بازگشت

ذكر ابتداء فتنه البصره و شغب اهلها و ما كان بينهم من الحرب و العصبيه


قال أبومحمد عبدالله بن محمد البلوي حدثني أبوالحسن علي بن محمد القرشي، قال: حدثني عثمان بن سليم عن مجالد عن الشعبي.

قال: ما راينا بالعراق اميرا كان أعني بامر الرعيه من مصعب بنالزبير، كان يشتد في موضع الشده و يلين في موضع اللين، و اني عطي الجند في السنه عطاءين: عطاء في الشتاء، و عطاء في الصيف.

قال: و كبر علي عبدالملك بن مروان مكان عبدالله بن الزبير بالحجاز و مكان أخيه مصعب بن الزبير بالعراقين، و كان عبدالملك يخرج في كل سنه من دمشق حتي يأتي موضعا يقال له وادي بطنان من وادي قنسرين فيعسكر هنالك، فإذا جاء الشتاء و اشتد البرد انصرفوا جميعا، عبدالملك الي الشام و مصعب الي العراق.

قال: ثم أن مصعب بن الزبير خرج من البصره كما كان يخرج و خلف عليها عاملا يقال له عبدالله بن عبيد المخزومي و أقبل الي الكوفه فنزلها، و كتب عبدالملك بن مروان الي شيعته بالبصره يأمرهم أن يثوروا بها و أن يأخذوها ان قدروا علي ذلك.

قال: و كان أهل البصره يومئذ انما هم صنفين، زبيريون و مروانيون، فتحركت شيعه بني مروان بالبصره فهاجوا بها يأخذونها. و بلغ ذلك مصعب بن الزبير و هو يومئذ بالكوفه فدعا برجل يقال له زحر بن قيس الجعفي، و ضم اليه ألف فارس و أمره بالمسير الي البصره، و أتبعه برجل يقال له قطن بن عبدالله الحارثي في الف فارس.

قال: و ثارت شيعه عبدالملك بن مروان و شيعه آل الزبير، فاقتتلوا في موضع يقال له المربد.


قال: و اسر رجل من شيعه آل مروان يقال له مالك بن مسمع الجحدري و كان من سادات البصره، و في ذلك يقول بعض شعراء أهل البصره حيث يقول شعرا.

قال: ثم أتي بمالك بن مسمع هذا حتي وقف بين يدي عامل البصره عبدالله بن عبيد المخزومي خليفه مصعب بن الزبير، فلما نظر اليه قال: عدو الله! و انت أيضا من شيعه بني مروان و نحن لا نعلم، و قد بلغ من قدرك ما تؤلب علي آل الزبير، يا أعور العين! يا أعمي القلب! ألست الذي يقول فيك شاعر بني تميم حيث يقول:



اذا الجهل أمسي قاعدا لم نقم له

و نضرب رأس الجهل حين يقوم



تعلم أبا غسان أنك إن تعد

تعد لك بالبيض الرقاق تميم



تقاضوك عينا مره فقضيتها

و في عينك الأخري عليك خصوم



قال: ثم ارم به الي السحن.

قال: و هرب يومئذ كل من كان من شيعه المروانيين فاختفوا في منازلهم و ندموا علي حربهم و ما كان منهم.

قال: و بلغ ذلك مصعب بن الزبير فدعا بإبراهيم بن الاشتر فاستخلفه علي الكوفه و أقبل مغضبا حتي دخل الي البصره مسرعا، ثم دعا بخليفته عبدالله بن عبيد المخزومي فقال له: ما صنعت بالقوم الذين خرجوا عليك؟

فقال: اني قد حبست بعضهم- اصلح الله الامير! و الباقون فاني لم اقدر عليهم، قال مصعب بن الزبير: اعرض علي الذين حبستهم حتي أراهم!

قال: فعرضهم عليه.

قال: و كان أول من قدم عليه أبوحاضر الأسدي و هو الذي كان رأس البليه، فلما نظر مصعب بن الزبير قال له: يابن كذا و كذا! ذهب الناس الذين فيهم خير عرفوا


انفسهم فأنت ما بالك لا تعرف نفسك يابن نعجه! لئن بقيت لك لأردنك الي اصلك.

قال: ثم اتي برجل يقال له مره بن محكان التميمي و كان ممن يشتم آل الزبير و يقول فيهم القبيح، فلما نظر اليه قال: يابن الخنا! و انت أيضا ممن يبتدع الي الفتنه و يطلب زوال دوله آل الزبير! ثم قال: من ههنا؟ اضربوا عنقه!

قال: فأخرج مره بن محكان ليضرب عنقه و قد رفع صوته و هو يقول:



بي اسد أن تقتلوني تحاربوا

تميما اذا الحرب العوان اشمعلت



بني اسد هل فيكم من هواده

فتعفون إن كانت بي النعل زلت



أيمشي خداش البصيره آمنا

و قد نهلت منا الرماح و علت



فلا تحسب الأعداء إن غبت عنهم

و أوديت يوما أن حربي تخلت



قال فقدمه خداج بن يزيد الاسدي فضرب عنقه صبرا.

ثم اتي بعبدالعزيز بن بشر التميمي، فلما وقف بين يدي مصعب بن الزبير قال: يابن الأقطع! اليس جدك الذي سرق عنز النبي صلي الله عليه و آله فاتي به اليه، فإن كان خمسه أشبار لم يقطعه، ثم اتي به الي عمر بن الخطاب بعد ذلك و قد سرق عنزا آخر فقطعه، يابن الأقطع! انما أنت علج، و أصل أبيك من كرمان و هجرته الي البحرين، أما والله! لئن بقيت لك لتعلمن غب ما فعلت يابن الخنا.

ثم اتي بعبيدالله بن أبي بكره فلما نظر اليه مصعب بن الزبير قال له: يا ابن الفاعله! أما تعرف نفسك و ابن من أنت؟ انما كانت أمك أم الأحر بمنزله كلبه صارف بزت عليها عده كلاب علي عده ألوان، فجاءت لكل كلب بما يشبه، أما والله لئن بقيت لك لأردنك الي مواليك سريعا إن شاء الله عز و جل.

قال: ثم اتي بعبدالله بن عثمان، فلما نظر اليه مصعب بن الزبير قال له: يا بقيه آل


ثمود! و أنت ايضا ممن يدعي الرئاسه و العروبيه! والله لقد اجتمعت فيك خصال ثلاث ما اجتمعت في أحد مثلك: واحده انك من ثقيف، و ثقيف انما كان عبدا فاسقا مستفقا يمسي ثقيفا، و أخري أن العرب قاطبه لا تعرف لكم نسبا، و الثالثه أنك من أهل بيت لا يعرف لهم أصل، و أيم الله! لئن بقيت لك يا مونث لألحقنك بأصلك.

قال: فلم يزل مصعب بن الزبير كذلك، كلما قدم اليه رجل ممن خرج عليه، يحكلمه بمثل هذا الكلام و أشباهه.

قال: ثم جمعهم بأجمعهم و أمرهم بطلاق نسائهم، فطلقوا مخافه سيفه، ثم أمر بهدم دورهم، فهمدمت عن آخرها، ثم اخذ اموالهم و تركهم فقراء.

ثم دعا بخليفته عبدالله بن عبيد المخزومي فقال له: إني راحل الي الكوفه لأمر لابد منه، ولكن إن تحرم من هؤلاء القوم أحد فابعث الي برأسه، قال: ثم رحل الي الكوفه فنزلها.