بازگشت

ذكر خروج سليمان بن صرد و اصحابه الي قتال اهل الشام


قال: و نادي سليمان بن صرد في اصحابه. فجعلوا يخرجون من منازلهم علي الخيل

العتاق و قد أظهروا الآله و السلاح، فجعلوا يسيرون في اسواق الكوفه، و الناس يدعون لهم بالنصر و الظفر، [1] حتي اذا صاروا الي النخيله عسكروا بها. قال: و خروج سليمان بن صرد من الكوفه في نفر من أصحابه، حتي اذا اشرف علي اصحابه و عسكره لم يعجبه ما راي من قله الناس، فدعا برجلين من اصحابه حكيم بن منقذ الكندي و الوليد بن غصين الكناني فقال لهما: اركبا فمرا بالكوفه، و ناديا في الناس: من اراد الجنه و رضاء الله و التوبه فليلحق بسليمان بن صرد الي النخيله! قال: ففعلا ما امرهما به و ناديا في الكوفه. قال: و سمع ذلك رجل من الأزد يقال له عبدالله بن خازم و له امراه يقال لها سهله بنت سبره، فلما سمع النداء و ثب الي ثيابه فلبسها، و أفرغ عليه سلاحه و أمر باسراج فرسه، فقال له ابنته: ما لي اراك متأهبا؟ [2] .


فقال: ان اباك يريد ان يفر من ذنوبه، فقالت له امرأته: ما شأنك؟ ويحك! خبرني قضيتك. فقال: ويحك ايتها المرأه! اني سمعت الداعي فاحببت ان اجيبه، و انا اطلب بدم الحسين بن علي عليه السلام و اخوته و أهل بيته عليهم السلام حتي اموت أو يقضي الله في ذلك من امره ما يحب و يرضي. قال: فقالت له امرأته: ويحك! علي من تخلف اهلك و ولدك؟ فقال: علي الله وحده. قال: ثم رفع عبدالله بن خازم طرفه نحو السماء فقال: اللهم اني أستودعك اهلي و ولدي فاحفظني فيهم، و تب علي مما فرطت في نصره ابن بنت نبيك محمد صلي الله عليه و آله. قال: ثم خرج حتي لحق سليمان بن صرد. قال: فعرض سليمان أصحابه، و كانوا في ديوانه قبل ان يقدم المختار الي الكوفه، سته عشر ألفا، فلما كان ذلك اليوم عرضهم اذا هم الف رجل أو يزيدون قيلا. فقال سليمان بن صرد: ما اظن هؤلاء مومنين، اما يخافون الله في الذين أعطونا من صفقه ايمانهم. [3] فقال له المسيب بن نجبه الفزاري: انه لا ينفعك الكاره، و لا يقاتل معك الا من خرج من نفسه، لا تنتظرون احدا واكمش [4] امرك و استعن بالله و توكل عليه، و قل: لا حول و لا قوه الا بالله.


قال: فعندها و ثب سليمان قائما علي قدميه متكئا علي فرس له عربيه فقال: ايها الناس! انه من كان انما اخرجته معنا اراده الله و ثواب الآخره فذاك منا و نحن منه و رحمه الله عليه حيا و ميتا، و من كان يريد متاع الدنيا و حرثها فلا والله! ما معنا فضه و لا ذهب، [5] و لسنا نمضي الي شي ء نحوزه و لا الي غنيمه ناخذها، و ما هي الا سيوفنا في رقابنا، و رماحنا في اكفنا، و معنا زاد بقدر البلغه الي لقاء عدونا عبيدالله بن زياد- لعنه الله- و اصحابه! فمن كان ينوي غير هذا فلا يصحبنا.

فقال له صخير بن حذيفه بن هلال المزني: صدقت رحمك الله! والله ما لنا خير في صحبه من الدنيا (همته و نيته)، [6] و ما اخرجنا الا التوبه من ذنوبنا و الطلب بدماء اهل بيت نبينا محمد صلي الله عليه و آله، و قد علمنا انا انما نقدم علي حد السيوف و اطراف الرماح.

قال: فناداه الناس من كل جانب: الا انا لا نطلب الدنيا و لا [7] لها خرجنا.

قال: و تهيا الناس للمسير و زموا علي ذلك، و جعل عبدالله بن عوف بن الاحمر الازدي يحرض الناس علي ذلك و يذكر ما كان منه، فبدأ ذلك في ايام صفين و حروبها، فانشا يقول:



صحوت و ودعت الصبا و الغوانيا

و قلت لاصحابي: اجيبوا المناديا



و قولوا له اذ قام الي الهدي

و قتل العدي: لبيك لبيك داعيا



و شدوا له اذ سعر الحرب ازره

ليجزي امرؤ يوما بما كان ساعيا



و قودوا الي الأعداء كل طمره

و قودوا اليكم سانحات المذاكيا






و سيروا الي القوم المحلين جنه

و هزوا حرأبا نحوهم و عواليها



السنا باصحاب الحريبه و الاولي

قتلنا بها ما كان حيران باغيا



و نحن شمرنا لابن هند بجحفل

كركن حوي يرجي اليه الدواهيا



فلما التقينا بين الطعن اننا

بصفين كان الاصرع المتهاديا



دلفنا فاقبلنا صدروهم بها

غداه رددناها صماء صواديا



فزدناهم من كل وجه و جانب

و جرناهم جور الدعا للمتاليا



رميناهم حتي ارانا صفوفهم

فلم تر الا ملجيا او ركابيا



و حتي ظلننا ما نري من معقل

و ألفي للقتلي جميعا قداتيا



و حتي استغاثوا بالمصاحف و اتقوا

بها وقعات يختطفن المحافيا



فدع ذا و لا تياس له من ثوابه

وتب و اغز للرحمن ان كنت غازيا



الا وانع خير الناس جدا و والدا

حسينا لأهل الدين ان كنت ناعيا



ليبك حسينا من رعي الدين و التقي

و كان غياثا للضعيف و كافيا



ويبك حسينا كل عار و لابس

و ارمله لا تحمل الدهر حافيا



ويبك حسينا ذو امان و حفظه

عديم و أيتام عدمن المواليا



لحا الله قوما أشخصوه و عودوا

فلم ير يوما الناس منهم مواسيا



و لا موفيا بالعهد اذ حمي الوغي

و لا زاجرا عند المحلين ناهيا



و لا قائلا لا تقتلوه فيستحوا

و من يقتل الزاكين يلقي المخازيا



فلا تلق الا باكيا و مقاتلا

و ذا فخره يحمي عليه معاديا



سوي عصبه لم يتق القتل دونه

يشبهها اذ ذاك اسدا ضواريا



و قوه بأيديهم و جرد وجوههم

و باعوا الذي يفني بما هو باقيا



و أضحي حسين للرماح دريئه

و غودر مسلوبا لدي الطف ثاويا






قتيلا كأن لم تغن في الناس ليله

جزي الله قوما اسلموه المخازيا



فيا ليتني اذ ذاك كنت شهدتهم

و ضاربت عنه السائبين الأعاديا



و دافعت عنه ما استطعت مجاهدا

و اعلمت سيفي فيهم و سنانيا



ولكن قعدنا في معاشر ثبطوا

و كان قعودي ظله من ظلاليا



و انستني الايام من نكباتها

فاني لن القي لي الدهر ناسيا



فيا ليتني غودرت فيمن اجابه

و كنت له من مقطع القتل واديا



و يا ليتني اخطرت عنه باسرتي

و اهلي و خلاني جميعا و ماليا



سقي الله قبرا ضمن المجد و التقي

بغربيه الطف الغامام الغواديا



فتي خير سيم الخيف لم تقبل التي

تذل عزيزا او تجر المساويا



ولكن مضي لا يملا الروع نحره

فبورك مهديا شهيدا و هاويا



فصلي عليه الله ما هبت الصبا

و ما لاح نجم او تحدر هاويا



فلو ان صدها ريك وفاته

حصون بلاد و الجبال الرواسيا



لزال جبال الأرض من عظم فقده

و اضحي له الحصن المشيد خاويا



وقد كسفت شمس الضحي لمصابه

و اصبحت الآفاق عبرا بواكيا



فيا امه ضلت و تاهت سفاهه

انيبوا و ارضوا الواحد المتعاليا



و قوموا بحد الوال من حد سيفنا

بخيلكم و اتقوا الله عاليا



و كان شراه بالنفوس و بالقنا

جهارا و قدما كان من كل ساريا



و فتيان صدق صرعوا حول بيته

كراما و هم كانوا الولاه الاكابيا



و اخوتنا كانوا اذا الليل جهنم

تلوا طول فرقان به والمثانيا



اصابهم اهل الشقاوه و الأذي

فحتي متي لا تبعث الخيل شاميا



و حتي متي لا اعتلي بمهند

فذاك ابن وقاص و ادرك ثاريا






و اني ابن عوف انع راحه منيتي

بيوم لهم منها تشيب النواصيا



قال: و عزم سليمان بن صرد علي الرحيل: فناداه الناس من كل مكان: اي رحمك الله! انك قد عزمت علي المسير الي عبيدالله بن زياد و قد علمت ان الذي قتل الحسين عليه السلام و تولي قتله هو عمر بن سعد و اصحابه، فاين تذهب وههنا تذر الاقتال. و هم معك في البلد، ابدا بعمر بن سعد فاقتله ثم سر بنا الي غيره.

فقال سليمان بن صرد: ان عمر بن سعد ضعيفه قوته، ذليله عدته، والذي قاد الجيوش الي صاحبنا الحسين و قال له: «ما لك عندي امان دون ان تستسلم فانفذ فيك حكمي» هو الفاسق ابن الفاسق عبيدالله بن زياد، فان اظفرنا الله به رجونا ان من بعده اهون منه شوكه، و ان تستشهدوا فما عند الله خير و ابقي [8] فعليكم بالصلاه فيجوف الليل و بذكر الله تعالي كثيرا، و تقربوا اليه ما استطعتم، فانكم لن تنالوا الي ربكم بشي ء هو اكثر ثوابا من الصلاه و الجهاد، لان الصلاه عماد الدين و الجها سنام العمل، و قد علمتم ان للدنيا تجارا و للآخره تجارا، فاما ساع لثوابها لا يشتري بها ثمنا قليلا، و يؤمل منها ثوابا جزيلا، يظل قائما و قاعدا، و يبيت راكعا و ساجدا، لا يطلب فضه و لا ذهبا، و لا و فرا و لا نسبا، ثم قال: ايها الناس! انا مدلجون الليل من منزلنا ان شاء الله تعالي و لا قوه الا بالله.

قال: ثم أدلج [9] سليمان بالناس ليله الجمعه من شهر ربيع الآخر لخمس مضين


منه [10] حتي نزل علي شاطي ء الفرات بموضع يقال له أقاس من بني مالك، ثم انه عرض الناس هنالك فاذا به قد نقص منهم الف و مائه رجل- زياده او نقاصانا.

فقال لسليمان بن صرد: والله ما احب من تخلف عنكم ان يكون معكم، لانهم لو كانوا معكم ما زادوكم الا خبالا، فاحمدوا الله علي رجعتهم عنكم.

قال: و سار القوم من ليلتهم تلك الي ان اصبحوا و اشرفوا علي قبر الحسين بن علي عليه السلام، فلما عاينوه رفعوا اصواتهم بالبكاء و النحيب، [11] ثم انهم رموا انفسهم عن دوابهم و جعلوا يقولون: اللهم! انا خذلنا ابن بنت نبينا و قد أسانا و اخطانا، فاغفر لنا ما قد مضي من ذنوبنا، و تب علينا انك انت التواب الرحيم، اللهم ارحم الحسين الشهيد ابن الشهيد! [12] و ارحم اخواننا الذين حصنوا انفسهم بالشهاده، اللهم! ان لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين.

قال: ثم تقدم رجل من خيار اهل الكوفه يقال له وهب بن زمعه الجعفي حتي وقف علي القبر باكيا، ثم قال: والله لقد جعله الأعداء للسيل عرضا و للسباع مطعما! فلله حسين والله يوم حسين! لقد غادروا منه يوم وافوه ذا وفاء و صبر و عفاف و بأس و شده و امانه و نجده ابن اول المومنين و ابن بنت نبي رب العالمين، قلت حماته و كثرت عداته، فويل للقاتل، و ملامه للخاذل! ان الله تبارك و تعالي لم يجعل للقاتل حجه و لا


للخاذل معذره، الا ان يناصح الله في التوبه فيجاهد الفاسقين، فعسي الله عند ذلك يقبل التوبه و يقيل العثره.

قال: ثم أنشا يقول:



تبيت نساء من اميه نوما

و بالطف قتلي ما ينام حميمها



و ما ضيع الاسلام الا قبيله

بامر فزكاها و دام نعيمها



و عادت قناه الدين في كف ظالم

اذا مال منها جانب لا يقيمها



فاقسم لا تنفك نفسي حزينه

و عيني سفوحا لا يجف سجومها



حياتي او تلقي اميه وقعه

ينال بها حتي الممات قرومها



لقد كان في ام الكتاب و في الهدي

و في الوحي لم ينسخ لقوم علومها



فرائض في الميراث قد تعلمونها

يلوح لذي اللب البصير ارومها



بها دان من قبل المسيح ابن مريم

و من بعده لما امر بريمها



فاما لكل غير آل محمد

فيقضي بها حكامها و زعيمها



و اما لميراث الرسول و اهله

فكل براهم رمها و جسيمها



فكيف و ضلوا بعد خمسين حجه

يلام علي هلك الشراه اديمها



قال: فضج الناس بالبكاء و النحيب، فاقاموا عند القبر يومهم ذلك وليلتهم يصلون و يبكون و يتضرعون، فنادي فيهم سليمان بن صرد بالرحيل، فجعل الرجل بعد الرجل ياتي القبر فيودعه و يترحم علي الحسين عليه السلام و يستغفر [13] الله له، ثم انهم ازدحموا علي القبر كازدحامهم علي الحجر الأسود و هم يقولون: اللهم! انا قد خرجنا من الديار و الأموال، و فارقنا الاهلين و الاولاد، نريد جهاد الفاسقين المحلين، الذين


فتلوا ابن بنت نبيك، فتب علينا و ارزقنا الشهاده يا ارحم الراحيم! [14] اللهم! انا نعلم انه لو كان الجهاد فيهم بمطلع الشمس او بمغرب القمر او بمنقطع التراب لكان حقيقا علينا ان نطلبه حتي نناله، فان ذلك هو الفوز العظيم و الشهاده التي ثوابها الجنه.

قال: و سار القوم من منزل قبر الحسين عليه السلام و لزموا الطريق الأعظم، فجعل رجل منهم يقول:



خرجن يلمعن بنا ارسالا

عوابسا قد تحمل الأبطالا [15] .



نريد ان نلقي بها الاقيالا [16] .

الفاسقين [17] الغدر الضلالا



و قد رفضنا الاهل و الأموالا

و الخفرات البيض و الحجالا



زجوا به التحفه و الجمالا

لنرضي المهيمن الجلالا [18] .



قال: و سار القوم حتي بلغوا الي موضع يقال له القياده و اذا كتاب اميرالكوفه عبدالله بن يزيد الانصاري قد ورد علي سليمان بن صرد و اصحابه.



پاورقي

[1] و کان ذلک مع هلال شهر ربيع الآخر سنه 65.

[2] عن الطبري ج 5: ابنته الرواع، و کانت تحت ثبيت بن مرثد القابضي.

[3] زيد في الطبري: ليجاهدن و لينصرن، فاقام بالنخيله ثلاثا يبعث ثقاته من أصحابه الي من تخلف عنه يذکرهم الله و ما أعطوه من انفسهم فخرج اليه نحو من ألف رجل.

[4] کمش الرجل في أمره: مضي و اسرع.

[5] زيد في الطبري: و لا خز و لا حرير و ما هي الا سيوفنا في عواتقنا.

[6] زياده بن عن الطبري: اتاک الله رشدک، و لقاک حجتک.

[7] في الطبري، و ليس.

[8] في الطبري ج 5: فانما قاتلتم المحلين و ما عند الله خير للابرار و الصديقين.

[9] المدلج: السائر في اول الليل.

[10] الطبري: سنه 65 للهجره.

[11] في الطبري ج 5: فلما انتهي الناس الي قبر الحسين صاحوا صيحه واحده، وبکوا، ما رئي يوم کان اکثر باکيا منه.

[12] زيد في الطبري: المهدي ابن المهدي الصديق ابن الصديق: اللهم انا نشهدک انا علي دينهم و سبيلهم و اعداء قاتليهم و اولياء محبيهم.

[13] في الطبري: و يستغفرون.

[14] في الطبري ج 5: و قال عبدالله بن وال: اما والله اني لاظن حسينا و اباه و اخاه افضل امه محمد صلي الله عليه و آله وسيله عند الله يوم القيامه.

[15] في الطبري: عوابسا يحملننا ابطالا.

[16] الطبري: «الاقتالا». و الاقتال: جمع قتل، و هو العدو.

[17] الطبري: القاسطين.

[18] في الطبري: نرضي به ذا النعم المفضالا.