بازگشت

ابتداء مسير مصعب من البصره الي الكوفه و مقتل المختار


قال: و نظر مصعب بن الزبير الي إبراهيم بن الأشتر و قد احتوي علي البلاد من الجزيره و قد بقي المختار بالكوفه، فعزم علي المسير اليه و كتب الي المهلب بن أبي صفره: أما بعد، فاننا قد عزمنا علي المسير الي الكوفه الي محاربه المختار الكذاب، غير أني قد


أحببت أن تشهد أمرنا، فاذا ورد كتأبي هذا عليك فول [1] بعض اولادك حرب الازارقه و أقبل الينا راشدا إن شاء الله - والسلام -.

قال: ثم دفع الكتاب الي محمد بن الأشعث بن قيس الكندي فقال له: سر الي المهلب فليس له احد سواك، فانه اذا نظر اليك رسولا علم أن الامر جد فلا يتخلف، و انظر لا تفارقه و اشخصه معك إن شاء الله و لا قوه الا بالله.

قال: فاخذ محمد بن الأشعث الكتاب و سار الي المهلب و المهلب يومئذ بسابور من ارض فارس يحارب الازارقه، فلما قرأ الكتاب قال: سبحان الله! أما وجد الامير بريدا سواك؟

فقال محمد بن الأشعث: أباسعيد! والله ما أنا ببريد لأحد، غير أن نساءنا و أبناءنا و اموالنا و عقارنا و منازلنا في يد المختار، و قد غلبنا علي ذلك و أجلانا عن بلدنا، و هذا إبراهيم بن الأشتر قد غلب علي بلاد الجزيره و خالف علي المختار، و المختار اليوم فليس معه جيش، و انما هو شرذمه قليله، و اني لأرجو أن يظفرنا الله به فنرجع الي نعمتنا التي لم تزل لنا و لآبائنا من قبلنا.

قال: فدعا المهلب برؤساء أصحابه فاحضرهم بين يديه، ثم حمد الله و اثني عليه و قال: أيها الناس! أن الازارقه ليس يريدون الا ما في أيديهم، و المختار يريد ما يكون في ايديكم، و هذا كتاب مصعب بن الزبير يامرني فيه بالقدوم عليه، فاستمعوا له و أطيعوا أمره! فوالله ما رأيت صوأبا قط الا سبقني اليه، و قد تعلمون انه ليث عبوس،


للأقران فروس، و هو خليفتي عليكم [2] الي حين رجوعي اليكم- أن شاء الله و لا قوه الا بالله العلي العظيم-.

قال: ثم ودع المهلب اولاده و أهل عسكره، و سار في الف رجل من فرسان عسكره حتي قدم البصره، و دخل علي مصعب بن الزبير، فقربه و أدناه و أجلسه معه علي سريره، و أمر له بخلعه و جائزه ثم أمره بالتاهب الي محاربه المختار.

فقال له المهلب: أيها الأمير! أنا متأهب لك فاعزم اذا شئت!

قال: فعندها أمر مصعب عسكره و أصحابه أن يعسكروا عند الجسر الأعظم. ثم خرج و خرج الناس معه من البصره، و جعل علي كل قبيله من قبائل العرب رئيسا يقتدرون به و برايه و ينتهون الي أمره، فعلي قريش و أحلافها عمر بن عبيدالله بن معمر التيمي، و علي بني تميم كلها الأحنف بن قيس التيمي، و علي قيس عيلان قيس بن الهيثم السلمي، و علي بني بكر بن وائل مالك بن مسمع الجحدري، و علي قبائل عبدالقيس مالك بن المنذر بن الجارود العبدي، و علي قبائل كنده محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، و علي قبائل مذحج عبيدالله بن الحر الجعفي، و علي قبائل الازد يومئذ المهلب بن أبي صفره.

قال: و بلغ ذلك المختار فعلم انه قد اتي من قبل إبراهيم بن الاشتر، لأنه قد خذله


و قعد عنه، فقام في الناس خطيبا، فحمد الله و أثني عليه ثم قال: [3] أما بعد يا أهل الكوفه! فن أهل مصركم الذين بغوا عليكم، و قتلوا ابن بنت نبيكم الحسين بن علي عليه السلام، قد كانوا لجأوا الي امثالهم من الفاسقين، فاستعانوا بهم عليكم، لما علموا أن ابن الاشتر خذلني و قعد عن نصرتي، و قد بلغني انهم خرجوا من البصره في جيش لجب الي قبلكم، و انما يريدون قتلي ليضمحل الحق، و ينتعش الباطل، و يقتل اولياء الله، الا فانتدبوا رحمكم الله مع الأحمر بن شميط البجلي، فاني أرجو أن يهلكهم الله علي ايديكم هلاك عاد و ثمود و ما ذلك علي الله بعزيز. قال: فاجابه الناس الي ذلك من كل جانب و قالوا: سمعنا و أطعنا. ثم خرج و خرج بهم الأحمر بن شميط حتي عسكر بهم علي موضع يقال له حمام أعين، و خرج اليه أمراء الاجناد فعسكروا معه في قريب من ثلاثه آلاف فارس و راجل، ثم سار الأحمر بأهل الكوفه حتي نزل المذار [4] و اقبل اليه مصعب بن الزبير حتي نزل قريبا منه في سبعه آلاف ما بين فارس و راجل و دنا القوم بعضهم من بعض، و تقدم عباد بن الحصين الحبطي حتي وقف بين الجمعين ثم نادي بأعلي صوته: الا يا شيعه المختار! اننا ندعوكم الي كتاب الله و سنه نبيه محمد صلي الله عليه و آله، و الي بيعه اميرالمومنين عبدالله بن الزبير. قال: فقال عبدالله بن كامل الهمداني: و نحن ايضا ندعوكم الي كتاب الله و سنه نبيه محمد صلي الله عليه و آله، و الي بيعه المختار بن ابي عبيد، و الي أن نجعل هذا الأمر شوري في آل الرسول صلي الله عليه و آله، فمن زعم انه احق بهذا الامر منهم برئنا منه في الدنيا و الآخره و جاهدناه حق الجهاد.


قال: فلما سمع مصعب بن الزبير ذل غضب فقال: احملوا عليهم! فحمل عباد بن الحصين في قبيله عظيمه علي أصحاب المختار، فلم يزل منهم واحد عن موقفه قال: فعندها صاح محمد بن الأشعث و قال: يا أهل العراق! الي متي و حتي متي نكون أذلاء مشردين مطرودين عن اهلنا و أولادنا، كروا عليه كره صادقه فانهم مغلوبون إن شاء الله. قال: فاضطرب القوم و تصادموا، و حنق بعضهم علي بعض، و وقعت الهزيمه علي أصحاب المختار، و قتل صاحبهم الأحمر بن شميط و انكشفوا فولوا الأدبار، و أخذهم السيف، فاما الرجاله فما التفت منهم احد، و أما الخيل فما انفلت منهم الا الجواد، فدخل أقلهم الي الكوئفه باشر حاله تكون حتي صاروا الي المختار، فأخبروه بذلك، فأنشأ الأعشي يقول شعرا. [5] .



قال: و نزل بالمختار أمر عظيم من قتل أصحابه، و ايقن بالهلكله، و لم يجد بدا م التشجع، و كبت الي إبراهيم بن الاشتر كتابا بعد كتاب يساله المسير اليه فلم يفعل، و أقبل مصعب بن الزبير حتي نزل في موضع واسط، ثم أمر أصحابه الرجاله فقعدوا في السفن و ساروا الي نهز يخرجهم الي الفرات. قال: و بلع ذلك المختار فامر كل نهر علم انه يحمل من الفرات فسكر بعضها بعضا، و فبقيت سفن أصحاب مصعب في الطين، فلما نظروا الي ذلك خرجوا من السفن و اقبلوا يسيرون نحو الكوفه و مصعب قد سار في خيله علي الظهر حتي وافي أصحابه. قال: و دعي المختار برجل من أصحابه فاستخلفه علي الكوفه، و قد أعد في القصر


جميع ما احتاج اليه من آله الحصار، ثم اقبل حتي نزل بحروراء [6] و دنا القوم بعضهم من بعض. فقال المختار: ياله من يوم لو حضرني فيه ابن الاشتر! ولكنه قعد عني و خذلني، و والله ما من الموت بد! قال: و اختلط الفريقان، فأرسل مصعب بن الزبير الي المهلب بن ابي صفره يقول: أباسعيد! رحمك الله ما تنتظر أن تحمل علي من بازائك؟ أما تري الي تعبيه جيش هذا الكذاب! فالتفت المهلب الي بعض أصحابه فقال: إن الامير اعزه الله يظن اننا نلعب، و لا يعلم اني قاتلت قتالا هو اشد من هذا، ولكن احملوا و استعينوا بالله و اصبروا. قال: ثم حمل المهلب و حمل الناس معه حمله صادقه، فحطموا أصحاب المختار و كشفوا، فصاح المختار بأصحابه: لا بأس عليكم أنا أبواسحاق أن جزار القاسطين، اين أصحاب الصبر و اليقين، الي الي رحمكم الله! قال: فتاب اليه زهاء عن خمسائه رجل، ليس فيهم رجل الا و هو يعد برجال، فجعلوا يقاتلون قتالا لم يسمع الناس بمثله. و التفت رجل من أصحاب المختار يقال له عبدالله بن عمرو النهدي فقال: ويحكم أروني الموضع الذي فيه محمد بن الأشعث، فانه ممن قاتل الحسين بن علي و شارك في دمه! فقالوا: الا تري هو في الكتيبه الحمراء علي الفرس الأدهم؟ فقال: بلي قد رايته، فدعوني و اياه. ثم رفع رأسه الي السماء و قال: اللهم اننا علي ما كنت عليه بصفين، اللهم و اني أبرأ اليك ممن قتل أهل البيت بيت نبيك محمد صلي الله عليه و آله او شارك في دمائهم.


قال: ثم حمل حتي خالط أصحاب مصعب بن الزبير، فجعل يضرب فيهم ضربا منكرا و هو في ذلك يلاحظ محمد بن الأشعث، حتي اذا امكنته الفرصه و حمل عليه، ضربه ضربه علي رأسه جدله صريعا. [7] .

قال: و اختلط الناس من أصحاب ابن الزبير بعبدالله بن عمرو هذا فقتلوه. قال: و جعل المختار يقول يقول: بأبي و امي انتم كروا علي الحرب، كروا كروا علي الثعالب الرواغه! قال: فجعل أصحاب المختار يقاتلون بين يده اشد قتال يكون، و صاح مصعب بن الزبير باصحابه و قال: سوءه لكم يا معشر العرب! أما ترو ما نحن فيه من أصحاب هذا الكذاب، أما فيكم من يحامي علي دين أو حسب! قال: فعندها اجتمع أصحاب أبطال العرب الذي كان المختار أخرجهم من الكوفه، مثل عبيدالله بن الحر و شبث بن ربعي و غيرهم من سادات أهل الكوفه، ثم حملوا علي أصحاب المختار فهزمهم و لحق رجل منهم من أهل الكوفه عبيدالله بن علي بن ابي طالب عليه السلام و هو لم يعرفه، فضربه من ورائه ضربه علي حبل عاتقه، جدله قتيلا. قال: و صار أصحاب مصعب بن الزبير الي حيطان الكوفه، و نزل المختار عي فرسه و نزل معه أشداء أصحابه، و ركبوا علي أفوه السلكك، فلم يزالوا يقاتلون من وقت المغرب الي الصباح، و انهزم المختار حتي دخل الي قصر الاماره. فقال له بعض أصحابه: أيها الامير! أما خبرتنا أن نقتل مصعب بن الزبي في وقعتنا هذه؟


فقال بلي! ولكن أما تسمع قول الله تعالي: (يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب). [8] .

قال: و اصبح مصعب فعبي أصحابه تعبيه الحرب، و اقبل نحو الكوفه حتي دخلها في جيشه ذلك، و المهلب بن أبي صفره علي يساره فقال له: أباسعيد! يا له من فتح ما أهناه لولا قتل محمد بن الأشعث. فقا المهلب: صدقت أيها الامير، قد قتل عبيدالله بن ابي طالب ايضا، قال مصعب: فاننا ما قلناه و انما قتله من كان من شيعته و شيعه ابيه. قال: و دخل أصحاب المختار الي منازلهم، و دخل قوم منهم الي قصر الاماره، فصاروا مع المختار عازمين علي الموت.


پاورقي

[1] الطبري ج 5: فکتب المصعب الي المهلب و هو عامله علي فارس: أن أقبل الينا لتشهد أمرنا نريد المسير الي الکوفه، فابطا عليه المهلب و أصحابه، و اعتل بشي‏ء من الخراج لکراهه الخروج، فأمر مصعب محمد بن الأشعث...

[2] کذا بالاصل و يبدو أن هناک نقصا في الکلام و العباره في الکامل للمبرد 1265 /3 أن مصعب کتب الي المهلب:أن اقدم علي واستخلف ابنک المغيره ففعل مجمع الناس فقال لهم: اني استخلفت عليکم المغيره، و هو أبوصغيرکم رقه و رحمه و ابن کبير کم طاعه و برا و تبجيلا و اخو مثله و مواساه و مناصحه فلتحسن له طاعتکم و ليلين له جانبکم فوالله ما اردت صوأبا قسط الا سبقني اليه. ثم مضي الي مصعب.

[3] انظر الطبري ج 5.

[4] المذار: بين واسط و البصره.

[5] ذکرت الابيات في الطبري ج 5 و مطلعا:



ألا هل اتاک و الانباء تنمي

بما لاقت بجيله بالمذار.

[6] حروراء: قريه بظاهر الکوفه.

[7] اختلفوا فيمن قتله قيل قتله مالک بن عمرو أبونمران النهدي، و کنده تزعم أن عبدالملک بن اشاءه الکندي هو الذي قتله (الطبري ج 5).

[8] سوره الرعد، الآيه 39.