بازگشت

ذكر كتاب عبدالملك بن مروأن الي محمد بن الحنفيه من دمشق و جوابه اياه


أما بعد، فانك قدمت الي بلانا باذن منا، و قد رايت أن لايكون في سلطاني رجل لم يبايعني، فان انت بايعتني فهذه مراكب قد أقبلت من ارض مصر الي أيله، فيها من الأطعمه و الامتعه و الأشياء كذا و كذا، فخذ ما فيها لك، و مع ذلك ألف ألف درهم اعجل لك منها مائتي ألف درهم، و تؤخرني بقيتها الي أن أفرغ من أمر ابن الزبير و يجتمع الناس الي إمام واحد، و أن انت أبيت أن تبايع فانصرف الي بلد لا سلطان لنا بها- والسلام-.

قال: فكتب اليه محمد ابن الحنفيه: أما بعد، فإننا قدمنا هذه البلاد بإذنك اذ كان موافقا لك، و نحن راحلون عنها بامرك اذ كنت كارها لجورنا- والسلام عليك و رحمه الله و بركاته-.

قال: ثم خرج محمد ابن الحنفيه من أيله راجعا الي مكه و معه أهل بيته و أصحابه و هو يتلو هذه الآيه: (قال الملأ الذي استكبروا من قومه لنخرجنك يشعيب و الذين آمنوا معك من قريتنا او لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كرهين قد افترينا علي الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد اذ نجنا الله منها و ما يكون لنا ان نعود فيها الا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شي ء علما علي الله توكلنا ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق و انت خير الفتحين). [1] .

قال: ثم سار ابن الحنفيه حتي صار الي مدين، اقبل علي أصحابه فقال: يا هؤلاء!انتم نعم الإخوان و الانصار ما علمتكم، و لو كان عندي ما يسعكم لأحببت أن


لا تفارقوني أبدا حتي تنجلي هذه الغمه، فإن أحببتم فانصرفوا الي مصركم محمودين، فإنكم تقدمون الي الناس و بهم الكيم حاجه، و أنا سأقدم الي مكه الي معانده ابن الزبير، و لا احب أن تكونوا مجهودين.

قال: فعندها ودع أصحابه و انصرفوا الي الكوفه، و بها يومئذ مصعب بن الزبير فارسل اليهم فدعاهم، و قال: من أنتم؟ و ما اقدمكم الي مصرنا هذا ذنبكم؟

فقالوا: نحن أصحاب محمد ابن الحنفيه و لم نقدم لسوء إنما قدمنا الي بلدنا فاجعل لنا أرزاقنا و اصطنعنا، و ان دخلت ذلك دخلنا في بيعتك و أقررنا في بلدنا و عشائرنا.

قال: فأمرهم مصعب بن الزبير فبايعوه و أقاموا عنده.

و مضي ابن الحنفيه بمن معه من أهل بيته و مو إليه حتي نزل بشعب أبي طاب مكه، و بلغ عبدالله بن الزبير فأرسل اليه أن ارتحل عن هذا الشعب انت و اصحابك هؤلاء الذين معك، و إلا هلم فبايع.

فقال ابن الحنفيه لرسوله: ارجع اليه و قل له أن الله تعالي قد جعل هذا البلد آمنا و انت تخيفيني فيه، و لست بشاخص عن مكاني هذا ابدا الي أن يأذن الله لي في ذلك، فاصنع ما انت صانع! و جري بينهم اختلاف شدي، و بلغ ذلك من كان بالكوفه من أصحابه الذين فارقوه، فرجعوا اليه في جمعهم حتي نزلوا في الشعب و قالوا: والله لا نفارقك أبدا او لنموتن بين يديك!

قال: و أمسك ابن الزبير عن ابن الحنفيه و كف عنه الي أن حجت الناس.

فلما كان يوم النفر [2] أرسل بأخيه عروه بن الزبير و عبدالله بن مطيع العدوي في


رجال من قريش اليه، فأقبل القوم حتي دخلوا الشعب الي ابن الحنفيه فقالوا: ان اميرالمومنين يأمرك أن تنتحي عن هذا الشعب الذي انت نازل فيه، فإنه قد عزم إن لم تفعل و لم تنتقل الي موضع غيره أن يسير اليك حتي يناجزك، فإن اردت الشخوص فهذا يوم الجمعه قم فانفر مع النسا و امض الي حيث شئت من البلاد!

قال: فسكت ابن الحنفيه و قام رجل من اصحابه يقال له معاذ بن هاني ء فقال: أيها المهدي! أن هذا البلد قد جعل الله عز و جل، الناس فيه سواء العاكف فيه و الباد، و ليس أحد أحق به من أحد، و هذا الرجل قد ألحد في الحرم و سفك فيه الدم، و قد بعث اليك مره بعد أخري يأمرك بالتنحي عنه، فإن هو أبي إلا إشخاصك تركا لأمر الله و جرأه عليه فقد بدأك بالظلم و بما لم تكن تستحله، و قد اضطرك و إيانا الي ما لا صبر لك عليه فخل بيننا و بينه، فوالله! اني لأرجو أن آتيك به سلما او يقتل هؤلاء أصحابه الفساق الجبارون و اعداء الصالحين، فإنما هو اعراب أهل اليمامه و جهال أهل مكه و لقد قاتلهم قوم ينوون رضوان الله و ثواب الآخره، و لما ثبتوا للطعان و الضراب و لا تذعروا بدعاره أولاد الحجل.

قال: فغضب عبدالله بن مطيع من ذلك، ثم اقبل علي ابن الحنفيه، فقالي: يا أباالقاسم! لا يغرنك عن نفسك حائك أهل اليمن هذا و أشباهه، فإني أعلم أنهم أن اوردوك لم يصدروك، افليس هم قتله أبيك و ابن عمك و أخيك!

فقال ابن الحنفيه: لا، بل هم انصاري و شيعتي الذين عليهم أعتمد بعد الله تعالي.

فقال عبدالله بن مطيع: أقبل مني، إما أن تبايع هذا الرجل، و إلا فانج بنفسك من قبل التورط و من قبل أن تتمني النجاه ولات حين نجاه.

قال: فقال معاذ بن هاني ء لعبدالله بن مطيع: يابن نساجه العبا! نحن نسلم لك


و لصابك هذا، و لما نقتل بين يديه أو نبيدكم عن آخركم؟

قال: و ارتفعت أصوات القوم، فسكتهم ابن الحنفيه عن آخرهم، ثم أقبل علي أصحابه فقال: أخبروني عنكم ماذا عندكم من الرأي، فاني أكره سفك الدماء في حرم الله و حرم رسوله محمد صلي الله عليه و آله.

قال أصحابه: الرأي رأيك، فانظر ما هو الصواب فألقه الينا، فإننا لن نعدوه، إن أمرتنا بقتال القوم قاتلناهم، و إن أمرتنا بالكف عنهم كففنا و حمدنا الله علي ذلك و رجونا الخيره فيما قضي الله عز و جل من ذلك و قدر.

قال: فاطرق ابن الحنفيه ساعه و قال اللهم! أن هذا الرجل قد ظلمني تعدي علي في إخراجه إياي من حرمك و حرم رسولك محمد صلي الله عليه و آله، اللهم! فألبسه لباس الذل و الخوف، و سلط عليه و علي أشياعه و ناصريه من يسومهم سوء العذاب، اللهم! عاقبه بخطيئته، و اجعل دائره السوء عليه بسوء نيته و جريرته،و خذه من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و شماله، و انزل به بأسك و غضبك الذي لا ترده عن الوقم المجرمين.

قال: ثم عزم ابن الحنفيه علي المسير الي الطائف هو و أصحابه.


پاورقي

[1] سوره الاعراف، الآيتان 88 و 89.

[2] يوم النفر: اليوم الذي ينفر فيه الناس من مني الي مکه و هو الثالث من يوم النحر.