بازگشت

اخبار عبيدالله بن الحر و خرجه علي مصعب بن الزبير


قال: و كان مصعب بن الزبير قد ولي رجلا سخيا يقال له زجر بن قيس الجعفي

جميع سواد الكوفه. قال: و كان زجر بن قيس هذا رجلا سخيا، لا يبقي علي شي ء، فأتلفت مال السواد، حتي كسر علي مصعب سبعون الف درهم، فأخذه مصعب فحبسه، فلم يكن عنده ما يؤدي.


قال: و جاء عبيدالله بن الحر حتي دخل علي مصعب بن الزبير و ساله في زجر بن قيس، فأبي عليه أن يشفعه فيه. فقال ابن الحر: أيها الامير! المال علي من دونه! فاطلقه. فلما كان بعد ذلك بمده يسيره بعث مصعب الي عبيدالله بن الحر يقتضيه المال. فقال ابن الحر للرسول: ارجع الي الامير فقل له يقول لك عبيدالله بن الحر: أيها الامير! أما ما كان لك علينا فانك تقتضيه منا، و ما كان لنا عليك فلا تؤديه! أيها الامير! انما سرت اليك الي البصره معونه و تقويه لك! و قدمت معك الي بلدي فأعنتك بنفسي و عشائري حتي قتلت المختار و ظفرت بما تريد، لنصير منك الي ما صار غيرنا من الولايه و الحبا و الكرامه، و كان ما وعدتنا قديما و رجونا هبا منثورا. قال: فسار الرسول الي مصعب بن الزبير فاخبره بذلك، فامسك عنه مصعب و في قلبه منه ما في قلبه، فأنشا عبيدالله بن الحر في ذلك يقول:



متي تسألوني ما علي و تمنعوا ال

ذي لي لم أستطع علي ذلكم صبرا



اهان و اقضي ثم ترجي نصيحتي

و اني امرؤ يوفي نصيحته قسرا



رأيت أكف المفضلين لديكم

ملأي و كفي من عطائكم صفرا



و قدما كففت النفس عما يريبم

و لو شئت قد اغليت في حربكم قدرا



و لو شئت قد سارت اليكم كتائب

رآها سراعا نحو عقوتكم غبرا



عليها رجال لا يخافون في الوغا

سهام المنايا و الردينيه السمرا



قال: ثم ارسل عبيدالله بن الحر الي فتيان صعاليك العرب فدعاهم و أخذ بيعتهم علي أن يخرجوا معه علي مصعب بن الزبير: فأجابوه الي ذلك. ثم خرج معه القوم و هم سبعون رجلا في جوف الليل، حتي اذا صار علي فرسخين من الكوفه. قال: و اتصل هذا


الخبر بمصعب بن الزبير، فكأنه اغتم لذك و خشي أن يخرج عليه ابن الحر في سواد الكوفه، فبعث اليه برجل يقال له سيف بن هاني ء و كتب اليه: أما بعد! فقد بلغني ما قد عزمت عليه من أمرك، و قد وجهت اليك رسولي أدعوك فيه الي طاعتي علي أنك تقاتل معي أهل الشام، ولك عندي بذلك خراج بادوريا تأخذه لنفسك عفوا صفوا، فتفرقه فيمن احببت من أهل بيتك و اصحابك و عشيرتك، فكف عما تريد أن تصنع- والسلام-. قال: فلما عبيدالله بن الحر ضحك لذلك و قال: او ليس لي خراج بادوريا و غير بادوريا من السواد، لا والله لا أجبت مصعبا الي شي ء ابدا. ثم اقبل علي الرسول فقال له: اني أراك فتي ظريفا، فهل لك أن تصحبني فاغنيك عن مصعب بن الزبير؟ فقال له الفتي: جعلت فداك و اني أخاف علي أهل بيتي و عشيرتي إني أنا فعلت ذلك، فلا تكلفني من الامر ما لا أطيق. قال: فانصرف الي صاحبك راشدا فأخبره بما سمعت. قال: فجاء سيف بن هاني ء الي مصعب فاخبره بذلك، فأنشا عبيدالله بن الحر يقول في ذلك ابياتا مطلعها:



ايرجو ابن الزبير اليوم نصري

لعاقبه و لم أنصر حسينا



الي آخرها. قال: فأرسل مصعب بن الزبير الي وجوه أهل الكوفه فاضحرهم الي مجلسه و اخبرهم بقصه عبيدالله بن الحر.


فقال له رجل منهم: أصلح الله الامير، اني اخبرك عنه بأمر! فقال مصعب: و ما ذلك؟ فقال: انه جاء يوما من الأيام فاستاذن عليكم فلم ياذن له الحاجب، و جاء مسلم بن عمرو الباهلي فدخل، و جاء المهلب بن أبي صفره فدخل، و جاء اليك الناس واحدا بعد واحد، ثم دخل بعد ذلك عبيدالله بن الحر، فلما خرج سمعته يقول ابياتا حفظتها منه و هي هذه الأبيات: [1] .



بأي بلاء ام بأيه نعمه

بمسلم قبلي يبتدي و المهلب [2] .



و يدعي ابن منجوف أمامي كأنه

يطعن قلبي بالوشيج المغلب [3] .



بسوء بلاء أم لقتل عشيرتي

أذل و اقصي عن حجأبات مصعب



قال: فقال له مصعب: دع هذا! هذا شي ء ما لنا به علم، ولكن هاتوا آراءكم و اشيروا علي بمشوره يعم صلاحها! قال: فقال له بعض جلسائه: اصلح الله الامير! إن عبيدالله بن الحر رجل صعلوك يأكل خبزه بسيفه، و هو مع ذلك رجل مطاع في قومه و عشيرته لما يعلمون من بأسه و شدته، و لقد كان خالف علي المختار بن ابي عبيد و قاتله غير مره، و قد خالف ايضا علي معاويه بن ابي سفيان و ابنه يزيد و عبيد (الله) بن زياد، و هو رجل لا يري لاحد عليه طاعه، و يوشك أن يثور في هذا السواد، فيقتل و يفسد و يجلب الأموال كما


فعل من قبل، و الراي في ذلك أن يبعث اليه الامير- أيده الله- بالبر و الألطاف و يعده و يمينه حتي يقع في يديه، ثم يخلده السجن. فقال مصعب: هذا هين يسير أن قبل ذلك منا. قال: ثم جعل مصعب يتلطف له و يعرض عليه الولايه و يهدي اليه الهدايا. قال: فلم يزل كذلك حتي رجع الي الكوفه، فلما دخل و سلم علي مصعب لم يرد عليه السلام ثم قال: يابن الحر! كيف صنعت؟ فقال: صنعت ما قد علمت و كذا يصنع الرجال الذين فيهم خير اذا لم يعطوا الرضا. قال مصعب! فاين أصحابك الذين معك؟ قال: خلفتهم ورائي و جئتك وحدي، فان كان منك ما أريد و ما ضمنته لهم فذاك، و إن أسات الي و خالفت ما قرأت عنك في كتابك كان اصحابي من ورائي يفعلون ما آمر. قال: ثم أمر به مصعب فقيد بقيد ثقيل، و دعا بسجان يقال له و اصل، فقال له: خذ هذا اليك وضيق عليه في السجن ما استطعت. قال: فدعا واصل السجان بأعوانه و أمرهم فحملوا عبيدالله بن الحر من بين يدي مصعب حملا حتي انطلقوا به الي السجحن، فلما رآه أهل السجن كبروا و شتموا. قال: و أقبل السجان فأخذ رداء كان علي عاتق عبيدالله بن الحر. و قال له: يابن الحر! أريد أن تسكوني هذا الرداء فانه رداء نفيس و قلما رأيت مثله!


قال: فتبسم ابن الحر و قال: والله إن هذا ما أنت له بأهل، ولكن خذه و لا تلبسه، و بعه لغيرك و انتفع بثمنه. قال: فاخذ و اصل السجان رداء عبيدالله بن الحر فتردي به، و جعل يخطر فيه ليغيضه ذلك، فانشا عبيدالله بن الحر يقول في ذلك ابياتا مطلعها:



فلم أر يوما مثل يوم شهدته

أبت شمسه مع غيمه أن تغيبا



الي آخرها. قال: فأقام ابن الحر في السجن شهرا كاملا، ثم كتب بعد ذلك الي مصعب بكتاب يتهدده فيه بقومه و عشيرته و يخوفه من نفسه أن هو انفلت من السجن أن تجتمع اليه الجموع فيناويه في عزه و سلطانه، ثم (كتب) في كتابه ابياتا مطلعا:



لنعم ابن أخت المرء يسجن مصعب

لطارق ليل خائف أو لنائل



الي آخرها. قال: فلما نظر مصعب بن الزبير في كتاب ابن الحر و شعره غضب لذلك و زبد و تمعر، ثم أرسل الي وجوه أهل الكوفه فدعاهم، ثم قال: هذا ابن عمكم عبيدالله بن الحر يتوعدني بالقتال إن هو أفلت من يدي، والله لاطيلن حبسه و لا زيدن في حديده، و لا ذيقنه طعم الذل و الهوان، ثم أمر مصعب فزيد في ح ديده، و أمر فضيق عليه في السجن أشد الضيق. فلما بلغ ابن الحر ما هو فيه من ثقل الحديد و ضيق الحبس كتب الي بني عمه يشكو اليهم و يقول ابياتا مطلعا:




(و) من مبلغ الفتيان أن ابن عمهم

اتي دونهم باب منيع و حاجبه [4] .



الي آخرها. قال: فلما وصلت هذه القصيده الي بني عمه كانهم تحركوا لذلك، و قال بعضهم لبعض: لا والله ما هذا بحسن أن يكون اخونا و ابن عمنا محبوسا يقاسي ثقل الحديد و ضيق السجن و نحن آمنون. قال: ثم وثب رجل منهم يقال له عطيه بن عمر الجعفي فقال: يا هؤلاء! قوموا بنا الي هذا الأمير حتي نكلمه في صاحبنا، فان هو شفعنا فيه و الا ثرنا عليه فقاتلناه، فما هو اعز علينا و لا أعظم في عيوننا من المختار بن (ابي) عبيد الذي قتلناه في ساعه من النهار. قال: و بلغ ذلك مصعب بن الزبير، فسكت عن القوم كأنه لم يعلم بشي ء من ذلك، فلما كان الليل بعث الي عطيه بن عمر الجعفي فاتي به في منزله، ثم أمر به مصعب فبطح بين يديه فضربه ثلاثمائه قضيب، ثم أمر به فقيد و حمل الي السجن، فحبس مع عبيدالله بن الحر. قال: و اصبحت قبائل الأزد و مذحج بالكوفه و قد بلغهم ذلك، فكانهم هموا بالمصعب ثم انهم كفوا يومهم ذلك. قال: و نظر عبيدالله بن الحر الي عطيه بن عمر و جزعه من ذلك الضرب و الحبس، فقال: لا تجزع يا عطيه! فان الدهر يومان: يوم نعيم و يوم بؤس، والله يا عطيه


لأخرجن أنا و انت من هذا السحن، و لأنغصن علي مصعب بن الزبير عيشه، و لأدعون أهل السواد و الناحيتين الي المشمرخ و لأحتوين علي الفرات الي هيت و عانا، و لآخذن خراج الشوش و ما يليها من الرساتيق و القري، و لاكرمن من جاءني من الفتيان و الصعاليك بالاموال الخيل و الأثاث الفاخر إن شاء الله و لا قوه الا بالله العلي العظيم، فلا تجزع يابن عرم، فما أقرب الفرج لأنه لم تكن شده قط الا جعل الله من بعدها فرجا و رخاء، ثم أنشا في ذلك يقول ابياتا مطلعها:



أقول له صبرا عطي فإنما

هو السجن حتي يجعل الله مخرجا



الي آخرها. [5] .



قال: فلما بلغ قومه هذه القصيده كأنها حركتهم، و قال بعضهم لبعض: اذ كان غدا فاجتمعوا بنا حتي ندخل علي هذا الأمير نكلمه في صاحبنا، فان هو شفعنا فيه و أخرجه من سجنه و الا عاودناه في ذلك. قال: ثم بعثوا الي عبيدالله بن الحر اننا عزمنا علي اننا نسير اليه و نكلمه في أمرك، و قد أحببنا أن يكون معنا ابوالنعمان إبراهيم بن الأشتر، فلا عليك أن تبعث اليه رسولا و تسأله أن يركب معنا، فانه عظيم القدر عند الأمير، و لعله أن يستحيي منه فيشفعه فيك. قال: فكتب عبيدالله بن الحر الي إبراهيم بن الأشتر، ثم اثبت في رقعه هذه الأبيات:




بان الملامه لا تبقي و لا تدع

و لا يزيدك الا أنها جزع



لم يبق معذره سعد فأعذرها

و لا مزاد و كانوا بئس ما صنعوا



و الحارثيون لم ارض الذي نطقوا

عند الأمير و شر المنطق الشنع



تبادروا أنهم نأتي اميرهم

و للمذله في أعناقهم حضعوا



فقد وردتهم فذوقوا غب مصدركم

لا يهنكم بعده ري و لا شبع



ماذا يقولون و ابن الحر محتبس

همت به مذحج و الأنف مجتدع



قد جللت مذحج ما ليس يغسله

ماء الفرات لأن لم يشهد النجع



الضاربون من الأقوام هامهم

بحيث يقرع عن هاماتها الصلع



و الطاعنون و لم ترعش أكفهم

اذا العوالي بايدي القوم يخترع



شم العرانين سادات كأنهم

بيض السيوف التي لم يعلها الطبع



أرجو قيام ابي النعمان اذ وهبوا

و مثله بجسيم الأمر يضطلع



فإن يفك عبيدالله من كبل

فليس بعدك في إخراجه طمع



فاجهد فدي لك و الأقوام كلهم

ما بعدها من مساعي الخير متبع



فابسط يديك فإن الخير مبتدر

علياءه و جدود القوم تصطرع



قد قدمت لك مسعاه و مأثره

من مالك و كذلك الخير منتجع



و الأمن و الخوف أيام مداوله

بين الرجاء و بين الضيق متسع



قال: فلما وردت هذه الأبيات علي إبراهيم بن الاشتر كأنه تحرك لذلك، ثم بعث الي قومه و عشيرته فجمعهم. قال: و اجتمعت أيضا وجوه اليمن، و أقبل بهم حتي دخل علي مصعب بن الزبير، فلما قضي التسليم قال: أعز الله الامير! إنه لو وجد أحد علي عبيداله بن الحر كوجدي عليه لما كلمه أبدا من اجل الفعل الذي فعله بي في أيام المختار، و أما في وقته هذا فلا أعلم.


ذنبا يجب عليه الحبس، و والله اعز الله ألامير! لقد وجهت اليه و انت بالبصره، فقدم عليك في أربعمائه فارس لا يري منهم إلا الحدق في تعبيه حسنه من ألآله و السلاح الكامل، و لقد بلغني انه تجهز اليك يوم تجهز بنيف علي مائتي ألف درهم، ثم قدم معك هذه البلده فقاتل المختار قتالا عجيبا فعجب منه أهل بلده و لن يروك الي هذه الغايه، و ليس يجب علي ألامير أصلحه الله أن يجمع عليه أمرين: ذهاب مال و ضيق حبس- والسلام-.

قال: فلما سمع مصعب بن الزبير كلام إبراهيم بن ألاشتر و رأي من معه من بني عمه و عشيرته كأنه استحيي و لم يحب أن يردهم بغير قضاء حاجه، فقال: اني قد سمعت كلامك و مقالتك أباالنعمان، و أنا نازل عنده ما تحب.

قال: فجزاه ابن ألاشتر و من معه خيرا و اثنوا عليه جميلا، و انصرفوا الي منازلهمو ثم بعثوا الي عبيدالله بن الحر أن قد صرنا الي الأمير- اصلحه الله - و كلمناه في أمرك، فأجابنا الي كل ما نحب ولكن لا عليك أن تكتب اليه كتأبا لطيفا تعتذر اليه فيه مما فرقت به عنده والسلام.

قال: فعندها كتب عبيدالله بن الحر الي مصعب بن الزبير هذه الأبيات:



تذكرت قبل اليوم آيه خله

اضرت بحقي عندكم و هو واحب



و ما في قناتي من وصوم تعيبها

و لا ذم رحلي فيكم من أصاحب



و تعلم إن كاتمته الناس أنني

عليك و لم اظلم بذلك عاتب



و ما أنا راض بالذي غيره الرضا

فلا تكذبنك ابن الزبير الكواذب



رايتك تعصيني و تشمت شانيا

كأني بما لم اجترم لك رائب



فإن كان من عندي فبين فأنني

لصرمكم يابن الزبير لهائب






و أن كان من غيري فلا تشمت العدي

بنا و تدارك دفع ما أنت قارب



و أن كان هذا الصرم منك لعله

فصرح و لا تخفي الذي انت راكب



ففي كل مصر قاسط تعلمونه

حريص علي ما سرني لك راهب



أري الحرب قد درت عليك و فتنه

تضرم في الحافات منها المحاطب



فحسبك قد جربتني و بلوتني

و قد بنفع المرء الكريم التجارب



ألم تعلمو اني عدو عدوكم

و تشفي بنا في حربكم من تحارب



أناضل عنكم في المغيب عشيرتي

و أما بنفسي دونكم فأضارب



لكم بارد الدنيا و يصلي بحرها

اذا اعصي بالهاب السيوف القواضب



فلسنا كراما إن رضينا بذاكم

و لم تتأهب في الحديد الكتائب



ولولا اميرالمومنين و بيعتي

لقد كثرت حولي عليك الجلائب



قال: فلما وصلت هذه الأبيات الي مصعب بن الزبير و نظر فيها، أرسل الي عبيدالله بن الحر فاخرجه من محبسه و خلع عليه و حمله علي فرس، و أمر له بمال.

قال: و سأله ابن الحر في ابن عمه عطيه فأطلقه.

قال: فصار ابن الحر الي منزله.

فلما كان من الغد بعث اليه مصعب اني قد جعلت لك خراج بادوريا و نواحيها فهو لك و لمن احببت من أهل بيتك ابدا ما دام لآل الزبير سلطان بالعراق.

قال: ثم أرسل مصعب الي عماله فصرفهم عن بادوريا، فأخذ خراجها و قسمه في أصحابه و بني عمه، ثم قال: انظروا لا ادعو باحد منكم في وقت من الأوقات إلا جاءني علي فرس فاره و سلاح شاك، فاني قد عزمت علي الخروج علي مصعب بن الزبير، و علي الغاره علي البلاد، و لا أموت إلا كريما.


قال: ثم خرج من الكوفه ليلا فالحق به الناس من كل ناحيه حتي صار في خمسمائه رجل ما فيهم أحد إلا و عليه درع سابغ و بيضه محكمه.

قال: فعندها عزم عبيدالله بن الحر علي الغاره، ثم كتب الي مصعب بن الزبير هذه الأبيات:



فلا كوفه أمي و لا بصره أبي

و لا أنا يثنيني عن الرحله الكسل [6] .



فلا تحسبني ابن الزبير كناعس

اذا حل أغفي او يقال له ارتحل



فان لم ازرك الخيل تردي عوابسا

بفرسانها حولي فما أنا بالبطل [7] .



و إن لم تر الغارات من كل جانب

علي و تندم عاجلا أيها الرجل



فلا وضعت عندي حصان قناعها

فلا تجد عيني [8] بالأماني و العلل



فانك لو أعطيتني خرج فارس

و أرض سواد كلها و قري الجبل



وجدك لم أقبل و لم آت خطه

تسرك فآيس من رجوعي لك الهبل



بل الدهر أو تأتيك خيل عوابس

شوازب قب تحمل البيض والأسل



بفتيان صدق لا ضغاين بينهم

يواسون من أقوي و يعطون من سأل



الم يأتكم يوم العذيب تجالدي

به شيعه المختار بالمفصل الأقل



و بالقصر قد جربتموني فلم احم

ولم اك و قافا و لا طائشا فشل



و يا رزاء أقوم بقصر مقاتل

و ضاربت فرسانا و نازلت من نزل



قال: ثم سار عبيدالله بن الحر في أصحابه حتي صار الي موضع يقال له نفر،


فأغار علي البلاد و اخذ الاموال ففرقها علي أصحابه، ثم سار الي موضع يقال له كسكر ففعل مثل ذلك.

قال: فلم يزل ابن الحر علي ذلك من شانه يغير علي البلاد و يقتل الرجال و يحوي الاموال، و بلغ ذلك مصعب بن الزبير فأرسل الي إبراهيم بن ألاشتر و وجوه أهل الكوفه فدعاهم، ثم قال: هذا عبيدالله بن الحر الذي كلمتموني فيه حتي اخرجته من السجن و اكرمته بغايه الإكرام، فخرج من الكوفه سرا و اجتمع اليه من اجتمع، فالآن هو يفعل ما يفعل.

قال: فقام القوم: أصلح الله ألامير! نحن انما كلمناك في أمره لأننا رأينا أهل المصر قد فسدت قلوبهم عليك من اجله و لم نعلم الذي في قلبه، و الآن فالامير- اصلحه الله- أعلي به عينا.

قال: فعندها رعا مصعب بن الزبير برجل من فرسانه يقال له كريب بن زيد المازني، فضم اليه ألف رجل من فرسان أهل الكوفه و البصره، و وجه بهم نحو عبيدالله بن الحر.

قال: فخرجت الخيل من الكوفه، و بلغ ذلك ابن الحر، فسار اليهم في اصحابه، حتي اذا هو وافي بهم بموضع يقال له الزنين، فقاتلهم هنالك قتالا شديدا، فقتل من أصحابه نفر يسير، و قتل من أصحاب مصعب بن الزبير جماعه، و ولي الباقون أدبارهم هرأبا نحو الكوفه، فأنشا ابن الحر يقول ابياتا مطلعها:



اقول لفتياني الصعاليك أسرجوا

عناجيج أذني سيرهن و جيف



الي آخرها.

قال: ثم اقبل عبيدالله بن الحر علي أصحابه فقال: أخبروني عنكم يا معاشر


العرب لماذا نعقد لآل الزبير بيعه في اعناقنا؟ فوالله ما هو بأشجع منا لقاء، و لا اعظم منا غني، ولقد عهد رسول الله صلي الله عليه و آله الي آبائنا من قبل بأن الائمه من قريش، فاستقيموا لهم ما استقاموا لكم، فاذا نكثوا أو غدروا فضعوا سيوفكم علي عواتقكم ثم سيروا اليهم قدما قدما حتي تبيدوا خضراءهم، و بعد فان هذا الأمر لا يصلح إلا لمثل خلفائكم الماضين مثل أبي بكر و عمر و عثمان و علي، فوالله لا نري لهؤلاء فينا يدا فنكافيهم عليها، و لا نبذل لهم نصحا، و لا نلقي اليهم أزمتنا، لأننا ما رأينا بعد الائمه الماضين الي وقتنا هذا إماما صالحا، و قد علمتم أن قوي الدنيا ضعيف الآخره، (فعلام تستحل حرمتنا) و نحن أصحاب القادسيه و المدائن و جلولاء و حلوان و نهاوند، و ما كان بعد ذلك نلقي الأسنه بنحورنا، و السهام بصدورنا، و السيوف بجباهنا، و حر وجوهنا، و إلا فليس بعرف لنا فضل و لا يعطي حقنا، و لا يلتفت الينا، فقاتلوا عن حريمكم و ذودوا عن فيئكم، فان ظفرنا بما نريد فذاك حتي يرجع الحق الي أهله، و إن قتلنا شهداء دون حريمنا و أموالنا و اهإلينا، فأي لأمرين كان لكم فيه الفضل؟ ألا اني قد اظهرت لهؤلاء العداوه و الشحناء و قلبت لهم ظهر المجن، و قد اتيتهم بمكه و البصره ناصرا و معينا، فما شكروا و لا حفظوا و لا رعوا الي حقا، ولكنهم سجنوني و قيدوني فضيقوا علي جهدهم و طاقتهم- والسلام -.

قال: ثم أنشا يقول:



و قدما أتينا أن يقر ظلامه

و قدما و ثقنا كل فتق من الأمر



و كم من أبي قد سلبناه و قره

بأسيفنا حتي أقام علي العسر



بضرب يزيل الهام عن سكناته

و طعن بأطراف المثقفه السمر



و من شيعه المختار قبل سقيتها

بضرب علي هاماتهم مبطل السحر



قال: ثم سار ابن الحر الي موضع يقال له عين التمر، و بعين التمر يومئذ رجل يقال


له بسطام بن مصقله بن هبيره الشيباني في خمسمائه فارس، فلما علم أن ابن الحر قد وافاه خرج اليه في أصحابه و دنا القوم بعضهم من بعض فاقتتلوا ساعه، فقتل من أصحاب بسطام ثلاثون رجلا و انهزم بسطام في باقي أصحابه، و دخل عبيدالله بن الحر الي عين التمر فأخذ اموالها و قسمها في أصحابه. و بلغ ذلك بسطام بن مصقله فرجع الي حرب ابن الحر ثانيه، فلما توافت الجيشان و دنا بعضهم من بعض نادي بسطام بأعلي صوته: يابن الحر! هل لك في مبارزتي؟

قال: فتبسم ابن الحر ثم قال: شر دهرك آخره، والله ما ظننت أن مثلك يسألني المبارزه ايام حياتي. ثم حمل كل واحد منهما علي صاحبه فاعتنقا جميعا و خرا عن فرسيهما الي الأرض، فاستوي عبيدالله بن الحر علي صدر بسطان فأخذه اسيرا، و ولي أصحاب بسطام منهزمين و قد قتل منهم جماعه، و أسر منهم جماعه و هي مائه و عشرون رجلا، فنظر اليهم ابن الحر فإذا عامتهم من بني عمه من الأزد و مذحج و قبائل اليمن، فقال: سوءه لكم يا معشر اليمن! اذ كنتم قومي و عشيرتي و تضربون في وجهي بالسيف مع مصعب بن الزبير، و أما والله لولا أن اخشي العرب أن تحدث عني أني قتلت قومي و عشائري صبرا لما نجا منكم أحد، ولكن امضوا الي قومكم فإنني قد مننت عليكم بأرواحكم.

قال: فأطلقهم عبيدالله بن الحر عن آخرهم، و لم يقتل منهم أحد إلا من قتل في المعركه، ثم أنشا يقول ابياتا مطلعها:



ألا هل اتي الفتيان بالمصر إنني

اسرت بعين التمر أروع ماجدا



الي آخرها.

قال: و بلغ مصعب بن الزبير ما فعله عبيدالله بن الحر بعين التمر، فارسل الي وجوه


العرب فدعاهم ثم قال: يا أهل الكوفه! انكم قد علمتم ما لقيت من هذا الرجل، و قد عزمت علي أن آخذ كل قرابه له بالكوفه من ذكر و أنثي فأضعه في الحبس، فلعله اذا بلغه ذلك يرجع عما هو عليه من فعاله التي هو يفعلها.

قال: فقال له بعضهم: أيها الأمير! أن الله عز و جل يقول: (و لا تزر وازره وزر اخري) فان كان عبيدالله بن الحر فعل ما فعل، فما ذنب القرأبات و ما ذنب النساء أن يحبسن بلا جرم كان منهن؟

قال: ثم تكلم إبراهيم بن الأشتر فقال: اصلح الله الأمير! انه و إن كان عبيدالله بن الحر قد فعل هذا الفعل فقد فعل كذلك بالمختار، و ذلك أن المختار عمد الي امراته أم توبه الجعفيه فحبسها في السجن، فلعله قد بلغك ما كان منه أنه كبس الكوفه صباحا في أصحابه و كسر باب السجن و أخرج أمراته قسرا، ثم لم يرض بذلك حتي أخرج كل من كان في السجن من النساء و هو في ذلك يقاتل أصحاب المختار، حتي تخلص سالما هو و أصحابه.

فقال ابن الزبير: قاتله الله من رجل فما أشجع قلبه، والله! ما رأيت و لا سمعت يرجل في دهرنا هذا اجتمع فيه ما في ابن الحر، من كرم نفس و شجاعه قلب و صباحه وجه و عفه فرج، غير أنه لا يحتمل علي هذه الأفاعيل التي يفعلها.

قال: وعزم مصعب علي أن يوجه اليه بجيش كثير من الكوفه، وعلمت بذلك بنو عمه فكتبوا اليه، فلما نظر في كتب بني عمه تبسم لذلك و أنشأ يقول: [9] .



يخوفني بالقتل قومي و انما

أموت إذا حان [10] الكتاب الموجل






لعل القنا تدني بأطرافها الغني

فنحيا كراما أو نكر فنقتل



الم تر أن الفقر يزري بأهله

و أن الغني فيه العلي و التجمل



اذا كنت ذا رمح و سيف مصمم

علي سابح أدناك مما تؤمل



و انك أن لم تركب الهول لم تنل

من المال ما يرضي الصديق و يفضل



اذا المرء لا قاني و مل حياته

فلست أبالي اينا كان أول



ثم أن مصعبا كتب اليه كتأبا: أما بعد، يابن الحر! فإن حلمي هو الذي يردعني من أن أعجل عليك، و لو اردت ذلك لما عظم علي أمرك و لو كنت في جيش بعدد خوص العراقين، فالله الله في نفسك انظر لها غيرك، و اقبل الي العاقبه، و اكفف عما أنت عليه، و سلني أي عمل شئت و احببت حتي أوليك اياه، لا يعترض عليك معترض، و إن أبيت سرت اليك بنفسي و خيلي و رجلي، و استعنت الله عليك- و السلام-.

قال: فكتب اليه ابن الحر: أما بعد، يابن الزبير! فان كتابك ورد علي فقرأته، و فهمت ما فيه و ما دعوتني اليه من طاعتك و الكف عن محاربتك، والله لقد دعاني الي نصره من هو خير منك أما و أبا و أصلا و حسبا و فرعا و حسبا الحسين بن علي و فاطمه الزهراء عليهم السلام فلم أنصره، و إني علي ذلك لمن النادمين، و أظن أني لمن الخاسرين، إلا أن يداركني رحمه رب العالمين، و أما وعيدك إياي المسير الي بخيلك و رجلك فأنت و اصحابك أهون علي من جرامقه الجزيره علي عرب الحجاز- والسلام-. ثم اثبت في أسفل كتابه أبياتا مطلعها:



أتاني وعيد ابن الزبير فلم أرع

و ما مثل قلبي بالوعيد مروع



الي آخرها.

قال: ثم مضي عبيدالله بن الحر فجعل يغير علي السواد يمنه و يسره، فيهزم


الرجال و يحوي الاموال فيقسمها في أصحابه، ثم أمر فجعل يقطع البلاد، حتي صار الي مدينه يقال لها تكريت علي شاطي ء الدجله، و بها يومئذ عامل المهلب بن أبي صفره فاخذه عبيدالله بن الحر فضرب عنقه صبرا، [11] ثم دخل الي مدينه تكريت فاحتوي علي أموالها ثم سار منها يريد الموصل، و بها يومئذ المهلب بن أبي صفره من قبل مصعب بن الزبير، فلما بلغه خبر عبيدالله بن الحر سار اليه في أربعه آلاف فارس.

قال: و بلغ ذلك عبيدالله بن الحر، فرجع الي تكريت فنزلها، ثم أرسل الي من كان مع المهلب من بني عمه أن أكفوني أمركم و دعوني و المهلب، فإني اقوم به و بحربه إن شاء الله تعالي.


پاورقي

[1] في الطبري ج 5: أن عبيدالله بن الحر قال هذه الابيات يعاتب مصعبا، و يذکر له تقريبه سويد بن منجوف، و کان سويد خفيف اللحيه.

[2] الطبري: تقدم قبلي مسلم و المهلب.

[3] الطبري: خصي اتي اللماء و العير يسرب.

[4] البيت من عده ابيات موجوده في کتاب الطبري ج 5:



من مبلغ الفتيان أن اخاهم

أتي دونه باب شديد و حاجبه.

[5] بعده في الطبري ج 5:



اري الدهر لي يومين يوما مطردا

شريدا و يوما في الملوک متوجا



اتطعن في ديني غداه أتيتکم

وللدين تدني الباهلي و حشرجا



الم تر أن الملک قد شين وجهه

و نبع بلاد الله قد صار عوسجا.

[6] الطبري ج 5: يروي هذا البيت لسحيم بن وثيل الرياحي.

[7] الطبري ج 5: بفرسانها لا أدع بالحازم البطل.

[8] الطبري ج 5: و لا عشت ألا بالاماني و العلل.

[9] الابيات في الطبري ج 5.

[10] في الطبري: جاء.

[11] الطبري ج 5: هرب عامل المهلب عن تکريت.