بازگشت

ذكر محاصره المختار في القصر الي وقت مقتله


قال: و جائت الخيل حتي أحدقت بالقصر، فحاصروا المختار و من فيه حصارا شديدا،

حتي منه العطش، فكانوا ربما بذلوا في الروايه من الماء الدينار و الدينارين و الثلاثه. قال: و كانت النساء في اول الأمر ياتين فيدخلن في القصر الي اقاربهن بالطعام و الماء، فبلغ ذلك مصعب بن الزبير فمنع النساء من ذلك ثم قطع عنهم الماء فكانوا يمزجون ماء البئر بالعسل و الدوشاب و التمر و يشربونه لما ينالهم من العطش. قال: و جعل أصحاب مصعب ينادون المختار من خارج القصر و يقولون: يا ابن


دومه! كيف تري ما أنت فيه من الحصار، هذا جزاء من خالف علي أميرالمومنين عبدالله بن الزبير و طلب الامير لغيره! قال: فأشرف عليهم المختار من أعالي القصر ثم قال: يا جند المراه! يا اعوأن البهيمه! يا بقايا السيف! اتعيرونني بامي دومه، حسناء الحومه، التي لا تسمع فيها اللائم لومه، أما والله لو كان من يعيرني بدومه من الفريقين عظيما لما عيرني بها، ولكن إن كنتم رجالا فاثبتوا لي قليلا، فوالله لأقاتلنكم قتال مستقل قد أئس من الحياه. قال: ثم نزل المختار عن حائط القصر، فصب عليه سلاحه و استوي علي فرسه، و جعل يتمثل بقول قيس غيلان بن سلمه بن معتب الثقفي و هو يقول:



و لو يراني أبوغيلان اذ حسرت

عني الهموم بامر ما له طبق



لقال رعبا و رهبها يجمعان معا

غنم الحياه و هول النفس و الشفق



و الموت احمد شي ء بالكريم اذا

ما قاله الدهر و الآجال تخترق [1] .



قال: ثم أمر بباب القصر ففتح، و خرج في نحو ما مائتي رجل ممن يثق بهم، فكر علي أصحاب مصعب فهزمهم حتي ركب بعضهم بعضا. قال: و نظر اليه رجل من أصحاب البصره يقال له يحيي بن ضمضم الضبي، و كان اذا ركب خطت رجلاه في الارض لطوله، و لم يكن في أصحاب مصعب بن الزبير أفرس منه، فحمل علي المختار ليضربه و ضربه، فاستقبله المختار بضربه علي جبينه اطار قحف رأسه فخر صريعا،و حملت الكتائب علي المختار من كل جانب، فجعل يحاربهم و يرجع الي ورائه حتي دخل القصر، و اشتد الحصار علي القوم، فجعل السائب بن مالك


الأشعري يتمثل يقول عبيدالله بن حذاق حيث يقول ابياتا مطلعها:



هل للفتي من نياب الدهر من واقي

ام هل لحتم اذا ما حم من راقي



الي آخرها. قال: فسمع المختار هذه الأبيات من السائب بن مالك الاشعري فقال: لله در عبيدالله بن حداق ما أجود معناه في هذا القول، أما والله لولا ما نحن فيه لاحببت أن احفظ هذه الأبيات، و والله يا سائب! أن لو كان معي عشره لعلمت اننا نقهر مصعبا و أصحابه. قال: ثم اقبل المختار علي أصحابه فقال: ويحكم اخرجوا بنا حتي نقاتل هؤلاء القوم فنقتل كرأما، فوالله ما أنا بآئس أن انتم صدقتموهم القتال أن تنصروا عليهم. قال: فأجابه أصحابه الي ذلك، و قالوا: ما الرأي الا ما رأيت! و ليس يجب أن نعطي بايدينا و لا نحكم هؤلاء علي دماءنا، فاعزم علي ما انت عازم عليه من أمرك فها نحن بين يديك. قال: فعندها بعث المختار الي أمراته ام ثابت الفزاريه بنت سمره بن جندب، فارسلت اليه بطيب كثير و حنوط، فقام و اغتسل و افرغ عليه ثيابه و تحنط و وضع ذلك الطيب في رأسه ولحيته، و وثب أصحابه يفعلون كذلك، فقال له رجل منهم: [2] أبااسحاق! أما بد من الموت؟ قال: قد رايت والله عبدالله بن الزبير علي الحجاز، [3] و بني اميه علي الشام،


و مصعبا علي العراق، و لم أكن بدون واحد منهم. و انما خرجت اطلب بدماء أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و قد والله اشفيت نفسي من أعدائهم و ممن شارك في دمائهم، و لست ابالي بعد هذا كيف أتاني الموت. قال: ثم استوي علي فرسه و جعل يرتجز و يقول شعرا. [4] ثم أمر بباب القصر ففتح، و خرج معه نفر [5] من أصحابه فلم يزل يقاتل معه حتي قتلوا بأجمعهم و بقي المختار وحده، فجعل يقاتل و السهام تأخذه، فصاح مصعب بن الزبير بأصحابه أن احدقوا به فقد قتلت أنصاره. قال: فأحاطت به الخيل من كل جانب، فجعل يكر عليهم و يكرون عليه حتي بلغوا به الي الموضع الذي في حوانيت الزياتين اليوم، فأحاطوا به هنالك و ألجاوه الي جدار هناك و قصده رجلان من بني حنيفه أخوان يقال لاحدهما طرفه و الآخر طراف [6] ابنا عبدالله بن دجاجه الحنفي و ضرباه جميعا بأسيافهما. فسقط المختار الي الارض، فنزلا اليه فذبحاه و احتزا رأسه و اقيلا به الي مصعب بن الزبير. قال: فامر مصعب بقطع يديه اليمني، فقطعت و سمرت علي باب القصر، ثم أمر برأسه فنصب في رحبه الحدادين.


ثم اقبل مصعب و أصحابه حتي أحدقوا بالقصر فجعلوا ينادون لمن في القصر و يقولون: اخرجوا و لكم الأمان! فقد قتل الله صاحبكم. قال: ففتح القوم باب القصر و خرجوا، فاخذوا بأجمعهم حتي اتي بهم مصعب بن الزبير، فقدموا حتي وقفوا بين يديه، و جعل رجل منهم يقول: [7] .



ما كنت أخشي أن اري اسيرا

و لا اري مدمرا تدميرا



أن الذين خالفوا الأميرا

قد رغموا [8] و تبروا تتبيرا



قال: فرفع مصعب رأسه اليهم فقال: الحمد لله الذي امكن منكم يا شيعه الدجال! قال: فتكلم رجل منهم يقال له بحير بن عبدالله السلمي، [9] فقال: لا والله ما نحن بشيعه الدجلا، ولكنا شيعه آل محمد صلي الله عليه و آله، و ما خرجنا بأسيافنا الا طلبنا بدمائهم، و قد ابتلانا الله بالاسر و ابتلاك بالعفو أيها الامير، و الصفح و العفاف و هما منزلتان: منزله رضا و منزله سخط، فمن عفا عفي عنه، و من عاقب لم يأمن من القصاص! و بعد فاننا اخوانكم في دينكم و شركاؤكم في حظكم، و نحن أهل قبلتكم، لسنا بالترك و لا بالديلم، وقد كان منا ما كان من أهل العراق و أهل الشام، فاصفح إن قدرت. قال: فكان مصعب بن الزبير قد رق لهذا المتكلم و أصحابه و هم بإطلاقهم فوثب اشراف العرب [10] .


فقالوا: أيها الامير! إن هؤلاء هم الذين قتلوا أبناءنا و اخواننا و بني أعمامنا، و في اطلاقهم فساد عليك فس سلطانك و علينا في أحسابنا. قال مصعب: فشانكم إذا بهم! قال: فاتكوا عليهم بالسيوف فقتلوهم صبرا- رحمه الله عليهم-. قال: و أقبل مصعب حتي دخل قصر الاماره، فجلس علي سرير المختار، ثم أرسل الي إمراتي المختار أم ثابت بنت سمره بن جندب الفزاريه و عمره بنت النعمان بن بشير الانصاريه، فلما اتي بهما قال لهما مصعب: ما تقولون في المختار؟ فقالت الفزاريه: نقول فيه كما تقولون فيه. فقال مصعب: أحسنت اذهبي فلا سبيل عليك. فقالت الأنصاريه: ولكني اقول كان عبدا مومنا، محبا لله و رسوله و أهل بيت رسوله محمد صلي الله عليه و آله، فانكم أن قتلتموه لم تبقوا بعده الا قليلا فغضب مصعب بن الزبير ثم أمر بها فقتلت. [11] فقال بعضهم في ذلك: [12] .



أن من أعجب العجائب عندي

قتل بيضاء حره عطبول



قتلت هكذا علي غير جرم

إن لله درها من قتيل



كتب القتل و القتال علينا

و علي المحصنات جر الذيول



قال: ثم بعث مصعب برأس المختار الي مكه الي عبدالله بن الزبير، فأمر عبدالله


بن الزبير براس المختار فنصب بالأبطح، ثم أرسل الي عبدالله بن عباس فقال: يابن عباس إنه قد قتل الله الكذاب. فقال ابن عباس: رحم الله المختار كان رجلا محبا لنا عارفا بحقنا، و إنما خرج بسيفه طالبا بدمائنا و ليس جزاؤه منا أن نسميه كذابا.


پاورقي

[1] البيت في الطبري:



إما تسف علي مجد و مکرمه

او اسوه لک فيمن تهلک الورق.

[2] الطبري: هو السائب بن مالک الأشعري.

[3] الطبري ج 5: رايت ابن الزبير انتزي علي الخجار و رايت نجده انتزي علي اليمامه و مروان علي الشام فلم اکن دون احمد من رجال العرب فاخذت هذه البلاد، فکنت کاحدهم، الا اني قد طلبت بثار أهل بيت النبي صلي الله عليه و آله اذ نامت عنه العرب....

[4] في الطبري ج 5: اورد هنا الابيات التي تمثل بها المختار لغيلان بن سلمه بن معتب الثقفي التي مرت قريبا.

[5] خرج في تسعه عشر رجلا (الطبري ج 5).

[6] الطبري ج 5: طرافا.

[7] الطبري ج 5: اسمه عبدالرحمن.

[8] عن الطبري: زعموا.

[9] في الطبري: المسلي.

[10] في الطبري ج 5: فقام عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث - لعنه الله- و وثب: محمد بن عبدالرحمن بن سعيد بن قيس الهمداني... و انظر مقالتهما عنده.

[11] في الطبري أن مصعبا کتب بشأنها الي اخيه فامره بقتلها.

[12] في الطبري ج 5: الابيات منسوبه لعمر بن أبي‏ربيعه.