بازگشت

ذكر زفر بن الحارث الطاني و عبدالملك بن مروان و نزوله عليه و محاربته له


قال: و كان بقرقيسياء يومئذ رجل يقال له زفر بن الحارث الكلابي، و كان زفر ممن يتوالي آل الزبير و يقول بفضلهم و قد كان قاتل مروان بن الحكم مع الضاحك بن قيس يوم مرج راهط، و هو الذي يقول هذه الأبيات:



أريني سلاحي يا أمام فإنني

أري الحرب لا تزداد إلا تماديا



أتاني عن مروان بالغيب أنه

يريد دمي أو قاطع من لسانيا



و في العيش منجاه و في الأرض مهرب

إذا نحن رفعنا لهن المثانيا



أتذهب كلب لم تنلها رماحنا

و تترك قتلي راهط هي ماهيا






أيذهب يوم وأحد اسأته

بصالح أيامي و حسن بلائيا



فلا نوم حتي تنحط الخيل بالقنا

و للقوم عندي وقعه هي ما هيا



قال: فلما نزل عبدالملك بن مروان بقرقيسياء أقبل علي أصحابه فقال: والله! اني لأكره أن أخلف هذا الرجل و رائي و اسير الي غيره و قد علمت أنه ممن يبغضنا و يتو إلي آل الزبير. ثم أرسل إليه عبدالملك بن مروان يدعوه الي طاعته، فأبي عليه زفر بن الحارث و خاف منه خوفا شديدا و لم يخرج اليه.

قال: فأمر عبدالملك بن مروان بالمجانيق فركبت ثم نصبت علي حصن قرقيسياء، و جعل القوم يرمون الحصن بالحجاره رميا متداركا، و جعل رجل من أهل الشام يقول في ذلك:



كيف تري قيسا يري قيسا

حمقا يري ذاك بها أم كيسا



نقذف فيها زفرا و أوسا

بكل خطار يميس ميسا



قال: فكان الذي يرمي بهذه المجانيق رجل يقال له حسان بن بحدل، و قد ذكره زفر بن الحارث في قصيده له حيث يقول:



لقد تركتني منجنيق ابن بحدل

أخاف من العصفور حين يطير



ملحا علي بالحجاره دائبا

لأني وقور و الكريم وقور



فلما راي زفر بن الحارث أن عبدالملك بن مروان قد ألح عليه برمي الحجاره كأنه اتقي علي نفسه و علي أهله و ماله، فاستجدي و خضع و ذل و طلب الأمان، فأعطاه عبدالملك بن مروان ذلك، فخرج اليه زفر بن الحارث فأمنه عبدالملك بن مروان و خلع عليه و سار من قرقيسياء يريد العراق، فعبر الفرات و شق البلاد حتي خرج الي أرض الجزيره، ثم سار حتي نزل مدينه الموصل و أنشأ شاعر له يقول في ذلك أبياتا مطلعها:






لعمري لقد أصحرت خيلنا

بأكناف دجله للمصعب



الي آخرها.

ثم سار عبدالملك بن مروان من الموصل يريد العراق، و بلغ ذلك مصعب بن الزبير فعزم علي محاربته، فخرج من الكوفه حتي عسكر علي عشره فراسخ منها لكي يتلاحق به الناس، فإذا قد خذله عامه أصحابه، فاغتم لذلك غما شديدا، ثم دعا بعبدالله بن أبي فروه مولي عثمان فقال له: ويحك! ما تري؟

قال: أري الناس قد خذلوك، فاستخلف علي عملك رجلا من أصحابك و شد رواحلك و الحق بأميرالمومنين بالحجاز فكن معه هنا لك، فقال مصعب بن الزبير: إني لأكره أن تتحدث العرب عني بذلك أني ركعت أو رجعت عما اريد أن أصنع، ولكن هل لك أن تسير معي؟

فقال: لا والله اصلح الله الأمير! ما يتهيأ لي ذلك فلا تجشمني من الأمر ما لا اطيقه.

قال: و جعل مصعب بن الزبير ينظر الي أصحابه و يستقلهم، ثم دعا بفرسه فركبه و ركب الناس معه، ثم التفت الي عروه بن المغيره بن شعبه.

فقال: ويحك يا عروه! حدثني عن الحسين بن علي كيف صنع في حرب عبيدالله بن زياد؟

قال: فجعل عروه بن المغيره يحدثه عن الحسين بن علي عليه السلام و كيف قتل.

قال: مصعب بن الزبير: فلنا اسوه بأبي عبدالله الحسين عليه السلام.

قال: فضرب مصعب بن الزبير بسوطه علي قربوص الفرس متمثلا بهذا البيت و هو يقول:




إن الالي بالطف من آل هاشم

تأسوا فسنوا للكرام التأسيا



قال: و سار مصعب بن الزبير في أصحابه، و سار اليه عبدالملك بن مروان حتي و افاه بموضع يقال له دير الجاثليق، فعبي عبدالملك بن مروان أصحابه هنالك.