بازگشت

ابتداء الوقعه و من قتل فيها


قال: و زحف القوم بعضهم الي بعض، و تقدمت الرجاله بين ايديهم، و ابن الاشتر ينهاهم عن الجزع و الفشل، ثم زحف باصحابه رويدا حتي اذا اشرف علي تل عظيم فنظر الي عسكر القوم و تأملهم، و أهل الشام بعد لم يتحركوا و لا ظنوا أن أهل العراق يقدمون عليهم، فلما نظروا الي الخيل و قد وافتهم بادروا الي خيولهم، و قدموا الرجاله بين أيديهم، فخيلهم ستون ألفا، و رجالتهم اثنان وعشرون الفا.


قال: فعباهم عبيدالله بن زياد. فجعل علي ميمنته شرحبيل بن ذي الكلاع، و علي ميسرته و ربيعه بن مخارق الغنوي، و علي جناح ميسرته عبدالله بن حمله الخثعمي، و في القلب يومئذ الحصين بن نمير السكوني.

قال: و أنفض عليهم أهل العراق مستعدين للموت و هم يقولون: اللهم اننا ما خرجنا الي حرب هؤلاء القوم الا شارين بدمائنا و أموالنا الجنه، طالبين بدماء أهل بيت نبيك محمد صلي الله عليه و آله، فانصرنا عليهم كيف شئت و أني شئت، انك علي كل شي ء قدير.

قال: فوقف الفريقان بعضهم ينظر الي بعض، و تقدم رجل من عتاه أهل الشام و مردتهم يقال له عوف بن ضعبان الكلبي حتي وقف بين يدي الجمعين علي فرس أدهم ثم نادي: ألا يا شيعه أبي تراب! الا يا شيعه المختار الكذاب! ألا يا شيعه ابن الاشتر المرتاب! من كان منكم يدل بشجاعته و شدته فليبرز الي إن كان صادقا، و للقرآن معانقا! ثم جعل يجول في ميدان الحرب و هو يترجز و يقول:



انا ابن ضعبان الكريم المفضل

اني أنا الليث الكمي الهذلي



من عصبه يبرون من دين علي

كذاك كانوا في الزمان الأول



يا رجال! فما لبث أن خرج اليه الا حوص بن شداد الهمداني و هو يرتجز و يقول:



أنا ابن شداد علي دين علي

لست لمروان ابن ليلي بولي



لأصطلين الحرب فيمن يصطلي

أحوص نار الحرب حتي تنجلي



قال: فجعل الشامي يشتم الأحوص بن شداد، فقال له الأحوص: يا هذا لا تشتم إن كنت غريبا، فان الذي بيننا و بينكم اجل من الشتيمه، انتم تقاتلون عن بني مروأن، و نحن نطالبكم بدم ابن بنت نبي الرحمن، فادفعوا الينا هذا الفاسق اللعين عبيدالله بن زياد، الذي قتل ابن بنت نبي رب العالمين محمد صلي الله عليه و آله، حتي نقتله ببعض


موإلينا الذين قتلوا مع الحسين بن علي، فإننا لا نراه للحسين كفؤا فنقتله به، فاذا دفعتموه الينا فقتلناه جعلنا بيننا و بينكم حكما من المسلمين.

فقال له الشامي: اننا قد جربناكم في يوم صفين عندما حكمنا و حكمتم، فغدرتم و لم ترضوا بما حكم عليكم.

فقال له الأحوص بن شداد: يا هذا إن الحكمين لم يحكما برضا الجميع، و احدهما خدع صاحبه الآخر، و الخلافه لا تعقد في الخديعه، و لا يجوز في الدين الا النصيحه، ولكن ما اسمك أيها الرجل؟

فقال الشامي: اسمي منازل الأقران حلال!

فقال له الأحوص بن شداد: ما اقرب الاسمين بعضهم من بعض، انت منازل الابطال، و أنا مقرب الآجال! ثم حمل عليه الأحوص و التقيا بضربتين ضربه الأحوص ضربه سقط الشامي قتيلا، فجال الأحوص في ميدان الحرب و نادي: يا قتله الحسين عليه السلام: هل من مبارز! فخرج اليه داود بن عروه الدمشقي مقنعا في الحديد علي كميت له و هو يقول:



أنا ابن من قاتل في صفينا

قتال قرم لم يكن غيبنا



بل كان فيها بطلا حرونا

مجربا لدي الوغا كمينا



قال: فضمه اليه الأحوص بن شداد الهمداني و جعل يقول:



يابن البذي قاتل في صفينا

و لم يكن في دينه غبينا



كذبت قد كان بها مغبونا

مذبذبا في أمره مفتونا



لا يعرف الحق و لا اليقينا

بؤسا له لقد مضي ملعونا



قال: ثم التقيا فضربه الأحوص ضربه ألحقه بصاحبه، ثم رجع الي صفه و خرج


الحصين بن نمير السكوني و هو يقرأ شعرا.

قال: فما لبث أن خرج اليه فتي من أهل الكوفه يقال له شريك بن جدير التغلبي مجيبا له و هو يقول شعرا.

قال: فحاوله الحصين بن نمير السكوني فالتقيا بضربتين، ضربه الثعلبي ضربه جدله قتيلا، فدخل علي قتله الحسين عليه السلام من أهل العراق مدخل عظيم.

و تقدم إبراهيم بن الأشتر يومئذ علي فرس له أغر محجل حتي وقف بين الجمعين، ثم نادي بصورت جهوري: [1] الا يا شرطه الله! يا شيعه الحق! ألا يا انصار الدين! قاتلوا المحلين و أولاد القاسطين، و اعوان الظالمين، و جنود ابن مرجانه اللعين، أيها الناس! لا تطلبوا اثرا بعد عين، هذا عبيدالله بن زياد، قاتل الحسين بن علي عليه السلام و ابن فاطمه بنت رسول الله صلي الله عليه و آله، هذا الذي حال بين الحسين و بين ماء الفرات أن يشربوه و هم ينظرون اليه، هذا الذي بعث الي الحسين بن علي أن لا أمان لك عندي او تنزل علي حكمي، ثم عدا عليه فقتله و قتل أهل بيته، و ساق حرم رسول الله صلي الله عليه و آله كسبايا الروم و الترك و الديلم من بلد الي بلد، حتي ادخلوا علي يزيد، انه ما فعل فرعون ببني اسرائيل ما فعل هذا الملعون باهل البيت الذين، أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا،و ها هو قد جاءه الله بكم و جاءكم به، و لا انتم في بلدكم و لا هو في بلده، والله اني لأرجو أن يكون الله تعالي لم يجمع بينكم و بينه في هذا الموضع الا لهلاكه و هلاك من معه من هؤلاء المحلين.

قال: ثم تقدم إبراهيم بن الاشتر قدام أصحابه فجعل يضرب بسيفه قدما قدما و هو يقول شعرا.


قال: ثم حمل و حمل معه أهل العراق بأجمعهم، ثم اختلط القوم فاصطفقوا بالسيوف، و تطاعنوا بالرماح، و تراموا بالسهام، و جعل إبراهيم بن الاشتر يقول لصاحب رايته: تقدم بين يديك: فداك أبي و امي و لا تجزع! فوالله ما اشبه هذا اليوم الا بيوم الخميس و ليله الهرير بصفين.

قال: فجعل صاحب رايه ابن الأشتر يتقدم و أهل العراق يقاتلون و تبعون الرايه.

قال: و نظر رجل من أهل الشام الي صاحب رايه ابن الاشتر فحمل عليه، و التقوا و اعتنقوا و سقطوا جميعا عن فرسهم الي الارض، جعل يقول هذا: اقتلوني و أين كذا و كذا! و هذا يقول: اقتلوني و أين كذاو كذا! فقتل الشامي و انفلت صاحب رايه ابن الأشتر.

قال: وحان وقت الصلاتين حميعا الظهر و العصر، فما صلي القوم الا بالايماء و التكبير، حتي اذا كان في وقت اصفرار الشمس انهزم أهل الشام نحن مدينه الموصل، و اخذهم السيف، و القوم ينهزمون و السيف في اقفيتهم، و اختلط الظلام. و نظر إبراهيم بن الاشتر التي رجل من القوم و عليه بزه حسنه. و درع سابغ، و عمامه خز دكناء، و ديباجه خضراء من فوق الدرع، و قد أخرج يده من الديباجه و فيها صفيحه له مذهبه.

قال: فقصده ابن الاشتر لا لشي ء الا لتلك الصفيحه التي في يده و الفرس الي تحته، حتي اذا لحقه لم يكذب أن ضربه ضربه فشرقت يداه و غربت و رجلاه، و اتكا ابن الاشتر في ركابه فتناول الصفيحه، و غار الفرس فلم يقدر عليه! و لم يبصر الناس بعضهم بعضا من شده الظلمه، فرتاجع أهل العراق الي عسكرهم و الخيل لا تطأ الي علي القتلي.


قال: و اصبح الناس و قد فقد من أهل العراق ثلاثمائه و سبعون رجلا، و أهل الشام قد كانوا في اثنين و ثمانين الفا فانفلت عشره الآف و ثمانيه رجال عامتهم جرحي، و قد ذكر ذلك بعض الشعراء في شعر له.

قال: ثم اقبل ابن الاشتر علي أصحابه فقال: و يحكم اني أتبعت البارحه، رجلا و قد اختلط الظلام، فشممت منه رائحه المسلك، و رايت في يده هذه الصفيحه، و رأيت تحته فرسا جوادا فلم ازل حتي ضربته ضربه شرقت يداه و غربت رجلاه، فمددت يدي فاخذت هذه الصفيحه و فاتني الفرس!

فقال له بعض أصحابه: اصلح الله الامير! الفرس عندي و أنا آتيك به، و قد جعله الله لك.

قال ابن الاشتر: فصيروا اذا الي شاطي ء الفرات موضع كذا كذا فإنكم ترون الرجل قتيلا: فانظروا من هو؟ فان نفسي تحدثني انه عبيدالله بن زياد! [2] فمضوا فوجدوه، فانوا برأسه حتي وضعوه بين يديه، فلما رآه كبر و خر ساجدا، ثم رفع رأسه و قال: الحمد الله الذي اجري قتله علي يدي. فأنشا بعض أصحابه في ذلك يقول ابياتا مطلعه:



اتاكم غلام من عرانيين مذحج

جري علي الأعداء غير نكول



الي آخرها.

قال: ثم أمر إبراهيم بن الاشتر برأس عبيدالله بن زياد، و راس الحصين بن نمير السكوني، و شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري و ربيعه بن مخارق الغنوي من اشبههم


من رؤساء أهل الشام، فجمعت ثم قورت و نفضت، و كتبت الرقاع و علقت في آذانهم بأسمائهم، ثم جمعت أيضا رؤوس القوم عن آخرها و بعث بها الي المختار، و كتب اليه ابن الاشتر يعلمه بالوقعه، و كيف اهلك الله القوم، و أبا خضراءهم، و بدد شملهم.

قال: فوردت الرؤوس يومئذ علي أهل الكوفه زياده علي سبعين الف رأس، و في اوائلها رأس عبيدالله بن زياد.

قال: فقوم من شيعه بني اميه اشتد عليهم ذلك، و أما شيعه آل محمد صلي الله عليه و آله فجعلوا يكبرون و يقولون: الحمد الله الذي قتل المحلين، و شفا غليل المومنين.

قال: و بعث المختار برأس عبيدالله بن زياد و الحصين و شرحبيل و من أشبههم الي محمد ابن الحنفيه، و أما باقي هذه الرووس فصلبت حول الكوفه. كتب المختار الي محمد ابن الحنفيه (رض) كتابا و (وجه) معه ثلاثون ألف دينار.


پاورقي

[1] انظر الطبري ج 5، مقاله الاشتر.

[2] الطبري ج 5: کان مقتل الملعون عبيدالله ابن زياد سنه سبع و ستين.