بازگشت

ذكر الوقعه بدير الجاثليق


قال: فعبي عبدالملك بن مروان أصحابه، فكان علي ميمنته عبدالله بن يزيد بن معاويه، و علي ميسرته خالد بن يزيد بن معاويه، و في القلب محمد بن مروان أخو عبدالملك، و عبي مصعب بن الزبير أصحابه، فكان علي ميمنته حمزه بن يزيد العتكي، و علي ميسرته عبدالله بن اوس الجعفي، و في القلب إبراهيم بن الأشتر.و دنا القوم بعضهم من بعض، فتراموا بالسهام ساعه ثم اختلطوا و اشتبك الحرب بينهم، فجعل إبراهيم بن الأشتر يقاتل بين يدي مصعب بن الزبير قتالا لم يسمع الناس بمثله، حتي قتل من أهل الشام جماعه.

قال: و أحدق به الخيل من كل جانب فطعنوه حتي صرعوه عن فرسه، ثم اجتمعت عليه السيوف فوقعت به نفيف علي ثلاثين ضربه، ثم برد ثم احتز رأسه فاتي به الي عبدالملك بن مروان، فوضعه بين يديه، فأنشأ بعض أهل الكوفه يقول في ذلك:



سأبكي و لو لم تبك فرسان مذحج

علي فارس ما زال في الحرب مجلبا



فتي لم يكن في إمره الحرب جاهلا

و لا بمطيع في الوغي من تهيبا



أمان بجوال العنان لجامه

و قال لمن خفت ركائبه اركبا



أبان أنوف الحي قحطان قبله

و أنف نزار قد أبان فأوعبا



فمن كان أمسي خائنا لأميره

فما خان إبراهيم في الحرب مصعبا




قال: فلما قتل إبراهيم بن الاشتر تضعضع ركن مصعب بن الزبير، فالتفت الي قطن بن عبدالله الحارثي فقال له: أباعثمان! قدم خيلك يرحمك الله!

فقال: ما أري ذلك صوأبا.

قال مصعب بن الزبير: و لم ذلك؟

فقال: إني أخاف أن تسفك دماء مذحج في غير شي ء، لأن القوم كثير.

قال: فالتفت مصعب بن الزبير الي محمد بن عبدالرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني فقال له: أبا عبدالرحمن! لو قدمت رايتك قليلا نحو أهل الشام!

قال: ما رأيت أحدا فعل ذلك فأفعله أنا.

قال: فعندها قال مصعب بن الزبير: و إبراهيماه! و لا إبراهيم لي اليوم! رضي الله عنك يا إبراهيم يابن الأشتر.

قال: فصاح بن محمد بن مروان: يا مصعب! يابن الزبير! لك الأمان علي ما حدثت، و قد آمنك أميرالمومنين علي ما كان منك، فلا تقتل نفسك. قال مصعب بن الزبير:أميرالمومنين بالحجاز- يعن أخاه بعدالله بن الزبير-.

قال: و رمي مصعب بن الزبير بالسهام حتي أثخن بالجراحات فكاد أن يسقط عن فرسه.

قال: و جعل ابنه يقاتل بين يديه قتالا شديدا، فصاح به محمد بن مروان: إن كان بوك قد أبي أن يستأمن فهلم أنت الينا فأنت آمن!

فقال له ابوه: إن بني عمك قد آمنوك فصر اليهم فإني مقتول.

فقال عيسي: لا والله! تحدث عني نساء قريش بهذا أبدا.


قال: ثم جعل عيسي يقاتل بين يديه حتي قتل، فنزلوا اليه فاحتزوا رأسه و أتوا الي عبدالملك بن مروان حتي وضعوه بين يديه.

قال: و بقي مصعب بن الزبير لا يقدر أن يحرك يدا و لا رجلا من كثره الجراحات،فحمل عليه عبيدالله بن زياد بن ظبيان التميمي فطعنه طعنه نكسه عن فرسه، [1] ثم جال في ميدأن الحرب و هو يقول:



نحن قتلنا مصعبا و عيسي

و كم قتلنا قبله رئيسا



قرما شجاعا بطلا نفسيا

به يؤس مصرنا تاسيسا



قال: ثم نزل رجل من أهل الشام الي مصعب بن الزبير فاحتز رأسه و جاء به الي عبدالملك بن مروان فوضعه بين يديه، و أنشأ بعض أهل الكوفه في ذلك يقول:



لقد أورث المصرين حزنا و ذله

قتيل بدير الجاثليق مقيم



فما جاهدت في الله بكر بن وائل

و لا صبرت يوم اللقاء تميم



لعمري لقد ضاع الزمان و لم يكن

بها مضري يوم ذاك كريم



جزي الله كوفنا هناك ملامه

و بصريهم إن المليم مليم



قال: ثم أمر عبدالملك بن مروان براس مصعب بن الزبير و رأس ابنه عيسي و رأس إبراهيم بن الاشتر، فحملت علي رؤوس الرماح فطافوا بها في أجناد أهل الشام، فأنشأ حماد بن أبي ليلي يقول في ذلك:



أن الرزيه يوم مس

كن و المصيبه و الفجيعه



بابن الحواري الذي

لم يخطه يوم الوقيعه



غدرت به مضر العرا

ق و أمكنت منه ربيعه






فأصبت ثار يا ربي

ع و كنت سامعه مطيعه



يا لهفتي بالدير لو

كانت له بالدير شيعه



أولم يخونوا عهده

أهل العراق بني اللكيعه



قال: ثم سار عبدالملك بن مروان حتي قدم الكوفه و قد انهزم الناس بين يديه، فدخل الي قصر الاماره و نادي في الناس فاعطاهم الأمان، ثم دعاهم الي بيعته، فصاروا اليه طائعين غير مكرهين.


پاورقي

[1] عن الطبري ج 5: أن زائده بن قدامه طعنه و أن عبيدالله بن زياد بن ظبيان احتز رأسه.