ذكر نزول الحسين بكربلاء
فقال الحسين لاصحابه: انزلوا هذا موضع كرب و بلاء، ههنا مناخ ركابنا و محط رحالنا و سفك دمائنا. قال: نزل القوم و حطوا الاثقال ناحيه من الفرات، و ضربت خيمه الحسين عليه السلام لاهله و بنيه، و ضرب عشيرته خيامهم من حول خيمته، و جلس الحسين عليه السلام و انشا يقول: [1] .
يا دهر اف لك من خليل
كم لك بالاشراق و الاصيل
من طالب و صاحب قتيل
و كل حيي عابر سبيل
ما اقرب الوعد من الرحيل
و انما الامر الي الجليل
قال: و سمعت ذلك اخت الحسين عليه السلام زينب عليهاالسلام و ام كلثوم فقالتا:يا اخي! هذا
كلام من ايقن بالقتل.
فقال: نعم يا اختاه!
فقالت زينب عليهاالسلام: [2] و اثكلاه! ليت الموت اعدمني الحياه! مات جدي رسول الله صلي الله عليه و آله، و مات ابي علي عليه السلام، و ماتت امي فاطمه عليهاالسلام، و مات اخي الحسن عليه السلام، و الآن ينعني الي الحسين نفسه. [3] .
قال: و بكت النسوه و لطمن الخدود، قال: و جعلت ام كلثوم تنادي: واجداه! وا ابي علياه! وا اماه! وا حسناه! وا حسيناه! وا ضيعتنا بعدك! وا اباعبدالله! فعذلها الحسين عليه السلام و صبرها و قال لها: يا اختاه! تعزي بعزاء الله و ارضي بقضاء الله، فان سكان السماوات يفنون و اهل الارض يموتون و جميع البريه لا يبقون، و كل شي ء هالك الا وجهه، له الحكم و اليه ترجعون، و ان لي ولك و لكل مومن و مومنه اسوه بمحمد صلي الله عليه و آله. ثم قال لهن: انظرن اذا انا قتلت فلا تشققن علي جيبا و لا تخمشن وجها.
قال: فاقبل الحر بن يزيد حتي نزل حذاء الحسين في الف فارس، ثم كتب الي عبيدالله بن زياد يخبره ان الحسين نزل بارض كربلاء.
قال: فكتب عبيدالله بن زياد الي الحسين عليه السلام: اما بعد يا حسين! فقد بلغني نزولك بكربلاء، و قد كتب الي اميرالمومنين يزيد بن معاويه ان لا اتوسد الوثير و لا اشبع من الخبز، او الحقك باللطيف الخبير او ترجع الي حكمي و حكم يزيد بن معاويه- والسلام-.
فلما ورد الكتاب قرآه الحسين عليه السلام ثم رمي به ثم قال: لا افلح قوم آثروا مرضاه انفسهم علي مرضاه الخالق. فقال له الرسول: ابا عبدالله! جواب الكتاب؟
قال: ما له عندي جواب، لانه قد حقت عليه كلمه العذاب.
فقال الرسول لابن زياد ذلك، فغضب من ذلك اشد الغضب، ثم جمع اصحابه و قال: ايها الناس! من منكم تولي قتال الحسين بن علي ولي ولايه اي بلد شاء! فلم يجبه احد بشي ء.
قال: فالتفت الي عمر بن سعد بن ابي وقاص، و قد كان عمر بن سعد قبل ذلك بايام قد عقد له عبيدالله بن زياد عقدا و ولاه الري و دستبي [4] و امره بحرب الديلم، فاراد ان يخرج اليها، فلما كان ذلك اليوم اقبل عليه ابن زياد فقال: اريد ان تخرج الي قتال الحسين بن علي عليه السلام، فاذا نحن فرغنا من شغله سرت الي عملك ان شاء الله.
فقال له عمر: ايها الامير! ان اردت ان تعفيني من قتال الحسين بن علي فافعل!
فقال: قد عفتيك فاردد الينا عهدنا الذي كتبناه لك و اجلس في منزلك نبعث غيرك، ان فقال له عمر: امهلني اليوم حتي انظر في امري!
قال: قد امهلتك.
فانصرف عمر الي منزله و جعل يستشير بعض اخوانه و من يثق به، فلم يشر عليه احد بشي ء غير انه يقول له: اتق الله و لا تفعل.
قال: و اقبل عليه حمزه بن المغيره بن شعبه و هو ابن اخته فقال: انشدك الله يا خال
ان تسير الي الحسين بن علي فانك تاثم بربك و تقطع رحمك، و ما لك و لسلطان الارض، اتق الله ان تتقدم يوم القيامه بدم الحسين ابن فاطمه. قال: فسكت عمر و في قلبه من الري.
فلما اصبح اقبل حتي دخل علي عبيدالله بن زياد فقال: ما عندك يا عمر؟
فقال: ايه الامير! انك قد وليتني هذا الامر و كتبت لي هذا العهد و قد سمع به الناس و في الكوفه اشراف- وعدهم-.
فقال له عبيدالله بن زياد: انا اعلم منك باشرافها، و ما اريد منك الا ان تكشف هذه الغمه و انت الحبيب القريب، و الا اردد علينا عهدنا و الزم منزلك فانا لا نكرهك. قال: فسكت عمر.
فقال له ابن زياد: يابن سعد! والله لئن لم تسر الي الحسين و تتول حربه و تقدم علينا بما يسوءه لا ضربن عنقك و لا نهبن اموالك.
قال: فاني سائر اليه غدا ان شاء الله، فجزاه ابن زياد خيرا و وصله و اعطاه و حياه و دفع اليه اربعه آلاف فارس و قال له: سر حتي تنزل بالحسين بن علي و انظر ان لا تهنه و لا تقتله و خل بينه و بين الفرات ان يشرب.
قال: فسار عمر في اربعه آلاف فارس، و سار الحر في الف فارس، فصار خمسه آلاف فارس.
قال: ثم دعا عمر بن سعد رجلا من اصحابه يقال له عروه بن قيس، [5] فقال له! امض يا هذا الي الحسين عليه السلام فقل له: ما تصنع في هذا الموضع؟ و ما الذي اخرجه عن
مكه و قد كان مستوطنا بها؟ فقال عروه بن قيس: ايها الامير! اني كنت اليوم اكاتب الحسين و يكاتبني و انا استحيي ان اسير اليه، فان رايت ان تبعث غيري فابعث. قال فبعث اليه رجلا يقال له فلان بن عبدالله السبيعي، [6] و كان فارسا بطلا شجاعا لا يرد وجهه عن شي ء، فقال له عمر بن سعد: امض الي الحسين فسله ما الذي اخرجه عن مكه و ما يريد.
قال: فاقبل السبيعي نحو الحسين عليه السلام، ثم قال له الحسين لما رآه: ضع سيفك حتي نكلمك! فقال: لا و لا كرامه لك، انما انا رسول عمر بن سعد، فان سمعت [7] مني بلغتك ما ارسلت به، و ان ابيت انصرفت عنك.
فقال له ابوثمامه الصائدي: [8] فاني آخذ سيفك، فقال: لا والله لا يمس سيفي احد. فقال ابوثمامه: فتكلم بما تريد [9] و لا تدن من الحسين عليه السلام، فانك رجل فاسق. قال: فغضب السبيعي و رجع الي عمر بن سعد و قال: انهم لم يتركوني اصل الي الحسين عليه السلام فابلغه الرساله.
قال: فارسل اليه قره بن قيس الحنظلي فاقبل، فلما راي معسكر الحسين عليه السلام قال الحسين لاصحابه: هل تعرفون هذا؟
فقال حبيب بن مظاهر الاسدي: نعم هذا من بني تميم و قد كنت اعرفه بحسن الراي، و ما ظننت انه يشهد هذا المشهد.
قال: و تقدم الحنظلي حتي وقف بين يدي الحسين عليه السلام فسلم عليه و ابلغه رساله عمر بن سعد.
فقال: يا هذا، اعلم صاحبك عني اني لم ارد الي ههنا حتي كتب الي اهل مصركم ان يبايعونني و لا يخذلوني و ينصروني، فاني كرهوني انصرف [10] عنهم من حيث جئت.
قال: ثم وثب اليه حبيب بن مظاهر [11] الاسدي، فقال: ويحك يا قره! عهدي بك و انت حسن الراي في اهل البيت فما الذي غيرك حتي اتينا في هذه الرساله؟ فاقم عندنا و انصر هذا الرجل!
فقال الحنظلي: لقد قلت الحق، ولكني ارجع الي صاحبي بجواب رسالته و انظر في ذلك.
قال: فانصرف الحنظلي الي عمر بن سعد و خبره بمقاله الحسين عليه السلام، [12] و كتب عمر بن سعد الي عبيدالله بن زياد بذلك، [13] فكتب اليه يحرضه علي قتله. [14] .
فقال: انا لله و انا اليه راجعون، يابن زياد كانك لا تعرف العواقب! والله المستعان.
پاورقي
[1] الابيات في الطبري:
يا دهر اف لک من خليل
کم لک بالاشراق و الاصيل
من صاحب او طالب قتيل
و الدهر لا ينقع بالبديل
و انما الامر الي الجليل
و کل حي سالک السبيل.
[2] انظر مقاله زينب عليهاالسلام في الطبري.
[3] زيد في الطبري: يا خليفه الماضي، و ثمال الباقي.
[4] الدستبي: منطقه کبيره مقسومه کانت بين الري و همدان فقسم منها يسمي دسبتي الرازي و هم يقارب التسعين قريه، و قسم منها يسمي دستبي همذان و هو عده قري.
[5] في الطبري: «عزره بن قيس الاحمسي».
[6] في الطبري: کثير بن عبدالله الشعبي.
[7] الطبري: سمعتم مني ابلغتکم... و ان ابيتم.
[8] في الاصل: «الصيداوي» و ما اثبت عن الطبري.
[9] زيد في الطبري، ؤانا ابلغه عنک.
[10] بالاصل:«انصرفت».
[11] بالاصل: «مطهر».
[12] زيد في الطبري: «فقال له عمر بن سعد: اني لارجو ان يعافيني الله من حربه و قتاله».
[13] نسخه کتابه في الطبري: «بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فاني نزلت بالحسين بعثت اليه رسولي، فسالته عما اقدمه، و ماذا يطلب و يسال، فقال: کتب الي اهل هذه البلاد و اتتني رسلهم، فسالوني القدوم ففعلت، فاما اذ کرهوني فبدا لهم غير ما اتتني به رسلهم فانا منصرف عنهم.
[14] نسخه کتاب عبيدالله بن زياد في الطبري: «بسم الله الرحمن الرحيم، اما بعد، فقد بلغني کتابک، و فهمت ما ذکرت، فاعرض علي الحسين ان يبايع ليزيد بن معاويه هو و جميع اصحابه، فاذا فعلوا ذلک راينا راينا والسلام»
و في الطبري: «فلما اتي عمر بن سعد الکتاب قال: قد حسبت ان لا يقبل ابن زياد العافيه ».