بازگشت

كرمه و جوده


فقد روي انه اتت فاطمة عليهاالسلام بابنيها الحسن و الحسين عليهماالسلام الي رسول الله صلي الله عليه و آله في شكواه التي توفي فيها، فقالت: يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئا. فقال: اما الحسن فان له هيبتي و سؤددي و اما الحسين فان له جودي و شجاعتي [1] .

و قد اشتهر النقل عنه عليه السلام انه كان يكرم الضيف و يمنح الطالب و يصل الرحم و ينيل الفقير و يسعف السائل و يسكو العاري و يشبع الجائع و يعطي الغارم و يشفق علي اليتيم و يعين ذا الحاجة، و قل او وصله مال الا و فرقه.

و روي ان معاوية لما قدم مكة وصلة بمال كثير و ثياب وافرة و كسوات وافية


فرد الجميع عليه و لم يقبله منه [2] .

و هذه سجية الجواد و شنشنة الكريم و سمة ذي السماحة و صفة من حوي مكارم الاخلاق، فافعاله شاهدة له بصفة الكرم ناطقة بانه متصف بمحاسن الشيم، و ينبغي ان يعلم ان الكرم الذي الجود من انواعه كامل في اهل بيت النبي صلي الله عليه و آله ثابت لهم محقق فيهم و لا يعدوهم و لا يفارقهم، بل هو لهم علي الحقيقة و في غيرهم كالمجاز. و لهذا لم ينسب الشح الي احد من بني هاشم و لا نقل عنهم، لانهم يجارون الغيوث سماحة و يبارون الليوث حماسة.

قال علي بن الحسين عليهماالسلام في خطبته بالشام: اعطينا العلم و الحلم و السماحة و الفصاحة و الشجاعة و المحبة في قلوب المؤمنين [3] .

فهم البحور الزاخرة و السحب الهامرة.



فما كان من خير اتوه فانما

توارثه آباء آبائهم قبل



و هذه الاخلاق الكريمة اتخذوها شريعة و جعلوها الي بلوغ غايات الشرف ذريعة لشرف فروعهم و كرم اصولهم، فهم مقتدي الامة و رؤوس هذه الملة و سروات الناس و سادات العرب و خلاصة بني آدم و ملوك الدنيا و الهداة الي الاخرة و حجج الله علي عباده و امناؤه في بلاده، فلا بد ان تكون علامات الخير فيهم ظاهرة و سمات الجلال بادية باهرة.

و ان كل متصف بالجود من بعدهم بهم اقتدي و علي منوالهم نسج و بهم اهتدي. و كيف لا يجود بالمال من يجود بنفسه النفيسة في موطن النزال، و كيف لا يسمح بالعاجل من همه بالآجل. و لا ريب عند العقلاء ان من جاد بنفسه في القتال فهو بالمال اجود، و من زهد في الحياة المحبوبة فهو في الحطام الفاني ازهد.


و قال الشاعر:



يجود بالنفس ان ضن الجواد بها

و الجود بالنفس اقصي غاية الجود



و لهذا قالوا: ان السماحة و الحماسة رضيعتا لبان، و قد تلازمتا معا فهما توامان فالجواد شجاع و الشجاع جواد. و هذه قاعدة كلية.

قال ابوتمام رحمه الله في الجمع بينهما:



و اذا رايت ابايزيد في الندي

و وغي و مبدي غارة و معيدا



ايقنت ان من السماح شجاعة

تدني و ان من الشجاعة جودا



و قال ابوالطيب:



قالوا الم تكفه سماحته

حتي بني بيته علي الطرق



فقلت ان الفتي شجاعته

تريه الشح صورة الفرق



كن لجة ايها السماح فقد

آمنه سيفه من الغرق



و قيل: الكريم شجاع القلب و البخيل شجاع الوجه.

و لما وصفهم معاوية وصف بني هاشم بالسخاء و آل الزبير بالشجاعة و بني مخزوم بالتيه و بني امية بالحلم، فبلغ ذلك الحسن بن علي عليهماالسلام فقال: قاتله الله اراد ان يجود بنو هاشم بما في ايديهم فيحتاجوا اليه، و ان يشجع آل الزبير فيقتلون، و ان يتيه المخزوميون فيمقتوا، و ان تحلم بنو امية فيحبهم الناس [4] .

و لعمري لقد صدق معاوية في بعض مقاله و ان كان الصدق بعيدا من امثاله و لكن الكذوب قد يصدق، فان المساحة في بني هاشم كما قال، و الشجاعة و الحلم فيهم في كل الاحوال، و الناس في ذلك تبع لهم فهم عليهم كالعيال، فاذا تفرقت في النس خصال الخير اجتمعت فيهم تلك الخصال. و هذا القول هو الحق و ما بعد الحق الا الضلال [5] .



پاورقي

[1] الخصال ص 77 و فيه: «جراتي» مکان «شجاعتي». الارشاد للمفيد ص 169، اعلام الوري ص 210، البحار 263 /43.

[2] کشف الغمه 195 /2.

[3] البحار 137 /45 نقلا عن صاحب المناقب و غيره، و لم نجده بهذا اللفظ في المناقب لابن‏شهر آشوب، فراجع 305 /3 من المناقب.

[4] کشف الغمة 199 /2 و 151 /2، البحار 106 /44 مع اختلاف يسير في الاخيرين فراجع.

[5] روي ان اعرابيا سلم علي الحسين عليه‏السلام و ساله حاجة و قال: سمعت جدک رسول‏الله صلي الله عليه و آله يقول: اذا سالت حاجة فاسالها من احد اربعة: اما عربيا شريفا، او مولي کريما، او حامل القرآن، او صاحب وجه صبيح. فاما العرب فشرفت بجدک صلي الله عليه و آله، و اما الکريم فالکرم سيرتکم، و اما القرآن ففي بيوتکم نزل، و الوجه الصبيح فاني سمعت جدک رسول‏الله صلي الله عليه و آله يقول: اذا اردتم ان تنظروا الي فانظروا الي الحسن و الحسين عليهماالسلام. فقال الحسين: ما حاجتک؟ فکتبها علي الارض فقال الحسين عليه‏السلام: ما حاجتک؟ فکتبها علي الارض فقال الحسين عليه‏السلام: سمعت ابي عليا عليه‏السلام يقول: قيمة کل امري‏ء ما يحسنه، و سمعت جدي رسول‏الله صلي الله عليه و آله يقول: المعروف بقدر المعرفة، فاسالک عن ثلاث خصال فان اجبتني عن واحدة فلک ثلث ما عندي، و ان اجبتني عن اثنتين فلک ثلثا ما عندي، و ان اجبتني عن ثلاث فلک کل ما عندي، و قد حملت الي صرة مختومة فان اجبت فانت اولي بها. فقال: سل و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم. قال عليه‏السلام: اي الاعمال افضل؟ قال الاعرابي: الايمان. قال عليه‏السلام: فما نجاة العبد من الهلکة؟ قال: الثقة بالله. قال: فما يزين المرء؟ قال: علم معه حلم. قال: فان اخطا ذلک؟ قال: فمال معه کرم. قال: فان اخطا ذلک؟ قال: فقر معه صبر. قال: فان اخطا ذلک؟ قال: فصاعقة تنزل عليه فتحرقه، فضحک الحسين بن علي عليهماالسلام و رمي اليه بالصرة.

و في رواية اخري: و رمي اليه بصرة فيها الف دينار، و اعطاه خاتمه و فيه فص قيمته مائتا درهم، و قال: يا اعرابي اعط الذهب الي غرمائک و اصرف الخاتم في نفقاتک. فاخذ الاعرابي و قال: الله اعلم حيث يجعل رسالته «منه».

مقتل الخوارزمي 157 /1 مع اختلاف يسير فراجع.