بازگشت

ذكر خطبه محمد ابن الحنفيه و كلامه لاصحابه


قال: ثم قام محمد ابن الحنفيه في أصحابه خطيبا، فحمد الله و أثني عليه و قال: أيها الناس! أن هذه الامه قد ضلت عن رسول الله صلي الله عليه و آله في ربها، و تاهت عن معالم دينها إلا قليلا منها، فهم يرقعون في هذه الدنيا حتي كأنهم لها خلقوا، و قد نسوا الآخره حتي كأنهم بها لم يؤمروا، فهم يضلون علي الدنيا أنفسهم، و يقطعون فيها أرحامهم، و يفرطون لها عن سنه نبيهم، و لا يبالون ما أتوه فيها من نقص دينهم اذا سلمت لهم دنياهم، اللهم فلا تنسنا ذكرك و لا تؤمنا مكرك، و لا تجعل الدنيا لنا هما، و لا تحرمنا صحبه الصالحين في دار السلام.

قال: ثم أقبل علي أصحابه فقال: إني اري ما بكم من الجهد، و لو كان عندي فضل لم أدخره عنكم، و قد تعلمون ما ألقي من هذا الرجل الذي قرب دماءه، و أساء جواره، و ظهرت، عداوته و اشتدت ظغينته، و يريد أن يثور بنا في مكاننا هذا، و قد أذنت لمن احب منكم أن ينصرف الي بلاده، فانه لا لوم عليه مني، و أنا مقيم في هذا الحرم ابدا حيت يفتح الله لي و هو خير الفاتحين.

قال: فقام اليه أبوعبدالله الجدلي، و كان من خيرا أصحابه فقال: سبحان الله! يا أباالقاسم نحن نفارقك علي هذه الحاله و تصرف عنك؟ لا والله ما سمعنا اذا و لا أبصرنا مانقلنا أقدامنا، و ثبتت قوائم سيوفنا في أكفنا، و عقلنا عن الله أمرنا و نهينا.

قال: ثم و ثب عبدالله بن سلع الهمداني، فقال ثكلتني أمي و عدمتني إن أنا فارقتك و انصرفت عنك الي أحد من الناس هو خير منك أو شبيه بك! والله ما نعلم مكان أحد هو أصلح منك في وقتنا هذا، ولكن نصير معك، فإن نمت فمجدا و أن نقتل فشهداء، و لا والله لئن اقتل معك علي بصيره محتسبا لنفسي احب الي من أن اتي أجر عشرين شهيدا معك.


قال: ثم و ثب محمد بن بشر الشاكري فقال: يابن خير الاخيار و ابن ابر الابرار ما خلا النبيين و المرسلين! والله لئن آكل الأطعمه المحرقه و الحلوي الباليه و الميته و الدم علي حال الضروره أحب الي من البقاء مع القوم الظالمين، لأنه قد ابتلي الصالحون من قبلنا، فكانت تقطع أيديهم و أرجلهم، و سمل اعينهم، يصلبون علي جذوع النخل أحياء، كما فعل ابن سميه زياد بن أبيه و ابن مرجانه عبيدالله بن زياد الفاجر الفاسق بشيعتكم، فكانوا يقتلون صبرا كما قتل حجر بن عدي و أصحابه، و كل ذلك كانوا يقتلون و علي ذلك كانوا يصبرون.

قال فقال لهم محمد ابن الحنفيه: جزاكم الله من صحابه خير ما جزي الصالحين الصابرين.

قال: وجد عبدالله بن الزبير في عداوه محمد ابن الحنفيه كل ذلك ليبايع ابن الحنفيه، و هو يأبي ذلك.

قال: و بلغ ذلك عبدالملك بن مروان، فكتب الي محمد ابن الحنفيه: أما بعد، فقد بلغني ما به ابن الزبير مما لست له أهل، و أنا عن قليل سائر اليه إن شاء الله و لا قوه إلا بالله العلي العظيم، فانظر اذا قرأت كتأبي هذا فسر الي ما قبلي انت و من معك من شيعتك، و انزل حيث شئت من أرض الشام آمنا مطمئنا الي أن يستقيم أمر الناس، فنختار أي الخصال احببت- والسلام-.

قال: فعندها عزم محمد ابن الحنفيه علي المسير الي الشام، و كتب عبدالله بن عباس الي عبدالملك بن مروان: أما بعد فانه قد توجه الي بلادك رجل منا لا يبدأ بالسوء، و لا يكافي ء علي الظلم، لا بعجول و لا بجهول، سريع الي الحق، أصم عن الباطل، ينوي العدل، و يعاف الحيف، و معه نفر من أهل بيته و عده رجال من شيعته، لا يدخلون


دارا إلا باذن، و لا ياكلون إلا بثمن، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، فحفظنا فيهم- رحمك الله! فإن ابن الزبير قد نابذنا و نابذناه بالعداوه- والسلام-.