا [13] .
پاورقي
[1] الکامل لابنالاثر 14 /4 و فيه: ثم امشي اليه.
[2] لؤمت خ ل.
[3] الارشاد للمفيد: 182.
[4] المناقب 240 /3.
[5] الکامل 16 /4.
[6] الارشاد: 183.
[7] اللهوف ص 20-19.
[8] الارشاد: 183.
[9] اجتمع.
[10] نبت به الدار بتقديم النون علي الموحدة اي لم يوافقه «منه».
[11] جمع شعفة محرکة راس الجبل.
[12] الارشاد 183، الکامل 16 /4.
[13] الکامل 17 /4.