بازگشت

ابتداء اخبار الحسين بن علي


قال: و بلغ الحسين بن علي بان مسلم بن عقيل قد قتل- رحمه الله- و ذلك انه قدم عليه رجل من اهل الكوفه فقال له الحسين عليه السلام: من اين اقبلت؟

قال: من الكوفه، و ما خرجت منها حتي نظرت مسلم بن عقيل و هاني ء بن عروه المذحجي رحمهما الله فتليلين مصلوبين منكسين [1] في سوق القاصبين. و قد وجه براسيهما الي يزيد بن معاويه قال: فاستعبر الحسين باكيا ثم قال: انا لله و انا اليه راجعون.


ثم انه عزم علي المسير الي العراق، فدخل عليه عمرو بن عبدالرحمن (بن الحارث)بن هشام المخزومي. فقال: يابن بنت رسول الله! اني اتيت اليك بحاجه اريد ان اذكرها لك فانا غير غاش لك فيها، فهلك ان تسمعها؟

فقال الحسين عليه السلام: هات فوالله ما انت عندي بمسي ء الراي، فقل ما احببت!

فقال: قد بلغني انك تريد العراق و اني مشفق عليك من ذلك، انك ترد الي قوم فيهم الامراء و معهم بيوت الاموال و لا آمن عليك ان يقاتلك من انت احب اليه من ابيه و امه ميلا الي الدنيا و الدرهم، [2] فاتق الهل و لا تخرج من هذا الحرم.

فقال له الحسين عليه السلام: جزاك الله خيرا يا بن عم! فقد علمت انك امرت بنصح، و مهما يقضي الله من امر فهو كائن اخذت برايك ام تركته.

قال: فانصرف عنه عمر بن عبدالرحمن و هو يقول:



رب مستنصح سيعصي و يوذي

و نصيح بالغيب يلفي نصيحا [3] .



قال: و قدم ابن عباس في تلك الايام الي مكه، و قد بلغه ان الحسين عليه السلام يريد ان يصير الي العراق، فاقبل حتي دخل عليه مسلما.

فقال: جعلت فداك يابن بنت رسول الله! انه قد شاع الخبر في الناس و ارجفوا [4] بانك سائر الي العراق فبين لي ما انت صانع!


فقال الحسين: نعم، اني ازمعت [5] علي ذلك في ايامي هذه ان شاء الله و لا قوه الا بالله.

فقال ابن عباس رحمه الله: اعيذك بالله من ذلك! فان تصر الي قوم قد قتلوا اميرهم و ضبطوا بلادهم و نفوا عدوهم، في مسرك اليهم لعمري الرشاد و السداد، و ان كانوا انما دعوك اليهم و اميرهم قاهر لهم و عمالهم يجبون بلادهم، و انما دعوك الي الحرب و القتال، و انك تعلم انه بلد قد قتل فيه ابوك و اغتيل فيه اخوك و قتل فيه ابن عمك و بويع يزيد بن معاويه، و عبيدالله بن زياد في البلد يعطي و يفرض، و الناس اليوم انما هم عبيدالدينار و الدرهم، و لا آمن عليك ان تقتل، فاتق الله و الزم هذا الحرم.

فقال له الحسين عليه السلام: والله ان اقتل بالعراق احب الي من ان اقتل بمكه،و ما قضي الله فهو كائن، و انا مع ذلك استخير الله و انظر ما يكون. [6] .

ثم بعد ذلك اقبل عبدالله بن عباس اليه فدخل و قال: يابن بنت رسول الله! اني قد رايت رايين ان قبلت مني!

فقال الحسين عليه السلام: و ما ذاك؟

قال: تخرج الي بلاد اليمن، فان فيها حصونا و شعوبا و هي ارض عريضه طويله، و ان لك بها شيعه و انت عن الناس في عزله، فاذا استوطنت بها اكبت الي الناس و اعلمهم مكانك.

فقال الحسين عليه السلام: يابن عمي! اني لا علم انك ناصح شفوق، ولكني ازمعت علي


المسير الي العراق، ولابد من ذلك. فاطرق ابن عباس رحمه الله ساعه ثم قال: يابن بنت رسول الله! ان كنت قد ازمعت ولابد لك من ذلك فلا تسر بنسائك و اولادك فاني خائف عليك ان تقتل كما قتل عثمان بن عفان و اهله و ولده ينظرون اليه و لا يقدرون له علي حيله، والله يابن بنت رسول الله لقد اقررت عين ابن الزبير بخروجك عن مكه و تخليتك اياه هذا البلد، و هو اليوم لا ينظر اليه فاذا خرجت نظر اليه الناس بعد ذلك.

فقال الحسين عليه السلام: اني استخير الله تعالي في هذا الامر ماذا يكون.

قال: فخرج ابن عباس من عنده و هو يقول: واحبيباه! ثم مر ابن عباس بابن الزبير و جعل يقول: [7] .



يا لك من قبره بمعمر

خلا لك الجو فبيضي و اصفري



و نقري ما شئت ان تنقري

قد رفع الفخ فماذا تحذري



لابد من اخذك يوما فاصبري

قال: ثم اقبل ابن عباس الي عبدالله بن الزبير فقال: قرت عيناك يابن الزبير! هذا الحسين بن علي عليه السلام يخرج الي العراق و يخليك و الحجاز.



و انتقل الخبر باهل المدنيه ان الحسين بن علي يريد الخروج الي العراق، فكتب اليه عبدالله بن جعفر: [8] .

بسم الله الرحمن الرحيم، للحسين بن علي، من عبدالله بن جعفر، اما بعد! انشدك الله ان لا تخرج عن مكه، فاني خائف عليك من هذا الامر الذي قد ازمعت عليه ان


يكون فيه هلاكك و اهل بيتك، فانك ان قتلت اخاف ان يطفي ء نور الارض، و انت روح الهدي و اميرالمومنين، فلا تعجل بالمسير الي العراق فاني آخذ لك الامان من يزيد و جميع بني اميه علي نفسك و مالك و ولدك و اهل بيتك- والسلام-.

قال: فكتب اليه الحسين بن علي عليه السلام: اما بعد! ان كتابك ورد علي فقراته و فهمت ما ذكرت، و اعلمك اتي رايت جدي رسول الله صلي الله عليه و آله في منامي فخبرني بامر و انا ماض له، لي كان او علي؛ والله يابن عمي لو كنت في حجر هامه من هوام الارض لاستخرجوني و يقتلوني؛ والله يابن عمي ليعدين علي كما عدت اليهود علي السبت- والسلام-.

قال: و كتب اليه سعيد بن العاص من المدينه: اما بعد! فقد بلغني انك قد عزمت علي الخروج الي العراق و قد علمت ما نزل بابن عمك مسلم بن عقيل رحمه الله و شيعته، و انا اعيذك بالله من الشيطان فاني خائف عليك منه الهلاك، و قد بعثت اليك بابني [9] يحيي بن سعيد فاقبل الي معه فلك عندنا الامان و الصله و البر و الاحسان و حسن الجوار، والله لك بذلك علي شهيد و وكيل و مراع و كفيل- والسلام-.

فكتب اليه الحسين بن علي عليه السلام: اما بعد! فانه لن يشاق [10] من دعا الي الله و عمل صالحا و قال انني من المسلمين، و قد دعوت الي البر و الاحسان، و خير الامان امان الله، و نحن نسال الله لنا و لك في الدنيا و الآخره عملا زكيا، فان كنت نويت في كتابك هذا الي من بري و صلتي فجزيت بذلك خيرا في الدنيا و الآخره- والسلام-.


قال: و اذا كتاب يزيد بن معاويه قد اقبل من الشام الي اهل المدينه علي البريد من قريش و غيرهم من بني هاشم، و فيه هذه الابيات:



يا ايها الراكب الغدي لطيته

علي عذا فره في سيره قحم



ابلغ قريشا علي ناي المزار بها

بيني و بين الحسين الله و الرحم



و موقف بفناء البيت ينشده

عهد الاله و ما توفي به الذمم



غنيتم قومكم فخرا بامكم

ام لعمري حصان بره كرم



هي التي لا يداني فضلها احد

بنت الرسول و خير الناس قد علموا



و فضلها لكم فضل و غيركم

من يومكم لهم في فضلها قسم



اني لاعلم حقا غير ما كذب

و الطرف يصدق احيانا و يقتصم



ان سوف يدرككم ما تدعون بها

قتلي تهاداكم العقبان و الرخم



يا قومنا لا تشبوا الحرب اذ سكنت

تمسكوا بحبال الخير و اعتصموا



قد غرت الحرب من قد كان قبلكم

من القرون و قد بادت بها الامم



فانصفوا قومكم لا تهلكوا بذخا

فرب ذي بذخ زلت به القدم



قال: فنظر اهل المدينه الي هذه الابيات ثم وجهوا بها و بالكتاب الي الحسين بن علي عليه السلام، فلما نظر فيه علم انه كتاب يزيد بن معاويه، فكتب الحسين عليه السلام الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، (فان كذبوك فقل لي عملي و لكم عملكم انتم بريئون مما اعمل و انا بري ء مما تعلمون)- والسلام-.

قال: ثم جمع الحسين اصحابه الذين قد عزموا علي الخروج معه الي العراق، فاعطي كل واحد منهم عشره دنانير و جملا يحمل عليه زاده و رحله، ثم انه طاف بالبيت و بالصفا و المروه، و تهيا للخروج، فحمل بناته و اخواته علي المحامل.



پاورقي

[1] بالاصل، قتيلان مصلوبان منکسان.

[2] زياده عن الطبري ج 4: و انما الناس عبيد لهذا الدرهم و الدينار.

[3] البيت في الطبري:



رب مستنصح يغش ويردي

و ظين بالغيب يلقي نصيحا.

[4] ارجف: خاض في الاخبار و الاحاديث الباطله.

[5] الطبري: اجمعت المسير في احد يومي هذين.

[6] زيد في الطبري هنا انه بعد خروج ابن عباس، اتاه ابن الزبير فحدثه ساعه.

[7] الارجاز في الطبري ج 4، و هي تنسب الي طرفه بن العبد.

[8] الطبري: «و بعث کتابه الي الحسين مع ابنيه عون و محمد».

[9] کذا، و في الطبري عبدالله بن جعفر و يحيي بن سعيد (و هو اخو عمرو بن سعيد صاحب الکتاب).

[10] في الطبري: فانه لم يشاقق.