بازگشت

ذكر ماجري بين محمد ابن الحنفيه و عبدالله بن الزبير


و ما كان في أمر البيعه و ما كان بينهم من العداوه و البغضاء

قال: و نظر عبدالله بن الزبير الي المختار و غلبته علي البلاد فعلم انه انما يفعل ذلك بظهر محمد ابن الحنفيه، فارسل اليه أن هلم فبايع فان الناس قد بايعوا، فأرسل اليه ابن الحنفيه: اذا لم يبق احد من الناس غيري أبايعك. قال: فأبي ابن الزبير أن يتركه و أبي ابن الحنفيه أن يبايع، و جري بينهم كلام كثير، فأرسل ابن الزبير الي نفر من أصحاب ابن الحنفيه فدعاهم ثم قال لهم: اني اراكم لا تفارقون هذا الرجل، فمن انتم فاني لا أعرفكم؟ فقالوا: نحن قوم من أهل الكوفه. قال: فما ينعكم من بيعتي و قد بايعني أهل بلدكم؟ لعله قد غركم هذا المختار الكذاب! فقالوا: يا هذا! ما لنا و للمختار، اننا لو اردنا أن نكون مع المختار لما قدمنا هذه البلده، نحن قوم قد اعتزلنا امور الناس و أتينا هذا الحرم، فنزلنا لكيلا تقتل و لا نقتل


و لانؤذي و لا نؤذي، فنحن ههنا مقيمون عند هذا الرجل محمد بن علي، فاذا اجتمعت الامه علي رجل واحد دخلنا فيما دخل فيه الناس. قال: فقال عبدالله بن الزبير: فأنا لا افارقكم أو تبايعوا طائعين أو مكرهين. قالوا: فاننا لا نبايع ابدا او نري صاحبنا هذا قد بايع. قال: فغضب ابن الزبير ثم قال: و من صاحبكم؟ فوالله! ما صاحبكم هذا برضي في الدين، و لا محمود الرأي، و لا راجح العقل، و لا لهذا الأمر بأهل. قال: فقال له رجل من القوم يقال له معاذ بن هاني ء: أيها الرجل! اننا لا ندري ما يقول، ولكنا رايناه علي مثل هدأنا و أمرنا و طريقتنا، و قد اعتزل الناس و ما هم فيه، و نحن قعود بهذا الحرم لكيلا نقتل و لا نوذي الي أن يجمع الله أمر الامه علي ما شاء من خلقه، فندخل فيما دخل فيه الاسود و الابيض، فاجبناه علي ذلك و لزمنا هديه و طريقته و مذهبه، و مع ذلك فانه لا يعيش والسلام، و لا يكافي ء بالسوء و لا يغتاب الغائب و لا يمكر به، ثم انه قد أمرنا أن نكف ايدينا و لا نسفك دماءنا، ففعلنا ما أمرنا به، و لعمري يابن الزبير! لئن لم يخالفك احد من الناس الا كخلافنا اياك فانه لم يدخل عليك في ذلك شي ء من الضرر. قال: ثم تقدم عبدالله بن هاني ء و هو أخو هذا المتكلم فقال: يابن الزبير! اننا قد سمعن كلامك و ما ذكرت به ابن عمك من السوء، و نحن اعلم به منك و أطول له معاشره، و هو والله الرجل البر، الطيب الطعمه، الكريم الطبيعه، الطاهر الأخلاق، الصادق النيه، و هو من ذلك انصح لهذه الأمه منك، لانك انت رجل تدعو الناس الي بيعتك، فمن لا يبايعك استحللت ماله و دمه، و هو رجل لا يري ذلك، و بعد يابن الزبير فاننا ما خليناك و تركنا هذا الامر أن تكونوا ولاه علينا الا لمكان الرسول محمد صلي الله عليه و آله، لأنكم


اولي الناس بمنزلته و ميراثه و قيامه في امته، اذ كنتم من قريش، فإننا سلمنا اليكم هذا الامر من هذا الطريق، فان انتم عدلتم بينكم كما عدلنا عليكم علمت انت خاصه أن صاحبنا هذا محمد بن علي هو أهل لهذا الامر و أولي الناس به، لمكان ابيه علي بن أبي طالب عليه السلام، فان ابيت أن تقر بهذا الامر انه مكذب فاننا وجدناه رجلا من صالحي العرب، معروف الحسب، ثابت النسب، ابن اميرالمومنين، و ابن أول ذكر صلي مع النبي صلي الله عليه و آله. قال: فغضب ابن الزبير و قال: من ههنا أهزوه و أوجوه في قفاه! قال ابن هاني ء: يابن الزبير إن حرم الرحمن و جوار البيت الحرام الذي من دخله كان آمنا. قال: ثم تقدم أبوالطفيل عامر بن واثله الكناني فقال: يابن الزبير! (إن تريد الا أن تكون جبارا في الارض و ما تريد أن تكون من المصلحين) [1] .

فقال ابن الزبير: و انت ههنا يابن واثله؟ فقال: نعم أنا ههنا يابن الزبير! فاتق الله و لا تكن ممن (اذا قيل له اتق الله اخذته العزه بالإثم). [2] قال: افلا تسمع الي كلام هذا الرجل الذي يضرب لي الامثال و يأتيني بالمقاييس؟ فقال عبدالله بن هاني ء: (اني عذت بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب). [3] .


قال: فازداد غضب ابن الزبير ثم (قال) لاصحابه: ادفعوهم عني، فإنهم بئس العصابه. قال: فأخرجوا من بين يديه و اقبلوا الي محمد ابن الحنفيه فاخبروه بما كان بينهم و بين ابن الزبير، فقال لهم: جزاكم الله عني من قوم خير الجزاء! أما ! إني اتقي عليكم من هذا المسرف عي نفسه، و اري لكم من الرأي أن تعتزلوني و تكونوا قريبا مني الي أن تنظروا ما يكون من عاقبه أمري و أمره، فاني اكره أن تكونوا معي و لعله ينالكم منه أمر اغتم لكم منه. قال: فقال أبوالطفيل عامر بن واثله الكناني: جعلت فداك يابن اميرالمومنين! والله ما أنطق الا بما في قلبي، و لا اخبر الا عن نفسي، و أنا اشهد الله في وقتي هذا اني قد رضيت أن اقتل أن قتلت، و أن أوسر أن اسرت، و أن احبس أن حبست، و أن اشبع أن شبعت، و أن اجوع أن جعت، و أن اظمأ أن ظمئت، و لا والله لا افارقك في عسر و لا يسر و لا ضيق و لا جهد ما اردتني و قبلتني! اري لك ذلك علي فرضا واجبا و حقا لازما، و ما لا أبغي به منك جزاء و اكرأما، و لا اريد بذلك الا ثواب الله و الدار الآخره و دفع الظلم عن أهل بيت محمد صلي الله عليه و آله. قال: ثم وثب معاذ بن هاني ء الكندي فقال: جعلت فداك! نحن شيعتك و شيعه ابيك من قبلك، نؤاسيك بأنفسنا، و نقيك بأيدينا، و نحن معك علي الخوف و الأمن و الخصب و الجدب، الي أن ياتيك الله تبارك و تعالي بالفرج من عنده: غضب ابن الزبير بذلك أم رضي. قال: فقال محمد ابن الحنفيه: أن قدرتم علي ذلك فانا أستانس بكم، و أن عرضت لكم مآرب و أشغال فانتم في اوسع العذر.


قال: فبينا القوم كذلك اذا بعمر بن عروه بن الزبير قد اقبل حتي دخل علي محمد ابن الحنفيه فسلم ثم قال: أن اميرالمومنين يقول لك: هلم فبايع انت و اصحابك هؤلاء الذين معك، فانكم (أن) لم تفعلوا حبستكم و اطلت حبسكم. قال: فسكت القوم و اقبل عليه ابن الحنفيه فقال له: ارجع الي عمك فقل له: يقول لك محمد بن علي: يابن الزبير! اصبحت منتهكا للحرمه، متلبثا في الفتنه جريا علي نفسك الدم الحرام، فعش رويدا، فان أمامك عقبه كؤودا، و حسأبا طويلا، سولا حفيا، و كتابا لا يغادر صغيره و لا كبيره الا احصاها، و بعد فوالله لا بايعتك ابدا او لا يبقي احد الا بايعك، فاقض ما انت قاض! قال: فرجع عمر بن عروه بن الزبير الي عمه عبدالله بن الزبير فأخبره بذلك. قال: و هم أصحاب محمد ابن الحنفيه بالثوب علي عبدالله بن الزبير. فقال لهم محمد: مهلا يا قوم! لا تفعلوا فوالله ما احب اني أمرتكم بقتل حبشي اجدع و انه أجمع لي بعد ذلك سلطان العرب قاطبه من المشرق الي المغرب. قال: و خشي عبدالله بن الزبير أن يتداعي الناس الي الرضا محمد ابن الحنفيه اذا كان له مثل المختار بالكوفه فكأنه هم بالاساءه و بأصحابه. قال: و علم ابن الحنفيه بذلك فكتب الي المختار.


پاورقي

[1] سوره القصص، الآيه 19.

[2] سوره البقره الآيه 206.

[3] سوره غافر، الآيه 27.