بازگشت

ذكر مسلم بن عقيل و خروجه علي عبيدالله ابن زياد


قال: و اقبل مسلم بن عقيل رحمه الله في وقته ذلك عليه و بين يديه ثمانيه عشر الفا او يزديدون، [1] و بين يديه الاعلام و شاكو السلاح ، و هم في ذالك يشتمون عبيدالله بن زياد و يلعنون اباه.

قال: و ركب اصحاب عبيدالله و اختلط القوم، فقاتلوا قتالا شديدا، و عبيدالله بن زياد و جماعه من اهل الكوفه قد اشرفوا علي جدار القصر ينظرون الي محاربه الناس.

قال: و جعل رجل من اصحاب عبيدالله بن زياد اسمه كثير بن شهاب ينادي من


اعلي القصر باعلي صوته: الا يا شيعه مسلم بن عقيل! الا يا شيعه الحسين بن علي! الله، الله في انفسكم و في اهاليكم و اولادكم، فان جنود اهل الشام قد اقبلت، و ان الامير عبيدالله بن زياد قد عاهد الله لئن اقمتم علي حربكم و لم تنصرفوا من يومكم هذا ليحرمنكم العطاء و ليفرقن مقاتلتكم في مغازي اهل الشام، و لياخذن البري ء بالسقيم و الشاهد بالغائب، حتي لا يبقي منكم بقيه من اهل المعصيه الا اذاقها و بال امرها. [2] .

قال: فلما سمع الناس ذلك تفرقوا و تحادوا علي مسلم بن عقيل رحمه الله، و يقول بعضهم لبعض: ما نصنع بتعجيل الفتنه و غدا تاتينا جموع اهل الشام، ينبغي لنا ان نفعل في منزلنا و ندع هولاء القوم حتي يصلح الله ذات بينهم.

قال: ثم جعل القوم يتسللون و النهار يمضي، فما غابت الشمس حتي بقي مسلم بن عقيل في عشره [3] افراس من اصحابه لا اقل و لا اكثر و اختلط الظلام؛ فدخل مسلم بن عقيل المسجد الاعظم ليصلي المغرب و تفرق عنه العشره. فلما راي ذلك استوي علي فرسه و مضي في بعض ازقه الكوفه، و قد اثخن بالجراحات حتي صار الي دار امراه يقال لها طوعه، و قد كانت فيما مضي امراه قيس الكندي فتزوجها رجل من حضر


موت يقال له [4] اسد بن البطين فاولدها ولدا يقال له اسد. و كانت المراه واقفه علي باب دارها، فسلم عليها مسلم بن عقيل، فردت عليه السلام ثم قالت: ما حاجتك؟

قال: اسقيني شربه من الماء فقد بلغ مني العطش، قال: فسقته حتي روي فجلس علي بابها.

فقالت: يا عبدالله! ما لك جالس اما شربت؟

فقال: بلي والله [5] ولكني ما لي بالكوفه منزل، و اني غريب قد خذلني من كنت اثق به، فهل لك في معروف تصطنعيه الي فاني رجل من اهل بيت شرف و كرم، و مثلي من يكافي ء بالاحسان.

فقالت: و كيف ذلك؟ و من انت؟

فقال مسلم رحمه الله: خلي هذا الكلام و ادخليني منزلت عسي الله ان يكافئك غدا بالجنه.

فقالت: يا عبدالله! خبرني اسمك و لا تكتمني شيئا من امرك، فاني اكره ان يدخل منزلي من قبل معرفه خبرك و هذه الفتنه قائمه، و هذا عبيدالله بن زياد بالكوفه.

فقال لها مسبم بن عقيل: انك لو عرفتني حق المعرفه لادخلتني دارك، انا مسلم بن عقيل بن ابي طالب!

فقالت المراه: ثم فادخل رحمك الله! فادخلته منزلها و جاءته بالمصباح و بالطعام فابي ان ياكل.


فلم يكن باسرع من ان جاء ابنها فلما اتي وجد امه تكثر دخولها و خروجها الي بيت هناك و هي باكيه، فقال لها: يا اماه! ان امرك يريبني لدخولك هذا البيت و خروجك منه باكيه، ما قصتك؟

فقالت: يا ولداه! اني مخبرتك بشي ء لا تفشه لاحد. [6] .

فقال لها: قولي ما احببت.

فقالت: له: يا بني! ان مسلم بن عقيل في ذلك البيت و قد كان من قصته كذا و كذا.

قال: فسكت الغلام و لم يقل شيئا، ثم اخذ مضجعه و نام.

فلما كان من الغد نادي عبيدالله بن زياد في الناس ان يجتمعوا، ثم خرج من القصر و اتي الي المسجد الاعظم فصعد المنبر فحمد الله و اثني علي، ثم قال: ايها الناس! ان مسلم بن عقيل اتي هذا البلاد و اظهر العناد و شق العصا و قد برئت الذمه من رجل اصبناه [7] في داره، و من جاء به فله ديته، اتقوا الله عباد الله و الزموا طاعتكم و بيعتكم، و لا تعجلوا علي انفسكم سبيلا، و من اتاني بمسلم بن عقيل فله عشره آلاف درهم و المنزله الرفيعه من يزيد بن معاويه و له في كل يوم حاجه مقضيه- والسلام-.

ثم نزل عن المنبر و دعا الحصين بن نمير السكوني [8] فقال: ثكلتك امك ان فاتتك سكه من سكك الكوفه لم تطبق علي اهلها او ياتوك بمسلم بن عقيل! فوالله لئن خرج من الكوفه سالما لنريقن انفسنا في طلبه، فانطلق الآن فقد سلطتك علي دور الكوفه


و سككها، فانصب المراصد وجد الطلب حتي تاتيني بهذا الرجل.

قال: [9] و اقبل محمد بن الاشعث حتي دخل علي عبيدالله بن زياد، فلما رآه قال: مرحبا بمن لايتهم [10] في مشوره! ثم ادناه و اقعده الي جنبه. و اقبل ابن تلك المراه التي مسلم بن عقيل في دارها الي عبدالرحمن بن محمد بن الاشعث فخبره بمكان مسلم بن عقيل عند امه.

فقال له عبدالرحمن: اسكت الآن و لا تعلم بهذا احدا من الناس.

قال: ثم اقبل عبدالرحمن بن محمد الي ابيه فساره في اذنه و قال: ان مسلما في دار طوعه، ثم تنحي عنه.

فقال عبيدالله بن زياد: ما الذي قال لك عبدالرحمن؟

فقال: اصلح الله الامير! البشاره العظمي.

فقال: و ما ذاك؟ و مثلك من بشر بخير.

فقال: ان ابني هذا يخبرني ان مسلم بن عقيل في دار طوعه عند مولاه لنا.

قال: فسر بذلك، ثم قال: قم فات به ولك ما بذلت من الجائزه احظ الاوفي.

قال: ثم امر عبيدالله بن زياد خليفته عمرو بن حريث المخزومي ان يبعث مع محمد بن الاشعث ثلاثمائه راجل [11] من صناديد اصحابه.


قال: فركب محمد بن الاشعث حتي وافي الدار التي فيها مسلم بن عقيل.

قال: و سمع مسلم بن عقيل وقع حوافر الخيل و زعقات الرجال فعلم انه قد اتي في طلبه، فبادر رحمه الله الي فرسه فاسرجه و الجمه، وصب عليه درعه، و اعتجر بعمامه، و تقلد بسيفه، و القوم يرمون الدار بالحجاره، و يلهبون النار في نواحي القصب.

قال: فتبسم مسلم رحمه الله، ثم قال: يا نفس! اخرجي الي الموت الذي ليس منه محيص و لا عنه محيد، ثم قال للمراه: اي رحمك الله و جزاك عني خيرا! اعلمي انما اوتيت من قبل ابنك، ولكن افتحي الباب.

قال: ففتحت الباب، و خرج مسلم في وجوه القوم كانه اسد مغضب، فجعل يضاربهم بسيفه حتي قتل منهم جماعه. [12] .

و بلغ ذلك عبيدالله بن زياد، فارسل الي محمد بن الاشعث و قال: سبحان الله يا عبدالله! بعثناك الي رجل واحد تاتينا به فاثلم في اصحابي ثلمه عظيمه. فارسل اليه محمد بن الاشعث: ايها الامير! اما تعلم انك بعثتني الي اسد ضرغام و سيف حسام، في كف بطل همام، من آل خير الانام.

قال: فارس اليه عبيدالله بن زياد ان اعطه الامان، فانك لن تقدر عليه الا بالامان. فجعل محمد بن الاشعث يقول: وحيك يابن عقيل! لاتقتل نفسك، لك الامان!

و مسلم بن عقيل يقول: لا حاجه الي امان الغدره، ثم جعل يقاتلهم و هو يقول: [13] .






اقسمت لا اقتل الا حرا

و لو وجدت الموت كاسا مرا



اكره ان اخدع او اغرا

كل امري ء يوما يلاقي شرا



اضربكم و لا اخاف ضرا



قال: فناداه محمد بن الاشعث و قال: ويحك يابن عقيل! انك لا تكذب و لا تغرء، القوم ليسوا بقاتليك فلا تقتل نفسك.

قال: فلم يلتفت مسلم بن عقيل رحمه الله الي كلام ابن الاشعث و جعل يقاتل حتي اثخن بالجراح و ضعف عن القتال، و تكاثروا عليه فجعلوا يرمونه بالنيل و الحجاره.

فقال مسلم: و ويلكم! ما لكم ترمونني بالحجاره كما ترمي الكفار! و انا من اهل بيت الانبياء الابرار، و يلكم! اما ترعون حق رسول الله صلي الله عليه و آله و ذريته.

قال: ثم حمل عليهم علي ضعفه فكسرهم و فرقهم في الدروب، ثم رجع و اسند ظهره الي باب دار هناك، فرجع القوم اليه فصاح بهم محمد بن الاشعث: ذروه حتي اكلمه بما يريد.

قال: ثم دنا منه ابن الاشعث حتي وقف قبالته و قال: ويلك يابن عقيل! لا تقتل نفسك، انت آمن و دمك في عنقي.

فقال له مسلم: اتظن يابن الاشعث اني اعطي بيدي ابدا و انا اقدر علي القتال! لا والله لا كان ذلك ابدا! ثم حمل علي حتي القحه باصحابه. ثم رجع موضعه فوقف و قال: اللهم! ان العطش قد بلغ مني.


قال: فلم يجسر احد ان يسقيه الماء و لا قرب منه.

فاقبل ابن الاشعث علي اصحابه و قال: ويلكم! ان هذا لهو العار و الفشل ان تجزعوا من رجل واحد هذا الجزع، احملوا عليه باجمعكم حمله واحده.

قال: فحلموا عليه و حمل عليهم، فقصده من اهل الكوفه رجل يقال له بكير بن حمران الاحمري، فاختلفا بضرتبين فضربه بكير ضربه علي شفته العليا، [14] و ضربه مسلم بن عقيل ضربه فسقط الي الارض قتيلا: قال: فطعن من ورائه طعنه فسقط في الارض، فاخذ اسيرا، ثم اخذ فرسه و سلاحه.

و تقدم رجل من بني سليمان يقال له عبيدالله بن العباس فاخذ عمامته، فجعل يقول: اسقوني شربه من الماء!

فقال له مسلم بن عمرو الباهلي: والله لا تذوق الماء يابن عقيل او تذوق الموت! فقال له مسلم بن عقيل: ويلك يا هذا! ما اجفاك و افظك و اغلظك! اشهد عليك انك ان كنت من قريش فانك مصلق، و ان كنت من غير قريش فانك مدع الي غير ابيك، من انت يا عدو الله؟

فقال: انا من عرف الحق اذ انكرته، و نصح لامامه اذ فششته، و سمع و اطاع اذ خالفته، انا مسلم بن عمرو الباهلي!

فقال له مسلم بن عقيل: انت اولي بالخلود و الحميم، اذ آثرت طاعه بني سفيان علي طاعه الرسول محمد صلي الله عليه و آله.

ثم قال مسلم بن عقيل رحمه الله: ويحكم يا اهل الكوفه! اسقوني شربه من ماء!


فاتاه غلام [15] لعمرو بن حريث الباهلي بقله فيها ماء و قدح فيها فناو له القله، فكلما اراد ان يشرب امتلا القدح دما، فلم يقدر ان يشرب من كثره الدم و سقطت ثنيتاه في القدح، فامتنع مسلم بن عقيل رحمه الله من شرب الماء. [16] .

قال: و اتي به حتي ادخل علي عبيدالله بن زياد.


پاورقي

[1] في الطبري: عقد مسلم لعبيد الله بن عمرو بن عزيز الکندي علي ربع کنده و ربيعه، ثم عقد لمسلم بن عوسجه الاسدي علي ربع مذحج واسد- و عقد لابي ثمامه الصائدي علي ربع تميم و همدان، و عقد لعباس بن جعده الجدلي علي ربع المدينه.

[2] و کان عبيدالله بن زياد قد امر بعض اشراف اهل الکوفه ان يسيروا فيمن اطاعهم من اهل الکوفه و يخذلوا الناس عن مسلم بن عقيل. فدعا کثير بن شهاب بن الحصين الحارثي ان يخرج فيمن اطاعه من مذحج... و امر محمد بن الاشعث ان يخرج فيمن اطاعه من کنده و حضر موت.. و قال مثل ذلک للقعقاع بن ثور الذهلي و شبث بن ربعي التميمي و حجار بن ابجر العجلي و شمر بن ذي‏الجوشن العامري...

ثم جمع الاشراف اليه مجددا و قال لهم: منوا اهل الطاعه الزياده و الکرامه و خوفوا اهل المعصيه الحرمان و العقوبه و اعلموا فصول الجنود من الشام اليهم (انظر الطبري، ج 4).

[3] في الطبري: ثلاثون.

[4] في الطبري: اسيد الحضرمي، فولدت له بلالا، و کان بلال قد خرج مع الناس و امه قائمه تنتظره.

[5] في الطبري: قالت فاذهب الي اهلک، فسکت، ثم عادت فقالت مثل ذلک، فسکت، ثم قالت له: في الله، سبحان الله يا عبدالله فمر الي اهلک عافاک الله، فانه لا يصلح لک يصلح لک الجلوس علي بابي، و لا احله لک.

[6] في الطبري: و اخذت عليه الايمان، فحلف لها.

[7] الطبري: و جدناه.

[8] الطبري: حصين بن تميم.

[9] في الطبري ج 4: «فلما اصبح (يعني عبيدالله) جلس مجلسه و اذن للناس فدخلوا عليه».

[10] الطبري: بمن لا يستغش ولايتهم.

[11] في الطبري: ستين او سبعين رجلا کلهم من قيس.

[12] انظر في قتاله للقوم الطبري ج 4.

[13] في الطبري:



اقمت لا اقتل الاحرا

و ان رايت الموت شيئا نکرا



کل امري‏ء يوما ملاق سرا

و يخلط البارد سخنا مرا



رد شعاع الشمس فاستقرا

اخاف ان اکذب او اغرا.

[14] في الطبري: فضرب بکير فم مسلم فقطع شفته العليا، و اشرع السيف في السفلي، و نصلت له ثنيتاه.

[15] و في الطبري ان عماره بن عقبه بعث غلاما له يدعي قيسا فجاء، بقله عليها منديل و معه قدح فصب فيه ماء ثم سقاه، فاخذ کلما شرب امتلا القدح دما.. .

[16] زيد في الطبري: فقال الحمدلله، لو کان من الرزق المقسوم لشربته.