بازگشت

ذكر كتاب عبدالملك بن مروان الي ابن عباس مجيبا عما كتب به اليه


قال: فكتب اليه عبدالملك بن مروان: أما بعد، فقد أتاني كتابك توصيني فيه بمن توجه الي ما قبلي من أهل بيتك، فما اسرني بصله رحمك و حفظ وصيتك! و كل ما هويت من ذلك فمفعول متبع، فانزل بي حوائجك رحمك الله أن أحببت فلن أعرج عن حاجه لك قبلي، فانك أصبحت عظيم الحق علي مكينا لدي، وفقنا الله و إياك لأفضل الامور- والسلام عليك و رحمه الله و بركاته-.

قال: فعندها تجهز محمد ابن الحنفيه و خرج من مكه فيمن معه من أهل بيته و أصحابه، و بين يديه رجل من شيعته يرتجز و يقول أبياتا مطلعها:



هديت يا مهدي يابن المهتدي

أنت الذي نرضي به و نقتدي



الي آخرها.

قال: ثم جعل أبوالطفيل عامر بن واثله الكناني يرتجز أيضا بين يدي محمد ابن الحنفيه و هو يقول ابياتا مطلعها:



يا إخوتي يا شيعتي لا تبعدوا

إني زعيم لكم أن ترشدوا



الي آخرها.

قال: ثم سار محمد ابن الحنفيه حتي صار الي مدينه مدين، و بها يومئذ عامل من قبل عبدالملك بن مروان يقال له مطهر بن يحيي العتكي، فلما نظر الي هؤلاء القوم أمر


بباب المدنيه فأغلق، و لقي من ناحيتهم فناداهم أصحاب محمد: يا أهل مدين! لا تخافوا فانكم آمنون، انما نريد منكم أن تقيموا لنا السوق حتي نتسوق منه ما نريد، نحن أصحاب محمد بن علي بن أبي طالب، لسنا نرزأ أحدا شيئا و لا نأكل شيئا إلا بثمن.

قال: ففتح أهل مدين باب مدينتهم و أخرجوا لهم الأنزال.

فقال محمد ابن الحنفيه لأصحابه: أيها الناس! اني قد وطئت بكم آثار الأولين، و أريتكم ما فيه معتبر و تبصره لكم أن كنتم تعقلون، الم تروا ديار عاد و ثمود و قوم لوط و أصحاب مدين، كانوا عمار الأرض من قبلكم و سكانها، أعطوا من الاموال ما لم تعطوا، و أوتوا من الاعمار ما لم تؤتوا، فاصبحوا في القوبر رميما كانهم لم يعمروا الارض طرفه عين، و لم تكن لهم الدنيا بدار.

قال: ثم سار محمد ابن الحنفيه و أصحابه حتي نزلوا مدينه أيله، [1] فجعلوا يصومون النهار و يقومون الليل، و جعل كل من مر بهم و قدم الي دمشق يحدث عنهم و يقول: ما رأينا قوما قط خيرا من هؤلاء القوم الذين قد دخلوا أرض الشام، إنما هو صيام و قيام، لا يظلمون أحدا و لا يؤذون مسلما و لا معاهدا، يامرون بالمعروف و ينهون عن المنكر.

قال: و بلغ ذلك عبدالملك بن مروان، فندم علي كتابه الي ابن الحنفيه و سؤاله إياه أن يدقم الي بلاد الشام لما شاع في الناس من خبره و حسن الثناء عليه.



پاورقي

[1] ايله: مدينه علي صاحل بحر القلزم مما يلي الشام.