بازگشت

ذكر وقعه عبيدالله بن الحر مع المهلب بن أبي صفره


قال: و عبيدالله بن الحر يومئذ في قريب من ألف فارس، علي ميمنته عمرو بن جندب الأزدي، و علي ميسرته المحسن بن خليد الحرمي.

قال: و تصادم القوم و اشتبكت الحرب بين الفريقين، فقتل من أصحاب عبيدالله بن الحر قريبا من ثلاثمائه فارس و قتل من أصحاب المهلب مثل ذلك، و وقعت الهزيمه علي أصحاب ابن الحر، فانهزموا حتي بقي في مائه رجل أن اقل من ذلك، فقاتل ساعه بهم و انهزموا عن المائه فبقي في تسعه، فقتل من التسعه رجلان فبقي في سبعه، فقتل من السبعه أربعه فبقي في ثلاثه، فقتل من الثلاثه عمرو بن جندب الأزدي، و كان فارسا بطلا لا يصطلي له بنار، فبقي عبيدالله بن الحر في رجلين أحدهما المحسن بن خليد


الحرمي و (الآخر) عبدالله بن قيس الخثعمي، فقا لهما ابن الحر: لا تيئسا من الحياه واحملا معي فإني حامل! ثم حسر عن رأسه و حمل في هذين الراجلين علي أصحاب المهلب، فلما خالطهم ضرب رجلا منهم ربه فصرعه عن فرسه، ثم ضرب ثانيا و ثالثا و صاح: أنا ابن الحر! فولي القوم منهزمين من بين يديه يركب بعضهم بعضا.

قال: و تراجع إليه أصحابه الذين كانوا انهزموا عنه، فاحتوي عبيدالله علي سواد المهلب، و جعل يذكر هذه الوقعه و ما ناله فيها فأنشا يقول ابياتا مطلعها:



فان تك خيلي يوم تكريت أجمعت

و قتل فرساني فما كنت دانيا



الي آخرها.

قال: ثم بعث عبيدالله بن الحر برجال من أصحابه في جوف الليل الي عمرو بن جندب و أصحابه القتلي، فدفنوا علي شاطي ء الفرات حذاء مدينه تكريت، ثم أقبل راجعا نحو الكوفه و هو يقول:



و ابيض قد نهبهته بعد هجعه

فقام يشد السرج و المرء ناعس



عليه دلاص كالأضاه و بيضه

تضي ء كما يذكي من النار قابس



ثم اقبل حتي نزل قريبا من الكوفه و بلغ ذلك مصعب بن الزبير فدعا بحجار بن ابجر العجلي فضم اليه خمسه آلاف فارس و وجه بهم نحو عبيدالله بن الحر، فسارت الخيل من الكوفه حتي وافته بموضع يقال له دير الأعور، و دنا القوم بعضهم من بعض فاقتتلوا، فقتل من أصحاب عبيدالله بن الحر جماعه و فشت فيهم الجراحات، و ذلك في اول النهار، ثم وقعت الهزيمه بعد ذلك علي أصحاب مصعب بن الزبير، فانهزموا حتي تقاربوا من الكوفه وقد قتل منهم من قتل، و احتوي عبيدالله بن الحر علي ما قدر عليه من دواب القوم و أسلحتهم و أسلابهم.


ثم اقبل ابن الحر حتي نزل بموضع يقال له صرصر [1] فعسكر هنالك، و جعل مصعب بن الزبير بجمع له الجموع حتي اجتمع اليه نيف عن سبعه آلاف فارس، فضمهم مصعب بن الزبير الي مسلم بن عمرو البالهي و الحجاج بن حارثه الخثعمي.

قال: و صارت العساكر من الكوفه نحو عبيدالله بن الحر حتي وافوه علي نهر صرصر، و قد التأم اليه الناس فصار في ألف و ثلاثمائه فارس ما منهم إلا فارس مذكور.

قال: ودنا القوم بعضهم من بعض، و استأمن قوم من أصحاب مصعب بن الزبير الي عبيدالله بن الحر، فلما راي أصحاب مصعب ذلك وقع فيهم الفشل، فانهزموا متفرقين في البلاد، و غنم ابن الحر و أصحابه ما كان لهم من مال و دواب و سلاح، ثم أنشا و جعل يقول ابياتا مطلعها:



نفيت لصوص ألارض ما بين عانه

الي جازر حتي مدينه دسترا [2] .

الي آخرها. و أقبل رجل من الأنبار و قال: أيها الأمير هل تعلم بالعراق من يدانيك اويقوم مقامك؟ فقال: نعم، رجلا من الأنبار و قال: أيها الأمير هل تعلم بالعراق من يدانيك أو يقوم مقامك؟ فقال: نعم رجلا واحدا يقال له جرير بن مشجعه الجعفي، و هو اليوم مع بني عمه بالكوفه، و لو أنه معي و في أصحابي اربعه مثله لكبست الكوفه فقتلت مصعبا و احتويت علي ماله، و عسي أن يكون ذلك إن شاء الله. ثم جعل يقول:



لو أن لي مثل جرير أربعه

صبحت بيت المال حتي أجمعه



و لم يهلني مصعب و من معه

نعم الفتي ذلكم ابن مشجعه [3] .





پاورقي

[1] الطبري ج 5: کسکر (و هي بين الکوفه و البصره).

[2] عانه: بلد معروف بين الرقه وهيت، و جازر: من اعمال بغداد قرب المدائن.

[3] الارجاز في الطبري ج 5.